نظرت سارة إلى الأسفل، وكان عنوان الضريح مكتوبًا بوضوح على الورقة البيضاء.هل أُخته ماتت بالفعل؟ ولكن ما علاقة موت أخته بوالدي؟ كانت سارة تعرف والدها جيدًا، فمن المُستحيل أن يؤذي فتاة صغيرة أبدًا.مع عِلمها أن الاثنين لن يكشفا عن أي شيء آخر، لم تستمر سارة في تصعيب الأمور على الاثنين، وذهبت بهدوء طيلة الطريق إلى منزل أحمد.وبمجرد وصول سارة مرة أخرى إلى مكان مألوف، كان لديها مشاعر مختلطة.استفسر محمود بأدب: ”هل تريدين أن تنزلي يا مدام؟“”لا داعي لذلك، سأنتظره هنا.“لم يكن اللقاء الأخير بينها وبين أحمد سوى الطلاق، ولم تكن تريد أن تتسبب في أي تعقيدات، ناهيك عن أن كل ورقة عشب وكل شجرة هنا تحمل ذكرياتهما، فلم تُرد أن تتأثر بالمشهد أكثر من ذلك.إذا أرادت أن تُلقي باللوم على أحد، فيكن ذلك إذن الرجل الذي حملها ذات مرة في فمه خوفاً عليها من الذوبان، وأمسكها بيده خوفاً عليها من الطيران.حتى وإن وجب عليها كراهيته، إنها لم تكن أبدًا قاسية.لم تطفئ السيارة محركها لتوفر لها تياراً مستمراً من الهواء الدافئ، حيث كانت بمُفردها في السيارة، شعرت سارة بألمٍ في معدتها مرةً أخرى، تكورت على نفسها كشكل
كانت السيارة هادئة جدًا، وكان صوت صفاء مرتفعًا جدًا لأنها كانت في عجلة من أمرها، فسمعت سارة بوضوح كلمة ”فارس“.تذكرت اليوم الذي حصلت فيه على تقرير اختبار الحمل، واندفعت إلى ذراعي أحمد بأمل: ”يا أحمد ، ستصبح أبًا! سنُرزق بطفل! لقد فكرت في اسم الطفل، إذا كانت أنثى فسوف يُطلق عليها اسم جميلة أما الصبي فسوف يُطلق عليه اسم فارس، ما رأيك ؟"كم تمنت لو أنها سمعت خطأً لكن أحمد لم يتجنب نظراتها وأجاب ببساطة: ”اسمه فارس"."أيُها الوغد!"رفعت سارة يدها لتصفعه وهذه المرة لم يتفادى الأمر وتركها تصفعه مباشرة." كيف تجرؤ على أن تسمي طفلها بإسم طفلنا؟ "كان الطفل هو خط الدفاع الأخير لسارة حيث انهرمت دموعها مثل الخرز وانقضت عليه كالمجنونة قائلةً : ”أيها الشيطان، لماذا قَبَض الله حياة الطفل، لماذا تمت أنت؟فقدت سارة عقلها وانهالت على جسد أحمد بالضرب مِرارًا وتكِرارًا، ”إنه لا يستحق هذا الاسم!“أمسك أحمد بيديها وأمر خالد : "اذهب إلى مسكن لؤلؤة البحر".أصبحت سارة أكثر انفعالاً، "لقد اقتربنا من مكتب السجل المدني، إذا كنت تُريد المغادرة، عليك أن تُنهي أجراءات الطلاق أولًا.“" إن فارس يعاني من حمى
ظلت سارة تتجول لنصف يوم في الضريح قبل أن تغادر، لم يكن لديها وقت للحزن والأسى، فاستمرت في التحري عن الصور التي حصلت عليها.فمعظم اتصالات أبي بالنساء كانت مع العاملات بالشركة، وبينما أوشكت البدء مع موظفي الشركة، تلقت مكالمة هاتفية.كانت المكالمة من صامد، ألا وهو الطفل من المنطقة الجبلية التي كان أبي يرعاها، فكان صوته قلقًا بعض الشيء:”يا آنسة سارة، لقد عدت للتو إلى الصين حينها سمعت خبر إصابة السيد رشيد بمرضٍ خطير، هل هو بخير؟”أشكرك على اهتمامك، لا يزال والدي في المستشفى يتلقى العلاج“.”حقًا، لماذا يختبر الله شخصًا صالحًا مثل السيد رشيد هكذا؟ في ذلك الوقت، لولا كفالته وإخراجه لنا من الجبل، لما كان بإمكاننا أن نحظى بالحياة التي نعيشها اليوم؟ومضت فكرة في ذهن سارة، لقد بدأ رشيد في رعاية الأطفال من المناطق الجبلية الفقيرة للذهاب إلى المدرسة منذ سنوات عديدة، إذا كانت زهرة قد اختُطفت وبيعت في أعماق الجبال، أيُعقل أن يكون هذا هو السبب في لقائها بوالدها؟”أخي صامد، هل تعرف الطلاب الذين يرعاهم والدي؟“"لقد كنتُ أتصل بهم من أجل السيد رشيد، معظمهم يعرفون بعضهم البعض، إلا حينما غادرت البلاد
من أجل منع استمرار تدهور حالتها، حددت باسل المرحلة الأولى من العلاج الكيميائي بعد غدٍ.هناك العديد من الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، فأول أسبوعين بعد العلاج الكيميائي ستكون ضعيفة للغاية بالإضافة إلى تساقط الشعر، يجب على سارة تسوية الأمر مسبقًا.ليس لدى رشيد أي علامة على الاستيقاظ في الوقت الحالي، فالأمر الجيد هو أنه لا داعي للقلق بشأن النفقات الطبية، فقد جددت إيداع مبلغًا من المال وعادت إلى المنزل.هذا المنزل في الأصل كان عُش الزوجية لها ولأحمد، كانت تخشى أن بعد العلاج الكيميائي لن يُصبح جسدها قادرًا على التحمُل لذا فكرت أنها ستضطر قريبًا إلى الانتقال من هنا، حيث اتصلت مسبقًا بشركة النقل.كانت صديقتها المقربة ليلي ترتدي فستانًا رسميًا مع حقيبة، وتنتعل حذاءً بكعب عالٍ، وتحمل بيدها حبتين من البطاطا الحلوة المخبوزة.يمكن سماع صوتها العالي من مسافة بعيدة،”يا أختي، لقد تخلصتِ أخيرًا من بؤسك! لقد حصلت أُختكِ للتو على عمولة بيع ممتلكات الشهر الماضي واليوم سأدعوكِ لقضاء وقت ممتع في نادي الحصان الأسود ليلاً، ليس من السهل العثور على ضفدع بثلاثة أرجل، ولكن الرجال ذوي الساقين في كل مكان“.
جاءت المرأتان اللتان فقدتا للتو حبهما معًا، ووجدت ليلي مُصففي شعر وسيمين، وأضاءت عينا مُصفف الشعر إياد عند رؤية لسارة، وأعطاها على الفور توصية بتسريحة الشعر الرائجة الحالية.رفضت سارة مباشرةً،” قَصرّ لي شعري، فكلما كان أقصر كان أفضل.“”يا آنستي، على الرغم من الرائج الآن أن تبدين رائعة، إلا أنني شخصيًا أشعر أن الشعر القصير جدًا سيكون له حدود أيضًا، وإلا فلنتركه بطول الكتف، ليس فقط لأنه يقلل من العمر، ولكنه مناسب أيضًا في جميع أنواع المناسبات.“”لا حاجة لذلك.“”إن شعركِ يا آنستي داكن وطويل، ومن النظرة الأولى يبدو أنه ظل طويلاً لسنوات عديدة، فمن المؤسف أن نقصه كله“. هز إياد مُصفف الشعر رأسه بأسف.نظرت سارة إلى نفسها في المرآة، حتى لو كان وجهها متعبًا في هذه الفترة من قلة الراحة، ولكن مازلت ملامحها مذهلة، كان شعرها الأسود الذي لم يتم الاعتناء به لفترةٍ طويلة مبعثرًا بشكلٍ عشوائي، مما جعلها تبدو ساحرة بعض الشيء.حيث كان أحمد مُعجبًا بشعرها الطويل، فلم تقصه منذ بضع سنوات، وعندما رأت أن مُصفف الشعر لم يرغب في وضع يده عليه، التقطت سارة المقص بجانبها وابتسمت ابتسامة خافتة وقالت: ”إذن سأف
نظر أحمد إلى محمود بعيونٍ باردة، فأوضح محمود على عجل: "يا سيدي، إن مدام سارة مع ليلي الآن."ليلي هي أفضل صديقة لـسارة، ومن الطبيعي أن يكونا معًا. من أجل معرفة كل تحركات سارة، طلب أحمد من محمود إضافة حساب فيسبوك الخاص بها.أخرج محمود هاتفه أثناء الشرح، وفتح أولاً منشورات الفيسبوك الخاصة بليلي. كان شعر ليلي الرومانسي المجعد ذو أزهار الكرز مُلفتًا للنظر للغاية، وما زال أحمد يرى سارة بجانبها في لمحة.إنه فرق كبير عن أسلوبها المعتاد. حيث أصبح شعرها الذي يصل إلى الخصر يصل إلى أُذنها فقط. إلى جانب ذلك الوجه الصغير الرقيق، أصبح مزاجها الذي كان مشرقًا مثل الشمس الصغيرة عندما تبتسم كئيبًا أيضًا .خفضت عينيها وارتدت قميصًا فضفاضًا محايدًا، يكشف عن عظام الترقوة الصغيرة والحساسة، وكان جسدها كله ينضح بنوعٍ من الجمال الزاهد.الكلمة المطابقة لها أنها وُلدت من جديدة.لم يدرك أحمد أن يده التي كانت تمسك بالهاتف كانت ترتعش قليلاً، لقد كان يضايقها لمدة عامًا كامل، والآن اختارت أن تتركه أكانت تختنق ألمًا هكذا؟لا، حيث كانت أُخته راقدة تحت الأرض، لماذا هي تُولد من جديد؟ليس الأمر وكأنني أشعر بالسوء،
لا يمكن القول بإن ليلي غير قادرة على شُرب الخمر، ولكن يُمكن فقط القول بأنها لا تستطيع السيطرة على نفسها.فإذا لم توقفها سارة، لكانت قد دخلت في علاقة حميمة مع شخصٍ ما في الغرفة الخاصة. على أي حال، لم ترها سارة أبدًا وهي تعانق رجلاً وتقول أنها عازبةنظرًا لأنها كانت في حالة سكر شديد، لم يكن أمام سارة خيار سوى إعادتها إلى شقته المُستأجرة حديثًا.منذ بعض الوقت، اكتشفت العمة الممرضة أنها كانت تبحث عن شقة، لذلك قدمت لها شقة قريبها واعتقدت سارة أنها تستطيع توفير رسوم الوكالة، ولأن الممرضة أعطتها ضمانًا وافقت.لن يعود الطرف الآخر إلى الإمارات لبعض الوقت، ولم يوقع الاثنان عقدًا بعد، فتحدث سارة معه على فيسبوك، ولم تبدأ في التنظيف والانتقال إلى هنا إلا بعد موافقته.فبدون أي عقود رسمية لن يتمكن أحمد من العثور عليها لفترة من الوقت.فعلى الرغم من أن الشقة الصغيرة لم تكن جيدة مثل غرفة عائلتها قبل الإفلاس، ولا جيدة مثل عُش زوجيتها، إلا أنها بدت مريحة للغاية، فإنها تُحب المكان هنا خاصةً الأسماك الاستوائية التي تم تربيتها خصيصًا والتي كان والدها يحبها.تمكنت من رؤية البحر بمجرد أن فتحت النافذة، ا
نظرت سارة بامتنان إلى باسل، الذي أومأ برأسه ليشير إليها، ثم استدار ليقوم بإجراءات التسجيل لها.شرحت الممرضة بصبر: "يا آنسة سارة، في الفترة القادمة ستحتاجين إلى تلقي العلاج لفترةٍ طويلة. والأدوية الكيميائية هي أدوية يتم حقنها وريديًا، وفي كل مرة يتم فيها نقل السوائل، يجب وضع إبرة في الأوعية الدموية، مما يتسبب في تعرض الأوعية للضرر نتيجةً للأدوية الكيميائية، وفي الحالات الخطيرة قد يحدث تسرب للدواء، لأن العديد من الأدوية الكيميائية تكون لها خصائص مدمرة. و من أجل تفادي هذه المشاكل، نوصي بأن تُركبي قسطرة في ذراعك.""لضمان وصول الدواء بسلاسة إلى الأوردة وجميع الأعضاء، سيتم تركيب قسطرة في الوريد مسبقًا. ميزة هذا الإجراء هي أنه يستمر لفترةِ أطول، ولن تحتاجي في المرات القادمة للبحث عن عرق جديد أو القلق من سقوط الإبرة، مما يجعل العلاج أسهل وأمن، ولكن عيبه هو أنه لا يمكنك حمل الأوزان الثقيلة بيدكِ هذه مستقبلاً."وافقت سارة على نصيحة الممرضة، وأجرت عملية صغيرة قبل العلاج الكيميائي لتركيب منفذ للسوائل في ذراعها.كانت جسدها مقاومًا للمخدرات، مما جعلها ترفض التخدير، وعندما قطع الجراح اللحم الرق