الفصل 7
علت الدهشة وجوه الجميع.

فقليلون من يعرفون أين ذهبت ريم بعد أن تركت هذا المجال، وأقل منهم من لديهم علم بعلاقتها مع وليد.

في هذه اللحظة، كان أكثر من يشعر بالحماس هم الصحفيون.

فقد كانوا يعتقدون أنهم سيخرجون الليلة بتقارير إخبارية عادية، لكنهم لم يتوقعوا أن تظهر لهم حادثة سرقة فكريّة، ثم خيانة، وهذه الأخبار تجعل الأجواء أكثر إثارة لهم.

نظرت ريم إلى وليد وهو يقترب منها، ويقول بصوت مملوء بالألم والندم، "أنتِ من فريق شركتنا، متى التحقتِ بشركة أخرى دون أن تخبريني؟ وهل أخذت منتجات شركتي معك؟"

لم يكن صوته عاليًا، لكن الميكروفون كان قريبًا منه، فكان مسموعًا للجميع في القاعة.

"إذن هي خائنة، ليس غريباً أن تكون هناك حادثة سرقة ملكية فكريّة إذن." قال أحدهم بدهشة.

"في البداية، كانوا يرفعون من شأنها، أتذكر عندما حصلت على جائزة المبتدئين، كانت حديث وسائل الإعلام، والآن؟ يا إلهي..."

"سرقة أسرار الشركة جريمة، يجب إبلاغ الشرطة!"

"يبدو أنها ليست بلا أنفٍ فقط، بل بلا ضمير أيضًا، وبرغم جمالها الظاهر لنا، إلا أننا لم نتوقع أبداً أن يكون داخلها قبيحاً إلى هذا الحد!"

انهمرت الشتائم على ريم من كل حدب وصوب، وكبت وليد شعور الفرح بداخله. وعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف تمامًا ما الذي حدث، إلا أنه على الأقل أنقذ الموقف الحاليّ من التأزم.

استدار وليد نحو المسؤول عن شركة أنفاس الورد متظاهراً بالكرم وسعة الصدر، وقال بنبرة المنتصر: "أعتقد أن شركتكم لم تفهم الأمر، وتعرضت للتضليل على يد شخص سيء النوايا. هذا ليس خطأ شركتكم، بل هو مجرد سوء فهم. ولكن، الجميع يعلم أن العمل ملكٌ لمبتكره، لذا صار واضحًا أن عطر الحب الأول هو عمل شركتنا."

"لقد قال السيد وليد للتو..." ارتفع صوت مفاجئ مقاطعًا حديثه.

بابتسامة هادئة، نظرت ريم إلى وليد موجهةً سؤالها: "قال إنني أنا من تمثل شركة K&W؟"

كانت هادئة في كلامها جدًا، لدرجة أن وليد اعتراه قلق غير مبرر.

لكن بوجود كل أولئك الناس الذين كانوا يراقبون، تحكّم بأعصابه وقال: "لن تكوني كذلك في المستقبل. فما حدث اليوم مؤسف جداً."

ابتسمت ريم، كما لو أنها سمعت شيئًا مضحكًا، واستمرت في السؤال: "لن أكون كذلك في المستقبل، هل يعني ذلك أنني كنت كذلك في السابق؟"

"أنا..."

ما كاد وليد يفتح فمه حتى قاطعته ريم وأردفت تقول: "سيد وليد، أنا لم أوقع أي عقد مع شركتكم K&W. هل لدينا اتفاقية مكتوبة؟ أو هل سبق وأن دفعتم لي راتبًا؟ هل هناك أي دليل؟"

"دليل؟ جميع موظفي K&W يمكنهم إثبات أنك كنت موظفة لدينا، أليس هذا دليلاً كافيًا؟"

"إذًن، لا يوجد دليل؟"

جملة واحدة قالتها باستخفاف، تركت بعدها وليد عاجزًا عن الرد.

في البداية، كان وليد واثقًا من ولاء ريم المطلق له، لذلك لم يبرم أي عقد عمل معها، وكان يتجنب فعل ذلك حتى لا تستغل العقد ضده في المستقبل.

وبالنسبة للراتب، لم يكن هناك راتب محدد. عندما كان يمر يومه بمزاج جيد، كان يرسل لها بضع مئات من الدولارات، لأنها لم تكن تهتم بالمال، وكان إيجار شقتها يُخصم من بطاقته شهريًا، ولم يكن لديها نفقات كثيرة، فكان يعتبر نفسه يعيلها، وبالتالي لم يكن هناك حديث بينهما عن راتب أو ما شابه.

لكن الآن، بعدما طرحت ريم هذا الموضوع وانتقلت بشكل علنيّ إلى شركة أخرى، أصبح وليد في موقف ضعيف، وحتى لو وصل الامر للمحكمة، سيظل هو الطرف الخاسر.

"سواء كان هناك دليل أم لا؟ فلا حاجة لأن نريك إياه هنا." قالت كارمن باندفاعٍ شديد وهي تقف بين الجمهور، وقد فقدت قدرتها على لجم لسانها.

رفعت كارمن ذقنها، ونظرت إلى ريم بتعالٍ قائلة: "هذا ليس مكاناً تجذبين فيه انتباه الآخرين بكلامك الطنّان. باعتبار أننا كنا أصدقاء في الماضي، فلن أتناقش معك فيما حدث اليوم، لكن الآن، أرجو أن تغادري."

كانت كلمات كارمن بمثابة قرصةٍ أيقظت وليد من سكوته، فتقدم خطوة للأمام وأمسك بذراع ريم، ونظر إليها بعيون حادّة قائلاً: "ريم، بغض النظر عن سوء الفهم الذي وقع، دعينا نتحدث عن هذا لاحقًا."

وأخذ يشير إليها بعينيه ويحذرها: إذا أرادت الحفاظ على علاقتها معه، فعليها أن تطيعه. ولكن، لسوء حظه، لم تعد ريم اليوم كما كانت بالأمس.

"سيد وليد، بما أنك والسيدة كارمن قد اعتبرتما نفسيكما ضحايا للسرقة الفكريّة، كيف لا يمكنكما عدم الدفاع عن حقوقكم؟ مسابقاتنا هذه تتمتع بالشفافية والعدل."

تراجعت ريم خطوة للخلف، وتحررت من قبضته، ثم التفتت مبتسمة نحو المقدم قائلة: "لقد قدمنا بالفعل وثائق ونماذج عطر الحب الأول للجنة التحكيم، وأنا واثقة من أنهم سيصلون إلى نتيجة عادلة."

"انتظري!" رفع وليد يده وقال: "نظراً لأن السيدة ريم كانت تعمل في شركتي سابقًا، فمن الممكن أن تكون قد حصلت على البيانات والعينات. إذا كانت البيانات متطابقة تمامًا، فكيف يمكننا التوصل إلى حكم؟"

كان قلبه متوجّساً.

فبما أن ريم هي من قدمت البيانات والعينات، فمن الطبيعي أن تكون النسختين متطابقتين تمامًا. وبما أنه أصبح من المستحيل منعها، فلا بد من التضحية بها، والمبادرة لإقناع الجميع بأنها خانتهم وسرقت العمل الخاص بهم، حتى يتمكنوا من إنقاذ موقفهم الحالي.

في تلك اللحظة، اقترب شخص من المقدم وهمس في أذنه ببضع كلمات. فاعتدل المقدم ونظر نحو وليد قائلاً: "لا داعي للقلق سيد وليد. لجنة التحكيم قد توصلت إلى نتيجة، وعلى الرغم من أن البيانات والعيّنات من الجانبين متشابهة جداً، إلا أنها ليست متطابقة تمامًا، فهناك بعض الفروقات."

"أوه؟" فاندهش وليد.

أما كارمن فبدأت هي الأخرى تشعر بالقلق. غير متطابقة؟ كيف يمكن أن تكون غير متطابقة؟

وبرغم أن انتباه الجميع كان مركزًا على المنصة، إلا أن الحضور بدأوا بالابتعاد عن كارمن لا إرادياً، وكانت هي أيضاً تستطيع شم تلك الرائحة الغريبة، لكنها شعرت بالحرج من القيام بأي حركة تلفت الأنظار.

وبدون مقدمات، أعلن المقدم القرار مباشرة.

"بالنسبة لعطر الحب الأول، لجنة التحكيم قد توصلت إلى قرارها. والفريق الفائز هو، شركة "أنفاس الورد."

هذا الإعلان المباشر جعل وجه وليد يشحب فجأة.

"مستحيل!" صاح بفزع، "هذا مستحيل! شركتنا عملت على هذا المشروع لفترة طويلة، واستثمرت الكثير من الجهد والمال، كيف يمكن أن يفوزوا؟ عطر "الحب الأول" هو من إنتاج شركتنا K&W، ولدينا الإثباتات!"

ثم أضاف والتوتر يعتريه: "لا يمكنكم محاباة شركة "أنفاس الورد" فقط لأنها مدعومة من شركة العود الذهبيّ. هذا ظلم للشركات الصغيرة مثلنا! صحيح أن شركتنا صغيرة وليست قوية ماليًا، ولكننا نعمل بجد في صناعة العطور. ما يحدث اليوم لا يخيب فقط آمال شركتنا فحسب، بل يخيب آمال جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل بجد وتتعرض للضغط!"

لاقت كلمات وليد صدىً لدى الكثير من الحضور من أهل المجال. ففي النهاية الشركات الكبرى تمثل الأقليّة، بينما الكثير من الشركات الصغيرة تشارك في مسابقات ومعارض كهذه بهدف زيادة شهرتها وتوسيع سوقها تدريجيًا. ولكن إذا تعرضوا للضغط والتهميش، فإن كل جهودهم قد تذهب سدى.

"صحيح، ما دامت الأعمال متشابهة، فلماذا فازت شركة أنفاس الورد؟"

"هذا واضح، إنها سرقة داخلية! يجب على السيد وليد أن يبلغ الشرطة!" صاح أحدهم.

نظرت ريم إلى وليد وهي ترفع حاجبيها. كان يقف هناك بمظهر ينم عن الصدق والاستقامة، يجعل الناس يميلون فعلاً لتصديقه.

"السيد وليد كان يتحدث دائمًا عن الأدلة، لذا سأقدم له الأدلة." قالت ريم وهي تستدير وتستلم زجاجتين صغيرتين من أحد موظفي "أنفاس الورد".

رفعت الزجاجتين وأظهرتهما للجمهور قائلة، "هنا لدينا العينات الأصلية من عطر الحب الأول. هذه الزجاجات تحمل توقيعي وتاريخ إنتاجها. دعونا نرى كيف تتطابق هذه العينات مع البيانات المقدمة."

ثم قدمت الزجاجات للجنة التحكيم لفحصها والتحقق منها. كان الجمهور يراقب بشغف، منتظرين النتيجة التي ستحدد من هو المالك الحقيقي لعطر "الحب الأول".
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP