الفصل3
صفاء كانت ترتدي معطفًا أبيض من الكشمير الناعم وقطعتان من اللؤلؤ الأبيض الأسترالي على أذنيها حيث أعطتها مظهرًا رقيقًا وأنيقًا.

الوشاح على عنقها فقط كان قيمته تتجاوز عشرة آلاف وعندما رآها البائعون هرعوا لاستقبالها، "يا مدام سارة، اليوم لم يرافقكِ السيد أحمد لاختيار المجوهرات؟"

"يا مدام سارة لدينا أحدث الطُرز في المتجر، كُل منها يناسبكِ."

"يا مدام سارة، إن الجوهرة التي طلبتها في المرة السابقة وصلت، جربيها لاحقًا، ستكون مناسبة جدًا لبشرتكِ."

كان البائعون ينادونها بـ "مدام سارة"، وابتسامة صفاء كانت مليئة بالفخر وكأنها تُعلن انتصارها.

كان الجميع يعرف أن أحمد يعتني بها كالجوهرة الثمينة، لكن القليل منهم يعرف أن سارة هي زوجته الشرعية.

قبضت سارة على يديها المتدليتين وتحولت إلى قبضة، لماذا في أسوأ أوقاتها تلتقي بأكثر الأشخاص الذين لا ترغب في رؤيتهم؟

سألت صفاء برقة: "إذا أردتِ بيع هذا الخاتم، فإنكِ ستخسرين الكثير من المال."

مدت سارة يدها لأخذ علبة الخاتم، ووجهها تحول إلى لون رمادي قاتم، "لن أبيعه."

"لن تبيعيه؟ حقًا مؤسف، أنا أحب هذا الخاتم جدًا، وبما أننا تعرّفنا، كنت أنوي شراءه بسعرٍ مرتفع، أليست السيدة سارة في حاجةٍ للمال؟"

تجمدت يد سارة في مكانها، نعم، هي في حاجة للمال، بشدة، وصفاء كانت تستغل ذلك بلا رحمة.

حاول البائعون تشجيعها، "يا آنسة، هذه السيدة هي خطيبة الرئيس التنفيذي أحمد، ومن النادر أن تُعجب مدام أحمد بخاتمكِ، فهي بالتأكيد ستُعطيكِ سعرًا جيدًا ولن تضطري إلى انتظار الإجراءات هنا."

كانت المُنادة "بمدام سارة" ساخرةً للغاية، فقبل عام أخبرها بوضوح أنه من المُستحيل أن يتطلقا وأن تيأس من هذه الفكرة. ولكن. في غضون عامٍ واحد، أصبحت هويتها معروفة في كل شارع وحي، وأصبح زواجها من أحمد يبدو وكأنه إجراء مُدبر

برؤيتها مُتحيره، ابتسمت صفاء بفرح وسألت سارة بلهجةٍ متعالية: "يا سيدة سارة أخبريني كم تريدين."

كان وجه صفاء المتغطرس مثيرًا للاشمئزاز حتى أجابت سارة ببرود: "لن أبيعه."

لكن صفاء لم تتنازل، "يا سيدة سارة، يبدو أنكِ في موقفٍ صعب، أليس كذلك؟ ألازلتِ تحتفظين بماء وجهكِ؟ لو كنتُ مكانكِ لتركتُ الأمر. ألم يُخبركِ أحدٌ بأنه من القُبح التمسك بشيءٍ في موقفكِ هذا؟"

"يا سيدة صفاء إن كلماتكِ سخيفة، هل سرقة أشياء الآخرين يجعلكِ تشعُرين بالوجودية؟ إذا كنتِ تحبين السرقة هكذا، فلماذا لا تسرقين بنكًا؟"

في خضم جدالهما، طار الخاتم من العلبة وسقط على الأرض على بُعد مسار قوسي وأصدر "رنينًا" عند ارتطامه بالأرض.

ركضت سارة بسرعة، والخاتم تدحرج إلى جانب الباب بالقرب من حذاء مصمم بشكلٍ متقن.

انحنت سارة لالتقاطه، وقطرة ماء سقطت على رقبتها، كانت باردة لدرجة أنها شعرت بالبرودة في قلبها.

رفعت عينيها ببطء لتواجه عيونًا قاسية، كان أحمد يحمل مظلة سوداء لم تُطوَ بعد والماء ينزل من جوانب المظلة على رأسها.

معطفه الأسود من الصوف الناعم أضفى على جسده مظهرًا أنيقًا.

نظرت سارة إليه بتجمد، وتذكرت أول لقاء لهما عندما كان في العشرين يرتدي قميصًا أبيضًا في الملعب مغطى بأشعة الشمس، وكأنه كان يقف على قمة قلبها، محفورًا في ذاكرتها عندما كانت في الرابعة عشرة.

كانت ترتدي سترة محبوكة، وملمسها الوبر جعلها تبدو أنحف، وذقنها المدبب بدا أصغر مما كان عليه قبل ثلاثة أشهر.

كان هو رائعًا ومترفًا، بينما هي بدت هزيلة كالغبار.

تجمدت حركة سارة وهي تحاول التقاط الخاتم، وفي تلك اللحظة رفع الرجل قدمه وداس على الخاتم، ثم مر بوجه غير مبالٍ من أمامها.

استمرت سارة في الانحناء، فذلك الخاتم صممه أحمد بناءً على ذوقها، ولم يكن مبهرجًا بل ذو تصميم فريد، وكان الوحيد من نوعه في العالم.

عندما أعطاها إياه، لم تخلعه إلا أثناء غسل وجهها، ولم تخلعه في أي مناسبة أخرى. لولا حاجتها الملحة للمال، لما لجأت إلى هذه الطريقة، فما تعتبره كنزًا كان في عيون الآخرين لا يعدو كونه قمامة.

لم يكن أحمد يدوس على الخاتم فقط، بل على كل ذكرياتها الثمينة.

اقتربت صفاء مبتسمة للشرح لأحمد: "قد أتيت أخيرًا يا أحمد، كنت أختار المجوهرات ووجدت السيدة سارة تبيع خاتمها."

لم يُظهر وجه أحمد أي تعبير، وتوجهت نظراته الباردة إلى وجه سارة الذي كان يتطلع إلى الأرض، وسأل ببرود: "هل تُريدين بيع هذا الخاتم؟"

تجاهد سارة لتمسك دموعها، وتشد على شفتيها حتى لا تبكي : "نعم، هل يرغب السيد أحمد في شرائه؟"

انحنى فم أحمد بابتسامة ساخرة: "أذكر أن السيدة سارة قالت إن هذا الخاتم مهم جدًا لكِ، يبدو أن نيتك لم تكن صادقة، فالشيء الذي لا قلب له بالنسبة ليّ لا يساوي شيئًا."

عندما حاولت سارة الرد، شعرت بألم حارق في معدتها، حيث أن الورم أصبح أكبر، وتحولت الآلام من مجرد ألم خفيف إلى ألم نابض حاد.

نظرت إلى الثنائي المرتديان الأبيض والأسود، اللذان يبدوان كالرجُل النابغ والمرأة الجميلة تحت ضوء المصابيح البيضاء الساطعة، كأنهما ثنائي مثالي، من صنع السماء.

فجأة فقدت قدرتها على الدفاع، فالرجل الذي تغيّرت أهوائُه لن يُغيّر رأيه حتى وإن أعطيتِ له قلبكِ.

تجاهد سارة الألم بينما تلتقط الخاتم، فعادت ببطء إلى الطاولة واستعادت العلبة والإيصال.

لم ترغب في الضعف أمام أحمد، حتى لو كانت تشعر وكأنها ستفقد الوعي من الألم، ظلت تسير بثبات.

عندما مرت بجانب أحمد، ألقت جملة ببرود: "مثلما كان الحال معك، كنت أعتبره حياتي، الآن هو مجرد حجر يمكن تبادله بالمال فقط لا أكثر."

شعر أحمد بأن شيئًا غير صحيح، فوجه سارة المتعرق ووجهها الشاحب كالورق وكأنها تحاول إخفاء الألم بشدة.

أمسك أحمد بذراعها بقوة، وسأل بصوتٍ منخفض: "ماذا بكِ؟"

دفعت سارة يده بعيدًا بقوة، "لا علاقة لك بذلك."

لم تنظر إليه مرة أخرى، بل سعت لتمشي بظهرٍ مستقيم، واختفت عن نظره.

ظل أحمد يراقب ظهرها المتلاشي، لماذا يؤلمه قلبه على شخصٍ اختار التخلي عنه بنفسه؟

وجدت سارة زاوية نائية، وأخرجت بسرعة مسكنات الألم من حقيبتها.

علمت أن جميع العلاجات وأدوية السرطان لها آثار جانبية، لذا اشترت فقط بعض المسكنات والأدوية العادية للمعدة حتى يساعد قليلًا.

نظرت إلى المطر الغزير بالخارج، هل هذا هو الطريق الوحيد المتبقي؟

كانت هي الشخص الذي ترغب في عدم رؤيته و لكن لأجل والدها، لا خيار سوى المحاولة.

عادت سارة إلى منزلها لتعيد ترتيب نفسها، ثم استقلت سيارة إلى "حديقة المشهد".

منذ أكثر من عام، اتصلت بها عندما عادت إلى البلاد، لم ترها منذ أكثر من عشر سنوات، ولا تعرف كيف أصبحت الآن.

شاهدت سارة الفيلّا الفاخرة ويبدو أنها عاشت حياة جيدة خلال السنوات الماضية.

بعد توضيح هدفها، قادها الخدم إلى غرفة الجلوس، حيث جلست سيدة أنيقة وجميلة، كما في ذاكرتها.

"يا سارة." نظرت إليها بعينيها الجميلتين.

لكن سارة لم تستطع بأي شكلٍ من الأشكال مناداتها بـ "أمي".

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP