استبدلت سارة تنورتها المتسخة وقميصها الأبيض البالي بفستان زفافٍ وصندلٍ بكعب عالٍ من الكريستال. وسارة بطبيعتها طويلةٌ رفيعة العود، ويبلغ طولها مترًا وسبعين سنتيمترًا. والآن، وبعدما ارتدت هذا الصندل الكريستالي الذي يصل ارتفاع كعبه إلى عشرة سنتيمترات، بدت أكثر طولًا وأناقة، مع ساقين ممشوقتين ومثاليّتين.كانت قد انتهت لتوّها من تبديل ملابسها، ولم تكن قد وضعت أيّ مكياج بعد. لكنها بملامحها الطبيعية الخالية من أي مساحيق تجميل، كانت جميلةً كفاية لتُفقد برهان توازنه تمامًا. وكان لديها نوع من البرود العاطفي العفويّ، كأن لا شيء في هذا العالم يهمها، ومع ارتداءها فستان الزفاف المصمم بإتقان، زاد جمالها الطبيعي الذي يظهر منها دون أي تكلف أو مبالغة.كانت تنظر إليه ببساطة وبراءة، دون أن تنطق بكلمة.شعر برهان فجأة بغضب يشتعل بداخله ولا يعرف له سببًا. فقال بنبرةٍ ظاهرها البرود:"ماذا كنت تفعلين هذا الصباح؟ هل تعلمين أنك كنت على وشك أن تفسدي لي أمرًا مهمًا!""أليس حفل الزفاف هذا لنا؟" سألت سارة بصراحة تامّة.ثم تابعت قائلة :أنا لست بحاجة إلى هذا الزفاف! وأنت أيضًا لست بحاجة إليه، فبعد شهرين ستتزوج لينا.
فطنت سارة للأمر على الفور. واتضح لها أن الخالة سميّة هي من خططت لكل ذلك بعناية.فقد أخبرتها بالفعل قبل أيام قليلة أنها ستحضّر لها مفاجأةً كبيرة.شعرت سارة بشعور دافئ يعمّ قلبها.فبغض النظر عن كيفية معاملة برهان لها، كانت الخالة سميّة هي الحضن الدافئ الوحيد الذي يحتوي سارة في هذا العالم، ولم يتبق لها سوى شهرين لتعيشهما، فمن أجل الخالة سميّة على الأقل، كان يجب على سارة أن تتعاون مع برهان، ليقدما تمثيليةً مُتقنة." "شكرًا لك يا أمي، أحببت هذه المفاجأة كثيراً، أنظري يا أمي، هذت فستان الزفاف الذي صممه لي برهان، هل هو جميل؟" سألت سارة الخالة سمّية وهي ترفع فستان زفافها.نظرت الخالة سميّة إلى الفستان، وطالعته بعينيها عدّة مراتٍ صعودًا ونزولًا، ثم احمرّت عيناها وقالت:" عزيزتي سارة، لم أتوقع أن تكوني جميلة جدًا بهذا الماكياج، أنت وبرهان زوجان مثاليان حقًا."لم تستطع الخالة سميّة إطباق شفتيها من شدّة الفرح. كانت كلماتها صادقة وتخلو من أي مبالغة.لم تكن الخالة سمية وحدها من رأت أن سارة وبرهان يشكلان ثنائيًا مثاليًا، بل حتى موظفي المطعم لاحظوا التوافق الكبير بينهما.قالت الخالة سمية بنبرة أسف واع
والمدعو أبو الرّوس، هو بلطجيّ ذائع الصيت في مدينة السّحاب، وقد كان هو المدبّر لجميع التهم التي لُفقت لسارة قبل وبعد دخولها السجن. وقد تعاونت عائلة السيد سمير مع أبو الرّوس أكثر من مرة من قبل، لكن هذه المرة كانت لينا تنوي الإقدام على أمر أكثر بشاعة.لم تكن عائلة السيد سمير قبل مصاهرتها للسيد برهان تخطط لقتل سارة، وذلك لأنهم كانوا خائفين من المشاكل التي قد تنجم عن ذلك وتعرقل زواج ابنتهم، والسبب الثاني هو أن لينا أرادت أن تخبر سارة بنفسها أن كل الرخاء والرفاهية التي صارت تعيشها جاءت على حساب شرف سارة الذي ضحّت به.كانت تريد بذلك أن تغيظ سارة وتقتلها ببطء.ولكن الآن، لم تعد لينا تهتم بكل ذلك.كل ما تريده هو موت سارة! والآن!طلب أبو الروس مليون دولار.فوجئت لينا وقالت: "أبو الروس! أنت جشعٌ جدًا!"ضحك أبوالروس بخبثٍ وقال: "أعرف من هي المرأة التي تريدين التخلص منها، ولن أكتفي بقتلها، بل سأجعلها تعاني قبل أن تموت لتشفي غليلكِ منها، وإذا أردتِ، يمكنكِ مشاهدتي وأنا أعذبها. ألا يستحق الأمر هذا الثمن؟"وافقت لينا على الفور وقالت: "حسناً! سأدفع المليون!"على الرغم من أن هذا المبلغ ليس صغيرًا بالنسب
كيف وصلت إلى غرفة نومه؟لمعت عينيّ برهان في تلك اللحظة بنظرات قاسية وغاضبة.فبعد انتهاء زفافه مع سارة، تلقى مكالمة طارئة من جده الأكبر رستم، مما اضطره للانصراف فورًا.كان الجد رستم يبلغ من العمر ستة وتسعين عامًا، ورغم تقاعده منذ نحو أربعين عامًا من منصب رئيس مجموعة رستم، إلا أنه لا يزال يتمتع بسلطة كبيرة داخل العائلة، تمامًا مثل الإمبراطور السابق الذي يظلّ له قدره وتأثير حتى بعد نزوله عن العرش.وقبل أكثر من شهر، بعد أن تمكن برهان من السيطرة على مجموعة رستم وإزالة كل العقبات التي كانت تعترض طريقه، تلقى أمرًا واضحًا من جده.قال له جده بنبرة ظاهرها الأمر وباطنها التوسل: "بما أنك قد تخلصت من جميع المعارضين، فلا تقتل الباقين. إذا وعدتني بذلك، فلن أتدخل في شؤونك مرة أخرى".أجابه برهان بوجهٍ عابس: "حسنًا."ولم يتدخل جده في شؤونه طوال الشهرين اللذين تولى فيهما إدارة مجموعة رستم.ولكن اليوم، وبعد انتهاء حفل زواجه من سارة، وقبل أن يوصل والدته إلى المشفى، استدعاه الجد رستم على وجه السرعة.ظن برهان أن الجد قد علم بأمر زواجه، لكنه عندما وصل إلى المنزل القديم، اكتشف أن فؤاد، ابن عمته الثانية، يستغيث
استمعي إليّ جيدًا! قال برهان بصوت أجشٍّ وبارد، وبكلماتٍ حادّة كالسيف: "إذا تجرأتِ على اقتحام غرفتي مرة أخرى، فستموتين!" أومأت سارة برأسها وهي ترتجف كغزال صغير تائه، وأهداب عيناها الطويلة الملتوية ترمش بسرعة. استدار برهان وأخذ السوار الأخضر من على منضدة السرير، ثم حمل سارة وخرج بها من غرفته، ودخل إلى غرفتها ووضعها على السرير، ثم أعاد السوار إلى معصمها وهو يقول:" ارتديه غدًا عندما تزورين والدتي، سيسعدها ذلك كثيرًا." قالت سارة بصوت خائف ومتقطع: "حسنًا.. فهمت." ثم خرج برهان.فأسرعت سارة بإغلاق الباب خلفه، ثم سندت ظهرها على الباب وقد خارت قواها، وفقدت ساقاها القدرة على حملها، فجلست على الأرض وهي تلهث.شعرت وكأنها عادت من الموت، ولم يكن الأمر يستحق كل ذلك الذعر.وبعد أن هدأت قليلًا، خلعت فستان الزفاف وحذائها الكريستالي، واغتسلت وتوجهت إلى الفراش.فغدًا هو يومها الأول في العمل، ويجب أن تكون في حالة جيدة.وفي اليوم التالي، استيقظت سارة مبكرًا وذهبت إلى المشفى لزيارة الخالة سمية، وحرصت على أن يكون السوار ظاهرًا على معصمها، مع ارتسام ابتسامة خجولة على وجهها.وفور أن رأت الخالة سميّة السوار
اكتفت سارة بضحكة باردة ثم نظرت إلى لينا بنظرة ازدراء.وماذا لو علمت؟وماذا لو لم أعلم؟كانت تعلم دائمًا أن عائلة السيد سمير تعرف بالتأكيد هوية ذلك الرجل، وكانت هي أيضًا على دراية بذلك! الأمر ببساطة أن عائلة السيد سمير كانت ترغب في التخلص من منافسهم، ولم يتمكنوا من قتله علانيةً، لذلك أرسلوها لتكون هي من يرافق ذلك الرجل في لحظاته الأخيرة.,حتى لو مات ذلك الرجل، فسيكون بسبب الإفراط في اللهو والشهوات."لا أريد." قالت سارة."أنتِ..." رفعت لينا يدها مرة أخرى وصفعت سارة على وجهها: "سواء أردتِ أن تعرفي أم لا، عليكِ أن تعرفي. اليوم سأكشف لكِ الحقيقة كاملة، سأجعلكِ تدركين كل شيء قبل أن تموتي. هل تعلمين لماذا عشتِ في منزلنا لمدة ثماني سنوات؟ هل تعرفين لماذا أنا ووالدتي نكرهكِ؟ هل تظنين أن السبب هو فقط لأنكِ تأكلين وتعيشين على نفقة عائلتنا؟ سارة، ألم تفكري يومًا في وجود سبب آخر؟"رفعت سارة عينيها ونظرت إلى لينا.لطالما أرادت سارة أن تعرف السبب، لماذا أرسلتها والدتها إلى منزل السيد سمير لتعيش معهم عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها، ولماذا رغم أن عائلة السيد سمير قد وافقت على تبنيها، إلا أنهم كان
سارة كانت ترتجف خوفًا وهي تتكئ على عنق برهان، جسدها يرتعش بالكامل. كانت تعلم أن برهان رجل قاسٍ، لكنها لم تره يومًا بعينيها يتصرف بهذه القسوة. اليوم، أخيرًا شهدت كيف أنه رجل لا يتراجع عن كلمته، مهما كان الأمر.ومع ذلك، كانت تعلم أن هؤلاء الأشخاص يستحقون ما حصل لهم.لم يكن هناك ما يستدعي الشفقة عليهم.على العكس، كادت هي أن تكون الضحية، وكانت على وشك أن تُعذب وتُقتل على يد لينا.رفعت سارة رأسها ببطء، وهي مستندة على كتف برهان، ثم نظرت إلى لينا بعينين بريئتين للغاية.تم نقل سارة إلى المستشفى، وبعد أن أجرى الطبيب الفحص قال: "إنها مجرد كدمات في الأنسجة الرخوة، لا يوجد ما يدعو للقلق."تنفست سارة الصعداء، وبدأت مشاعر الخوف التي كانت تعتريها تتلاشى تدريجياً. بعد أن كانت مُختطفة لعدة أيام، ولم تكن تعرف كيف كانت حال الخالة سمية خلال هذه الفترة."سيد برهان، شكرًا لإنقاذكِ لي، هل الخالة سمية بخير؟" سألته سارة وهي تنظر له بامتنان."الوضع ليس جيدًا!"سارة: "......ماذا... ماذا حدث للخالة سمية؟""في وحدة العناية المركزة." قالها برهان بوجه خالٍ من التعبير. في الفترة الأخيرة، كانت سارة تذهب كل يوم إلى ال
"أمي، أنا آسفة." سقطت دموع سارة على طرف الغطاء الذي يلف الخالة سمية. كان صوتها مبحوحًا من كثرة البكاء: "لقد بدأت العمل للتو، وكان عليّ الامتثال لتعليمات المدير. قرر المدير فجأة إرسالي في رحلة عمل لبضعة أيام، فلم أتمكن من زيارتكِ في الوقت المناسب."أجابت الخالة سمية بابتسامة حزينة وهي تنظر إلى الأنابيب المتصلة بجسدها: "ليس ذنبكِ يا حبيبتي. جسدي يزداد ضعفًا يومًا بعد يوم... لا أعرف إن كنت سأتمكن من فتح عيني مرة أخرى بعد أن أغلقها.""أمي، لا تقولي ذلك، أرجوكِ، لا تتركيني. لو رحلتِ عني، سأصبح وحيدة تمامًا. لم يعد لدي أي أحد في هذا العالم..." صرخت سارة وهي تضع رأسها على صدر الخالة سمية، تبكي بحرقة ودموعها تنهمر دون توقف.في ذلك اليوم، بعد أن تم إنقاذ سارة، لم تعد إلى المنزل. بقيت في المستشفى تعتني بالخالة سمية. كانت تنظفها، تغسل شعرها، وتقص أظافرها. ومع رعايتها الحنونة، بدأت الخالة سمية تستعيد بعضًا من صحتها، وظهر لون الحياة مجددًا على وجهها الشاحب.بفضل رعاية سارة الدقيقة، بدا أن برهان، الابن البيولوجي للخالة سمية، لا دور له تقريبًا. ففي كثير من الأحيان، كان يقف بهدوء على الجانب، يراقب تلك