الفصل 8
قالت ريم رافعةً يديها عالياً بحيث يمكن للجميع رؤية الزجاجتين في يديها: "هاتان الزجاجتان هما عينات مقدمة من شركتي أنفاس الورد و K&W، يمكنك يا سيد وليد أن تجرب لترى إن كان هناك فرق."

"سواء كان هناك فرق أم لا، فما الذي سيعنيه ذلك؟" قال وليد وهو يضيّق عينيه قليلاً.

ثم تابع قائلا بلا مبالاة، "حتى الحكام قالوا إن المكونات والنكهات متشابهة جداً، فما الذي سيثبته ذلك الفرق الطفيف؟"

أجابته ريم قائلة، "يمكنه إثبات سبب فوز شركة أنفاس الورد. ألست أنت يا سيد وليد الذي اتهمني بسرقة عمل شركتك؟ إن كانت سرقة ويوجد هناك فرق فعلا، فهذا يعني بالتأكيد أن النسخة الأصلية ذات جودة أفضل. بما أنك ترى أن الأمر غير عادل، فهذه أفضل فرصة لإثبات ذلك أمام الزملاء ووسائل الإعلام."

كان صوت ريم ناعماً ورقيقاً، تزينه ابتسامة خفيفة. وبرغم الشائعات التي أثيرت حولها سابقاً، وتحيز العديد من الناس ضدها، لم يستطع أحد أمام ابتسامتها في تلك اللحظة أن ينتقدها أو يلوم عليها.

نظر إليها وليد بعمق قاطباً حاجبيه، غير مدرك لما كانت تخطط له. كان يتساءل عن سبب تصرفها غير المعتاد اليوم وإصرارها على هذا الجدال، ولماذا لم تعد تستمع إليه كما في السابق.

ثم أدارت ريم رأسها نحو كارمن التي كانت تقف خلف وليد وقالت لها بنبرة ماكرة.

"أوه، السيد وليد في النهاية ليس خبيراً في صناعة العطور، لذا قد لا يكون واثقاً تماماً. ولكن، الآنسة كارمن ذكرت أن عطر "الحب الأول" هو من صنع يديها، فلا بد أنها تستطيع التمييز بينهما، أليس كذلك؟"

قبضت كارمن كأس الشراب بإحكام، محاولةً كبح الذعر الذي كان يتصاعد في قلبها. كانت تعرف جيداً من هو صانع عطر "الحب الأول".

حيرها مجيء ريم المفاجئ، وطلبها منها التمييز بين العينات، فهي لا تستطيع فهم دوافعها الحقيقية.

عضت كارمن شفتيها وبدأت بالكلام، "ما حدث اليوم في المسابقة ليس في مصلحة شركيّ أنفاس الورد وK&W. تسريب تركيبة "الحب الأول" يجعل من الصعب التمييز بين العينة الحقيقية والمزيفة، فما الفائدة من التمييز بينها الآن؟"

ثم تابعت تقول، "ريم، مهما كان، نحن صديقات وعملنا معًا. لذلك لا أريد التحقيق في مسألة عطر "الحب الأول" بعد الآن."

أنهت حديثها ثم استدارت برشاقة، وأمسكت بطرف فستانها تريد مغادرة المكان.

لكن ريم قالت، "لكنني أريد التحقيق فيها، فماذا سنفعل؟"

كانت نبرة ريم رقيقة تحمل في ثناياها بعض السخرية، ولم تعط كارمن أي فرصة للتراجع.

فاستدارت كارمن فجأة لتنظر إليها بعينين جاحظتين وتقول لها بصوت منخفض، "ريم، لا تتجاوزي حدّك."

فأدار وليد رأسه متجنباً الكاميرات، ووبخ كارمن بضجر، "وهل هذا يعتبر تجاوزاً؟"

ضحكت ريم ببرود وهي تضع الزجاجتين على الطاولة، ثم فتحتهما ونظرت إلى الحضور قائلةً بصوت عالٍ، "أيها السادة، عطر "الحب الأول" مستوحى من المشاعر الرقيقة بين الرجل والمرأة. وهذه هي الفكرة التي استلهمت منها هذا العطر، وأردنا من خلال هذه الرائحة أيضاً أن نستثير الذكريات والأشواق في نفوسكم."

" إلى جانب الحلاوة العطرية، يجب أن تكون هناك لمسة من المرارة الخفيفة، تليها حلاوة مستمرة، والفرق بين هاتين الزجاجتين يكمن في... النغمة النهائية للرائحة."

تقدم بعض الفضوليين إلى الأمام لتجربة العطر، وهناك من استخدم ورق التجربة لمحاولة التمييز، لكنهم بقوا في حيرة.

قال أحدهم، "الرائحة فعلاً متشابهة جداً، لدرجة يمكن القول بأنها متطابقة. ما هو الفرق في النغمة الأخيرة؟"

العطور تحتاج إلى وقت للتبخر، وانتظار النغمة الأخيرة يتطلب وقتاً، والآن قد أثارت فضول الجميع، وليس لديهم الصبر للانتظار.

ابتسمت ريم وقالت، "الفرق في النغمة الأخيرة، في الواقع، لقد شممتموها جميعاً بالفعل."

سأل أحدهم، "متى شممناها..."

لكن شخصاً آخر رد بسرعة، "على أجسامنا! الرائحة التي شممناها قبل قليل!"

ظهرت على وجه كارمن علامات القلق، لقد أدركت أخيراً سبب تلك الرائحة الغريبة التي فاحت منها! فنظرت بغضب إلى ريم، هل تلاعبت بعينة "الحب الأول"؟

نظرت ريم إلى كارمن بابتسامة عريضة لكن عينيها كانتا باردتين كالجليد. نعم، لقد أضافت مادة إلى العينة بفضل مساعدتها هند، وكانت المادة تُصدر رائحة تشبه رائحة السمك في النغمة الأخيرة.

كارمن التي أرادت أن تلفت الأنظار، كانت بلا شك قد رشّت عيّنة "الحب الأول" على نفسها، ومع الوقت إلى الوقت، كانت النغمة الأخيرة للتبخر قد بدأت في الظهور.

"فعلاً، لا عجب أنني شممت رائحة السمك الكريهة قبل قليل."

"لم أتوقع أن تكون النغمة الأولى متشابهة جداً، لكن النغمة الأخيرة مختلفة تماماً."

بدأ الجميع يتحدثون بصوت عالٍ، وسرعان ما أبدى أحدهم شكوكه، "لكن، سواء كان تقليداً أو سرقة، أليس من المفترض أن تكون الرائحة متطابقة؟ لماذا هناك فرق كبير كهذا؟"

ثم أضاف شخص آخر، "الأمر واضح، هناك من يتعمد التسبب بالمشاكل."

اقترب وليد من كارمن، ثم التفت إلى ريم قائلاً: "حتى وإن كانت هناك أخطاء في صناعة العطور، لا يمكن أن تكون بهذه الفداحة. علاوة على ذلك، الآنسة كارمن قد بذلت الكثير من الجهد في صناعة هذا العطر، وقد جربت التركيبة عدة مرات."

وتابع قائلاً، "حتى إذا فرضنا جدلاً أنه كان تقليداً أو سرقة، فمن سيرتكب حماقة تغيير تركيبة العمل وجعلها تحتوي على عيوب؟ لذلك، الجواب واضح، هناك من سرق تركيبة "الحب الأول" وأدخل تعديلات على عيناتنا بهدف الإيقاع بنا."

ثم توقف لحظة، ورمى ريم بنظرة يقدح منها الشرر قائلاً لها: "آنسة ريم، نظرًا لجهودك طوال هذه السنوات في الشركة، كنت سأتغاضى عن هذا الموضوع. لكن بما أنكِ تتهمين الآخرين زوراً وتهاجمينهم بلا سبب، فلا تلومي إلا نفسك إذا قررتُ استخدام الوسائل القانونية لحماية نفسي وسمعة الآنسة كارمن."

"فلينته الأمر هنا اليوم. بعد قليل سأرفع دعوى قضائية، أما بالنسبة لشركة انفاس الورد، إذا أصرّت على التستر على لصوص مثل هؤلاء، فليس أمامي خيار سوى رفع قضية ضدهم أيضاً."

كان يقف مكانه ثابتاً متمسكاً بموقفه، وكان حديثه الحازم يجعل الجميع يعتقد أن شركته هي الضحية حقاً.

"ما أوقحهم!"

"يجب أن توضح لجنة المسابقة الأمر! كيف قام الحكام بالتقييم والاختيار؟"

"أليس هذا قلب للحقائق رأساً على عقب؟"

"أمثال هؤلاء لا يجب أن يكونوا هنا، اخرجوا من هنا!"

كان الحضور في حالة من الغضب الشديد، فحتى لو كانت شركة انفاس الورد مدعومة من شركة "العود الذهبيّ"، فإن ذلك لم يوقف غضبهم المتصاعد في القاعة.

بينما بدأ بعض الصحفيين ببث الأحداث بشكل مباشرمن القاعة، فجميعهم يتوقون لوضع هذا السبق الصحفيّ على منصاتهم وصفحاتهم.

وفي غرفة كبار الشخصيات، كان السيد سعيد يغلي غضباً.

قضى السيد سعيد في عالم الأعمال سنوات عديدة، خالط فيها الكثير من الأشخاص، وصادف العديد من الحقيرين منهم، لكن شخصاً بهذه الوقاحة، لم ير مثله حقاً.

وبينما كان يراقب زوجته الجديدة تقف على المسرح، وتبدو وحيدةً بلا معين، انفجر بركان من الغضب في صدره، فزرّ معطفه ومد يده ليفتح باب الغرفة...

وقبل أن تلامس أصابعه مقبض الباب، طرق مسمعه صوتٌ عذبُ يقول:

"هذا صحيح، أنا من غيرت التركيبة، وأنا من صنعت العينات التي بُدلت."

فتوقف لحظة، والتفت ليجد صورة ريم تملأ تلك الشاشة الكبيرة، وهي تقابل الأضواء الساطعة بوجهها الذي بدى كالبدر في تمامه.

لم يكن هناك أي قلق أو غضب على وجهها، بل كانت هادئة ومتماسكة تماماً. وعندما نظر إلى عيونها التي كانت تتألق بثقة، سحب يده، وأدرك أنه ربما كان عليه الوثوق بها أكثر.
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP