الفصل 4
أجلس السيد سعيد ريم على الأريكة، ثم استدار ليجلب مرهمًا وقطنًا مبللًا بالكحول. ثم نظف جرحها أولا بعناية ووضع عليه المرهم.

في الواقع، كان جرحها الصغير قد توقف عن النزيف في الطريق، وبعد أن وضع لها المرهم، شعرت فيه ببرودة أنعشتها.

نظرت ريم إليه وهو يداويها بعناية تامّة، وكانت ملامحه هادئة وطبيعية، وكأن هذا الأمر عادي جداً. لكن مثل هذه الأشياء الصغيرة، لم يفعلها وليد أبدًا على مر تلك السنوات التي عاشتها معه.

لذلك رأت، أن الأمر ليس أن الرجال مهملون، بل إنهم ببساطة لا يقدمون الإهتمام الكافي.

بعد أن انتهى من وضع المرهم، رفع السيد سعيد رأسه ورأى نظرات ريم الشاردة، فسألها: "ماذا هناك؟"

"لا شيء." ثم هزت رأسها بسرعة، وسحبت قدمها وقالت "شكرًا لك."

فقال لها بهدوء وهو يغلق غطاء المرهم ببطء:"أنتِ زوجتي، لا داعي لقول هذه الكلمة. ولكن هناك شيء واحد، أريدك أن تتذكريه دائمًا."

"ما هو؟" سألته ريم وهي تهز رأسها.

"لا يهمني كيف كنتِ في الماضي، لكن بما أنكِ تزوجتِ مني، فلا يمكنكِ الاستمرار في التعلق بعلاقات قديمة..."

"لن أفعل!" قاطعت ريم كلامه بسرعة، "اطمئن، على الأقل خلال فترة زواجنا، سأضمن لك إخلاصي. وأتمنى أن تفعل الشيء ذاته."

ربما لم يتوقع أن تكون لديها الجرأة لتطلب منه شيئًا، فرفع السيد سعيد حاجبيه قليلاً.

"أعلم أن زواجنا هو زواج تعاقديّ، وبرغم أنني لا أعرف دوافعك، إلا أنني أريد أن نلتزم بمبادئ الزواج. وإذا جاء يوم وجدتَ فيه امرأةً تحبها، يمكننا الطلاق، ولكن الخيانة الزوجية، لا أتحملها."

لقد عاشت تجربة الخيانة مرة ولن تسمح بتكرارها.

ابتسم السيد سعيد وقال، "يا للمصادفة، هذا بالضبط ما أريده أيضًا."

تأملت ريم ابتسامته واعتراها الذهول للحظات.

بدا لها ذلك الرجل وكأنه تحفة فنية خلقها الله بعناية.

فهو لا يمتلك عقلية فذّة في مجال الأعمال فقط، بل كان مظهره مثاليّ ولا تشوبه أيّ شائبة.

في البداية، كانت قد لجأت إليه من باب محاولة التعاون معه، ولم تكن تتوقع أن تتزوج منه. ربما بعد سنوات من سوء الحظ، بدأت حظوظها تتغير أخيرًا؟

عند الساعة السابعة مساءً، استقلت ريم سيارة السيد سعيد، ووصلت معه إلى موقع المسابقة. لم تتوقع أنه سيحضر شخصيًا، فهذه المسابقة تعتبر صغيرة بالنسبة لشركة العود الذهبيّ، حيث تشارك منتجاتها التجميلية في المسابقات الدولية عادةً.

عندما وصلوا، رأت ريم سيارة وليد تقف أمام مدخل القاعة. كان يرتدي بدلة زرقاء داكنة، وشعره مصففٌ بعناية، مما جعله يبدو أنيقًا ووسيمًا. وبعد نزوله من السيارة، التفّ بسرعة ليفتح الباب لكارمن، ثم أمسك بيدها بلطف ليساعدها على النزول، وكان يعاملها بلباقة شديدة.

ارتسمت على شفتي ريم ابتسامة ساخرة، كانت تسخر من نفسها، كيف عميت عينها عن كل هذا في السابق؟

"هل ننزل الآن؟" سألها السيد سعيد وهو يمسك بيدها.

فهزت ريم رأسها وهي شاردة.

بالتأكيد، إذا نزلت الآن وهي تمسك بيد السيد سعيد وسارت أمامهما، سيكون ذلك خبرًا مدويًا يربكهم جميعًا، لكن ليست هذه هي النتيجة التي تسعى إليها، أو بالأحرى، هذا لا يكفي بالنسبة لها.

تريد أن تسترد كل ما قدمته خلال تلك السنوات، سواء كان من جهدها أو مشاعرها، وتسترده مع الأرباح أيضًا!

وبرغم أن هذه لم تكن مسابقة كبيرة، إلا أنها كانت مهمة من حيث تفاصيلها وعملياتها.

ولضمان نزاهة وعدالة المسابقة، عُينت لجنة التحكيم من خبراء الصناعة من مختلف المحافظات، وسلّم ممثلي كل شركة جميع العطور المشاركة قبل ثلاث ساعات من بدء المسابقة.

خلال هذه الساعات الثلاث، يقوم الخبراء بتقييم العطور من حيث شكل العبوّة والرائحة، وتطور الرائحة في نغمات العطر الثلاث: النغمة العليا، ونغمة القلب، ونغمة القاعدة، وتُمنح النقاط والتصنيفات بناءً على ذلك.

أيّ أن النتائج تكون قد حُددت بالفعل، لكنها لم تُعلن بعد.

لم تدخل ريم القاعة، بل بقيت مع السيد سعيد في غرفة كبار الشخصيات المخصصة لهم، حيث يمكنهم رؤية كل ما يحدث في القاعة عبر الشاشة الكبيرة الموجودة في الغرفة.

كان وليد وكارمن في ذلك الوقت في قمة سعادتهما وثقتهما، وكأن الجوائز قد باتت في جيبهما بالفعل، في حين كانت ريم تراقبهما في صمت، وتضحك في سرها لأن أيامهم المليئة بالضحكات المتعجرفة هذه لن تدوم طويلًا.

خفتت أضواء القاعة قليلاً، مما يشير إلى قُرب إعلان النتائج. وتحولت أنظار الضيوف الذين كانوا يتبادلون الحديث والمجاملات نحو المسرح.

وكالمعتاد، تُعلن أسماء الفائزين بالجوائز الصغيرة ثم الكبيرة. كان واضحاً على وليد عدم إكتراثه بتلك الجوائز الصغيرة، حتى انه لم يقلق من عدم ذكر اسم شركته K&W ضمن تلك الأسماء، بل بقي جالساً وواثقاً، ويحتضن كارمن وهو ينظر بثقة إلى منصة الجوائز.

"والآن، سنعلن عن الفائزين بالجوائز الثلاث الأولى لهذه المسابقة." قال المقدم بعد أن سلّك حلقه بلباقة. "قبل الإعلان عن الفائزين، أودّ أن أشدد على أن هذه المسابقة قد نظمت وفقًا لمبادئ العدالة والإنصاف والشفافية، ولم تقتصر المشاركة فيها على شركات معينة، بل كانت مفتوحة أمام الجميع بشرط استيفاء الشروط المطلوبة. ومع ذلك، نود أن نؤكد لكم أننا نولي أهمية كبيرة لأخلاقيات صانع العطور بقدر أهمية جودة المنتج ذاته، ونحن موقفاً صارماً ضد أيّ سلوك مشبوه مثل الانتحال أو السرقة الفكرية!"

في غرفة كبار الشخصيات، أمسكت ريم بكأس النبيذ، وشدّت شفتيها، ونظرت إلى شاشة العرض حيث يظهر وليد وكارمن أمامها.

كان واضحاً أنهما لم يدركا بأي شكل أن هذه الكلمات موجهة إليهما، بل قاما بالتصفيق بحماس دعماً لهذه السياسة.

قال وليد بلهجة حازمة: "هذا صحيح تمامًا! على الرغم من أن شركتنا صغيرة، إلا أننا نركز دائمًا على الابتكار والبحث والتطوير، والسرقة الأدبية هي عار على هذه الصناعة، حتى لو كانت المنتجات النهائية لدينا ليست مثالية، فإننا نرفض اللجوء لمثل هذه الأفعال."

ثم أضافت كارمن بعد وليد، "نعم، رغم أنني مجرد صانعة عطور متوسطة المستوى، ولا أضاهي كبار الخبراء في المجال، إلا أنني دائماً أحث نفسي على العمل بجد وإخلاص، لصنع علامة تجارية نفتخر بها في بلادنا."

تعالى التصفيق في القاعة، واستغل الصحفيون الفرصة لالتقاط الصور، مما أضفى جوًا من الانسجام والود.

لكن المقدم على المسرح بدا جديًا، فتغيرت نبرة صوته سائلاً: "هل يعني ذلك أن شركة K&W تضمن تمامًا أصالة ومصداقية منتجاتها المشاركة في المسابقة؟"

" فرد عليه وليد بثقة قائلا: "بالطبع!"

لكنه بعد أن قال ذلك، اعتراه بعض القلق. فقد شارك في العديد من المعارض والمسابقات من قبل، لكن لم يحدث أن وُجهت إليه مثل هذه الأسئلة، ولم يُذكر اسمه بهذا الشكل.

وبرغم ذلك كان واثقًا بشأن هذه النقطة بالتحديد، فالعطور المشاركة في هذه المسابقة كانت جميعها من ريم، لذلك كان مطمئنًا بشأن أصالتها.

وفور تفكيره بهذا الأمر، عادت لوجهه تعابير الفخر والاعتزاز.

"هه..."

سخرت ريم من كلامه، وخصوصاً عبارته "بالطبع"، كانت ساذجةً جداً.

نظر المذيع إلى وليد نظرة عميقة، ثم التفت إلى الحضور وقال بجدية: "لقد حدث موقف غير عادي في هذه المسابقة، حيث قدمت شركتان مختلفتان منتجًا متطابقًا تمامًا، حتى اسم المنتج كان متطابقاً.

ورغم أن ألمذيع لم يذكر أسماء مباشرة، إلا أن سؤاله السابق لوليد جعل الجميع يدرك من المقصود. أما الشركة الأخرى فكانت لا تزال مجهولة.

تغير لون وجه وليد فجأة.

كان هذا أكثر إحراجًا له من عدم الفوز بأي جائزة. فقد شٌكك في مصداقيتهم واتُهموا بسرقة الملكية الفكريّة أمام وسائل الإعلام والعديد من الشركات في هذا المجال.

وبمجرد انتشار هذا الخبر غدًا، ستدمر سمعة شركة K&W تمامًا.
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP