الفصل 16
استبدلت سارة تنورتها المتسخة وقميصها الأبيض البالي بفستان زفافٍ وصندلٍ بكعب عالٍ من الكريستال. وسارة بطبيعتها طويلةٌ رفيعة العود، ويبلغ طولها مترًا وسبعين سنتيمترًا.

والآن، وبعدما ارتدت هذا الصندل الكريستالي الذي يصل ارتفاع كعبه إلى عشرة سنتيمترات، بدت أكثر طولًا وأناقة، مع ساقين ممشوقتين ومثاليّتين.

كانت قد انتهت لتوّها من تبديل ملابسها، ولم تكن قد وضعت أيّ مكياج بعد.

لكنها بملامحها الطبيعية الخالية من أي مساحيق تجميل، كانت جميلةً كفاية لتُفقد برهان توازنه تمامًا.

وكان لديها نوع من البرود العاطفي العفويّ، كأن لا شيء في هذا العالم يهمها، ومع ارتداءها فستان الزفاف المصمم بإتقان، زاد جمالها الطبيعي الذي يظهر منها دون أي تكلف أو مبالغة.

كانت تنظر إليه ببساطة وبراءة، دون أن تنطق بكلمة.

شعر برهان فجأة بغضب يشتعل بداخله ولا يعرف له سببًا. فقال بنبرةٍ ظاهرها البرود:"ماذا كنت تفعلين هذا الصباح؟ هل تعلمين أنك كنت على وشك أن تفسدي لي أمرًا مهمًا!"

"أليس حفل الزفاف هذا لنا؟" سألت سارة بصراحة تامّة.

ثم تابعت قائلة :أنا لست بحاجة إلى هذا الزفاف! وأنت أيضًا لست بحاجة إليه، فبعد شهرين ستتزوج لينا. وإذا أقمت حفل زفافٍ لي الآن أمام عائلة السيد سمير، فسوف يتخذونني عدوّتهم اللّدودة!"

أمسك برهان ذقن سارة برفق وقال غير مبالٍ: "استمعي إليّ جيداً، سواء أنت المدينة بشيء لعائلة السيد سمير، أم هم المدينون لكِ، وإلى أي مدى وصل تعقيد العلاقة بينكم، فكل ذلك لا يهمني.

وماذا عن فؤاد!

كان من المفترض أن يكون اليوم هو يوم زفافنا، ولكنك خرجتِ من سيارته بهندام مبعثروغير مرتب.

يبدو أن ماضيك أكثر عكارةً من ماء البحر.

قال برهان تلك الكلمات وهو يشعر بضيق وغضب شديدين.

فقد رأى بعينيه حين خرجت سارة من سيارة فؤاد، و كان هو في ذلك الوقت يهاتف المشفى ليطلب منهم تأخير وصول والدته ساعة واحدة.

وبعدما أنهى المكالمة، رأى فؤاد يترجل من السيارة.

ثم احتضن سارة أمام أعين الجميع، وبدا أنه راق لها ذلك.

"يا لها من وقاحة حقًا!"

"سيد برهان!" كان فكُّ سارة يؤلمها بشدة بسبب قبضة برهان القوية.

لكنها زمّت شفتيها وتماسكت ولم تصرخ من الألم، وتحدثت إليه بنبرة هادئة:"العلاقة بيننا هي صفقة مؤقتةٌ لمدة شهرين فقط. عندما ذهبتَ إلى عائلة السيد سمير، كنت تناقشهم في ترتيبات الزواج أمامي، ولم أزعجك أبدًا آنذاك؛ لذلك أتمنى ألا تتدخل في علاقاتي الشخصية."

ضحك برهان ببرود، هذه المرأة لديها جرأة كبيرة حقًا.

لدرجة أنها تساومه.

"هل تعتقدين أن لكِ حقٌ في الكلام هنا؟" سألها برهان متهكمًا.

ردت سارة: "ولم لا يكون لي؟ أليست هذ علاقة تعاونٍ بيننا؟"

فأجابها ببرود شديد: "لأنني أنا من يدفع لكِ، وأنتِ من تقدمين لي الخدمة، لذلك فمن الطبيعيّ ألا يكون لك حق في الكلام! وبما أنكِ قد وقّعتِ عقد الزواج معي، فالزمي الصمت، وافعلي ما يجب عليكِ كزوجة محترمة، واخدمي حماتك بإخلاص! وإذا اكتشفتُ أنك فعلتِ أي شيء سيئ خلال فترة زواجنا، فسيكون مصيركِ الهلاك غير مأسوفٍ عليك!" كان صوته غايةً في الهدوء.

لدرجةٍ يلتبس فيها على السامع تمييز شعوره.

لكن سارة كانت تعلم جيدًا أنه رجلُ قاسي القلب لا يرحم، إلى جانب أنه ثريّ وصاحب سلطةٍ ونفوذ كبيرين.

وإلّا لما كان أفراد عائلة السيد سمير يخافونه إلى هذا الحد، ويتصرفون أمامه كالخدم، ولما كانت لينا تتلهف بشدة للزواج منه.

عضّت سارة شفتيها، وليّنت نبرة صوتها قائلةً: " ذهبت اليوم إلى موقع بناء للتقديم على وظيفة، وكان فؤاد ابن صاحب شركة العقارات موجودًا في موقع البناء الذي قدمت فيه طلبي، كنتِ مستعجلة جدًا عندما اتصلتِ بي كي آتي إلى هنا، ولم أجد سيارة تقلّني، فاقترح فؤاد أن يوصلني بنفسه، هذا هو كل ما بين وبيني فؤاد."

قطب برهان حاجبيه متسائلًا: "ما هي هذه الوظيفة التي تقدمتِ بطلب للحصول عليها؟"

قالت سارة بنبرة فيها بعض الحزن: " عاملة نقل طوب."

لقد بذلت سارة جهدًا كبيرًا في رسم التصاميم والمخططات المعماريّة يدويًّا، حتى أخرجتها بشكل مثاليّ ودقيق. ولكن بسبب عدم امتلاكها للشهادات الأكاديمية، لم يكن فريق التوظيف في شركة العقارات مهتمًا بها، وكانوا يرغبون في استغلالها كـ "مصممٍ خفيّ"، وهو المصمم الذي يحضّر اللوحات للمصممين المشهورين دون أن تُنسب الأعمال إليه، بل تُنسب حقوق العمل كاملة إلى المصمم المشهور.

لذلك فحتى إن أتقنت سارة التصميم بشكل أفضل، فما كان لذلك أن يفيدها بشيء.

وكما فهمت سارة من حديث فؤاد أنها قد تضطر للقيام بأعمال متفرقة في موقع البناء لاحقًا.

"هل ذهبتِ إلى موقع البناء لنقل الطوب؟" لم يستطع برهان إخفاء دهشته.

"هل ستحدد لي شروطًا للعمل أيضًا يا سيد برهان؟" سألت سارة ببرودٍ مع ابتسامة ساخرة.

كان غضب برهان قد هدأ كثيرًا بعد كلام سارة، فأفلتها وأمر خبيرة التجميل قائلاً: "ضعي لها الماكياج، سأنتظر في الخارج."

"أمرك سيد برهان." أخذت خبيرة التجميل سارة إلى الداخل، وكان ثمة طاولة تجميل عليها كل أنواع مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة.

وبعد نصف ساعة، انتهت سارة من وضع المكياج.

ثم خرجت سارة من غرفة التجميل بعد أن وضعت لها خبيرة التجميل طرحة الفستان. كان برهان ينتظرها خارجًا، وعندما رآها أصيب بالدهشة مرة أخرى.

لم يبق أمامه إلا أن يعترف بأن سارة في غاية الجمال.

ببشرتها الطبيعية، التي تتجسد فيها براءةٌ صافيةٌ لم يطلها عناء الدنيا، وكيف أضفى الماكياج عليها جمالًا خاصًا، بدت به وكأنها بياض الثلج، بجمال فريد لا يضاهى.

ولو كانت لينا في تلك اللحظة، ترتدي الفستان وتضع الماكياج، وتقف أمام سارة، لبدت أقل منها جمالًا بكل تأكيد.

وقف برهان مشدوها ومتسمّرًا لعدة ثوانٍ، ثم رفع ذراعه وأمرها: "هاتِ ذراعك."

سارة: "....."

بخلاف اليوم الأول عندما أخذها إلى منزله، والتصادم الذي حدث بينهما في الحمام، وأيضًا عندما أمسك بها بقوة وسحبها في المرة الأخيرة، لم يكن لسارة أي تواصل جسديّ قريب مع برهان، سوى هذه المرة.

كانت هناك فجوة من الغربة بينهما.

وقفت سارة مترددةً، فأمسك برهان ذراعها بقوّة ومدّها غصبًّا، ثم تأبّطها تحت ذراعه.

شرد ذهن سارة فجأة.

وتذكرت ذلك الرجل الذي كان على وشك الموت في الغرفة المعتمة، كان قويًا وحركاته عنيفةٌ جدًا، بعد أن استمتع بها من الأمام، جعلها تستدير وظهرها إليه، واحتجزها بين ذراعيه، ولم تستطع سارة مقاومته، ولم تتمكن من رؤية وجهه، كل ما تتذكره هو أنه كان يمدّ ذراعيها بقوة بالطريقة ذاتها التي مدّها بها برهان للتوّ.

وفي غمرة شرودها، سحبها برهان إلى بهو المطعم.

عرفت سارة أنه يريدها أن تستقبل معه شخصًا ما.

وبمجرد وقوفهما عند باب المطعم، رأيا شخصًا يدفع كرسيًا متحركًا نحوهما، وبنظرة فاحصة، تأكدت سارة من أن الجالسة على الكرسي المتحرك هي الخالة سميّة.

نظرت الخالة سمية إلى سارة بعينين حنونتين وسألتها: "عزيزتي سارة، هل أحببتِ هذه المفاجأة التي أعدّتها لكِ أمكِ؟"

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP