الفصل 9
خفق قلب سارة بشدة.

إن رجلًا نبيلًا كالسيد برهان، هو بالتأكيد في غنى عن وجود فتاة في حياته، والسبب الوحيد في زواجه منها، إنما هو لإسعاد أمه التي باتت على شفا الموت ليس إلا.

لكن سارة لم تكن تتوقع أبدًا أن تكون لينا هي خطيبة السيد برهان.

صارت الحياة بالنسبة لها بمثابة مسرحية ساخرة.

كل الذين ظلموها عاشوا سعداء هانئين، أما هي، فمستقبلها معدوم، وحملت دون زواج، حتى إنها لا تعرف هوية والد الطفل الذي في بطنها.

ثم نظرت سارة إلى هذين الخطيبين الرائعين والمتكافئين، فشعرت أنها تبدو أمامهما كالمتسولة.

هل السبب في أن لينا سمحت لها بالمجيء لأخذ صور أمها، أنها تريد أن تتباهى بخطيبها؟

حاولت سارة إخفاء حزنها، وقالت بنبرة باهتة: "كيف لفتاة وضيعة مثلي أن تعثر على زوج ثري؟ كنت أمزح لتوي، يبدو أن ضيفًا أتاكم، لن أزعجكم، أستأذنكم في صور أمي وسأنصرف في الحال".

تحاشت سارة إطالة النظر إلى السيد برهان، حتى بدت وكأنها لا تعرفه مطلقًا.

ولم ترتسم على ملامح السيد برهان هو الآخر أية تعابير.

كان لا يريد أصلًا أن يأتي إلى منزل عائلة الخولي، لكنه لما تذكر أن لينا أنقذت حياته، اقتنص اليوم بعض الوقت لزيارتهم.

لكنه لم يكن يتوقع أن يصادف سارة هنا.

تظاهر الاثنان بعدم معرفة بعضهما البعض، وقد أفرح ذلك كلًّا من السيدة غادة والسيد سمير دون أن تظهر عليهما تلك الفرحة.

لم تكن سارة تعلم أن الرجل الذي كان معها في تلك الليلة المشؤومة، ليس فقط لم يمت؛ بل صار بين ليلة وضحاها أغنى رجل في المدينة الجنوبية بأسرها.

نظرت لينا إلى والديها، ثم قالت لسارة معاتبة: "لقد أتى خطيبي للتو وأنتِ تودين الرحيل يا سارة، سوف تضعينني في موقف محرج هكذا، قد يظن خطيبي أننا نسيء معاملتكِ".

ثم التفتت لينا ناحية السيد برهان وقالت: "عزيزي برهان أنت لا تعرف شيئًا، لقد آويناها في بيتنا منذ كان عمرها بضعة عشر عامًا، أطعمناها وألبسناها وأدخلناها المدرسة، لكن يبدو أنها لم تشأ أن تسلك طريق الصالحين! فقد قُبض عليها وأدخلت السجن وهي في السنة الثانية للجامعة".

عندئذ رمق السيد برهان سارة بنظرة احتقار، ثم قال للينا: "فيما بعد عليكِ تجنب مثل هذه الشخصيات الخسيسة".

فقالت لينا بنبرة لطيفة للغاية: "معك حق يا عزيزي برهان، لكن لا بأس من إطعامها وجبة في بيتنا، فهي على كل حال عاشت معنا ثماني سنوات، وقد كنا جميعًا نهتم لأمرها".

ثم انتهزت لينا عدم انتباه السيد برهان، وسددت إلى سارة ابتسامة وقحة.

كانت تريد أن تتباهى أمام سارة بمنظرها السعيد هي والسيد برهان.

لكنها خشيت أن يكشف السيد برهان أمرها، فأردفت قائلة لسارة: "إن الرجل الذي أعاد لي أثمن ما تمتلكه أية فتاة، وأنبل رجل في المدينة الجنوبية بأسرها، ذلك الرجل هو زوجي".

كانت ترغب بشدة أن ترى سارة وهي تستشيط غضبًا.

فلما وجدتهم سارة لم يذكروا موضوع الصور، قالت بعفوية: "سأمكث قليلًا لتناول الطعام".

كانت قلقة بشأن وجبة العشاء.

لم يكن يشغل بالها أن يعتبروها ضيفة ثقيلة أو ينظروا إليها باحتقار، كان كل ما يهمها أن تأخذ صور أمها كي لا تعود خالية الوفاض من هذا المشوار.

فلما جلست سارة، قامت السيدة غادة فأحضرت الصور وأعطتها إياها، نظرت سارة إلى صورة أمها، فكادت الدموع تسقط من عينيها.

لم تكن تدري على وجه التحديد كيف ماتت أمها، لكن ولأنها كانت على وشك تناول الطعام هنا، لم تستطع التنفيس عن ذلك الشعور بالمهانة الكامن في صدرها.

كانت فقط تنتظر أن تأخذ ذلك المال الذي سيعيطها إياه السيد برهان، بعدها ستبدأ في التحري عن ملابسات وفاة أمها.

ولو اكتشفت أن عائلة الخولي قد تسببت لوالدتها بأذى، فسوف تجعلهم يدفعون الثمن غاليًا.

وضعت سارة الصور في كيس قماشي كان معها، وجلست وحيدة عند طرف الأريكة.

لم تُعرها عائلة الخولي أي اهتمام، وانشغلوا في الحديث مع السيد برهان.

"سيدي، متى سيكون زفافك أنت ولينا؟"، كان سمير الخولي يتملق السيد برهان، تمامًا كما كان الحال في العصور القديمة، حيث كان الأب يتخذ موقفًا متواضعًا ومخزيًا حين يعرض على رجل ثري أن يتزوج ابنته.

كان السيد سمير والسيدة غادة يتعمدان الاستعراض والتباهي أمام سارة.

قال السيد برهان بنبرة فاترة وجافية: "سأتزوج ابنتك! لكن بعد شهرين".

لقد كان تصرفًا مثيرًا للاشمئزاز أن تتطرق عائلة الخولي إلى موضوع الزواج في وجود شخص غريب.

فما بالك في وجود سارة!

إنها تعلم يقينًا أنها والسيد برهان زوجان بموجب القانون، لكنها آثرت إبعاد نفسها عن ذلك الموضوع.

كانت صغيرة السن، لكن ذات عقل حكيم.

لما بدا السيد برهان هادئًا، لم يجرؤ سمير الخولي -باعتباره من الجيل الأكبر- على الاعتراض، وقال بلهجة خاضعة مطيعة: "لا قول بعد قولك سيدي…..".

بينما قالت لينا بتدلل: "عزيزي برهان، إنني لا أطيق الانتظار، فبعد مرور شهرين سيكون الجو باردًا، ولن يبدو فستان الزفاف جميلًا، ما رأيك أن نقيم حفل الزفاف هذا الشهر؟".

كان أشد ما يكرهه السيد برهان، الفتاة المتدللة، ولولا أن لينا كادت أن تضحي بحياتها من أجله، لنهض وانصرف على الفور.

فكرر كلامه بنبرة كئيبة: "لقد تحدد يوم الزفاف بعد شهرين!".

فضحت لينا بإحراج شديد: حسنًا…..حسنًا"".

ثم التفتت إلى سارة وحدقتها بنظرة وقحة.

في تلك اللحظات، كانت سارة تجول ببصرها حول المطبخ، لم تكن منتبهة حول ماذا يتحدثون، هل يوم زفافهما هذا يمت إليها بِصلة؟

كانت تشعر بالجوع وقتها.

إنها الآن في فترة الحمل، ودائمًا ما يلازمها الشعور بالجوع.

فلما أحست سارة بتلك النظرة العدائية، التفتت نحو لينا قائلة: "هل حان الوقت لتناول الطعام؟".

لينا: "….…"، شعرت وكأنها تضرب بقبضتها في كومة قطن.

أما السيد برهان فلم يستطع منع نفسه من التحديق في سارة.

فمنظرها وهي غير مبالية تمامًا بهذا العالم، أصاب قلبه برجفة شديدة.

أتى الخادم يحمل الطعام، فلفت انتباه سارة كعكة بودينج الخوخ.

كانت تلك هي التحلية المفضلة للينا.

وما إن وُضعت الكعكة، تناولتها سارة وأكلتها على الفور قبل أن تأخذها لينا.

"أنتِ…..."، ظلت لينا مذهولة.

أما السيدة غادة فاستشاطت غضبًا، لكنها لم تستطع أن تنفجر فيها مراعاة لوجود السيد برهان، فقالت بابتسامة مصطنعة: "لم أكن أعرف أنكِ تعشقين الحلويات هكذا يا سارة؟".

أومأت سارة رأسها وهي تأكل: "آه، كنت أرغب في تذوقها دائمًا لكن لم تسنح لي الفرصة، والآن تناولتها أخيرًا".

"ههههه!"، صرَّت السيدة غادة على أسنانها وقالت مبتسمة: "ماذا تودين أن تتناولي أيضًا؟".

تفحصت سارة مائدة الطعام وقالت: "السمك بالصنوبر، وكرات الروبيان، والبروكلي…..".

كانت تعلم أنهم كانوا يكيلون لها السباب والشتائم في سرهم.

لكن، أليسوا هم من أصروا على بقائها لتناول الطعام؟

إنها كل عائلة هذا الصغير الذي في بطنها، لذا كان أهم شيء بالنسبة لها، أن تمنح صغيرها وجبة هنيئة مشبعة.

لم يكن ثمّة من يهتم لأمرها في هذا العالم، لذلك كان عليها أن تهتم هي بنفسها.

وضعت سارة الملعقة والكل ينظر إليها، ثم قالت: "لقد شبعت، سأرحل الآن".

كانت لينا لا تستطيع كبح نفسها من التدلل على السيد برهان. فاستفزت سارة بلهجة ملؤها الحقد والغيرة: "حل الظلام، لا بد أن تسارعي بالعودة لتباشري تجارتكِ، أليس كذلك؟".
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP