قالت ريم رافعةً يديها عالياً بحيث يمكن للجميع رؤية الزجاجتين في يديها: "هاتان الزجاجتان هما عينات مقدمة من شركتي أنفاس الورد و K&W، يمكنك يا سيد وليد أن تجرب لترى إن كان هناك فرق.""سواء كان هناك فرق أم لا، فما الذي سيعنيه ذلك؟" قال وليد وهو يضيّق عينيه قليلاً. ثم تابع قائلا بلا مبالاة، "حتى الحكام قالوا إن المكونات والنكهات متشابهة جداً، فما الذي سيثبته ذلك الفرق الطفيف؟" أجابته ريم قائلة، "يمكنه إثبات سبب فوز شركة أنفاس الورد. ألست أنت يا سيد وليد الذي اتهمني بسرقة عمل شركتك؟ إن كانت سرقة ويوجد هناك فرق فعلا، فهذا يعني بالتأكيد أن النسخة الأصلية ذات جودة أفضل. بما أنك ترى أن الأمر غير عادل، فهذه أفضل فرصة لإثبات ذلك أمام الزملاء ووسائل الإعلام."كان صوت ريم ناعماً ورقيقاً، تزينه ابتسامة خفيفة. وبرغم الشائعات التي أثيرت حولها سابقاً، وتحيز العديد من الناس ضدها، لم يستطع أحد أمام ابتسامتها في تلك اللحظة أن ينتقدها أو يلوم عليها. نظر إليها وليد بعمق قاطباً حاجبيه، غير مدرك لما كانت تخطط له. كان يتساءل عن سبب تصرفها غير المعتاد اليوم وإصرارها على هذا الجدال، ولماذا لم تعد تستمع إليه
لم يتوقع أحد أنها ستعترف بذلك بمحض إرادتها، فصُدم الجميع، بما في ذلك وليد. قالت ريم، "بما أن السيد وليد مصرّ على أن عطر "الحب الأول" كان نتاج اجتهاد الآنسة كارمن بالكامل، وبما أنك تعرف تفاصيل هذا الأمر جيداً، لماذا لا تطلب من الآنسة كارمن أن تحدد التغيير الذي أجريته على التركيبة؟ والمكون الذي قمت بتعديله؟"بدأ وجه كارمن يتلوّن، وقالت بتلعثم، "أنا..."لم تدخل كارمن لمختبر خلال العامين الماضيين إلا نادراً، وبرغم أنها لم تنسَ تمامًا المعلومات التي اكتسبتها خلال عملها في الشركة، إلا انه كان يستحيل عليها فعل هذا الأمر، لأن كل تركيبة عطر تختلف عن الأخرى من حيث المكونات والمواد الخام وحتى النسب. وأثناء تطوير ريم لهذا العطر، كانت كارمن تقضي جلّ وقتها مع وليد، معتقدة أن استحواذها على قلبه سيضمن لها كل الشرف والتقدير والمكافآت، دون الحاجة للعمل الشاق على البيانات والتجارب.أمسكت كارمن بطرف قميص وليد وضغطت عليه بشدة، وزمّت شفتيها ولم تنطق بكلمةً واحدة. لاحظ وليد توترها، فتقدم خطوة للأمام وجعلها خلفه، وقال: "بما أنكِ عدّلتِ التركيبة، فمن المستحيل أن تعرف كارمن ماذا فعلتِ. لكن بما أنكِ اعترفتِ ب
نظرت ريم إلى سعيد خلسةً، لتكتشف أنه كان يحدّق بها، ولا تدري منذ متى.فاحمرّ وجهها خجلا حين قبض عليها سعيد متلبسةً وهي تنظر إليه."ما هي ترتيباتك الليلة؟"كانت المسافة بينهما قريبة جدًا، شعرت ريم وكأن قلبها يدقّ كالمطرقة داخل صدرها. فطبعها العنيد والمقاوم منعها من التراجع، فنظرت إلى عينيه السوداوين بثبات، محاوِلة الحفاظ على مظهر هادئ، وقالت: "إذا لم أكن مخطئة، الليلة هي ليلة زفافنا. سيد سعيد، ما الذي تعتقد أنني يمكن أن أخطط له غير ذلك؟"تظاهرت في حديثها بنبرة طبيعية ومسترخية، لكن يديها المشدودتين حول ركبتيها فضحتا توترها الداخلي.رفع سعيد حاجبيه قليلاً، وابتسمت شفتيه برفق، "حقًا، جيد!"ثم استقام في جلسته، وابتعد عنها قليلاً، لكن لم تشعر ريم بالارتياح رغم ذلك.توقفت السيارة بسرعة عند الوجهة المحددة.كانت ريم تظن أن السيد سعيد سيأخذها إلى منزله الخاص، لكن المفاجأة كانت عندما توقفت السيارة أمام منتجع ينابيع ساخنة.كان الليل يغمر المشهد، مما جعل اللافتة البرتقالية للمنتجع تعكس بإضاءتها شعوراً يبعث على السكينة.لكن—التفتت إليه بحيرة، وبدا أنه قد أدرك ما كانت تفكر فيه، فقال: "مر اليوم سريعًا
كانت ريم تشعر ببعض التوتر، وكانت يداها تتدليان على جانبي جسمها وتقبضان على ملاءة السرير دون وعي.رغم أنها قد شاهدت وقرأت عن مثل هذه المواقف في التلفاز والروايات، إلا أنها كانت متوترة.لاحظ سعيد توترها، ونظر إلى عينيها المغلقتين، وقال: "إذا لم تكوني مستعدة، يمكننا الانتظار."سمعت ريم تلك الكلمات، ففتحت عينيها فجأة، وأبصرت في عينيه الصدق والاحترام.وشعرت بدفء يسري في قلبها من ذلك التقدير. فهزت رأسها، وأفلتت الملاءة من يديها، ورفعت ذراعيها ولفّتهما حول عنقه، وقالت: "يمكنني ذلك! استمر..."تجمدت ريم في مكانها.فذلك الشعور المألوف جعلها تتذكر شيئًا على الفور، لكن، لا يمكن أن يكون بهذه الصدفة!لقد فات الأوان.جمعت ساقيها، وأمسكت وسادة بجانبها لتغطي وجهها، كانت تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها!عندما رأى سعيد حالتها هذه، أدرك الوضع على الفور.كأن النار المتأججة داخله انطفأت فجأة بماء بارد.اعتدل في جلسته، كان بين رغبة في التنهد وأخرى في الضحك.بعد لحظات من الصمت، انحنى ليحملها مجددًا."ماذا، ماذا تفعل؟" قالت ريم بتلعثم.عندما شعرت ريم بخفة جسدها فجأة، أصابها الذعر.سقطت الوسادة من فوق وجهها، ولم ي
مشت ريم باطمئنان نحو سعيد، لكنها رأته يشير برأسه نحو الطاولة المجاورة، ويقول: "اشربي هذا واذهبي للنوم."نظرت إلى ما أشار إليه، فرأت كوبًا من اليانسون الساخن. كانت مفاجأة لها كيف استطاع في وقت قصير أن يفكر في كل هذه التفاصيل ويجهز كل هذا.رغم دهشتها، شربت الكوب بهدوء. وشعرت بارتياح في بطنها، وجلست بجانب السرير، تشعر بالاسترخاء لدرجة أنها كادت أن تنام.خفّض سعيد الإضاءة، ونظر إليها قائلاً: "ماذا؟""ألن تنام؟" قالت بتثاؤب من شدة عن نعاسها."سأنام بعد قليل. نامي أنتِ أولاً."عدّل لها وضع الوسادة وسحب الغطاء عليها. ثم جلس مرة أخرى وضبط درجة حرارة التكييف، قبل أن يأخذ رشفةً من قهوته.حاولت ريم مقاومة النعاس وهي تراقب حركاته وضوء المكان الخافت يلقي بظلاله عليه لتبدو ملامحه الجانبية عميقةً وجذابة.كان يبدو رائعًا حقًا، سواء من الأمام أو الجانب، كان جذابًا من جميع الزوايا.لماذا لم تلاحظ ذلك من قبل؟بينما كانت تشاهده يحتسي القهوة، والتي بدت وكأنها قهوة سوداء، لم تستطع ريم إلا أن تقول: "شرب القهوة في الليل سيجعلك... غير ... قادرعلى النوم.""إذًن، ماذا أشرب؟"سألها سعيد عرضًا وهو يضع الكوب جانبًا
قدم لهما الفندق فطوراُ غنياُ وفاخراُ، واستمتع الاثنان بتناوله بكل بهجة. كانت أشعة الشمس تتسلل عبر النافذة، مما أضفى على تلك اللحظة سكونًا وجمالًا لا مثيل له.قال سعيد وهو يدهن الخبز المحمص بالزبدة: "سأذهب إلى الشركة بعد قليل، وسأمر بشركة أنفاس الورد وأوصلكِ إلى هناك."هزت ريم رأسها بسرعة وهي تشرب الحليب قائلة: "لا داعي، سأذهب إلى هناك بعد الظهر. كما أننا اتفقنا في الوقت الحالي على عدم إعلان علاقتنا..."رفع سعيد عينه عند كلمة "علاقتنا" فتوقفت ريم فجأة.قدم لها الخبز المحمص المدهون بالزبدة، وسحب يده. "لا تقلقي، ما وعدت به لن أتراجع عنه. والمسؤول الأعلى في شركة أنفاس الورد وحده من يعرف أنكِ نُقلتِ من المقر الرئيسي، والسائق فوزي هو من تواصل معه فقط، ولا يعرفون شيئاً آخر..."ثم عقد حاجبيه قليلاً، وألقى عليها نظرة لا مبالاة، لكنها شعرت معها بتوتر لا تفهم سببه."أنتِ تخصّيني."توقف قليلاً بعد قوله هذه الكلمات، لكنها بدت ذات مغزى عميق.شعرت ريم بنبضات قلبها تتسارع.هذا الرجل، يعرف كيف يثير الإعجاب حقًا!على الرغم من مظهره الذي يوحي بالزهد في الشهوات، وكلماته التي تبدو عادية عند سماعها لأول وهل
"طالما أنكِ لم تهربي، فلماذا لم تعودي طوال ليلة البارحة؟ هل تعلمين أنني انتظرتكِ طوال الليل؟" توقّف وليد للحظة، ثم تابع: "ما حدث بالأمس، أعتقد أنه كان هناك سوء تفاهم، لن ألومكِ عليه. عودي، وسنوضّح الأمور، اتفقنا؟"تأمّلت ريم كلامه قليلاً، ثم ابتسمت بهدوء وقالت: "حسنًا. أراك في الشركة لاحقًا."أغلقت الهاتف وعادت إلى طاولة الطعام. نظر إليها سعيد أخيرًا وسأل، "هل ستذهبين؟" "لست مستعجلة." ابتسمت وجلست مرة أخرى وسحبت الكرسي للأمام.كانت في مزاج جيد وشهيتها أفضل من المعتاد، تابعت تناول فطورها على مهل، "ليس أنا من أبحث عنه، فلماذا أستعجل؟" في الكثير من المرات كانت هي من تنتظر وليد، والآن حان دوره لينتظرها؟"قال سعي: "ما حدث بالأمس، لن يتغاضى عنه وليد بسهولة."بشخصيته ضيّقة الأفق، كان وليد يحسب حساباً لكل صغيرة وكبيرة، فما بالك بالإهانة التي تعرّض لها بالأمس.إضافة إلى ذلك، كانت مغادرة ريم بمثابة ضربة قاتلة لشركته الصغيرة.نظرت ريم إليه مبتسمة وقالت: "وأنا أيضاً لن أفعل."فبادلها سعيد الإبتسامة بلطف.جلس وليد ينتظرها طوال اليوم. حتى أنه لم يتناول وجبة غداءه، دقّت الثالثة عصراً، وما زال لا ير
"ماذا يمكنهم أن يقولوا لي؟"أزاحت ريم يد وليد وتوجهت مباشرة نحو كارمن. "في الواقع، أود أن أسمع منكِ أنتِ، ماذا تعتقدين أنهم قالوا لي؟"لم تصمد كارمن أمام نظرات ريم الحادّة، فانزوت وقالت: "كيف لي أن أعرف، ماذا قالوا لك؟""ولكن سرقة موظفي شركة أخرى لا ينجح إلا بتشويه الشركة السارقة سمعة الشركة الأخرى، ثم أنه يا ريم..."توقفت كارمن قليلاً، كما لو أنها تذكرت شيئًا، ثم قالت: "هل قدموا لكِ عرضًا مغريًا؟""عرضاً مغرياً؟ ما هو المبلغ الذي يعتبر عرضًا مغريًا؟"رمشت ريم بعيونها وكأنها لا تعرف شيئًا، ولا تفهم ما تعنيه كارمن.وعندما رأت كارمن تصرفها، شعرت بالاشمئزاز.هل هي بهذا الغباء حقاً، لدرجة أنها لا تعرف كيف تتفاوض في الأسعار، كيف ذهبت لتتعاون مع شركة أنفاس الورد إذن؟وماذا حدث البارحة؟ لابد أن هناك شخصًا وراءها أعطاها النصائح. وهو من دفعها للقيام بذلك."ريم، أنا يهمني أمرك فقط، لا تتحدثي إليّ هكذا، أرجوكِ! أنا أخشى أن يخدعوك ليس إلا!"قالت كارمن تلك الكلمات وهي تلف ذراعها حول ذراع ريم، وعيناها يملؤها القلق.كانت أطول من ريم، لذا عندما لفّت ذراعها حولها، بدا ذلك غير طبيعي قليلاً، إذ كان جسمها