الفصل 2
فأجابها السيد برهان بجلافةٍ دون أن ينظر إليها قائلا: "لقد سمعتِ ما قلتُه."

فصارت سارة تعبث بطرف ملابسها المتسخ وتقول بصوت خافت: "سيدي، هذه ليست مزحة مضحكة على الإطلاق."

ابتسم السيد برهان ابتسامة سخرية وسألها بنبرة حادّة: "أليس الزواج مني هو هدفكِ منذ البداية؟"

مرّت نظرة السيد برهان الحادّة كالسّكين على وجه سارة الشاحب، وعندما التقت عيونهما، ارتجفت سارة وأدارت وجهها بسرعة، فأمسك بذقنها بقوة وأجبرها على النظر إليه.

لاحظت سارة لأول مرة أن تقاسيم وجهه من تحت النظارة الشمسية تبدو بارزةً وواضحة، وكأنها منحوتةٌ فنيّة، وشعر ذقنه الأسود القصير يضيف إليه جاذبية لا تقاوم.

كانت بدلته في غاية الأناقة، وهي بالتأكيد من علامة تجارية فاخرة.

أدركت سارة من نظرتها الأولى أن هذا الرجل من طبقة اجتماعية مرموقة.

أمّا هي فكانت في حالة بائسة، ملابسها ممزقة وشعرها أشعث وجسدها متسخ ولم تستحم منذ أيام.

فهل سيذهبان لتسجيل عقد الزواج حقا؟

ضيّقت سارة عينيها وقالت بصوت هادئ: "هل تعتقد يا سيدي أن قضائي عامين في السجن دون أن أرى رجلًا، سيجعلني أرتمي في حضن أيّ رجل أراه مهما كان دميمًا وغير جذاب؟"

لم يتمالك السيد برهان نفسه عن رمقها بنظرة أخرى.

رغم صغر سنّها، كانت كلماتها لاذعة، وخارجها هادئ بشكل غير عادي، الأمر الذي زاد من ازدرائه لها.

فسألها ببرود: "أتتعمدين استفزازي بهذه الطريقة كي تجذبي اهتمامي؟"

وقبل أن تجيبه سارة، أمر السائق: "اتجه إلى مكتب الأحوال المدنية!"

حاولت سارة والخوف يعتريها أن تفتح الباب وتنزل: "أتركني! أنا لا أعرفك!"

أمسك برهان معصمها بقوّة ونظر إليها نظرة قاتمة، وقال مهددًا إياها: "أصغي إليّ جيدًا يا امرأة، إن كنتِ تريدين الموت؛ فسأحقق لكِ أمنيتك!"

اغرورقت عينا سارة بالدموع، وقالت بصوت مرتعش: "أنا... لا أريد أن أموت."

"إلى مكتب الأحوال المدنية!" أمر السيد برهان مرة أخرى.

لكن مساعده الذي يجلس بجانب السائق سأله مترددًا: "سيدي، هل سنذهب إلى مكتب الأحوال المدنية هكذا؟"

فرد عليه مستفهمًا: "ماذا تعني؟"

نظر مساعده إلى سارة وقال بشكل صريح: "السيدة، ملابسها ممزقة وملطخة بالوحل..."

"عُد للمنزل إذن!" أمر السيد برهان سائقه مرة أخرى.

"أمرك سيدي!" رد السائق وهو يشغل المحرك.

بعد ساعة ونصف، توقفت السيارة.

ترجّلت سارة من السيارة لتجد نفسها أمام منزل فاخرٍ مترامي الأطراف يقع على منحدر جبليّ، ومعروف باسم "منزل السيد برهان".

كان هذا المنزل مختلفا تمامًا عن الفيلا التي رأتها قبل ثلاثة أيام على الجبل ذاته.

كان منزلًا أشبه بقصر إمبراطوري كبير.

لكن تلك الفيلا بدت كزنزانة متهالكة.

ولا شك أن الرجل الذي سلبها عذريتها هناك قبل ثلاثة أيام، كان سجينًا محكومًا بالإعدام فيها.

وبينما هي شاردة بتفكيرها، وإذ بيد السيد برهان تمسك معصمها بقوة. كان طويلًا ورأسها بالكاد يصل إلى كتفه، وخطواته واسعة لدرجة أنها كانت تركض خلفه بتعثرٍ كأنها كلبٌ ضالٌ وجده على قارعة الطريق.

عندما رأى الخدم السيد برهان في الفناء مقبلًا نحوهم، انحنوا له قائلين: "مرحبا بعودتك سيدي."

سحب السيد برهان سارة ومشى متخطيًا جناح البيت الرئيسي وصولًا إلى صفٍّ من الأكواخ الصغيرة في فناء المنزل الخلفيّ، ثم دفع بها نحو مجموعة من الخادمات قائلاً: "أحضرن لها ملابسا نظيفة ودعنها تستحم!"

"أمرك سيدي." أجابت الخادمات بصوت واحد، وأخذن سارة إلى الحمام.

يجب عليها الهرب من هنا.

ليس معقولًا فور خروجها من السجن أن تقع في قبضة رجل يكرهها ولكنه يرغب في الزواج منها في الوقت ذاته.

انغمست سارة في تفكيرها لدرجة أنها لم تشعر بالخادمات وكن قد نزعن عنها معظم ملابسها.

بدأت الخادمات يتهامسن.

"هل تلك الندوب الزرقاء على رقبتها آثار قُبلات؟"

انتبهت سارة من شرودها واحمرّ وجهها خجلًا وقالت: "لست معتادةً أن يحمّمني أحد، اخرجن من فضلكن، سأستحم بنفسي."

سألتها إحدى الخادمات: "أنتِ..."

قاطعتها سارة قائلة: "خادمة."

فقالت الخادمات بلا مبالاة: "استحمّي بنفسك إذن!" ثم استدرن وخرجن.

وبعد أن خرجن جميعًا، همست إحدى الخادمات بسخرية: "كنت أعتقد أنها امرأة تخصّ السيد برهان، وإذ بها في الأصل مجرد خادمة، عرفتُها امرأةً رخيصةً من أول نظرة، كيف يطلبون منا أن نحمّمها بأيدينا."

رفعت الخادمة رأسها فجأة فرأت السيد برهان واقفًا عند باب الحمام، فسكتت من شدة الخوف.

جلست سارة تحدق بوجهها الأحمر في المرآة.

لقد فقدت عذريتها للمرة الأولى، ولم ترَ وجه الرجل الذي سلبها إياها، بل ولن ترى وجهه مرة أخرى في حياتها.

أغمضت سارة عينيها، وتركت دموعها تسيل على وجنتيها حتى وصلت إلى عنقها.

وفجأة، سمعت صوتًا رجوليًا قاسيًا يقول لها: "أنتِ امرأةٌ قذرةٌ حقًا!"

فتحت سارة عينيها بذعر، لتجد السيد برهان يحدّق في عنقها بنظرة مشمئزة.

فأسرعت بالتقاط ملابسها وغطّت بها جسدها وهي تبكي بحرقة من شدة الخجل والإهانة: "لقد خطفتني فور خروجي من السجن، أنا لا أعرفك، حتى إن كنت قذرة، فهذا لا يعنيك، أخرج من هنا!"

استمر السيد برهان في النظر إلى عينيّ سارة باحتقار وهو يراقب تعابير وجهها، لم يكن قادرًا على تحديد ما إذا كانت تمثّل أم لا.

هذه المرأة ماهرة حقًا في الخداع.

"استحمّي ثم تعالي معي لنسجل عقد الزواج، وبعد ثلاثة أشهر سأطلقك وأعطيكِ بعض المال، ولن تتمكني من البقاء معي لحظة واحدة بعد ذلك!". ثم أغلق الباب وخرج فور أن أنهى كلامه.

ساد الهدوء التام فناء المنزل بسبب وجود السيد برهان. فقد شهد كل خادمٍ هنا قبل أربعة أيامٍ مدى قسوة وبأس هذا الرجل الذي أصبح حديثًا كبير عائلة رستم.

برهان هو الابن الرابع للسيد رستم، لكنه ليس شقيقًا لإخوته الثلاثة، بل هو ابن السيد رستم من عشيقته. ورغم أن عائلة رستم تعد من العائلات الأرستقراطية العريقة التي تمتد جذورها لمئات السنين، إلا أن برهان لم يكن يحق له أن يرث أي شيء من ممتلكات العائلة باعتباره ابناً غير شرعيّ.

حتى أقارب عائلة رستم البعيدون هم أكثر أحقيّةً من برهان بالميراث.

وفي صباه، نُفي برهان إلى خارج البلاد ومُنع من العودة إليها، ولكن بعد سنوات من الكفاح، تمكّن من العودة إلى وطنه، إلّا أنه وجد والدته قد سُجنت جرّاء تهمةٍ ملفّقة.

ومنذ ذلك الحين، بدأ السيد برهان يخطط بدقّة ويعمل في الخفاء، حتى تمكّن من أعداءه وأخذ بثأره من خلال تظاهره بالموت قبل ثلاثة أيام، ثم استولى على زمام الأمور في عائلة رستم، وصار هو كبيرها والآمر الناهي فيها.

عندما يسترجع برهان ذكرياته، يغمره شعور بالقسوة والوحشة. لم تكن والدته ترغب في أن تكون عشيقة، لكن زوجة أبيه الأولى هي من كانت تستخدم الحيل للاحتفاظ بزوجها، واستغلت والدته لتحقيق ذلك.

وعندما اكتشفت والدة برهان أن زوجها متزوجٌ بالفعل، كانت حاملاً في شهرها التاسع.

وفي سبيل ألا يكبر ابنها في أسرةٍ ينقصها الأب؛ تحمّلت والدته الكثير من الإهانة. وعندما بلغت والدته منتصف العمر، لُفقت لها تهمةٌ أدت إلى سجنها. وبعد أن تمكن برهان بصعوبة من السيطرة على عائلة رستم بأكملها وإخراج والدته من السجن، تبين له آنذاك أن والدته لم يتبقَ لها سوى ثلاثة أشهرٍ لتعيشها في هذه الدنيا.

كانت أمنية والدة برهان الوحيدة هي تزويج ابنها من سارة، زميلتها في السجن.

وبما أن والدته كانت تعيش أيامها الأخيرة، لم يكن أمام برهان سوى تحقيق أمنيتها.

وقبل يوم واحد من إطلاق سراح سارة، أجرى برهان بعض التحقيقات عنها، وتبين له أن نواياها من التقرب من والدته كانت خبيثة.

فجأة، قاطعته احدى الخادمات بصرخة مذعورة قطعت تفكيره قائلةً: "سيدي، هناك مشكلة كبيرة."

فالتفت إليها برهان بنظرة حادّة وسألها: "ما الذي حدث؟"

فأجابته الخادمة بصوت مرتجف: "تلك المرأة... قفزت من النافذة وهربت."

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP