الفصل 5
مَن غير برهان كان يقف خلف سارة؟

ابتسم ذلك الرجل ابتسامة خفيفة، وقال لها بصوت هادئ وأنفاس دافئة: "أمي مريضة وتحتاج للراحة، ألم تجدي طريقة أخرى لحل مشكلتك؟ لماذا تتعبينها أنتِ أيضًا؟"

وقفت سارة مشدوهةً :"........."

لم يعطها ذلك الشخص فرصةً للرد وأخرجها من الغرفة على الفور.

"يا برهان، تحدث مع سارة حول موضوع الزواج بجديّة، وتأكد من معاملتها بلطف." هكذا صرخت الخالة سمية من وراء ابنها.

أجابها برهان وهو يغلق باب الغرفة: "حاضر يا أمي، لا تقلقي."

سحب برهان سارة لمسافةٍ طويلةٍ عبر ممر المشفى.

وما إن وصلا إلى نهاية الممر، فإذ بوجه برهان الودود قد انقلب إلى وجهٍ باردٍ يخلو من أي مظاهر الودّ.

قبضَ برهان عنق سارة بقوّة ودفعها إلى الحائط وهو ينظر إليها نظرات حادّة كالسيف: "أيتها المجرمة، لقد اختبرتِ صبري مرارًا وتكرارًا، والآن تتجرأين على القدوم إلى أمي، لقد تجاوزت كل الحدود! إذا حدث لأمي أي مكروه، فسأجعلكِ تتمنين الموت!"

احمرّ وجه سارة من شدة الاختناق، وقالت بصعوبة: "أنا... لم أكن أعرف.. أن الخالة سمية... هي أمك."

فهمت سارة أخيرا سبب كراهية برهان الشديدة لها، ولماذا أصرّ على الزواج منها رغم ذلك. كانت الخالة سمية قد أخبرتها من قبل في السجن أنها ستزوجها لابنها عندما تخرج.

ظنت سارة حينها أن الخالة سمية تمازحها.

لكن اتضح أنها كانت جادّة.

ضغط برهان على عنقها بقوة أكبر وقال:"أتعتقدين أنني سأصدقكِ؟ لقد تلاعبت بي مرات عديدة، أكلّ ذلك لتحصلي على المزيد؟ أم أنك كنت تخططين أن تصبحي سيدة عائلة رستم الثرية؟"

أغمضت سارة عينيها زاهدةً في تبرير أي شيء.

تاركةً برهان يخنقها حتى الموت، فعلى الأقل ستتمكن هكذا من البقاء مع طفلها الذي في بطنها إلى الأبد، وربما ستلتقي بوالدتها أيضًا.

وبينما هو يخنقها همست: "سأرتاح أخيرًا."

وبدأت الدموع تسيل من عينيها.

فأرخى برهان قبضته عن عنقها، وعاد إلى هدوئه.

ثم تحدث إليها بنبرة باردة وقاسية قائلًا: "أمي لم يتبق لها سوى شهرين في هذه الحياة، ويجب أن أحقق لها أمنيتها بالزواج منك، لكنني لن ألمسكِ! وبعد مرور شهرين، سأطلقكِ وأعوضكِ بمبلغ مالي كبير. لكنني أحذركِ، لا تتلاعبي بي مرة أخرى! وإلا سأجعلكِ تتمنين الموت على الحياة!"

ألم يتبق للخالة سمية سوى شهرين فقط؟

شعرت سارة بحزن عميق في قلبها.

وراحت تستنشق الهواء بعمق، وبعد لحظات، سألته بهدوء: "هل تريد أن تعقد معي صفقة زواج صوريّ؟"

فأجابها برهان بنظرة مليئة بالاشمئزاز وهو يتفحص عنقها وجيدها:"وهل ظننتِ أنكِ ستصبحين زوجتي حقًا؟"

استذكرت سارة على الفور ذلك اليوم في الحمام، عندما رأى آثار قبلات الرجل الميت على جسدها.

لا شك أنه كرهها وأنِف منها.

عضّت سارة شفتيها خجلًا وقالت: "يمكننا عقد الصفقة، لكن لدي شرط."

"تحدثي!"

قالت: "أريدك أن تسجل لي إقامةً في إحدى المدن الكبرى، لا يهم أي مدينة."

فكرت سارة في أنها إذا عادت إلى قريتها مع طفلها، فإن أهل القرية سيزدرونه لأنّه بلا أب.

لا تريد أن يتعرض طفلها للتمييز في المستقبل.

تريد أن تأخذه وتذهب به إلى مدينة بعيدة.

نظر برهان إليها غير مصدق وقال: "أهذا كل ما تريدينه؟"

استجمعت سارة شجاعتها وقالت: "وأريد ثلاثة آلاف دولارًا نقدًا الآن، كنفقة شخصية لي."

سيكفيها هذه المبلغ لإجراء فحص الحمل في المشفى، وتغطية جميع نفقاتها خلال فترة الحمل، وسيتيح لها كذلك العودة إلى بلدتها لزيارة قبر والدتها.

ضحك برهان بسخرية.

لقد تأكد في نظره أنها امرأةٌ جشعة.

فمع أنه وعدها بمبلغ من المال عند الطلاق، إلا أنها استغلت الفرصة وطلبت ثلاثة آلاف دولارًا بداعي النفقة الشخصية.

وإن طلبت اليوم ثلاثة آلاف، فليس ببعيد أن تطلب غدًا خمسة آلاف.

وإذا لم يلب برهان طلبها يوماً، ألن تهرب مجددًا لترغمه على دفع المزيد!

الطمع هاويةٌ لا تشبع حقًا!

كم عدد الأشخاص الذين أزالهم برهان من طريقه خلال السنوات القليلة الماضية؟ ألم يكن بإمكانه أن يتخلص من سارة أيضًا؟ بلى، ولكن والدته لا تطيق الانتظار.

أخرج برهان هاتفه وأجرى اتصالًا سريعًا، وبعد خمس دقائق، جاء مساعده حازم حاملًا بيده مغلفًا. أخذ برهان المغلف وأخرج منه خمسمائة دولارًا وأعطاها لسارة، وقال لها وهو يرمقها بنظراته من أعلى لأسفل: "يمكنني أن أعطيكِ ثلاثة آلاف دولارًا، ولكن بالتقسيط. القسط الأول هو خمسمائة دولار، وإذا تصرفتِ جيدًا أمام والدتي، سأعطيكِ باقي المبلغ تدريجيًا."

خمسمائة دولار فقط؟

تحتاج إلى إجراء فحوصات الحمل، واستئجار شقة جديدة، والبحث عن عمل، كيف ستكفيها خمسمائة دولار فقط؟

قالت: "ألف... ألف دولارًا! وليس أقل من ذلك."

قال برهان بنبرة باردة زعزعت كيان سارة:"مائتي دولارًا فقط!"

فسارعت سارة بتعديل كلامها قائلة:"خمسمائة دولار، أريد فقط خمسمائة دولار فقط"

فتجاهلها وقال:"مائة دولار فقط!"

زمّت سارة شفتيها بقوة لتمنع نفسها من البكاء. لقد اكتشفت أنها كلما حاولت التفاوض معه، سيخفض المبلغ أكثر.

مائة دولار، على الأقل يمكنني إجراء فحوصات الحمل بها.

"حسنا اعطني مائة دولار" قالت سارة وهي تبتلع ريقها، ومدت يدها لتأخذ المال.

فألقى برهان المال على الأرض.

قال برهان بنبرة استعلاء: "ما عليكِ إلا أن تؤدي دورك جيدًا." وسأتولى أنا أمر تجهيز عقد زواج لمدة شهرين، وعند انتهاء العقد، ستحصلين على أجرك كاملا. أما بالنسبة لمصروفك الشخصي، فستحصلين عليه فقط إذا أحسنت التصرف!" كانت سارة منشغلةً بجمع المال من الأرض، ولم تُنصت لما قاله برهان.

كانت المائة دولار هذه مهمة بالنسبة لها ولو على حساب كرامتها. وكان ذلك أهون عليها من قبول الصدقة من عائلة السيد سمير.

"ماذا قلت؟" انتهت سارة من جمع المال عن الأرض، ورفعت رأسها تسأل برهان.

ما كل هذا الذلّ!

رمقها برهان بنظرة حادّة قائلا: "تعالي معي! وتذكري أنكِ بحاجة إلى أداء دوركِ جيدًا! وإن حدث وأخطأت في الكلام..."

"لن أخطئ في الكلام." ردت سارة بهدوء.

لم يكن تعاونها مع برهان أجل مصلحتها الخاصة، بل لأنها كانت تشعر بالشفقة على الخالة سمية.

فقد كانت هي والخالة في السجن كالأم وابنتها.

والآن، الخالة سمية على أعتاب الموت، فحتى لو لم يعقد برهان معها تلك الصفقة، كانت سارة ستبذل قصارى جهدها لإرضاء الخالة سمية.

دخل الاثنان معًا، ففالت سارة والابتسامة تعلو وجهها: "خالتي سمية، كنت أنا وبرهان نتحدث في الخارج حول مسألة عقد الزواج. هل تلومينني على عدم الجلوس معك؟"

"يا ابنتي الغالية، كنت أتمنى أن تتزوجا في أقرب وقت، حينها سأكون مطمئنة." أمسكت السيدة العجوز بيد سارة وجذبتها نحوها وهمست لها: "عزيزتي، هل أنتِ راضية عن ابني؟"

ابتسمت سارة بخجل وقالت: "راضية جدًا."

"هل يمكنك الذهاب أنت وبرهان لتوقّعا عقد الزواج الآن؟ فأنا أتوق لأن تناديني بحماتي في أقرب وقت."

احتضنت سارة يد الخالة سمية بلطف قائلة: "سأفعل ما تقولينه يا خالة."

في تلك الظهيرة، ذهبت سارة برفقة برهان إلى مكتب الأحوال المدنية، والتقطا صورةً الزواج معًا، ثم طبعا بصماتهما على العقد، وأدّيا قسم الزواج، وحتى تلك اللحظة التي تم فيها إصدار شهادة الزواج ووضع الختم الرسمي عليها، لم تستطع سارة أن تصدق أن كل هذا حقيقي.

لقد تزوجته فعلًا.
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP