الفصل 9
لم يتوقع أحد أنها ستعترف بذلك بمحض إرادتها، فصُدم الجميع، بما في ذلك وليد.

قالت ريم، "بما أن السيد وليد مصرّ على أن عطر "الحب الأول" كان نتاج اجتهاد الآنسة كارمن بالكامل، وبما أنك تعرف تفاصيل هذا الأمر جيداً، لماذا لا تطلب من الآنسة كارمن أن تحدد التغيير الذي أجريته على التركيبة؟ والمكون الذي قمت بتعديله؟"

بدأ وجه كارمن يتلوّن، وقالت بتلعثم، "أنا..."

لم تدخل كارمن لمختبر خلال العامين الماضيين إلا نادراً، وبرغم أنها لم تنسَ تمامًا المعلومات التي اكتسبتها خلال عملها في الشركة، إلا انه كان يستحيل عليها فعل هذا الأمر، لأن كل تركيبة عطر تختلف عن الأخرى من حيث المكونات والمواد الخام وحتى النسب.

وأثناء تطوير ريم لهذا العطر، كانت كارمن تقضي جلّ وقتها مع وليد، معتقدة أن استحواذها على قلبه سيضمن لها كل الشرف والتقدير والمكافآت، دون الحاجة للعمل الشاق على البيانات والتجارب.

أمسكت كارمن بطرف قميص وليد وضغطت عليه بشدة، وزمّت شفتيها ولم تنطق بكلمةً واحدة.

لاحظ وليد توترها، فتقدم خطوة للأمام وجعلها خلفه، وقال: "بما أنكِ عدّلتِ التركيبة، فمن المستحيل أن تعرف كارمن ماذا فعلتِ. لكن بما أنكِ اعترفتِ بذلك، فأعتقد أن المسألة قد حُسمت، فلندع هذا الأمر..."

قاطعته ريم بحدّة، "أنا اعترفت فقط بتعديل التركيبة، ولم أعترف بسرقتها. التركيبة تخصّني، وأستطيع تعديلها كما أشاء. أمّا كارمن التي تزعم أن هي من صنعت عطر "الحب الأول"، كيف لا تعرف تفاصيل تركيبتها الخاصة؟"

لم تتوقف ريم وتابعت كلامها بنبرة قاسية، "أم أن السارق يدّعي بأنه بريء؟ الحقيقة أن كارمن هي من سرقت تركيبتي ونسبتها لنفسها!"

وقفت كارمن تسمع هذا الاتهام العلنيّ وهي عاجزة عن الرد، وتعتريها حالة من الغضب والذهول. أشارت بإصبعها نحو ريم وصرخت، "أنتِ تتهمينني زوراً! أنتِ أيتها الـ..." وقبل أن تكمل كلامها انهارت فجأة وسقطت.

"كارمن!" صرخ وليد وكان وهو يسند جسدها المتهاوي.

ثم قال، "عذراً، بسبب حالة الآنسة كارمن الصحية، علينا مغادرة المكان الآن." التفت نحو مقدم المسابقة وتحدث بنبرة مهذبة وصارمة.

بعدها، نظرنحو ريم نظرةً حادّةً وقال، "وبخصوص هذه القضية لن نسمح بأن يُفترى علينا بهذه السهولة!"

رفعت ريم حاجبيها قليلاً وهي تراقبه يحمل كارمن بين ذراعيه ويخرج مسرعاً من القاعة.

"آه، كارمن تعرف كيف تخرج من المآزق حقاً."

لم تستطع الرد أو تقديم الأدلة، فاستخدمت حيلة الإغماء.

ورغم أنها حيلة قديمة، لكنها ما تزال فعالة.

على الأقل، استطاعت الإقلات من هذا المأزق مؤقتاً.

"هل اختفيتِ عن مجال صناعة العطور في العامين الماضيين بسبب تلك المسابقة التي عُقدت وقتها؟"

"كيف وقعتِ عقداً مع شركة أنفاس الورد؟ قال السيد وليد أنكِ موظفة في شركته، فهل انتقلتِ أم خالفتِ العقد؟"

"هناك شائعات تقول أنكِ على علاقة رومانسية مع السيد وليد من شركة K&W، فهل ما فعلته كان بدافع الانتقام؟"

توالت عليها الأسئلة تباعاً وأخذت تزيد تدريجياً، لكن ريم حافظت على ابتسامتها الهادئة، ولم تتجنب أي سؤال من تلك الأسئلة العدائية.

وقالت بهدوء، "الوقت سيمنحكم الإجابات التي تبحثون عنها"

ثم تركت تلك الجملة معلقة وصعدت إلى السيارة برفقة فريق شركة أنفاس الورد.

أُغلقت أبواب السيارة، فانقطع ضجيج الصحفيين في الخارج وتلاشت أضواء الكاميرات. شعرت ريم بالبرد بسبب مكيف السيارة، وأخذت ترتجف لا إراديًا. وإذ بمعطف دافئ يوضع على كتفيها.

فقالت بدهشة، "ألم تغادر بعد؟ ظننتك غادرت منذ فترة"

فرد السيد سعيد وهو يسحب يده ويتنهّد تنهيدة خفيفة، "كيف يمكنني أن أفوت ذلك العرض المثير؟ لكن للأسف، جاءت النتيجة أقل من المتوقع."

هزت ريم رأسها وقالت، "لم نصل بعد إلى النتيجة، فهذه بداية العرض فقط."

"هه."

"ما هو لي، لن أسمح بأن يُنتزع مني مرة أخرى."

كانت ريم ساذجة في الماضي، تخلت عن كل شيء في سبيل الحب، حتى أنها تخلت عن عائلتها. كل ما قدمته لحبّها لم يُقابل بتقدير، بل استُغفلت فوق ذلك. إذا كانت لديها أي آمال قبل اليوم، فقد أطفأ تصرف وليد في القاعة آخر جذوة من تلك الآمال.

كان يعلم تمامًا أن عطر "الحب الأول" هو نتاج جهدها وتعبها، وكانت قد تخلت عن العديد من الجوائز والتكريمات بسببه. لكنه اتهمها علنًا بأنها "سارقة" ليدعم موقف كارمن. لقد كان مستعدًا للتضحية بأي من أجلها!

رن هاتفها أكثر مرة في جيبها، وعندما أخرجته ورأت أن المتصل هي يارا، أجابت فورًا، "يارا!"

لم تكد تنطق باسمها حتى سمعت ضحكات مليئة بالفرح من الطرف الآخر.

"يا عيني عليك! هاهاها، لقد شفيت غليلي! ريم، كيف فعلت ذلك بهذه الروعة! لقد أدهشتِني الليلة حقاً، هاها!"

كانت يارا تضحك بصوت مرتفع لدرجة أن الهاتف كان يهتز. تنحت ريم بالهاتف، ونظرت إلى سعيد وهي تسعل بنوع من الإحراج، "يارا، لا يجب أن تضحكي بهذه الطريقة، أليس كذلك؟"

"بل يجب بالطبع!" قالت يارا وهي تضحك، "كنت أعتقد أن وليد سيظل مسيطراً عليكِ طوال حياتك، لم أتوقع أن طلبك مني إضافة المكونات كان لهذا السبب. لا تعلمين كيف كانت كارمن متغطرسة ومتكبرة عندما أخذت العينة منيّ، عندما رأيتها تتعرض للإحراج على البث المباشر، شعرت بسعادة تغمر قلبي!"

كانت يارا متحمسة للغاية، وتتحدث بسرعة وكأنها ببغاء، فلم تتمكن ريم من قول كلمة واحدة.

"ولكن يا ريم، بعد أن قطعتِ علاقتك معهم بهذه الطريقة، هل هذا يعني أنك ستتركين شركة K&W؟ كما أنني أراك قد انتقلت إلى شركة أنفاس الورد؟ متى انتقلتِ، وهل كان ذلك مضمونًا؟ وهل ناقشتِ كل الشروط معهم؟"

احمرّت وجنتا ريم من الإحراج. وبرغم أن سعيد لم يكن ينظر إليها أثناء حديثها في الهاتف، وكانت عيناه تر اقبان المنظر خارج النافذة، إلا أنه كان يستمع إلى كل كلمة.

قالت ريم بهدوء، "هكذا شاء حظّي."

الحظ من جعلها تلتقي بالسيد سعيد، والحظ من جعله يرغب في مساعدتها، والحظ أيضًا... من جعلهما يتزوجان بسرعة.

"يارا، لنترك هذا الموضوع الآن. بشأن ما حدث اليوم، من المؤكد أن وليد سيبحث عنكِ ليزعجكِ. إذا سألك، قولي إنكِ لا تعرفين شيئًا، وألقي باللوم كله عليّ، مفهوم؟"

قالت يارا دون اكتراث، "لا تقلقي، أنا لا أخاف منه، وإذا اضطررت، سأترك الوظيفة بكل بساطة."

كانت يارا تكره وليد منذ فترة طويلة بسبب طبيعته الأنانية والاستغلالية، لكنها كانت تفضل الصمت فقط لأن ريم لا تقول شيئًا.

قالت يارا، "لكن ماذا عنكِ يا ريم؟ لقد قطعتِ العلاقات معه، وسوف يبحث عنكِ ويسبب لك المتاعب. لماذا لا تبتين الليلة في منزلي؟ على الأقل ستكونين في أمان."

كانت ريم على وشك الرد عندما التفت إليها سعيد فجأة، وكان نظراته حادّةً جداً. فأجابت بسرعة، "لا داعي، لدي ترتيبات أخرى. لنكمل حديثنا غدًا."

وأنهت المكالمة بسرعة، ولو لم تذكّرها يارا، لكادت تنسى أن هذه الليلة تُعد ليلتها، أو ليلتهما، أو بالأصح، ليلة زفافهما.
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP