كانت غرفة سارة تعج بالفوضى.كانت عند المدخل شنطة جلدية من جلد الثعبان فاغرة فمها، وكأنها بسطة مفروشة على الأرض، وبداخلها ثياب مبعثرة، وفوق السرير ثياب أخرى متناثرة. ألقى السيد برهان نظرة عن كثب، فوجد أن هذه الثياب إما هي من النوع الرخيص جدًا، وإما هي ثياب قديمة للغاية أشبه بخِرَق بالية.ما السبب في كون غرفتها فوضوية هكذا، تُرى هل أخذت الخمسة آلاف دولار وهربت؟تحلى السيد برهان بالهدوء، وأغلق باب الغرفة وأخذ المفاتيح، ثم انطلق بسيارته إلى المستشفى التي تتواجد فيها أمه.فلم يجد سارة في المستشفى.أخرج السيد برهان هاتفه واتصل برقم سارة.كان يمكن أن يسامحها حتى لو خدعته، لكن أن تخدع أمه التي لم يتبق لها سوى شهرين في هذه الدنيا، فستكون قد تجاوزت بذلك كل الخطوط الحمراء.حينها لن يتردد السيد برهان عن فعل أي شيء ليعثر على سارة، حتى لو اضطره ذلك إلى اقتراف مذبحة في مدينة السحاب!لكن ما إن رن الهاتف رنة واحدة، أجابت سارة على الفور.قالت بنبرة منفعلة قليلًا: "سيد برهان، لم أذهب بعد إلى الخالة سمية، سأنجز بعض الأمور خارج المنزل، ثم أعود خلال وقت وجيز".كظم السيد برهان غيظه وسألها: "أين أنتِ!"، "أنا…
تفاجأت سارة.ثم تذكرت أن اليوم هو يوم إقامة حفل خطوبة السيد برهان ولينا.فقد سمعت السيد سمير يقول ذلك أول أمس عندما كانت في منزله لسداد ديْنِها.رفعت سارة عينها ونظرت إلى ملابس لينا وفستان خطبتها الرائع والقلادة الماسية حول رقبتها وأقراط الماس في أذنيها والتاج الذي فوق رأسها.كانت لينا جميلة وكأنها حورية من الجنة نزلت إلى الأرض.بالطبع يجب أن تكون كذلك، فهي الشخص الأهم في هذا اليوم.لكن ماذا أفعل أنا هنا؟نظرت سارة إلى ما ترتديه، فوجدت أن قميصها الأبيض ملطخ برواسب مسحوق الغسيل، وتنورتها السوداء بالية ومليئة بالخدوش.هل جئت إلى هنا لتناول وجبة مشبعة؟تُرى ما الذي يفكر فيه السيد برهان....!ما دخلي أنا بمأدبة الخطبة التي أُعدت على شرف الخطيبين، ولماذا جعلني آتي إلى هنا كالحمقى....! تملك الغضب من قلبها.نظرت سارة إلى لينا بنظرة حادة يملؤها الحزن: "حسنًا، ماذا أفعل هنا يا تُرى؟".نظرت لينا إلى سارة وهي تتمنى أن تمزق وجهها وتقطعها إربًا: "أنتِ! سارة! كم أنتِ وقحة! إن اليوم حفل خطبتي أنا والسيد برهان، وقد أتيتِ إلى هنا بهذه الملابس القذرة البالية، ولماذا تمشين بعرجٍ هكذا وقدماكِ متباعدتان! ه
قالت سارة في ذهول: "أنت......ماذا تقول؟".رغم هدوئها الدائم وتعاملها مع الأمور بلامبالاة، إلا أن كلمات السيد برهان في تلك اللحظة صدمتها بشدة. لم يقدم السيد برهان أي تفسير، بل أمسك بيدها بقوة وسحبها إلى ممر في نهاية المطعم وقال: "هيا، لقد أضعتِ وقتًا طويلًا".ذهل السيد فؤاد هو الآخر، فهو من أحضرها في سيارته من موقع البناء إلى هنا، ومن ثم تظاهر أمام الجميع بأنها رفيقته. أمسك السيد فؤاد برأسه من شدة الخوف، وبدأ يبحث عن هاتفه وهو في حالة توتر شديد، ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصالًا.لم يتأخر الطرف الآخر في الرد وأجاب بسرعة.تحدث السيد فؤاد وهو يبكي: "قد أُقتل يا مختار".سأل مختار السيد فؤاد بلهجة ساخرة وهو يقود سيارته على الطريق: "ماذا حدث؟ لا تخبرني أن الفتاة التي اصطحبتها من موقع البناء قبل ساعة قد استسلمت لك بسرعة، أو أنها لم تستسلم وحاولت قتلك؟"."لست في مزاج جيد لمزاحك هذا، هذه المرأة ستصبح زوجة السيد برهان".مختار: ".........". سكت مختار لبرهة ثم قال: "حسنًا يا فؤاد، أنا أقود السيارة الآن، لا أستطيع التحدث معك، مع السلامة"."مختار، مختار......"، انقطعت المكالمة، وبقي السيد فؤاد وحده مذهول
استبدلت سارة تنورتها المتسخة وقميصها الأبيض البالي بفستان زفافٍ وصندلٍ بكعب عالٍ من الكريستال. وسارة بطبيعتها طويلةٌ رفيعة العود، ويبلغ طولها مترًا وسبعين سنتيمترًا. والآن، وبعدما ارتدت هذا الصندل الكريستالي الذي يصل ارتفاع كعبه إلى عشرة سنتيمترات، بدت أكثر طولًا وأناقة، مع ساقين ممشوقتين ومثاليّتين.كانت قد انتهت لتوّها من تبديل ملابسها، ولم تكن قد وضعت أيّ مكياج بعد. لكنها بملامحها الطبيعية الخالية من أي مساحيق تجميل، كانت جميلةً كفاية لتُفقد برهان توازنه تمامًا. وكان لديها نوع من البرود العاطفي العفويّ، كأن لا شيء في هذا العالم يهمها، ومع ارتداءها فستان الزفاف المصمم بإتقان، زاد جمالها الطبيعي الذي يظهر منها دون أي تكلف أو مبالغة.كانت تنظر إليه ببساطة وبراءة، دون أن تنطق بكلمة.شعر برهان فجأة بغضب يشتعل بداخله ولا يعرف له سببًا. فقال بنبرةٍ ظاهرها البرود:"ماذا كنت تفعلين هذا الصباح؟ هل تعلمين أنك كنت على وشك أن تفسدي لي أمرًا مهمًا!""أليس حفل الزفاف هذا لنا؟" سألت سارة بصراحة تامّة.ثم تابعت قائلة :أنا لست بحاجة إلى هذا الزفاف! وأنت أيضًا لست بحاجة إليه، فبعد شهرين ستتزوج لينا.
فطنت سارة للأمر على الفور. واتضح لها أن الخالة سميّة هي من خططت لكل ذلك بعناية.فقد أخبرتها بالفعل قبل أيام قليلة أنها ستحضّر لها مفاجأةً كبيرة.شعرت سارة بشعور دافئ يعمّ قلبها.فبغض النظر عن كيفية معاملة برهان لها، كانت الخالة سميّة هي الحضن الدافئ الوحيد الذي يحتوي سارة في هذا العالم، ولم يتبق لها سوى شهرين لتعيشهما، فمن أجل الخالة سميّة على الأقل، كان يجب على سارة أن تتعاون مع برهان، ليقدما تمثيليةً مُتقنة." "شكرًا لك يا أمي، أحببت هذه المفاجأة كثيراً، أنظري يا أمي، هذت فستان الزفاف الذي صممه لي برهان، هل هو جميل؟" سألت سارة الخالة سمّية وهي ترفع فستان زفافها.نظرت الخالة سميّة إلى الفستان، وطالعته بعينيها عدّة مراتٍ صعودًا ونزولًا، ثم احمرّت عيناها وقالت:" عزيزتي سارة، لم أتوقع أن تكوني جميلة جدًا بهذا الماكياج، أنت وبرهان زوجان مثاليان حقًا."لم تستطع الخالة سميّة إطباق شفتيها من شدّة الفرح. كانت كلماتها صادقة وتخلو من أي مبالغة.لم تكن الخالة سمية وحدها من رأت أن سارة وبرهان يشكلان ثنائيًا مثاليًا، بل حتى موظفي المطعم لاحظوا التوافق الكبير بينهما.قالت الخالة سمية بنبرة أسف واع
والمدعو أبو الرّوس، هو بلطجيّ ذائع الصيت في مدينة السّحاب، وقد كان هو المدبّر لجميع التهم التي لُفقت لسارة قبل وبعد دخولها السجن. وقد تعاونت عائلة السيد سمير مع أبو الرّوس أكثر من مرة من قبل، لكن هذه المرة كانت لينا تنوي الإقدام على أمر أكثر بشاعة.لم تكن عائلة السيد سمير قبل مصاهرتها للسيد برهان تخطط لقتل سارة، وذلك لأنهم كانوا خائفين من المشاكل التي قد تنجم عن ذلك وتعرقل زواج ابنتهم، والسبب الثاني هو أن لينا أرادت أن تخبر سارة بنفسها أن كل الرخاء والرفاهية التي صارت تعيشها جاءت على حساب شرف سارة الذي ضحّت به.كانت تريد بذلك أن تغيظ سارة وتقتلها ببطء.ولكن الآن، لم تعد لينا تهتم بكل ذلك.كل ما تريده هو موت سارة! والآن!طلب أبو الروس مليون دولار.فوجئت لينا وقالت: "أبو الروس! أنت جشعٌ جدًا!"ضحك أبوالروس بخبثٍ وقال: "أعرف من هي المرأة التي تريدين التخلص منها، ولن أكتفي بقتلها، بل سأجعلها تعاني قبل أن تموت لتشفي غليلكِ منها، وإذا أردتِ، يمكنكِ مشاهدتي وأنا أعذبها. ألا يستحق الأمر هذا الثمن؟"وافقت لينا على الفور وقالت: "حسناً! سأدفع المليون!"على الرغم من أن هذا المبلغ ليس صغيرًا بالنسب
كيف وصلت إلى غرفة نومه؟لمعت عينيّ برهان في تلك اللحظة بنظرات قاسية وغاضبة.فبعد انتهاء زفافه مع سارة، تلقى مكالمة طارئة من جده الأكبر رستم، مما اضطره للانصراف فورًا.كان الجد رستم يبلغ من العمر ستة وتسعين عامًا، ورغم تقاعده منذ نحو أربعين عامًا من منصب رئيس مجموعة رستم، إلا أنه لا يزال يتمتع بسلطة كبيرة داخل العائلة، تمامًا مثل الإمبراطور السابق الذي يظلّ له قدره وتأثير حتى بعد نزوله عن العرش.وقبل أكثر من شهر، بعد أن تمكن برهان من السيطرة على مجموعة رستم وإزالة كل العقبات التي كانت تعترض طريقه، تلقى أمرًا واضحًا من جده.قال له جده بنبرة ظاهرها الأمر وباطنها التوسل: "بما أنك قد تخلصت من جميع المعارضين، فلا تقتل الباقين. إذا وعدتني بذلك، فلن أتدخل في شؤونك مرة أخرى".أجابه برهان بوجهٍ عابس: "حسنًا."ولم يتدخل جده في شؤونه طوال الشهرين اللذين تولى فيهما إدارة مجموعة رستم.ولكن اليوم، وبعد انتهاء حفل زواجه من سارة، وقبل أن يوصل والدته إلى المشفى، استدعاه الجد رستم على وجه السرعة.ظن برهان أن الجد قد علم بأمر زواجه، لكنه عندما وصل إلى المنزل القديم، اكتشف أن فؤاد، ابن عمته الثانية، يستغيث
استمعي إليّ جيدًا! قال برهان بصوت أجشٍّ وبارد، وبكلماتٍ حادّة كالسيف: "إذا تجرأتِ على اقتحام غرفتي مرة أخرى، فستموتين!" أومأت سارة برأسها وهي ترتجف كغزال صغير تائه، وأهداب عيناها الطويلة الملتوية ترمش بسرعة. استدار برهان وأخذ السوار الأخضر من على منضدة السرير، ثم حمل سارة وخرج بها من غرفته، ودخل إلى غرفتها ووضعها على السرير، ثم أعاد السوار إلى معصمها وهو يقول:" ارتديه غدًا عندما تزورين والدتي، سيسعدها ذلك كثيرًا." قالت سارة بصوت خائف ومتقطع: "حسنًا.. فهمت." ثم خرج برهان.فأسرعت سارة بإغلاق الباب خلفه، ثم سندت ظهرها على الباب وقد خارت قواها، وفقدت ساقاها القدرة على حملها، فجلست على الأرض وهي تلهث.شعرت وكأنها عادت من الموت، ولم يكن الأمر يستحق كل ذلك الذعر.وبعد أن هدأت قليلًا، خلعت فستان الزفاف وحذائها الكريستالي، واغتسلت وتوجهت إلى الفراش.فغدًا هو يومها الأول في العمل، ويجب أن تكون في حالة جيدة.وفي اليوم التالي، استيقظت سارة مبكرًا وذهبت إلى المشفى لزيارة الخالة سمية، وحرصت على أن يكون السوار ظاهرًا على معصمها، مع ارتسام ابتسامة خجولة على وجهها.وفور أن رأت الخالة سميّة السوار