الفصل 4
أمضى برهان شهرًا كاملًا في البحث عن سارة.

وعندما بدأ يعتقد أنه قد أخطأ في حكمه عليها، وأن سارة ليست بالسوء الذي أظهرته تحرّياته عنها، اكتشف أنها صارت تعمل نادلةً على مقصورته الخاصة.

يبدو أنه أخطأ في تقديرها حقًا.

"سيد برهان... ما الذي يحدث هنا؟" نظر مدير المطعم إلى السيد برهان وقال بخوف.

"منذ متى وهي تعمل هنا؟" سأل برهان المدير وهو يرميه بنظراته الحادّة.

"ششش... شهرٌ واحدٌ يا سيدي." أجاب المدير بتلعثم.

شهر واحد!

هذا هو الوقت الذي كانت تهرب فيه منّا.

لكنها في الحقيقة لم تكن تهرب، بل كانت تخطط للُعبة أكبر.

يا لها من فتاة لئيمة!

نظرت سارة إلى برهان نظرةً غاضبة ممتزجة بالشعور بالظلم.

يا له من عالم صغير؟

"أنا لا أفهم ما تقوله، اترك يدي! وإلا سأتصل بالشرطة." حاولت بكل قوتها الإفلات من قبضة برهان المُحكمة، لكنها لم تستطع أن تتحرك قيد أُنملة.

تكاثفت قطرات العرق على جبين سارة من شدّة الألم.

وبينما ترتعد فرائصه خوفًا، صرخ المدير موبخًا سارة: "روان، لقد تجاوزت حدودك!"

ضحك برهان ضحكة باردةً قائلا: "روان!، هل زوّرت هويّتكِ بعد خروجكِ من السجن وغيّرتِ اسمكِ إلى روان!"

في هذه اللحظة، وصلت مشرفة المقصورة والنادلة التي طلبت من سارة أن تنوب عنها، لكنهما كانتا مرعوبتين لدرجة أنهما لم تنبسا ببنت شفة.

شعرت سارة باليأس التام.

كان يتبقى يومان فقط لتتقاضى راتبها!

ولكن كل شيء قد ضاع.

"لماذا لا تتوقف عن مطاردتي؟ لماذا؟" غمرت سارة مشاعر الحزن والغضب، حتى احمرّت عيناها. ثم رفعت يدها وعضّت ذراع برهان بقوة، فصرخ من شدّة الألم وتركها على الفور.

هربت سارة بعيدًا.

لم تكن تمتلك القوة لمواجهة أي أحدٍ منهم، لذلك كان الهروب هو خيارها الوحيد.

وبعد أن استوعب برهان الموقف، كانت سارة قد غادرت المطعم بالفعل، واستقلت حافلة النقل العام، ثم نزلت بعد عدة محطات.

وبينما كانت تسير في الشارع، انفجرت بالبكاء.

زُج بها في السجن بدلًا من لينا؛ وسُلبت أغلى ما تملك على يد رجل قد مات؛ وبعد أن خرجت من السجن بصعوبة بالغة، اكتشفت انها لن تتمكن من رؤية والدتها مرة أخرى.

ألم يكتفِ الحظ السيء من ملازمتها بعد!

ومن يكون برهان هذا، ولماذا يطاردها بلا هوادة!

لماذا؟

هل يستغل ضعفها؛ لأنها خرجت من السجن فوجدت نفسها وحيدة بلا ظهر ولاسند!

بكت سارة حتى شعرت بالغثيان، فجلست على جانب الطريق تتقيأ بلا توقف. ولأنها لم تأكل شيئًا منذ الصباح؛ كانت تتقيأ سائلًا حامضًا أخضر اللون.

مرت بجانبها سيدة وربتت على ظهرها قائلة: "يا ابنتي، هل تعانين من أعراض الحمل؟"

الحمل؟

دبّ الرعب في قلب سارة.

فقد كانت تشعر بالغثيان بشكل متكرر مؤخرًا، لكنها لم تفكر أبدًا في أنها قد تكون حاملًا. وعندما ذكرت تلك المرأة العجوز الأمر أمامها، تذكرت تلك الليلة التي مضى عليها أكثر من شهر.

ذهبت إلى المشفى والقلق يعتريها، وكانت تحمل في يدها بضع عملات معدنية بالكاد تكفي.

أعطاها الطبيب شريط اختبار الحمل وطلب منها إجراء فحص البول.

وبعد عشر دقائق، أكد الطبيب النتيجة قائلًا: "أنتِ حامل."

تراجعت سارة إلى الوراء مصدومةً تقول: "لا، لا يمكن أن أكون حاملًا."

قال الطبيب بأعصاب باردة: "يمكنكِ إجهاضُه"، ثم رفع رأسه ونظر للخارج قائلا: "المريض التالي."

خرجت سارة وجلست وحدها على أحد مقاعد المشفى وكلّها شعور بالعجز والضياع.

"لا تبكي... لا تبكي، امسحي دموعكِ." جاء صوت طفولي خافت من أمام سارة، ففتحت عينيها لترى طفلة صغيرة ترتدي حفاضة تقف أمامها.

مدّت الطفلة يدها الصغيرة الممتلئة تحاول مسح دموع سارة، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى وجهها، فراحت تربت على ساقيها وتواسيها.

وفي تلك اللحظة العاطفية، ذاب قلب سارة أمام تلك الطفلة الصغيرة.

قالت الأم الشابّة التي كانت تقف مبتسمة أمام سارة: "آسفة، طفلتي عاطفية وحساسة."

أجابتها سارة بابتسامة مهذبة: "بل طفلتكِ لطيفةٌ جدًا."

وبينما كانت تراقب الأم وطفلتها تبتعدان بعينان تملأهما الغبطة، راحت سارة تتحسس بطنها بحنوٍ ولُطف؛ فلم يعد لديها أي قريب في هذا العالم، وطفلها الذي في أحشائها صار هو كل عائلتها.

غمرها في تلك اللحظة شعور بالبهجة والترقب كونها ستصير أمّاً لأول مرة.

ولكن، كيف ستعيل طفلها؟

حتى تكاليف عملية الإجهاض لم تستطع تحمّلها.

في صباح اليوم التالي، توجهت سارة إلى السجن حاملةً في قلبها خيطًا رفيعًا من الأمل، وتوسلت إلى الحارس قائلة: "هل يمكنني مقابلة الخالة سميّة؟"

كانت الخالة سميّة قد قضت بالفعل سنوات طويلة من عقوبتها عندما دخلت سارة إلى السجن، وكانت تهتم بسارة كثيرًا وتجنّبها الكثير من المتاعب مع السجينات. لم تكن سارة تعرف الكثيرعن ماضي الخالة سُمية، لكنها شعرت بأنها امرأة ثريّة.

كان هناك شخص يرسل للخالة سميّة مبلغاً وفيرا من المال كل شهر داخل السجن كي تغطي نفقات طعامها. وذلك المبلغ البسيط الذي كان بحوزة سارة عندما خرجت من السجن، كان هدية من الخالة سمية أيضًا.

"لقد خرجت الخالة سمية من السجن منذ أكثر من شهر"، قال حارس البوابة وهو يحسب الأيام.

"ماذا!" صرخت سارة بدهشة.

"أنتِ هي سارة، أليس كذلك؟" سأل الحارس فجأة.

أومأت سارة برأسها: "أجل، أنا".

"عندما خرجت الخالة سمية، أعطتني رقم هاتف وقالت إنه لكِ. في ذلك اليوم، خرجتِ من السجن وركبتِ سيارة فارهة على الفور، حتى أنني صرخت عليكِ ولم تسمعيني". أخرج الحارس رقم الهاتف وأعطاه لسارة.

"شكراً لك."

بعد ساعتين، التقت سارة بصديقتها السابقة في السجن، الخالة سمية، في جناح فاخر في أرقى مشفىً خاصٍ في المدينة الجنوبية.

كانت عينا الخالة سمية شبه مغمضتين، ووجهها شاحب، وتبدو عليها علامات المرض، ورغم شيب شعرها إلا أنه أضفى عليها المزيد من الكبرياء والوقار.

كان باستطاعة سارة أن تتخيل مدى جمال الخالة سميّة في شبابها، ولكنها كانت تتساءل عن سبب دخولها السجن؟

"خالة سميّة؟" نادت سارة بهدوء.

فتحت الخالة سمية عينيها ببطء، وعندما رأت سارة أمامها، أصابتها نوبة سعالٍ مستمرة قبل أن تهدأ وتقول:"سارة، أخيرًا رأيتكِ. لقد طلبت من ذلك الولد اللئيم أن يحضركِ لي، لكنه كان يخبرني دائماً بأنكِ قد عدتِ إلى بلدتكِ، وأخيرًا جئتِ، هذا جيد."

أجابت سارة وهي تحاول مداراة تلك الكذبة:" نعم، لقد عدت للتو من بلدتي يا خالة سمية."

عرفت سارة أن "الولد اللئيم" الذي تقصده الخالة سمية هو ابنها بالتأكيد.

ثم أدركت أخيرًا أن إطلاق سراحها المبكر من السجن كان بسبب الجهود الكبيرة التي بذلها ابنها.

وأنهم قد أحسنوا إليها بما يكفي إذ أخرجوها من السجن، ففي عائلة بهذا الثراء والوجاهة، كان من المستحيل أن تحتفظ الخالة سمية بصديقة مثل سارة."

لذلك لم يبالغ ابن الخالة سمية حين أخبر والدته بأن سارة قد عادت إلى بلدتها.

قالت الخالة سمية بتأثر والدموع في عينيها: "لم أنسكِ أبدًا. لولا رعايتكِ لي في السجن، لما كنتُ على قيد الحياة الآن، ولما تمكنتُ من رؤية ابني مرة أخرى."

هزت سارة رأسها وقالت: "لا داعي لقول ذلك يا خالة. عندما اعتنيتُ بكِ حينها، لم أكن أنتظر منكِ شيئًا بالمقابل..."

كانت سارة تفكر، كيف ستطلب المال من الخالة سمية التي أنهكها المرض؟

"حسنا.. خالتي سميّة، أعرف أنه ليس وقتا مناسبًا لأطلب منك طلبًا كهذا، لكنني حقًا لا أجد مخرجًا آخر، أنا.."

سألتها الخالة سميّة: "ما بكِ؟ أنتِ هنا مع خالتك، ما عليكِ إلا أن تخبريني بما يضايقكِ."

خفضت سارة رأسها ولم تجرؤ على النظر في وجه الخالة سمية وقالت: "خالة سميّة، هل... هل يمكنكِ أن تقرضيني بعض المال؟"

"كم تحتاجين؟ سأعطيكِ أنا." سمعت سارة صوتًا رخيمًا ودافئًا جاء من خلفها.

استدارت بسرعة، فلم تصدق ما رأته عيناها وفقدت القدرة على الكلام: "كيف!... كيف وصلت إلى هنا؟"

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP