الفصل 19
كيف وصلت إلى غرفة نومه؟

لمعت عينيّ برهان في تلك اللحظة بنظرات قاسية وغاضبة.

فبعد انتهاء زفافه مع سارة، تلقى مكالمة طارئة من جده الأكبر رستم، مما اضطره للانصراف فورًا.

كان الجد رستم يبلغ من العمر ستة وتسعين عامًا، ورغم تقاعده منذ نحو أربعين عامًا من منصب رئيس مجموعة رستم، إلا أنه لا يزال يتمتع بسلطة كبيرة داخل العائلة، تمامًا مثل الإمبراطور السابق الذي يظلّ له قدره وتأثير حتى بعد نزوله عن العرش.

وقبل أكثر من شهر، بعد أن تمكن برهان من السيطرة على مجموعة رستم وإزالة كل العقبات التي كانت تعترض طريقه، تلقى أمرًا واضحًا من جده.

قال له جده بنبرة ظاهرها الأمر وباطنها التوسل: "بما أنك قد تخلصت من جميع المعارضين، فلا تقتل الباقين. إذا وعدتني بذلك، فلن أتدخل في شؤونك مرة أخرى".

أجابه برهان بوجهٍ عابس: "حسنًا."

ولم يتدخل جده في شؤونه طوال الشهرين اللذين تولى فيهما إدارة مجموعة رستم.

ولكن اليوم، وبعد انتهاء حفل زواجه من سارة، وقبل أن يوصل والدته إلى المشفى، استدعاه الجد رستم على وجه السرعة.

ظن برهان أن الجد قد علم بأمر زواجه، لكنه عندما وصل إلى المنزل القديم، اكتشف أن فؤاد، ابن عمته الثانية، يستغيث بالجد رستم.

بدأ الجد رستم كلامه مباشرةً: "برهان، لقد وعدتني بأنك لن تقتل أي شخصٍ آخر."

وقد شهد الجد رستم بنفسه قبل شهرين مدى قسوة وحزم حفيده غير الشرعيّ برهان.

قال فؤاد وركبتاه ترتجفان وأسنانه تصطك من الخوف: "أخي برهان... لم أكن أعرف أن تلك المرأة تخصك. رأيتها في موقع البناء ترتدي ملابسًا بالية وتحمل الطوب، فظننت أنها مجرد فتاة مسكينة من الريف... أرجوك سامحني يا أخي برهان!"

وبرغم احتماءه بجده، لم يكن فؤاد متأكدًا أن ذلك سيمنع برهان من قتله.

فقد ارتكب خطئًا فادحًا بتفكيره في امرأة تخصّ برهان.

وكأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة.

مسح برهان بيده على شعر فؤاد وقال ببرود: "فؤاد، من الأفضل لك أن تركز أكثر على مساعدة والدك ووالدتك في إدارة الشركة، فأنت لا تزال شابًا، وإذا بقيت تسعى وراء النساء هكذا، فستدمر صحتك عاجلًا أم آجلًا."

وبرغم البرود الذي تخلّل نبرة برهان، إلا أن فؤاد توسم في كلامه العفو عنه.

فراح يشكر برهان بشدّة لدرجة أنه كاد يسجد له، وقال: "شكرًا لك، شكرًا لأنك عفوت عني ولم تقتلني يا برهان."

وفجأة، سأل الجد بوجه متجهّم: "برهان، ما قصة تلك المرأة التي يتحدث عنها فؤاد؟ أنا لا أتدخل في أمورك، ولكن لا يمكنك إدخال أي امرأة إلى المنزل هكذا! المرأة التي ستتزوجها يجب أن تعرفها بقية العائلة."

رد برهان بهدوء: "تلك المرأة هي مجرد وسيلة لإراحة أمي في أيامها الأخيرة."

قال الجد بوجه خالٍ من التعبير: "بعد أن تنتهي من جنازة أمك، عليك التخلص من تلك المرأة تمامًا."

أجابه برهان باقتضاب: "حسنًا."

ثم أضاف الجد: "جدتك لم ترَك منذ أكثر من شهر، ابقَ وتناول الطعام معنا قبل أن تغادر." كانت نبرة الجد حاسمةً لا تقبل النقاش.

وخلال العشاء، تلقى برهان رسالة نصّيةً من سارة، فتذكر أنها ما زالت في المطعم، فطلب من مساعده حازم أن يذهب ليأخذها.

لم يكن يتوقع أن يجد سارة في غرفة نومه.

كانت غرفة نوم برهان تحتوي على غرفة معيشة أيضًا، ومُرفقةً بمكتبٍ وشرفة واسعة.

والغرفة مليئة بالأفخاخ المخفيّة، وأي شخص يدخلها دون إذن ويعبث بشيء فيها، فإنه يتلقى في المرة الأولى تحذيرًا.

وأما المرة الثانية فيكون فيها هلاكُه.

وما يجعل الدخول لغرفته أمرًا أكثر خطورة، هو أن باب الغرفة كان مصممًا بطريقة خاصة، حيث يسهل على أي شخصٍ غريبٍ فتحه من الخارج بدفعة بسيطة والدخول منه، ولكن الخروج منه يكون أمرًا مستحيلًا.

أي أن غرفته كانت بمثابة فخٍّ لا مفر لمن وقع فيه.

ما الذي تريده هذه المرأة منه بالضبط؟

وكيف تجرأت على اقتحام غرفته في غيابه؟

إنه يتفاجأ بتصرفاتها ويحاول فهمها في كل مرة.

قرفص برهان أمام سارة، وأخذ يحدق فيها بنظراتٍ باردة ومرعبة.

كانت سارة منكمشة على نفسها في زاوية الغرفة، وما زالت ترتدي فستان الزفاف الأبيض. ولا يمكن إنكار أن ذلك الفستان كان يناسبها جدًا، فقد أبرزت قصّته على شكل رقم سبعة من الأمام والخلف جمال ظهرها الرشيق، وبسبب نحافتها الشديدة، كانت عظام كتفها الرقيقة بارزة منه بوضوح.

كما كان شعرها القصير الذي يصل إلى أذنيها يبرز عنقها الطويل الأبيض الناعم.

أمّا جسدها المنحوت على شكل ساعة رملية، جعل خصرها يبدو في غاية النحافة وهي شبه مستلقية، لدرجة أن برهان فتح يديه لا إرادياً لقياسه، وتخيل أنه يمكنه إحاطة خصرها بيديه بكل سهولة.

كانت تحتضن ركبتيها بذراعيها، وتسند ذقنها على ظهر يديها، وعيناها مغمضتان، ودموعها تسيل من زوايا عينيها. ولم تكن تبو وهي نائمةً بالهدوء والثبات الذي تكون عليه وهي مستيقظة.

بل بدت وكأنها طفلة خائفة ومذعورة.

كانت تلك الدموع المتلألئة وأهدابها المرتعشة وحواجبها المتجعدة تعكس خوفها الواضح.

أعاد هذا المشهد إلى ذهن برهان ما حدث منذ أكثر من شهر، عندما أظهرت لينا تعبيرات جسدية مشابهة تمامًا.

ابتلع برهان ريقه غير واعٍ.

ثم تذكر فجأة أنها ليست لينا.

بل هي امرأةٌ تجرأت على اقتحام غرفته في غيابه، وكأنها تسعى لهلاكها.

رفع برهان يده دون تردد، وأمسك بذقن سارة وأجبرها على رفع رأسها.

في تلك اللحظة، كانت سارة في وسط كابوس، ترى فيه نفسها فقيرةً فقدت والديها، وتُطاردها مجموعة من الأشرار..

كانت تتوسل إليهم قائلة: "أرجوكم اتركوني على قيد الحياة حتى أضع طفلي، وأجد له عائلة جيدة تتبناه ثم اقتلوني، أرجوكم."

لم يكن من برهان إلا أنه ابتسم ابتسامة شريرة.

وتقدم نحوها خطوة بخطوة.

وفي اللحظة التي سالت فيها دموع اليأس من عيني سارة، دفعها برهان بقوة.

"آه..." استيقظت سارة من شدّة الألم.

ولما فتحت عينيها، وجدت برهان يحدق إليها بنظراته الحادّة: "قولي! لماذا اقتحمتِ غرفتي؟ هل تريدين الموت؟"

كانت يده تضغط على فكها بقوة؛ مما جعلها تتألم حتى تساقطت دموعها.

قالت وهي ترتعش من الخوف: "أنا... السوار الذي أعطتني إياه والدتك ثمين للغاية، خفت أن أتركه في غرفة الجلوس، لذلك... طرقتُ الباب لأعيده لك، ولكن... الباب فُتح من تلقاء نفسه بعد أن طرقته مرة واحدة فقط، أنا..."

قبل أن تغفو سارة، كانت تعلم أنها مصيرها اليوم محتوم، وأنها ستموت بالتأكيد.

كان يغمر قلبها شعور حزن عميق.

ما الخطأ الذي ارتكبته؟

اضطرت للعيش تحت رحمة أسرة لمدة ثمان سنوات، فحمّلوها ثمن تهمةً لم ترتكبها، واستغلوها وهتكوا عرضها، حتى أفضى ذلك إلى حملها، وعلى الرغم من أن ذلك الجنين جاء نتيجة لعلاقة مُهينة، إلا أنه كان أقرب الناس إليها، وكانت تريد إنجابه والعيش معه. ولكن، هل ستُحرم من هذه الفرصة أيضًا؟

نظرت سارة إلى برهان بعيون مليئة باليأس، ثم تحولت ملامحها الشاحبة والحزينة إلى ملامح باردة هادئة كما كانت من قبل: "افعل ما تشاء."

أرخى برهان قبضته عن ذقنها فجأة، ثم انحنى ليحملها بين ذراعيه، وبما أنها فقدت توازنها، ألقت ذراعيها تلقائيّا حول عنقه.

اقترب وجهه من وجهها تدريجيًا.

وما إن استنشقت رائحة التبغ العطرة، حتى احمر وجهها فجأة، ودفعته بيديها عفويًا وهي تقول:"لا...."

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP