صرخت سارة بغضب وقالت: "لماذا جئتما إلى هنا؟ هيا اخرجا من هنا فورًا"، لم تكن سارة تكترث لكل الأذى الذي لاقته من لينا ووالدتها غادة، بل كان كل ما يشغل بالها في هذا الوقت، أنهما بالتأكيد جاءتا لمضايقة الخالة سمية وهذا سيفاقم مرضها.أمسكت سارة حقيبتها وضربت بها السيدة غادة.لكن الخالة سمية أوقفتها: "سارة.....".نظرت سارة إلى الخالة سمية وقالت: "لا تخافي يا أمي، سأطردهما فورًا".قالت الخالة سمية: "سارة، أنا من دعوتهما إلى هنا".سارة: ".......؟".نظرت سارة خلفها، فوجدت لينا ووالدتها غادة ينظران إلى الخالة سمية المستلقية على السرير والخوف يملأ أعينهما.ثم نظرت مرة أخرى إلى الخالة سمية وسألتها في حيرة: " أنتِ من دعوتهما للمجيء إلى هنا يا أمي؟".نظرت الخالة سمية إليهما بوجه شاحب ونظرات مفعمة بالتحدي وقالت: "لينا، غادة....".نظرة غادة إلى الخالة سمية نظرة عداء وقالت: "يا خالة سمية.....".قالت الخالة سمية: "هل تظنان أنني وابني برهان كنا سنظل على قيد الحياة حتى الآن لو لم نقاوم كل الظروف كي نحظى بمكانة واحترام بين أفراد عائلة رستم؟ خصوصًا أن زواجي من رستم لم يُعلن بشكل رسمي"."لقد عاشت سارة في منز
قبيل غروب الشمس، خرجت سارة من بوابة السجن.وذلك بعدما أُفرج عنها بكفالة لمدة يوم واحد فقط.خرجت ممسكة بيدها ورقة بها عنوان، ثم أقلتها سيارة من أمام بوابة السجن، حتى وصلت بها مع حلول الظلام إلى فيلا قديمة تقع على منحدر جبليّ وعر.وفور وصولها هناك، أخذها البواب إلى غرفة داخل الفيلا.كانت الغرفة شديدة العتمة، وتنبعث منها رائحة دماء قويّة. وما كادت عيناها تتأقلم مع عتمة المكان، وإذ بذراعيّ رجل صلبتين تلتفان حولها وتعتنقانها بقوّة.ثم بدأت تشعر بأنفاسه الحارّة تقترب منها، وهمس لها قائلاً: "إذن أنتِ هي الفتاة التي أحضروها لي لأستمتع بها قبل موتي؟"أيتها... الشابة! أخذت الدموع تنهمر من عيون سارة.وسألته بصوت يرتجف خوفًا قائلة: "هل... ستموت قريبًا؟"ضحك الرجل ببرود وسخرية ورد قائلًا: "همم! هل أنتِ نادمة على هذه الصفقة؟"فأجابت سارة بحزن: "لست نادمة"لم يكن لديها مجال للندم.فوالدتها تنتظرها لتنقذ حياتها.لم تتمكن سارة بسبب عتمة الغرفة من رؤية وجه ذلك الرجل، لكنها تأكدت من أنه ليس شخصًا على حافة الموت. وبعد مرور ساعتين أو ثلاث، كان ذلك الرجل قد نام أخيرًا.هل مات يا ترى؟تجاهلت سارة خوفها، وأخ
فأجابها السيد برهان بجلافةٍ دون أن ينظر إليها قائلا: "لقد سمعتِ ما قلتُه."فصارت سارة تعبث بطرف ملابسها المتسخ وتقول بصوت خافت: "سيدي، هذه ليست مزحة مضحكة على الإطلاق."ابتسم السيد برهان ابتسامة سخرية وسألها بنبرة حادّة: "أليس الزواج مني هو هدفكِ منذ البداية؟"مرّت نظرة السيد برهان الحادّة كالسّكين على وجه سارة الشاحب، وعندما التقت عيونهما، ارتجفت سارة وأدارت وجهها بسرعة، فأمسك بذقنها بقوة وأجبرها على النظر إليه.لاحظت سارة لأول مرة أن تقاسيم وجهه من تحت النظارة الشمسية تبدو بارزةً وواضحة، وكأنها منحوتةٌ فنيّة، وشعر ذقنه الأسود القصير يضيف إليه جاذبية لا تقاوم.كانت بدلته في غاية الأناقة، وهي بالتأكيد من علامة تجارية فاخرة.أدركت سارة من نظرتها الأولى أن هذا الرجل من طبقة اجتماعية مرموقة.أمّا هي فكانت في حالة بائسة، ملابسها ممزقة وشعرها أشعث وجسدها متسخ ولم تستحم منذ أيام.فهل سيذهبان لتسجيل عقد الزواج حقا؟ضيّقت سارة عينيها وقالت بصوت هادئ: "هل تعتقد يا سيدي أن قضائي عامين في السجن دون أن أرى رجلًا، سيجعلني أرتمي في حضن أيّ رجل أراه مهما كان دميمًا وغير جذاب؟"لم يتمالك السيد برهان
"ماذا؟" قطبَ برهان حاجبيه غضبًا، ثم دخل مسرعًا. كان الحمام فارغًا، ولم يجد وراءها سوى عبارةً مكتوبةً بالدم على الحائط: "سيد برهان، على الرغم من أنك تفوقني في المكانة الاجتماعية، إلا أنني لا أريد الزواج منك، وداعًا بلا لقاء!" كانت هذه العبارة مكتوبة بخط واضحٍ وحادّ، يعبّر عن عزيمةٍ صلبةٍ لا تلين. وقف برهان مشدوهًا وحائرًا. هل كانت المعلومات التي جمعها عنها خاطئة؟ بعد ثوانٍ قليلة، أمر بصوتٍ صارم: "ابحثوا عنها في الجبل الخلفي!" لم يكن باستطاعة برهان أن يترك والدته تموت وفي قلبها أمنية لم تتحقق. شقّت الأغصان والأشواك المتشابكة طريقها في ملابس سارة، ولكنّها ساعدتها في التشبث والنزول عن الجبل بسلام. ثم اختبأت تحت غطاء كثيف من الأغصان المتشابكة لتتفادى أعين أفراد عائلة برهان الذين كانوا يفتشون عنها. ومع حلول الظلام، تمكنت سارة من الوصول إلى الجانب الآخر من الجبل. وفي الصباح الباكر، توجهت إلى منزل السيد سمير. فوجئ السيد سمير الخولي وزوجته السيدة غادة برؤية سارة. فسألتها السيدة غادة بخوف: "كيف تمكنتِ من الهروب من السجن؟" ردّت سارة بسخرية: "مدام غادة، لقد أنهيت مدة محكوميتي." قالت ا
أمضى برهان شهرًا كاملًا في البحث عن سارة.وعندما بدأ يعتقد أنه قد أخطأ في حكمه عليها، وأن سارة ليست بالسوء الذي أظهرته تحرّياته عنها، اكتشف أنها صارت تعمل نادلةً على مقصورته الخاصة. يبدو أنه أخطأ في تقديرها حقًا. "سيد برهان... ما الذي يحدث هنا؟" نظر مدير المطعم إلى السيد برهان وقال بخوف."منذ متى وهي تعمل هنا؟" سأل برهان المدير وهو يرميه بنظراته الحادّة."ششش... شهرٌ واحدٌ يا سيدي." أجاب المدير بتلعثم.شهر واحد!هذا هو الوقت الذي كانت تهرب فيه منّا.لكنها في الحقيقة لم تكن تهرب، بل كانت تخطط للُعبة أكبر.يا لها من فتاة لئيمة!نظرت سارة إلى برهان نظرةً غاضبة ممتزجة بالشعور بالظلم. يا له من عالم صغير؟ "أنا لا أفهم ما تقوله، اترك يدي! وإلا سأتصل بالشرطة." حاولت بكل قوتها الإفلات من قبضة برهان المُحكمة، لكنها لم تستطع أن تتحرك قيد أُنملة. تكاثفت قطرات العرق على جبين سارة من شدّة الألم.وبينما ترتعد فرائصه خوفًا، صرخ المدير موبخًا سارة: "روان، لقد تجاوزت حدودك!" ضحك برهان ضحكة باردةً قائلا: "روان!، هل زوّرت هويّتكِ بعد خروجكِ من السجن وغيّرتِ اسمكِ إلى روان!" في هذه اللحظة، وصلت مشرف
مَن غير برهان كان يقف خلف سارة؟ ابتسم ذلك الرجل ابتسامة خفيفة، وقال لها بصوت هادئ وأنفاس دافئة: "أمي مريضة وتحتاج للراحة، ألم تجدي طريقة أخرى لحل مشكلتك؟ لماذا تتعبينها أنتِ أيضًا؟"وقفت سارة مشدوهةً :"........." لم يعطها ذلك الشخص فرصةً للرد وأخرجها من الغرفة على الفور."يا برهان، تحدث مع سارة حول موضوع الزواج بجديّة، وتأكد من معاملتها بلطف." هكذا صرخت الخالة سمية من وراء ابنها. أجابها برهان وهو يغلق باب الغرفة: "حاضر يا أمي، لا تقلقي."سحب برهان سارة لمسافةٍ طويلةٍ عبر ممر المشفى.وما إن وصلا إلى نهاية الممر، فإذ بوجه برهان الودود قد انقلب إلى وجهٍ باردٍ يخلو من أي مظاهر الودّ.قبضَ برهان عنق سارة بقوّة ودفعها إلى الحائط وهو ينظر إليها نظرات حادّة كالسيف: "أيتها المجرمة، لقد اختبرتِ صبري مرارًا وتكرارًا، والآن تتجرأين على القدوم إلى أمي، لقد تجاوزت كل الحدود! إذا حدث لأمي أي مكروه، فسأجعلكِ تتمنين الموت!" احمرّ وجه سارة من شدة الاختناق، وقالت بصعوبة: "أنا... لم أكن أعرف.. أن الخالة سمية... هي أمك."فهمت سارة أخيرا سبب كراهية برهان الشديدة لها، ولماذا أصرّ على الزواج منها رغم ذلك.
بعد خروجهما من مكتب الأحوال المدنية، ودَّعت سارة السيد برهان رستم: "سيد برهان، الطبيب يمنع الزيارة بعد الظهيرة، لذا لن تتسنى لي العودة معك، سوف آتي غدًا قبل الظهيرة مرة أخرى لزيارة الخالة سمية".كانت سارة في عدم وجود الخالة سمية، تحافظ على مسافة بينها وبين السيد برهان.أجابها السيد برهان بنبرة فاترة: "كما تشائين".فانصرفت سارة لوحدها.سأل حازم السيد برهان وهما داخل السيارة: "ألا تخشى هروبها يا سيدي؟".ابتسم السيد برهان ابتسامة صفراء وهو يقول: "تهرب؟ إلى أين، أستعود للعمل نادلة في المطعم الذي اعتدت الذهاب إليه؟ كيف ستأتي حينئذ لاقتراض المال من أمي ثانية؟ لم تكن تبتغي من هروبها في المرتين السابقين سوى رفع سعرها".حازم: "كلامك صحيح".قال السيد برهان: "انطلق بالسيارة".انطلقت السيارة مسرعة بجانب سارة دون أن يلتفت إليها السيد برهان مطلقًا.جرَّت سارة جسدها المنهك وعادت إلى المنزل.وما إن وصلت إلى بوابة المنزل، استوقفتها إحداهن: "سارة! هل كنتِ حقًا مختبئة في هذا الحي؟".إنها لينا!قبل عامين، كانت لينا تعيش حياة فوضوية، ومن جراء ذلك؛ تعرضت للاغتصاب من رجل منحط طاعن في السن وقبيح، وفي أثناء تل
فهمت لينا الأمر، أدركت أن السيد برهان يضمر لها جفاءً شديدًا.شعرت لينا كما لو أنها طعنت في قلبها بسكين….كان مزيجًا من الألم والخجل والضيق.بل وشعرت أيضًا بالخوف من السيد برهان.ولما همَّت بإلقاء بضع عبارات من دلالها المصطنع، سمعته يغلق الهاتف في وجهها بقوة.شعرت لينا في قلبها بخفقةٍ عنيفة.سارعت السيدة غادة بسؤالها: "ما الأمر يا لينا؟"."أمي….برهان لا يرغب في المجيئ لمناقشة أمر الزفاف، إنه…..هل علم شيئًا ما؟".أخذت لينا تبكي من شدة الخوف وتقول: "هل اكتشف أنني انتحلت شخصية سارة؟ ماذا نفعل يا أمي؟ إن برهان رستم يقتل ولا يبالي، إنني خائفة…..اهئ اهئ اهئ".ارتدعت فرائص السيدة غادة والسيد سمير الخولي هو الآخر من شدة الخوف.قضت العائلة فترة ما بعد الظهيرة بأكملها في حالة من الذعر والهلع، إلى أن دخل الخادم قائلًا: "سيدي، سيدتي، سارة تنتظر في الخارج، تقول إنها جاءت لأخذ صورها هي وأمها"."دعها ترحل!"، صبَّت لينا كل غضبها على سارة في الحال.كان الخوف يسيطر عليها في تلك اللحظة، حتى إنها نسيت تمامًا ما قالته لسارة بالأمس، إنها من سمح لها بالمجيء لأخذ صور أمها القديمة.في الواقع، كانت لينا تريد أن ت