استيقظت ريم في منتصف الليل وهي تعاني من صداع وجفاف في فمها.كانت قد نامت تلك الليلة وفي قلبها سعادة غامرة.فقد نجحت أخيرًا في ابتكار عطر"الحب الأوّل"، الذي كانت تحاول تركيبه طيلة الأيام الماضية، وعقدت نيتها أنها بعد حصولهم على جائزة في مسابقة ليلة الغد، ستحدد هي ووليد موعد زفافهما. تعرف ريم وليد منذ خمس سنوات، من أيام الجامعة تحديدًا، وقد نشأت بينهما قصة حب في السنوات الثلاثة الأخيرة.تركت ريم كل شيء وراءها وكرّست حياتها لدراسة العطور والبحث فيها، وساعدت وليد في تنمية شركة العطور الخاصة به. وكانت ترى مستقبلهما الجميل يلوح في الأفق؛ لذلك أسرفت في الشراب قليلاً الليلة الماضية. فركت ريم عينيها، ثم قامت لتجد بعض الماء لتشربه، لكنها سمعت أصواتًا غريبة قادمة من الغرفة المجاورة. كانت تلك الشقة الصغيرة المستأجرة تسكنها ريم وحدها، وكان وليد يقيم في الغرفة المجاورة لها، ويزورها في شقتها أحياناً. عندما سمعت ريم تلك الأصوات، قلقت خشية أن يكون وليد متعباً قليلاً. لكنها عندما اقتربت قليلاً، سمعت صوت امرأة تقول: "وليد، هل تعتقد أن ريم ستسمعنا؟"رغم أن صوت الرجل لم يكن واضحًا، إلا أن ريم كانت مت
كان التعامل مع شخص كهذا يتطلب أقصى درجات التركيز والانتباه.دخلت ريم في الموضوع مباشرة وقالت: "أعلم أن شركتكم ستشارك الليلة في مسابقة عطور هذا الموسم، لدي عطر جديد ابتكرته مؤخرًا، وأتمنى أن أتمكن من إضافته إلى منتوجات شركة العود الذهبي."رد السيد سعيد بسرعة قائلاً: "شركة العود الذهبيّ قد اختارت الأعمال المشاركة بالفعل."كانت ريم على علم جيد بهذا الأمر، فقالت: "لكن يمكن أن تكون هناك أكثر من مشاركة واحدة. أنا فقط أرغب في إضافة عطر جديد، وليس استبدال الموجود..."قاطعها السيد سعيد بسؤال مباشر: "لماذا يجب عليّ الوثوق بك؟"فتحت ريم حقيبتها الصغيرة بسرعة وأخرجت منها مجموعة من المستندات، قائلة: "هذه هي البيانات والصيغ التي قمت بتطويرها لتركيب عطرالحب الأول، وهذا دليل على صدقي وإخلاصي. أما بالنسبة للجودة..."وتابعت بثقة: "قبل ثلاث سنوات، وجهت لي دعوة خاصة، وأعتقد أن ذلك كان اعترافًا من جنابك بقدراتي. في الواقع، لقد أحضرت معي اليوم عيّنة أيضاً." رد السيد سعيد باهتمام: "عينة؟"بعد حديث ريم عن العطر، تغيرت ملامح وجهه أخيرًا، ورفع حاجبيه قليلًا كما لو أنه بدأ يهتم.أومأت ريم برأسها، ثم مدت يدها نح
نظرت ريم إلى كاحلها بهدوء ثم رفعت رأسها قائلة: "ماذا حدث؟""أين البيانات والصيغ الخاصة بعطر "الحب الأول"؟ لقد بحثنا عنها في كل مكان بالمختبر ولم نعثر عليها. ألا تعلمين أن المسابقة اليوم؟ لماذا تركتِ المختبر وخرجت تتسكعين هكذا؟"تتبّع وليد نظرات ريم فرأى جرحًا صغيرًا في كاحلها، فشعر بالذنب للحظة، لكنه سرعان ما تذكر أهمية المسابقة الليلة."أليس عرض المنتجات الجديدة والمسابقة سيبدآن مساءً؟ اعتقدت أن الوقت لا يزال مبكراً، لذلك ذهبت لشراء ملابس للاستعداد."وقبل أن يرد عليها وليد، ضحكت كارمن قائلة: "ماذا؟ هل تريدين الحضور أيضاً؟""ولم لا؟" استادارت ريم إلى صديقتها القديمة وسألتها.ابتسمت كارمن ابتسامة عريضة قائلة: "الأمرليس كذلك، لكنني قلقة من أن تشعري بالضيق. علاوة على ذلك، ألم ترفضي دائماً المشاركة في مثل هذه الأحداث؟""نعم، ألستِ لا تحبين هذه الأماكن التي تسعى وراء الشهرة والمكاسب. ابقي في المنزل وانتظري منا الأخبار السّارة! أين البيانات؟"اقترب وليد من ريم ومد يده ليربت على كتفها، لكن ريم أمالت كتفها لتتفاداه.لاحظت ريم الحماس البالغ على وجهيهما وتبادلهما النظرات أمامها، فشعرت بغصة وسألت
أجلس السيد سعيد ريم على الأريكة، ثم استدار ليجلب مرهمًا وقطنًا مبللًا بالكحول. ثم نظف جرحها أولا بعناية ووضع عليه المرهم.في الواقع، كان جرحها الصغير قد توقف عن النزيف في الطريق، وبعد أن وضع لها المرهم، شعرت فيه ببرودة أنعشتها.نظرت ريم إليه وهو يداويها بعناية تامّة، وكانت ملامحه هادئة وطبيعية، وكأن هذا الأمر عادي جداً. لكن مثل هذه الأشياء الصغيرة، لم يفعلها وليد أبدًا على مر تلك السنوات التي عاشتها معه.لذلك رأت، أن الأمر ليس أن الرجال مهملون، بل إنهم ببساطة لا يقدمون الإهتمام الكافي.بعد أن انتهى من وضع المرهم، رفع السيد سعيد رأسه ورأى نظرات ريم الشاردة، فسألها: "ماذا هناك؟""لا شيء." ثم هزت رأسها بسرعة، وسحبت قدمها وقالت "شكرًا لك."فقال لها بهدوء وهو يغلق غطاء المرهم ببطء:"أنتِ زوجتي، لا داعي لقول هذه الكلمة. ولكن هناك شيء واحد، أريدك أن تتذكريه دائمًا.""ما هو؟" سألته ريم وهي تهز رأسها."لا يهمني كيف كنتِ في الماضي، لكن بما أنكِ تزوجتِ مني، فلا يمكنكِ الاستمرار في التعلق بعلاقات قديمة...""لن أفعل!" قاطعت ريم كلامه بسرعة، "اطمئن، على الأقل خلال فترة زواجنا، سأضمن لك إخلاصي. وأتمنى
قال المقدم بنبرة جادة: "حرصًا منّا على الإنصاف، قررنا تأجيل إعلان أسماء الفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى حتى نتحقق من الأمر." بعد هذه الكلمات، لم يكن وليد وحده من أصيب بالصدمة، بل جميع من في القاعة."لماذا التأجيل؟ هذا غير عادل للجميع!" "نعم، إذا كان هناك نزاع، فقم بإلغاء أهلية الشركتين المتورطتين!""أعلنوا عن أسماء الشركتين المتورطتين!"كان هناك الكثير من الأصوات والآراء المتضاربة في القاعة، والتي حفّزت معها نشاط الصحفيين وفضولهم. فقد كانوا يعتقدون أنها ستكون مجرد مسابقة عادية، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام فضيحة محتملة، قد تكون مادّة دسمة لعناوين أخبارهم الرئيسية في اليوم التالي.أمّا وليد فكان يقف واثقًا من أن شركته لا يمكن أن تكون متورطة، ثم تقدم خطوة إلى الأمام وصاح بصوت عالٍ، "ما يقوله الجميع صحيح، في هذا الوضع، يجب على لجنة التحكيم إعلان النتيجة هنا. أنا متأكد من أن مسؤولي الشركتين موجودين هنا، وهذا الحضور الكبير من الزملاء يمكنهم أن يشهدوا على ذلك، ولن يكون هناك مجال للتشكيك في حكمهم وشهادتهم."وفي حين كان المشهد على الشاشة مليئًا بالفوضى، كان انتباه السيد سعيد كلّه موجهاً نحو ري
كانت ترتدي فستانًا أبيضاً بسيطًا وأنيقًا، وبدت مع تركيز الأضواء عليها كأنها تسير وسط هالة من الضوء.لم تكن بسيطة في هندامها فحسب، بل كانت بسيطة في زينتها أيضاً، تضع مكياجا خفيفًا جدًا، ولا ترتدي أية مجوهرات، ولكن هذا جعل ملامحها الرقيقة أكثر بروزًا."ريم!" لم يصدق وليد عينيه، ولم يستوعب عقله بعد ما يحدث.فتقدم بسرعة إلى الأمام دون وعي منه، وواجه ريم، وهمس لها بصوت منخفض، "ماذا تفعلين هنا؟""لقد جئت للمشاركة في المسابقة بالطبع."نظرت إليه ببرود، وارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، ثم واصلت سيرها."ريم!"أمسك وليد بمعصمها، وقال بصوت منخفض وغاضب، "توقفي عن المزاح! هذا ليس مكانًا للعبث!"وفي غرفة كبار الشخصيات، كان السيد سعيد واقفاً أمام الشاشة، يراقب ما يحدث وقد وظهرت عليه ملامح الغضب.وبعدها بلحظة، سحبت ريم ذراعها بقوة، وقالت، "سيد وليد، بما أنك تعرف قدر هذا المكان، فعليك أن تحترم نفسك!"وبمجرد أن أنهت حديثها، كانت بالفعل قد صعدت على المسرح.تحولها الكبير هذا كان مفاجئًا لوليد، فاستدار مذهولا ينظر إليها وهي واقفة على المسرح.عادةً ما كانت مطيعة ومهذبة، فكيف..."مساء الخير، ضيوفنا الكرام.
علت الدهشة وجوه الجميع.فقليلون من يعرفون أين ذهبت ريم بعد أن تركت هذا المجال، وأقل منهم من لديهم علم بعلاقتها مع وليد. في هذه اللحظة، كان أكثر من يشعر بالحماس هم الصحفيون.فقد كانوا يعتقدون أنهم سيخرجون الليلة بتقارير إخبارية عادية، لكنهم لم يتوقعوا أن تظهر لهم حادثة سرقة فكريّة، ثم خيانة، وهذه الأخبار تجعل الأجواء أكثر إثارة لهم.نظرت ريم إلى وليد وهو يقترب منها، ويقول بصوت مملوء بالألم والندم، "أنتِ من فريق شركتنا، متى التحقتِ بشركة أخرى دون أن تخبريني؟ وهل أخذت منتجات شركتي معك؟"لم يكن صوته عاليًا، لكن الميكروفون كان قريبًا منه، فكان مسموعًا للجميع في القاعة."إذن هي خائنة، ليس غريباً أن تكون هناك حادثة سرقة ملكية فكريّة إذن." قال أحدهم بدهشة."في البداية، كانوا يرفعون من شأنها، أتذكر عندما حصلت على جائزة المبتدئين، كانت حديث وسائل الإعلام، والآن؟ يا إلهي...""سرقة أسرار الشركة جريمة، يجب إبلاغ الشرطة!""يبدو أنها ليست بلا أنفٍ فقط، بل بلا ضمير أيضًا، وبرغم جمالها الظاهر لنا، إلا أننا لم نتوقع أبداً أن يكون داخلها قبيحاً إلى هذا الحد!"انهمرت الشتائم على ريم من كل حدب وصوب، وكبت
قالت ريم رافعةً يديها عالياً بحيث يمكن للجميع رؤية الزجاجتين في يديها: "هاتان الزجاجتان هما عينات مقدمة من شركتي أنفاس الورد و K&W، يمكنك يا سيد وليد أن تجرب لترى إن كان هناك فرق.""سواء كان هناك فرق أم لا، فما الذي سيعنيه ذلك؟" قال وليد وهو يضيّق عينيه قليلاً. ثم تابع قائلا بلا مبالاة، "حتى الحكام قالوا إن المكونات والنكهات متشابهة جداً، فما الذي سيثبته ذلك الفرق الطفيف؟" أجابته ريم قائلة، "يمكنه إثبات سبب فوز شركة أنفاس الورد. ألست أنت يا سيد وليد الذي اتهمني بسرقة عمل شركتك؟ إن كانت سرقة ويوجد هناك فرق فعلا، فهذا يعني بالتأكيد أن النسخة الأصلية ذات جودة أفضل. بما أنك ترى أن الأمر غير عادل، فهذه أفضل فرصة لإثبات ذلك أمام الزملاء ووسائل الإعلام."كان صوت ريم ناعماً ورقيقاً، تزينه ابتسامة خفيفة. وبرغم الشائعات التي أثيرت حولها سابقاً، وتحيز العديد من الناس ضدها، لم يستطع أحد أمام ابتسامتها في تلك اللحظة أن ينتقدها أو يلوم عليها. نظر إليها وليد بعمق قاطباً حاجبيه، غير مدرك لما كانت تخطط له. كان يتساءل عن سبب تصرفها غير المعتاد اليوم وإصرارها على هذا الجدال، ولماذا لم تعد تستمع إليه