الفصل 8
اندهش السيد برهان أيضًا من تلك الفتاة التي ظهرت أمامه فجأة.

لم يكن يغطي جسدها أي ثياب في تلك اللحظة.…..كانت بشرتها محمَرَّة قليلًا لأنها فرغت للتو من الاستحمام، وتناثرت على كتفيها خصلات شعرها القصيرة والمتشابكة وكان الماء يقطر منها، وعلى وجهها الصغير الذي يضاهي كف اليد، امتزجت قطرات الماء مع بقايا البخار.

ولما وجدت سارة نفسها عارية هكذا تماما أمام السيد برهان، انكمشت على نفسها خجلًا، لكن دون جدوى.

وكان السيد برهان يرتدي هو الآخر ثيابًا خفيفة.

كان مفتول العضلات، فارع الطول، قوي البنية، عريض المنكبين، ممشوق الخصر، وكانت بشرته تميل إلى اللون البرونزي، وفوق عضلات ساعده الأيمن الصلبة القوية، كانت ثمة ندبتان مروِّعتان تبرزان مدى قوته وشراسته.

فلما نظرت سارة إلى ندبتيه هاتين، ارتجف قلبها رجفة شديدة.

لكن خجلها الشديد -لأنه رآها عارية- ألهاها عن ذلك الخوف.

حاولت سارة عبثًا أن تستر جسدها بيديها، لكن دون جدوى، فمدت ذراعها بحذر شديد تريد أن تتناول المنشفة.

فأحست في يدها بقشعريرة حادة.

"أنتَ…..ألم يكن من المفترض ألا تعود؟ لما..….لماذا عدت؟"، اصطكت أسنان سارة واحمرَّ وجهها حتى صار كما الرغيف المخبوز.

وأخيرا تناولت المنشفة، لكنها لم تستطع ارتدائها.

وبعد صعوبة، تمكنت من ارتدائها، لكنها اكتشفت أنها طويلة جدًّا تزحف أذيالها على الأرض.

حينئذ اكتشفت سارة أن هذا منشفة رجالية، فهي كبيرة وطويلة.

فكوَّمت المنشفة بسرعة وألقت بها نحو الخارج، وكلما ازداد ارتباكها أمعنت في ارتكاب الأخطاء؛ فداست بقدمها على طرف المنشفة، من ثم تعثرت وكادت تسقط على الأرض.

فصاحت بصوتٍ عالٍ: "آه…..".

وفي تلك اللحظة، مد السيد برهان ذراعه وطوَّقها نحو صدره لئلا تسقط على الأرض.

فتهادت إلى أنفه رائحة مألوفة، فأغلق عينيه بهدوء، ثم استلقى برأسه خلف رقبتها.

فأجهشت سارة بالبكاء خوفًا: "دعني…..اهئ اهئ اهئ".

وفجأة استفاق السيد برهان.

فسبَّها قائلًا: "اذهبي إلى الجحيم!"، والتقط المنشفة ولفها حول سارة ثم أمسكها ودفعها نحو غرفة النوم الإضافية، وألقى بها فوق السرير الكبير ثم انصرف.

أغلق برهان باب الغرفة خلفه بقوة.

واندفع نحو الحمام وفتح صنبور الماء البارد وأخذ يرش الماء على جسده بعنفٍ وغضب.

تكوَّرت سارة على نفسها فوق السرير، واحتضنت ساقيها وأخذت تلوم نفسها بقسوة، لماذا لم تُبدِ أي تجاوب معه حين احتضنها.

هل ترغبين في الزواج من عائلة ثرية يا سارة؟

أنتِ وقحة للغاية!

لا بد أن السيد برهان يمقتكِ الآن بشدة، كيف له أن يحب فتاة خرجت من السجن وحملت بطفل غير شرعي؟

أفيقي أيتها الجثة المنحطة!

قضت سارة ليلتها في غرفة الضيوف ساهرة لا هي نائمة ولا هي مستيقظة، ولما أفاقت في صباح اليوم التالي، لم تجد أحدًا في غرفة المعيشة، فالتقطت ورقة فارغة ودونت عليها رسالة قصيرة.

كتبت سارة بأسلوب متقن ولاذع، وهو نفس أسلوبها في المرة السابقة: "معذرًة سيد برهان، اعتقدت أنك لن تعود إلى هنا للنوم، لقد كنت مخطئة عندما استخدمت حمامك بالأمس، لكن ما فات مات، سأعتبر أن شيئًا لم يحدث، وأتمنى أن تفعل أنت أيضا الشيء نفسه".

ولما انتهت سارة من الكتابة وضعت الورقة وذهبت إلى المستشفى لزيارة الخالة سمية.

وفي الصباح، لم ترَ سارة تلك المدبرة ثانيًة، ففهمت أن هذا كله من تخطيط الخالة سمية؛ كانت تريد أن تضعهما أمام الأمر الواقع.

وما إن وصلت إلى المستشفى ودخلت الغرفة، أخذت السيدة سمية تحدجها ببصرها من أعلى إلى أسفل: "لمَ أتيتِ باكرًا هكذا يا صغيرتي؟ لم يكن عليكِ النزول من السرير اليوم، عليكِ أن ترتاحي قليلًا".

قالت سارة باستحياء: "أمي….لا تقولي ذلك".

فسألتها السيدة سمية بابتسامة خفيفة: "أخبري ماما، هل كانت ليلتكِ بالأمس سعيدة؟".

"آه"، أومأت سارة برأسها إيماءة مبهمة، ثم ألقت بنفسها بين أحضان السيدة سمية.

فضمتها السيدة سمية إليها وهي تقول: "أتعرفين، أنتِ تليقين جدَّا ببرهان؟ إن عين ماما لا تخطئ أبدا، ستقيم ماما لكِ زفافًا رائعًا…..".

"شكرًا لكِ يا أمي"، كانت سارة دائمًا ما تبدي امتنانها للسيدة سمية، على الرغم من تيقنها بأن هذا كله تمثيلية ليس إلا.

أما بالنسبة للسيدة سمية، فقد كان هذا كله حقيقيًّا لا تشوبه شائبة.

كانت السيدة سمية تريد حقًا أن تمنح سارة حياة هانئة.

بقيت سارة تؤنس السيدة سمية في غرفتها طيلة هذا الصباح، تسليها وتضحكها، لكن السيدة سمية سرعان ما أحست بالتعب من جراء مرضها، فأغمضت عينيها وخلدت إلى الراحة.

انتظرت سارة حتى نامت السيدة سمية ثم انصرفت.

كان عليها اغتنام الوقت للبحث عن وظيفة جديدة.

وإذ هي تمشي في الطريق، صادفها ملصق إعلاني عند إحدى زوايا محطة الأتوبيس: مطلوب مساعد مصمم معماري.

كانت سارة قد درست في الجامعة تخصص الهندسة المعمارية، لكن كل ما في الأمر، أنه قبض عليها في السنة الثانية فاضطرت للتوقف عن الدراسة، ولعل السبب الرئيس في علاقتها الطيبة بالخالة سمية داخل السجن، أنها كانت أيضًا مصممة معمارية من الطراز الرفيع.

وفي السجن، كان لديهما كثير من أوقات الفراغ، فكانا يقضيانها في الحديث عن الهندسة المعمارية.

لكنها للأسف لم تحصل على مؤهل جامعي، وما إن خرجت من السجن، ظهر موضوع حملها هذا، لا بد أن صاحبة العمل لن تقبل بها على أية حال.

لكنها تمسكت بزمام الأمل وقررت المحاولة.

تناولت سارة ورقة فارغة ورسمت عليها بضع رسومات معمارية تطبيقية، ئم ذهبت لطباعتها ووضعت الصورة في صندوق البريد الإلكتروني، ثم ضغطت على زر الإرسال.

وما إن فرغت من ذلك، وردتها مكالمة هاتفية من رقم مجهول: "مرحبًا؟".

"سارة"، كان ذلك هو صوت لينا وقد بدت مفعمة بالنشوة والغرور.

سألتها سارة بشيء من الارتياب: "كيف عثرتِ على رقم هاتفي؟".

"هههه"، ضحكت لينا وقالت: "لقد عرفتُ أين تسكنين، هل يصعب عليَّ معرفة رقم هاتفكِ!".

سألت سارة: "ما الأمر إذن!".

قالت لينا بلهجة تفتقر إلى الود: "بالأمس كان مزاجي عكرًا، تعالي اليوم في حدود الساعة الرابعة أو الخامسة مساءً لأخذ صور أمكِ!".

سارة: ".…..".

لم تشغل سارة بالها بسر التغير المفاجئ الذي طرأ على لينا من الأمس إلى اليوم، كان كل ما يشغلها هو أن تأخذ صور والدتها بأسرع ما يمكن.

وفي حدود الساعة الرابعة أو الخامسة مساءً، ذهبت سارة إلى منزل السيد سمير الخولي مرة أخرى.

وما إن فُتح الباب، نظرت سارة بملامح جامدة إلى السيدة غادة وقالت: "أين صور أمي؟ من فضلكِ أعطيني إياها وسأنصرف حالًا".

"فيمَ العجلة يا سارة؟"، ثم نظرت إليها السيدة غادة بوجه بشوش: "ما دمتِ قد أتيتِ فلتجلسي قليلًا".

قالت سارة بهدوء: "لا أريد، اعذريني!".

"أوه"، قالت السيدة غادة بلهجة ماكرة: "هل تتكبرين على الجلوس في المنزل الذي آواكِ ثمانِ سنوات؟ أما عدتِ في حاجة إلى الإعانة المالية التي كانت تمنحها لكِ عائلة الخولي؟ أم أنكِ عثرتِ على ثروة مؤخرًا؟".

نظرت سارة إلى السيدة غادة وقالت بعزة وشموخ: "صدقتِ! لقد عثرتُ على زوج أغنى من عائلتكم مائة مرة، ربما سأكون أنا من يتصدق عليكم فيما بعد".

سكتت السيدة غادة وصرَّت على سِنِّها الفضية.

تهادى صوت لينا من ناحية المدخل وهي تقول: "لماذا صوتكِ عالٍ هكذا يا أخت سارة؟ فلتصطحبي إذن زوجكِ الثري هذا لتعرفينا عليه".

التفتت سارة فوجدت رجلًا وفتاة قادمين معًا.….كانت الفتاة هي لينا.

أما الرجل، فكان هو السيد برهان!
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP