نظر أحمد إلى محمود بعيونٍ باردة، فأوضح محمود على عجل: "يا سيدي، إن مدام سارة مع ليلي الآن."ليلي هي أفضل صديقة لـسارة، ومن الطبيعي أن يكونا معًا. من أجل معرفة كل تحركات سارة، طلب أحمد من محمود إضافة حساب فيسبوك الخاص بها.أخرج محمود هاتفه أثناء الشرح، وفتح أولاً منشورات الفيسبوك الخاصة بليلي. كان شعر ليلي الرومانسي المجعد ذو أزهار الكرز مُلفتًا للنظر للغاية، وما زال أحمد يرى سارة بجانبها في لمحة.إنه فرق كبير عن أسلوبها المعتاد. حيث أصبح شعرها الذي يصل إلى الخصر يصل إلى أُذنها فقط. إلى جانب ذلك الوجه الصغير الرقيق، أصبح مزاجها الذي كان مشرقًا مثل الشمس الصغيرة عندما تبتسم كئيبًا أيضًا .خفضت عينيها وارتدت قميصًا فضفاضًا محايدًا، يكشف عن عظام الترقوة الصغيرة والحساسة، وكان جسدها كله ينضح بنوعٍ من الجمال الزاهد.الكلمة المطابقة لها أنها وُلدت من جديدة.لم يدرك أحمد أن يده التي كانت تمسك بالهاتف كانت ترتعش قليلاً، لقد كان يضايقها لمدة عامًا كامل، والآن اختارت أن تتركه أكانت تختنق ألمًا هكذا؟لا، حيث كانت أُخته راقدة تحت الأرض، لماذا هي تُولد من جديد؟ليس الأمر وكأنني أشعر بالسوء،
لا يمكن القول بإن ليلي غير قادرة على شُرب الخمر، ولكن يُمكن فقط القول بأنها لا تستطيع السيطرة على نفسها.فإذا لم توقفها سارة، لكانت قد دخلت في علاقة حميمة مع شخصٍ ما في الغرفة الخاصة. على أي حال، لم ترها سارة أبدًا وهي تعانق رجلاً وتقول أنها عازبةنظرًا لأنها كانت في حالة سكر شديد، لم يكن أمام سارة خيار سوى إعادتها إلى شقته المُستأجرة حديثًا.منذ بعض الوقت، اكتشفت العمة الممرضة أنها كانت تبحث عن شقة، لذلك قدمت لها شقة قريبها واعتقدت سارة أنها تستطيع توفير رسوم الوكالة، ولأن الممرضة أعطتها ضمانًا وافقت.لن يعود الطرف الآخر إلى الإمارات لبعض الوقت، ولم يوقع الاثنان عقدًا بعد، فتحدث سارة معه على فيسبوك، ولم تبدأ في التنظيف والانتقال إلى هنا إلا بعد موافقته.فبدون أي عقود رسمية لن يتمكن أحمد من العثور عليها لفترة من الوقت.فعلى الرغم من أن الشقة الصغيرة لم تكن جيدة مثل غرفة عائلتها قبل الإفلاس، ولا جيدة مثل عُش زوجيتها، إلا أنها بدت مريحة للغاية، فإنها تُحب المكان هنا خاصةً الأسماك الاستوائية التي تم تربيتها خصيصًا والتي كان والدها يحبها.تمكنت من رؤية البحر بمجرد أن فتحت النافذة، ا
نظرت سارة بامتنان إلى باسل، الذي أومأ برأسه ليشير إليها، ثم استدار ليقوم بإجراءات التسجيل لها.شرحت الممرضة بصبر: "يا آنسة سارة، في الفترة القادمة ستحتاجين إلى تلقي العلاج لفترةٍ طويلة. والأدوية الكيميائية هي أدوية يتم حقنها وريديًا، وفي كل مرة يتم فيها نقل السوائل، يجب وضع إبرة في الأوعية الدموية، مما يتسبب في تعرض الأوعية للضرر نتيجةً للأدوية الكيميائية، وفي الحالات الخطيرة قد يحدث تسرب للدواء، لأن العديد من الأدوية الكيميائية تكون لها خصائص مدمرة. و من أجل تفادي هذه المشاكل، نوصي بأن تُركبي قسطرة في ذراعك.""لضمان وصول الدواء بسلاسة إلى الأوردة وجميع الأعضاء، سيتم تركيب قسطرة في الوريد مسبقًا. ميزة هذا الإجراء هي أنه يستمر لفترةِ أطول، ولن تحتاجي في المرات القادمة للبحث عن عرق جديد أو القلق من سقوط الإبرة، مما يجعل العلاج أسهل وأمن، ولكن عيبه هو أنه لا يمكنك حمل الأوزان الثقيلة بيدكِ هذه مستقبلاً."وافقت سارة على نصيحة الممرضة، وأجرت عملية صغيرة قبل العلاج الكيميائي لتركيب منفذ للسوائل في ذراعها.كانت جسدها مقاومًا للمخدرات، مما جعلها ترفض التخدير، وعندما قطع الجراح اللحم الرق
خصصت سارة وقتًا لوضع مكياجها لتُظهر إشراقة وجههالفّت سارة نفسها مثل حبة الأرز.ضعف جسمها كثيرًا بعد تلقيها للعلاج الكيماوي، وأصبح هشًّا وكأنه دمية قطنية، وأصبحت مناعتها أضعف بكثير مما كانت عليه.لذا كان عليها إجراء فحص دوري كل يومين، لمتابعة نسبة خلايا الدم الحمراء والبيضاء في جسمها، وإذا قلّت تلك القيمة عن نسبة معينة، فلابد من التدخل الدوائي.حيث أنه إذا قلت نسبت المناعة عن نسبة معينة، فإن الحمي قد تعرض حياتها للخطر، لذا لم تتهاون سارة بالأمر واختارت درجة الحرارة بدلًا من الأناقة. لمست سارة شعرها من الخلف والذي أصبح هشًّا جدًا مقارنة ببقية شعرها، وارتدت بحذر شديد قبعة صوفية سوداء.قابلها باسل أثناء خروجها من الباب مباشرة، ثم قال لها ” سارة، جسمك غير مناسب للخروج الآن، لقد أجريت لك فحصًا للدم بالأمس، وكانت النتيجة أن هناك تدهور بشكل حاد، وبصفتي طبيبك المعالج، فأنا مسؤول عن سلامتك “نظرت سارة إليه بعيون تملؤها الدموع، وقالت له " باسل، لا أحد يريد أن يظهر بمظهر سيئ عند مقابلة شريك حياته السابق، أنا فقط أريد أن أخرج من حياته بشكل لطيف، قبل أن تزداد حالتي سوءًا. “وعندما فكر باسل
رفعت سارة رأسها ونظرت إليها وعلى فمها ابتسامة ساخرة وقالت: " سؤال جيد منك يا سيّد أحمد، ولكن ألست أنت من اقترح فكرة الطلاق؟ "وبدلًا من أن يرد على سؤالها، اقترب منها وجسمه قد امتلأ بالثلج وقال لها :” هل كنتِ معه خلال تلك الأيام الماضية ؟ “من هذه المسافة القريبة، رأت سارة بوضوح البرودة في عينيه تحت رموشه الكثيفة السوداء، والعيون البيضاء التي امتلأت بالشعيرات الدموية الحمراء، ووجهه الذي اجتظ بالغضب.فأنكرت سارة إنكارًا تامًا وقالت:” لا، لقد كان من الصعب علي قيادة سيارتي في هذا الطقس القاسي، فأخذني معه صدفة في طريقه إلى هنا “.ابتسم أحمد ابتسامة صغيرة وقال لها:” عندما تكذبين يا سارة فأنك تنظرين للأعلى، هذه عادة قديمة لك، ولم تغيريها حتى الآن. بعد أن ظللت مصرة لعام كامل على التمسك، وأيضًا تركتِ والدك مريضًا في الفراش، كل هذا من أجل ذلك الرجل ؟ “لم تفكر سارة بتفسير الأمر، فشخص ذكي كأحمد سوف يشعر أن أي محاولة للتبرير إنما هي محاولة للاستهتار به وبذكائه، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع سوءًا. لذلك، غيّرت سارة الموضوع فورًا وقالت:” كل هذا ليس مهمًا، المهم أنني مصرة على طلاقنا. “قبل أن
لم تسقط سارة على الأرض كليًّا، بل أمسكها شخص ما. لم يكن أحمد هو من أمسكها، بل كان خالد، ثم رفعت سارة رأسها ونظرت إلى أحمد وهو يقف بعيدًا، ويشاهدها بفتور وبدون أي اهتمام وهي تسقط، ولم تكن في عيونه أي نظرات توتر أو قلق عليها، بل كان غير مبالٍ بالكلّية.وبالطبع، في نظره، كيف يمكن لشخص أن يفقد توازنه دون أي سبب، وكان يرى أنها تمثل عليه.الآن ليس قلبه مليء بالكراهية لها، فكيف سيكون هناك أي اهتمام بها؟ولكن خالد سألها وهو في غاية القلق عليها قائلًا:” سيدتي ،هل أنتِ بخير؟ “" أنا بخير، إنه مجرد انخفاض في مستوى السكر." قالت سارة له ذلك وهي تبتسم ابتسامة ساخرة، ثم تابعت الخطى خلف أحمد.بعد ليلة طويلة من تساقط الثلوج، أصبح فناء المنزل كله مغطى بالثلج، ولم يظهر أي أحد من الخدم ليزيل الثلج عن الطريق، فتسببت تلك الخطوات القليلة التي مشتها سارة في الثلج في إرهاق كبير لها.وبعد مواجهة عنيفة وصعبة مع الثلوج والرياح، وصلت أخيرًا إلى الغرفة لتدفئ نفسها، ووقف أحمد على الباب وقال لها بسخرية:” لابد وأن أعترف أن مهاراتك التمثيلية قد تحسنت كثيرًا مقارنة عما كانت عليه في الماضي “.في الماضي، استخدمت
كان كاحل سارة النحيف في يده كجناحي فراشة هشين، وكان بإمكانه سحقه بسهولة.انحنى أحمد إليها بجسده، واقترب منها ببطء.وجهها المذعور كان ينعكس في عينيه السوداء، ورفضها له أشعل آخر شرارة في قلبه.كان قلبها يدق بسرعة، وصاحت بقلق وغضب: "لا تلمسني بيدك التي لمست بها الآخرين، ابتعد عني!"ولكن أحمد أغلق شفتيها، ومنعها من الكلام.فهزت سارة رأسها بجنون وهي تنظر إليه محاولةَ الهروب من قبضته.مد أحمد يده عبر رقبتها، وأمسك برأسها بقوة، مجبراً إياها على رفع رأسها وقبول تلك القبلة التي كانت وكأنها قبلة عقاب.تدفق الهواء البارد والخشن إلى فم سارة، وعندما فكرت في أن شفتيه ربما قبّلت أيضًا صفاء، شعرت بالغثيان.لم تعرف من أين أتت لها القوة، لكنَّها دفعته بعيدًا وسقطت على حافة السرير لتتقيأ.بعدما انتهت من القيء والتفتت، رأت أن وجه أحمد الوسيم أصبح أسودًا كالرماد، مظلمًا كسواد الليل.عينيه كانتا تركزان بشدة عليها، فقالت له سارة : "قلت لك من قبل، لا تلمسني، أنا أعتبرك ملوثًا!"كان قلب أحمد مشتعلاً ككتلة نارية.عندما تقيأت، تم إطفاء الأجواء المتوترة تمامًا، فأتته مكالمة هاتفية، فخلع ساعته وخرج.
راهنت سارة مع نفسها. إذا كان أحمد لا يزال يحبها، فإن موتها سيكون أكبر وسيلة انتقام له. حتى وإن ماتت حقًا، فإنها ستجعل حياته مضطربة إلى الأبد! بالطبع، إذا لم يكن يحبها، فإن إخبارها بحالتها الصحية لن يكون سوى إهانة لنفسها، وسيجعل صفاء تضحك عليها وتسخر منها.عندما خرجت، كانت هالة قد أعدت مائدة طعام كبيرة، مليئة بالأطباق التي كانت تحبها. دعت سارة هالة لتناول الطعام معها، فمسحت هالة يديها على المئزر وجلست بجانبها لتقدم لها الحساء، قائلة: "هذا حساء الدجاج الأسود واللوتس، هو أمر من السيد شخصيًا ليطبخ، كما كنت أقول لك إن السيد مازال يحبك."كانت المائدة مليئة بالأطعمة الدهنية والحارة، ورائحة الفلفل الحار والفلفل تنتشر في الهواء. كانت سارة تحب هذا الطعام، بينما كان أحمد يفضل نوعًا آخر. في السابق، كان دائماً هناك أطباق مختلفة تمامًا على المائدة. لكن الآن، معدتها مريضة ولم تعد تستطيع تناول مثل هذه الأطعمة الحارة.قالت هالة: "مدام، لماذا لا تأكلين؟ هل طبخي سئ؟، وعندما كان السيد في المنزل، كان دائمًا يطلب مني إعداد بعض الأطباق الحارة." نظرت سارة إليها بدهشة، كيف يتحمل كل هذا الطعام