الفصل 2
كان التعامل مع شخص كهذا يتطلب أقصى درجات التركيز والانتباه.

دخلت ريم في الموضوع مباشرة وقالت: "أعلم أن شركتكم ستشارك الليلة في مسابقة عطور هذا الموسم، لدي عطر جديد ابتكرته مؤخرًا، وأتمنى أن أتمكن من إضافته إلى منتوجات شركة العود الذهبي."

رد السيد سعيد بسرعة قائلاً: "شركة العود الذهبيّ قد اختارت الأعمال المشاركة بالفعل."

كانت ريم على علم جيد بهذا الأمر، فقالت: "لكن يمكن أن تكون هناك أكثر من مشاركة واحدة. أنا فقط أرغب في إضافة عطر جديد، وليس استبدال الموجود..."

قاطعها السيد سعيد بسؤال مباشر: "لماذا يجب عليّ الوثوق بك؟"

فتحت ريم حقيبتها الصغيرة بسرعة وأخرجت منها مجموعة من المستندات، قائلة: "هذه هي البيانات والصيغ التي قمت بتطويرها لتركيب عطرالحب الأول، وهذا دليل على صدقي وإخلاصي. أما بالنسبة للجودة..."

وتابعت بثقة: "قبل ثلاث سنوات، وجهت لي دعوة خاصة، وأعتقد أن ذلك كان اعترافًا من جنابك بقدراتي. في الواقع، لقد أحضرت معي اليوم عيّنة أيضاً."

رد السيد سعيد باهتمام: "عينة؟"

بعد حديث ريم عن العطر، تغيرت ملامح وجهه أخيرًا، ورفع حاجبيه قليلًا كما لو أنه بدأ يهتم.

أومأت ريم برأسها، ثم مدت يدها نحوه فجأة.

ومع حركة يدها، انتشرت في الهواء رائحة عطر حلوة وجميلة، كانت زكيّة لكنها غير قوية في الوقت ذاته.

ظل السيد سعيد ينظر بهدوء إلى يدها الممدودة أمامه، يتأمل بياضها ونقاءها، مع أصابعها الدقيقة المتناسقة.

استقرت تلك الرائحة الحلوة عند أنفه، الأمر الذي جعل قلبه ينبض بشعور دافئ ومريح.

ثم قالت بثقة: "أنا واثقة من أن عطر الحب الأول يمكنه بسهولة أن يحتل أحد المراكز الثلاثة الأولى، وهذا بلا شك سيكون إضافة رائعة لشركة العود الذهبي."

أنهت ريم حديثها، ثم سحبت يدها بشكل طبيعي، لكنها لم تتوقع أن يمسك بها فجأة.

قبضته كانت محكمة، لكنها متوازنة، بحيث لا تؤلمها، ولا تُفلت منها.

ثم قال بهدوء، وعيناه تحدق بها: "هل تعتقدين أن شركة العود الذهبي تهتم بمثل هذه الإضافات؟"

ردت بسرعة ودون تردد: "هذه مجرد هدية أولية. إذا رأيت أنها غير كافية، فما رأيك لو أعطيت حقوق جميع العطور التي سأقوم بتطويرها خلال العامين المقبلين لشركتكم؟"

لقد فكرت في الأمر جيدًا، كانت تعلم أن السيد سعيد لن يوافق على عرضها الأول بتلك السهولة، لكنها كانت تدرك أيضًا أنه طالما استمر النقاش، فهناك مجال للتفاوض.

كان الوقت ضيقًا للغاية، ولم يكن لديها شريك أفضل يمكنها الاعتماد عليه.

لكنه رد بجملة واحدة موجزة: "بالطبع، هذا غير كافٍ."

ثم أفلت يدها، بينما بقيت أطراف أصابعه محتفظة برائحة عطرها.

خفض السيد سعيد بصره، مخفيًا ذلك اللمعان في عينيه، وقال بهدوء: "إلا إذا... أضفتِ نفسكِ أيضًا."

"أنا!" لم تفهم ريم قصده.

فسألها فجأة: "هل أحضرتِ كل ما طلبته؟"

أجابت بتردد: "نعم، أحضرت... كل شيء."

رغم أنها لم تفهم تمامًا ما ينوي فعله، إلا أنها أخذت كل شيء معها قبل الخروج، تحسبًا لأي طارئ.

ثم قال لها بهدوء وجديّة: "تزوجيني، وسأتولى حل جميع مشاكلكِ."

في تلك اللحظة، شعرت ريم وكأن فكها على وشك السقوط من الصدمة.

ما... ما الذي قاله للتو؟ تتزوج؟! منه؟!

بدأت في تلك اللحظة تدرك الموقف أخيراً، كانت السيارة متوقفة في الأصل أمام دائرة الأحوال المدنية، وقد اختار هذا المكان خصيصًا لموعدهما، وطلب منها إحضار كل المستندات. هل كان يخطط لكتابة عقد الزواج اليوم حقاً؟ هل هو جاد؟

أشار إلى الباب وفتحه بهدوء قائلا: "إذا لم تكوني موافقة، يمكنكِ النزول والمغادرة."

كانت كلماته واضحة وصريحة، ما أشعرها بأنه يتعين عليها اتخاذ قرار سريع.

ترددت للحظة، ثم قالت بحزم: "لم أقل إنني لست موافقة."

كانت خائفة من أن يطردها من السيارة، فأمسكت ريم بمقبض الباب بسرعة وقالت:

"حسناً، أنا موافقة!"

ابتسم السيد سعيد ابتسامة خفيفة قائلاً: "حسنًا، لنذهب لإتمام الإجراءات الآن، فلدي اجتماع في العاشرة والنصف."

سكتت ريم مشدوهةً: "..."

هل ضاق جدول أعماله لدرجة أن يستعجل زواجه أيضاً!

أمسكت ريم الباب بإحكام، وعيناها تنظران إليه، وأنفاسها متسارعة قليلًا. ثم سألت بصوت متردد: "هل يمكنني أن أسأل... لماذا؟"

لماذا أنا؟ ولماذا بهذه السرعة؟

رد عليها بنبرة فاترة وكأن الأمر بسيط جدًا: "أليس هذا مجرد عمل؟ أنتِ بحاجة إلى شخص يساعدكِ في الإنتقام من شركة K&W، وأنا بحاجة إلى زوجة. أعتقد أن هذا عادل."

كانت نبرته هادئة وطبيعية للغاية، لكن نظرة السخرية العابرة في عينيه جعلت ريم تشعر بشيء مألوف.

شيء تعرفه، لكن لا تستطيع أن تتذكره الآن.

رأت ريم أن زواجها بالتافه وليد، لن يكون له أي مستقبل. أما زواجها بالسيد سعيد، فبغض النظر عن السبب الذي سيدفعها له، لكن مع مكانته وهويته، لن يكون خيارًا سيئًا على الإطلاق.

نظرت ريم إلى السيد سعيد وكلها ثبات وعزم، وقالت بنبرة حاسمة: "اتفقنا!"

ما كانت تريده فعلا ليس سوى نوع من العدالة والانتقام الذي يحقّ لها.

لم تكن إجراءات الزواج معقدة، فمع توفر جميع الوثائق اللازمة، انتهى كل شيء بسرعة.

وبمجرد خروجهما من دائرة الأحوال المدنية، أخذ السيد سعيد عقد الزواج وطبّقه بعناية ووضعه في جيبه، ثم ارتدى نظارة شمسية أخفت ابتسامته البسيطة ومشى مسرعاً.

أسرعت ريم لتلحق به وهي تلهث قائلةً: "سيد سعيد، بخصوص مشروع التعاون..."

توقف فجأة عن السير، واستدار نحوها.

فشعرت ريم ببرودة ملامحه من خلف النظارة الشمسية، وارتخت قبضتها التي كانت تمسك بملابسه دون وعي.

"ابتداءً من اليوم، يجب أن تعتادي على هويتك الجديدة، حرم السيد سعيد."

ثم لف ذراعه حول خصرها، وكانت أنفاسه قريبة جداً.

في تلك اللحظة، تلعثمت ريم، ولم تستطع التفكير بوضوح.

"اعطِ بيانات العطر والعينة إلى السائق فوزي، وهو سيتولى الترتيبات."

ثم تركها وعاد إلى سيارته. فلحقته ريم لكنها توقفت بجانب السيارة ولم تصعد.

"سيدة ريم، هل هناك مشكلة أخرى؟"

استدار نحوها وكان هاتفه في يده يرن بصوت خافت، ينتظر منه الرد.

قالت ريم بتردد، ووجنتاها محمرّتان، وسرعتها في الحديث تًظهر خوفها من إضاعة وقته: "زوجي... هل يمكن أن نبقي أمر زواجنا سرًا في الوقت الحالي؟ لدي بعض الأمور الشخصية التي أحتاج إلى تسويتها أولا."

لم تستطع ريم بسبب النظارت الشمسية رؤية تعابير عينيه، ولا قراءة مشاعره من وجهه.

فقال بهدوء: "بحلول الساعة الخامسة مساءً، كوني في شركة العود الذهبي وانتظريني."

ثم نقر زر الرد على الهاتف، ورفع هاتفه عند أذنه: "نعم، أنا."

أومأت ريم برأسها، ثم أغلقت باب السيارة بهدوء، ووقفت تتابع السيارة وهي تغادر. كانت تتنفس بصعوبة، وتعرف أن أمامها تحديًا آخرًا كبيرًا عليها التعامل معه.

أخذت ريم بعض الوقت لتناول الطعام وشراء ملابس جديدة، ثم قادت سيارتها ببطء إلى شركة. K&W وطوال تلك الفترة، تلقت عشرات المكالمات من وليد، لكنها تجاهلتها كلها.

بمجرد أن أوقفت سيارتها، هرع نحوها قاسم، سكرتير السيد وليد، وقال لها بملامح متوترة: " الفنيّة ريم، أخيرًا أتيت! المدير وليد قلب الدنيا بحثاً عنك."

نعم، بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل في شركة وليد، لم تكن سوى "فنيّة" بالنسبة لهم.

سارت ريم بخطى ثابتة نحو الشركة وسألت دون مبالاة: "ما الأمر؟"

رد قاسم وهو يهز رأسه: "لست متأكدًا تمامًا، لكنه يبدو أمرًا عاجلًا جدًا."

في الواقع، لم يكن هناك أحد داخل الشركة، باستثناء وليد وكارمن وأقرب مساعديهم، يعرف أن جميع العطور التي حققت مبيعات هائلة لشركة K&W كانت كلها من ابتكار ريم.

أما جميع من في الشركة فكانوا يعتقدون أن كارمن هي بطلة الشركة الكبرى، والركيزة الأساسية التي تعتمد عليها.

في الماضي، لم تكن ريم تهتم بهذه الألقاب الجوفاء. والآن... أصبحت أقل اهتمامًا بها.

عندما وصلت ريم إلى باب مكتب الرئيس التنفيذي، سمعت صوت وليد الغاضب يتردد في أرجاء المكان:

"أنتِ تقضين كل وقتك معها، وتقولين لي إنك لا تعرفين أين ذهبت؟! كيف ذلك؟ يارا، دعيني أخبرك شيئًا: لا تستغلي دعم ريم لك، هل تصدقين أنني يمكن أن أطردك غدًا!؟"

تبع ذلك رطمةً قويّةً للهاتف على المكتب. فعبست ريم.

وتأكدت أن وليد قد صب جام غضبه على مساعدتها يارا؛ بسبب عدم قدرته على العثور عليها.

طرقت الباب بهدوء، وقبل أن تفتحه وتدخل. أدرك قاسم خطورة الوضع على الفور، وأغلق الباب خلفها دون أن يدخل معها.

"صوت زجاج يتكسر"

رفعت ريم بصرها لتجد كوبًا مكسورًا يتناثر أمامها على الأرض، وشظاياه تلامس قدميها، بينما يقف وليد أمامها يشتاط غضباً:

"أين كنت طوال الصباح!"
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP