لم تسقط سارة على الأرض كليًّا، بل أمسكها شخص ما. لم يكن أحمد هو من أمسكها، بل كان خالد، ثم رفعت سارة رأسها ونظرت إلى أحمد وهو يقف بعيدًا، ويشاهدها بفتور وبدون أي اهتمام وهي تسقط، ولم تكن في عيونه أي نظرات توتر أو قلق عليها، بل كان غير مبالٍ بالكلّية.وبالطبع، في نظره، كيف يمكن لشخص أن يفقد توازنه دون أي سبب، وكان يرى أنها تمثل عليه.الآن ليس قلبه مليء بالكراهية لها، فكيف سيكون هناك أي اهتمام بها؟ولكن خالد سألها وهو في غاية القلق عليها قائلًا:” سيدتي ،هل أنتِ بخير؟ “" أنا بخير، إنه مجرد انخفاض في مستوى السكر." قالت سارة له ذلك وهي تبتسم ابتسامة ساخرة، ثم تابعت الخطى خلف أحمد.بعد ليلة طويلة من تساقط الثلوج، أصبح فناء المنزل كله مغطى بالثلج، ولم يظهر أي أحد من الخدم ليزيل الثلج عن الطريق، فتسببت تلك الخطوات القليلة التي مشتها سارة في الثلج في إرهاق كبير لها.وبعد مواجهة عنيفة وصعبة مع الثلوج والرياح، وصلت أخيرًا إلى الغرفة لتدفئ نفسها، ووقف أحمد على الباب وقال لها بسخرية:” لابد وأن أعترف أن مهاراتك التمثيلية قد تحسنت كثيرًا مقارنة عما كانت عليه في الماضي “.في الماضي، استخدمت
كان كاحل سارة النحيف في يده كجناحي فراشة هشين، وكان بإمكانه سحقه بسهولة.انحنى أحمد إليها بجسده، واقترب منها ببطء.وجهها المذعور كان ينعكس في عينيه السوداء، ورفضها له أشعل آخر شرارة في قلبه.كان قلبها يدق بسرعة، وصاحت بقلق وغضب: "لا تلمسني بيدك التي لمست بها الآخرين، ابتعد عني!"ولكن أحمد أغلق شفتيها، ومنعها من الكلام.فهزت سارة رأسها بجنون وهي تنظر إليه محاولةَ الهروب من قبضته.مد أحمد يده عبر رقبتها، وأمسك برأسها بقوة، مجبراً إياها على رفع رأسها وقبول تلك القبلة التي كانت وكأنها قبلة عقاب.تدفق الهواء البارد والخشن إلى فم سارة، وعندما فكرت في أن شفتيه ربما قبّلت أيضًا صفاء، شعرت بالغثيان.لم تعرف من أين أتت لها القوة، لكنَّها دفعته بعيدًا وسقطت على حافة السرير لتتقيأ.بعدما انتهت من القيء والتفتت، رأت أن وجه أحمد الوسيم أصبح أسودًا كالرماد، مظلمًا كسواد الليل.عينيه كانتا تركزان بشدة عليها، فقالت له سارة : "قلت لك من قبل، لا تلمسني، أنا أعتبرك ملوثًا!"كان قلب أحمد مشتعلاً ككتلة نارية.عندما تقيأت، تم إطفاء الأجواء المتوترة تمامًا، فأتته مكالمة هاتفية، فخلع ساعته وخرج.
راهنت سارة مع نفسها. إذا كان أحمد لا يزال يحبها، فإن موتها سيكون أكبر وسيلة انتقام له. حتى وإن ماتت حقًا، فإنها ستجعل حياته مضطربة إلى الأبد! بالطبع، إذا لم يكن يحبها، فإن إخبارها بحالتها الصحية لن يكون سوى إهانة لنفسها، وسيجعل صفاء تضحك عليها وتسخر منها.عندما خرجت، كانت هالة قد أعدت مائدة طعام كبيرة، مليئة بالأطباق التي كانت تحبها. دعت سارة هالة لتناول الطعام معها، فمسحت هالة يديها على المئزر وجلست بجانبها لتقدم لها الحساء، قائلة: "هذا حساء الدجاج الأسود واللوتس، هو أمر من السيد شخصيًا ليطبخ، كما كنت أقول لك إن السيد مازال يحبك."كانت المائدة مليئة بالأطعمة الدهنية والحارة، ورائحة الفلفل الحار والفلفل تنتشر في الهواء. كانت سارة تحب هذا الطعام، بينما كان أحمد يفضل نوعًا آخر. في السابق، كان دائماً هناك أطباق مختلفة تمامًا على المائدة. لكن الآن، معدتها مريضة ولم تعد تستطيع تناول مثل هذه الأطعمة الحارة.قالت هالة: "مدام، لماذا لا تأكلين؟ هل طبخي سئ؟، وعندما كان السيد في المنزل، كان دائمًا يطلب مني إعداد بعض الأطباق الحارة." نظرت سارة إليها بدهشة، كيف يتحمل كل هذا الطعام
النداء الذي لم تسمعه منذ مدة طويلة تردد في المكان، وسارة بدت وكأنها أصيبت بالشلل، وظلت جامدة مكانها دون أي رد فعل.لم يكن واضحًا كم من الكحول قد شرب، لكنه كان مخمورًا بشكل كافٍ ليبدو وكأن أي خلاف بينهما لم يحدث من قبل. وبتلقائية، احتضن سارة بين ذراعيه.عندما كانت بين أحضانه، شعرت بدفئ حضنه الذي كان مألوفًا لديها، وهذا تسبب بها بصدمة كبيرة. حاولت أن تبقى هادئة ومدت يدها لدفعه بعيدًا، لكنه أمسك بأصابعها وقربها من شفتيه ليقبلها.شفاهه الدافئة مسحت برفق على ظهر يدها، وتمتم قائلاً: "زوجتي، أين كنتِ؟ لقد بحثت عنك طويلاً."لم تستطع سارة منع دموعها من الانهمار، وكأن دموع حياتها كلها قد جفت خلال هذا العام. قاومت حزنها وقالت:” ألم تكن أنت من تركتني؟ “رد عليها قائلاً:” هذا هراء. “واحتضنها بشدة أكبر، وقبلها مرة أخري برائحة الكحول على أذنها،” أنتِ أكثر شخص أحببته في حياتي، كيف يمكنني أن أكون قاسيًا هكذا وأتركك؟ “اندفعت سارة بعيدًا وقالت له:” أحمد، انظر جيدًا، من أنا؟ “كانت الغرفة مظلمة، ولم تكن الستائر مغلقة، فسقط الضوء الخافت القادم من مصابيح الحديقة على وجهها، ورأى أحمد الدموع اللامعة ت
ما الذي غيّرك هكذا ؟كم كنت أتمنى أن نعود إلى ما قبل عامين، إلى تلك الأيام الخالية من الهموم.” أنا هنا، أنا هنا “كان يرد عليها بلا كلل ولا ملل.كانت سارة تعرف أن لطفه في تلك اللحظة ليس سوى وميض عابر، وكان ينبغي لها ألا تقترب منه، لكنها لم تستطع مقاومة الرغبة في التمسك بأي قدر من الدفء.أحمد، لو كنت كما كنت سابقًا، هل كان هذا سيعجبك؟……استفاق أحمد قبل بزوغ الفجر، ووجد نفسه يشعر بوجود شخص آخر بين ذراعيه قبل أن يفتح عينيه. تذكر تلك الزجاجات الفارغة من الكحول التي شربها ليلة أمس، وكان يعرف جيدًا أنه يتمتع بقدرة تحمّل جيدة، ومع كونه منضبطًا، لم يكن من الممكن أن يعاني من فقدان الذاكرة بعد شرب الكحول.كان الألم في رأسه شديدًا، ولم يستطع تذكر ما حدث ليلة أمس، مما جعله يشعر بالقلق، بل وحتى الخوف من فتح عينيه. وعندما تهيأ نفسيًا، فتح عينيه ببطء، وعندما رأى أن تلك الشخص كانت سارة، تنفس الصعداء بارتياح.ولكن، تذكر وضعهما الحالي، وهم بأن يدفعها بعيدًا. وعندما كان يستعد لسحب ذراعه، نظر إلى وجهها، فتجمدت حركته.كم من الوقت مضى منذ أن نظر إليها بهدوء هكذا؟ وعندما تذكر لقاءاتهما الأخيرة، كا
انفتح باب الحمام بعنف، مما أفزغ سارة التي كانت قد انتهت للتو من تمشيط شعرها، ونظرت إلى أحمد بارتباكٍ قائلةً: "أيها ال..."لم تتم حديثها، فقد خرج أمامها أحمد عاري الصدر، مفتول العضلات دون سابق إنذار.وعلى الرغم من أنهما حملت طفله بداخلها، إلا أن هيئته العارية تلك التي لم ترها منذ قرابة العام جعلتها ترتبك، فأشاحت بنظرها عنه على الفور.خيم ظلّ أحمد على وجهها، وأخذت أنفاسه المميزة المحملة بالدفء ترتطم بوجهها، فضمّت سارة جسدها لا شعوريًا، ونظرت له بتوجسٍ قائلةً: "ماذا تريد؟"انحنى أحمد ببطءٍ واستقرت نظرات عيناه السوداوان الثاقبتان على وجهها الشاحب، وسألها: "قلت في السابق أنكِ مريضة، فما الذي تعانين منه؟"تلاقت نظرات سارة مع عينيه المليئتان بالحيرة، وغمرتها مشاعر مختلطة.لم تكن بتلك العيون سخريةً أو ازدراء أو برود، وإنما كان يسأل عن مرضها بصدق.في تلك اللحظة، تضاربت مشاعر سارة، وتسائلت في نفسها فجأةً عما إن كان أحمد سيشعر بالندم حيال ما فعله في الماضي إذا أخبرته الآن بمرضها.حين لاحظ ترددها، دنا أحمد منها أكثر فأكثر، حتى كادت المسافة بينهما تتلاشى، وبدت عيناه قادرة على كشف كل ما تخفي
لم تعد سارة تفهم هذا الرجل على الإطلاق، فتقلب مزاجه أسرع من تقلب أمواج البحر.هو من طلب الطلاق منها في السابق، والآن بمجرد ذكرها للطلاق امتعض وجهه، أيمكن أن تكون وفاة أخته قد تسببت له باضطراباتٍ أو أزماتٍ نفسية؟حين أنهى أحمد غسيل وجهه وخرج، كانت سارة لا تزال مستلقية على السرير منصرفةً عنه.ولم يبقَ بينهما وداعٌ دافئ كما كان الأمر في السابق، بل كل ما تبقى هو الصوت الموحش للباب وهو ينغلق.كانت سارة تدرك ضعف جسدها في الأيام الأخيرة، لذلك لم تبدِ أي مقاومة.الشيء الوحيد الذي بقي على حاله طوال تلك الزيجة هو هالة التي كانت تضع مئزرها يوميًا، وتعد لسارة الطعام بشغف."سيدتي، لقد أعددت لكِ حساء الخضراوات اليوم ليقوي بدنكِ، عليكِ أن تشربي منه الكثير"ابتسمت سارة برقةٍ وقالت: "يا هالة، أيمكنكِ إعداد حساء المأكولات البحرية من أجلي؟""بالطبع!"نظرت هالة إلى الجو بالخارج، وقالت: "لقد غطت الثلوج الحديقة بالكامل، ألا ترغبين بالخروج للعب بالثلج؟ أذكر أنك لطالما أحببت اللعب بالثلج مع زوجكِ في السابق، أليست العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد لعبٍ ولهو؟""لن أخرج، سأغفو قليلًا"أغلقت هالة الباب خل
كانت سارة مستغرقة في التفكير، ففاجئها صوت أحمد، وجعلها تسقط على الأرض، وتناثرت الأوراق من حولها.يعود أحمد متأخرًا في العادة، فلما عاد مبكرًا اليوم؟وعلى الرغم من كونهما ما زالا متزوجين، إلا أن ما فعلته سارة كان أمرًا مشينًا، خاصةً وهي تعرف أن أحمد يكره حياكة الأمور من وراء ظهره.ابتلعت سارة ريقها، وقالت بوجهٍ شاحب: "لقد... لقد عدت"لم تكن تعرف من أي مناسبةٍ جاء أحمد، فقد كان يرتدي بدلةً رسميةً سوداء بقميصٍ أبيض، وكانت البدلة تظهر قوامه الممشوق، وسرت القشعريرة في جسدها ما إن نظر لها أحمد بعينيه الباردتاين.تقدم منها ببطء، بينما كانت أصابعه تخلع سترة البدلة بهدوء. ولد أحمد بملعقةٍ من الذهب في فمه، فكانت كل إيماءةً منه مفعمةً بالفخامة.وعلى الرغم من أن كل ما قام به هو خلع ملابسه، إلا أن الرعب قد دبَّ أوصال سارة التي أرادت الهرب، لكنها شعرت وكأن قدماها مشلولتان.قبل علاقتها بأحمد، كان يعرف عنه أنه وحش عديم الرحمة.الآن فقط أدركت مدى رعب أحمد من منظور الآخرين، فهالته المخيفة تلك تغطي على كل ما حوله. استندت سارة على يديها وهي جالسة على الأرض، وتراجعت خطوةً للوراء مع كل خطوةٍ يقتربها