الفصل 3 
"ماذا؟" قطبَ برهان حاجبيه غضبًا، ثم دخل مسرعًا.

كان الحمام فارغًا، ولم يجد وراءها سوى عبارةً مكتوبةً بالدم على الحائط: "سيد برهان، على الرغم من أنك تفوقني في المكانة الاجتماعية، إلا أنني لا أريد الزواج منك، وداعًا بلا لقاء!"

كانت هذه العبارة مكتوبة بخط واضحٍ وحادّ، يعبّر عن عزيمةٍ صلبةٍ لا تلين.

وقف برهان مشدوهًا وحائرًا.

هل كانت المعلومات التي جمعها عنها خاطئة؟

بعد ثوانٍ قليلة، أمر بصوتٍ صارم: "ابحثوا عنها في الجبل الخلفي!"

لم يكن باستطاعة برهان أن يترك والدته تموت وفي قلبها أمنية لم تتحقق.

شقّت الأغصان والأشواك المتشابكة طريقها في ملابس سارة، ولكنّها ساعدتها في التشبث والنزول عن الجبل بسلام. ثم اختبأت تحت غطاء كثيف من الأغصان المتشابكة لتتفادى أعين أفراد عائلة برهان الذين كانوا يفتشون عنها.

ومع حلول الظلام، تمكنت سارة من الوصول إلى الجانب الآخر من الجبل.

وفي الصباح الباكر، توجهت إلى منزل السيد سمير.

فوجئ السيد سمير الخولي وزوجته السيدة غادة برؤية سارة. فسألتها السيدة غادة بخوف: "كيف تمكنتِ من الهروب من السجن؟"

ردّت سارة بسخرية: "مدام غادة، لقد أنهيت مدة محكوميتي."

قالت السيدة غادة بنبرة حادّة: "لكن ليس من حقك القدوم إلى منزلنا، أنتِ متّسخة ورائحتك كريهة. اذهبي من هنا على الفور!"

لم تكترث سارة بنظرات السيدة غادة ووجهت كلامها إلى السيد سمير قائلةً: "يا عمّ سمير، أنتما تعرفان جيدًا كيف وصلت إلى السجن. وقد زرتماني هناك قبل أربعة أيام وقلتما لي أنني إذا ذهبتُ إلى مكان ما وقضيت ليلة واحدةً مع رجل ستعطياني مبلغًا من المال لإنقاذ والدتي، وقد ذهبت بالفعل كما طلبتم مني، لكن والدتي توفيت".

أجاب السيد سمير مرتبكًا: "إنها إرادة الله! كنت أريد مساعدتك، لكن والدتك توفيت بسرعة، هل أنا المُلام في ذلك؟"

نظرت سارة إلى السيد سمير بغضب شديد.

وكانت تغرس أظافرها في لحمها بصعوبة كبيرة، تحاول كظم غيظها لتمنع نفسها من الانقضاض على السيد سمير وقتله. لكنها لم تكن تملك دليلًا قاطعًا على تورطهم بوفاة والدتها، لذلك كان عليها أن تتحمل.

صرّت سارة على أسنانها وسألت بصوت خافت: "أين دفنتم والدتي؟"

أجاب السيد سمير بتردد: "دفنتها في مقبرة قريتكم القديمة بالطبع! لقد قدمت لك كل ما تحتاجينه طوال ثمان سنوات، هل تتوقعين مني أن أشتري قطعة أرض خاصة لأدفن والدتك فيها؟ أنتِ فتاة ناكرة للجميل، انصرفي من هنا!"

وبينما كان السيد سمير يهمّ بإغلاق الباب، ألقى مائة دولار على الأرض قائلًا: "هذه أتعابكِ مقابل تلك الليلة!"

تذكرت سارة تلك الليلة فشعرت بغصّة في قلبها.

رفعت رأسها وقالت بصوت عنيد مختلط بالحزن: "حتى لو كان هناك مقابل، فقد كان على ذلك الرجل أن يدفع لي، وليس أنت.

وبما أنه قد مات فلا حاجة للمال، ناهيك عن أنني لست سلعةً تُشترى بالمال، وقد وافقت على طلبك من أجل إنقاذ والدتي، وكردٍ لجميلك على تربيتي طوال ثمان سنوات، والآن قد صفّينا حساباتنا".

لقد كان العيش تحت رحمة عائلة السيد سمير لمدة ثمان سنوات كافيًا لسارة!

وقد عزمت على ألا تعود إلى منزلهم مرة أخرى.

وإن عادت، فلكي تثأر لوالدتها بلا شك!

عندما رأى السيد سمير سارة تغادر بملابسها المهترئة والبالية، وقع في قلبه شيء من الحزن عليها.

فصرخت زوجته غادة بغضب: "ما الأمر؟ أتشفق عليها وعلى والدتها؟ لا تنسَ يا سمير، لا تنسَ أنها السبب في وفاة ابنتنا! لقد ولدتا في اليوم ذاته، فلماذا عاشت هي وماتت ابنتنا فور ولادتها؟"

أجاب السيد سمير: "أنا... لا أشفق عليها، لكن المشكلة أنها خرجت للتو من السجن، وإذا علمت أن الرجل الذي نامت معه تلك الليلة لم يمت، بل أصبح أقوى رجل في عائلة رستم ، فسوف نقع في ورطةٍ كبيرة!"

ضحكت السيدة غادة بسخرية وقالت: "إنها لا تعرف حتى من نامت معه، فما الذي تخاف منه أنت؟ المهم الآن هو أن يتزوج السيد برهان من ابنتنا العزيزة لينا، وبمجرد أن تحمل ابنتنا منه طفلًا، فلن يتمكن أحد من إيذائنا أبدًا."

تنهّد السيد سمير وقال: "والد السيد برهان شديد التمسك بالعادات والتقاليد، وأخشى أن يحتقر لينا لأنها ابنتنا بالتبني."

قالت السيدة غادة بابتسامة متكبرة: " يحتقرها! إن برهان ذاته ابنٌ غير شرعي، ولم يكن لديه أي حق في الميراث، ومع ذلك استطاع بين ليلة وضحاها أن يسيطر على مجموعة شركات الأزياء.

"ما دام برهان يعتقد أن الفتاة التي ضحّت بعذريّتها من أجله تلك الليلة هي لينا، فلن يتمكن أحد من منع زواجهما. انتظر يا سمير حتى تصبح ابنتنا العزيزة السيدة الأولى لأغنى وأوجه عائلة في المدينة الجنوبية."

أومأ السيد سمير رأسه مسرورًا.

وتلاشى من قلبه أي شعور بالشفقة تجاه سارة.

كانت سارة قد قطعت مسافة حوالي مائتي متر، وما إن كادت تنعطف إلى الطريق الرئيسية، وإذ بسيارة رياضية حمراء فاخرة تعترض طريقها.

ترجّلت لينا من تلك السيارة وكانت ترتدي حذاءً بكعب عالٍ، وتوجهت نحو سارة بغطرسة وقالت: "يا إلهي، أليست هذه سارة، الفتاة الفقيرة التي كانت تتسوّل في منزلنا لثمانِ سنوات؟ مع كم رجل نمتِ دون أن تستحمي؟ رائحتك الكريهة لا تحتمل، هل أتيت إلى منزلنا مرة أخرى لتتسوّلي؟ لقد صرتِ عاهرةً بالفعل، فبأي وجهٍ وقحٍ ما زلتِ تأتين...؟"

لم تكمل لينا كلامها وإذ بسارة تفاجئها بصفعة مدوّية.

خلّفت الصفعة آثار خمسة أصابع متّسخة على وجه لينا.

تحسّست لينا وجهها وأخذت تشمّ رائحته، ثم صرخت بغضب: "أيتها ال... كيف تجرأتِ على ضربي؟"

أجابتتها سارة بصوت هادئ وغير مبالٍ: "حسنًا، الآن أنتِ مثلي تمامًا، متسخة ورائحتك كريهة."

ثم استدارت سارة وغادرت.

وقفت لينا مصدومةً من برود سارة لدرجة أنها لم تجرؤ على اللحاق بها والتشاجر معها.

ثم ذهبت سارة بعد ذلك إلى أكثر الأماكن قذارةً وعشوائيةً في المدينة الجنوبية، واستأجرت فيه سريرًا مؤقتًا للإقامة.

لم يكن معها حتى أجرة العودة إلى بلدتها، لذلك أرادت العثور على عمل في المدينة الجنوبية لتوفير بعض المال تدريجيًا، ولكن بسبب خروجها من السجن مؤخرًا، لم ترغب أي شركة في توظيفها، لذلك اضطرت سارة إلى الحصول على هوية مزورة باسم روان.

وبعد بضعة أيام، نجحت في العثور على وظيفة نادلةٍ في مطعم فاخر، وعلى الرغم من أن الراتب كان قليلًا، إلا أن سارة كانت في غاية السعادة.

ونظرًا لجدّها ونشاطها، وشخصيتها اللطيفة والودودة، حصلت سارة على ترقية بعد ثلاثة أسابيع لتصبح نادلة خاصّة بمقصورات كبار الشخصيات.

قال المدير بصوت عالٍ وهو يناديها باسمها المستعار: "روان، تذكري أن مقصورات كبار الشخصيات تختلف عن صالة المطعم الرئيسية، فالزبائن هناك مميزون جدًا، يجب أن تكوني في غاية الحذر حتى لا ترتكبي أي أخطاء."

أومأت سارة برأسها قائلة: "فهمت سيدي."

مر الأسبوع بشكل جيد، وكان العمل يسير على ما يرام.

وفي وقت فراغ سارة، تحدثت معها بعض النادلات.

قالت إحداهن: "يا روان، أنتِ محظوظة جدًا، فقد حصلتِ على ترقيةٍ إلى نادلة خاصّة بمقصورة كبار الشخصيات في وقت قصير. لكن مع طولك الذي يتجاوز الـ 170 سم، ووجهك الصغير، وساقيك الطويلتين، يمكنك بسهولة أن تصبحي مضيفة طيران أو عارضة أزياء أو حتى تدخلي مجال التمثيل."

زمّت سارة شفتيها، وأحنت رأسها وذهبت.

فشعرت زميلاتها بالإحراج بعد أن تجاهلتهن، وما إن ابتعدت سارة قليلًا، حتى بدأت زميلاتها يتحدثن من وراء ظهرها: "إنها مجرد نادلة في مقصورة كبار الشخصيات، فلماذا تتكبر علينا هكذا؟"

"هل تعتقدن أنها جميلة لهذه الدرجة؟ إنها مجرد فتاة لطيفة، لكن شخصيتها باردة جدًا، ومع أنها لا تمتلك أي ثقافة أو تعليم، إلا أنها متكبرة جدًا!"

"إنها ليست متكبرة، إنها فقط قليلة الكلام وصريحة، لا تصدقوني، انظروا بأنفسكم..."

صرخت إحدى الزميلات فجأة نحو سارة: "روان، أنا أشعر بألم في معدتي وأريد أن أذهب إلى الحمام، هل يمكنك مساعدتي في تقديم هذه الأطباق؟"

أومأت سارة برأسها قائلة: "لا مشكلة."

قالت زميلتها: "مقصورتي في الطابق الثالث، مقصورة الضيوف الذهبية، شكراً لكِ." ثم اختفت.

صعدت سارة إلى الطابق الثالث وسط دهشة بقيّة زميلاتها، واستلمت صينية الأطباق من النادل وفتحت الباب.

وبينما هي ترصّ أطباق الطعام، أمسك شخص ما معصمها بقوة، ففزعت سارة ورفعت عينيها لتنظر إلى الشخص الذي أمسك بها، فصُعقت برؤية وجهٍ باردٍ وقاسٍ.

قال لها برهان وهو يمسك معصمها بإحكام ونظراته تخلو من أي شفقة: "كيف علمتِ أنني آتي لتناول الطعام هنا؟"
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP