الفصل 6
أثناء تناول الطعام، كانت الفرحة متمكنة من لؤي، بينما كان وجه فاروق متجهمًا.

لحسن الحظ أن لؤي أعطى فاروق حبتين من الدواء قبل مغادرته، مما عدّل من مزاجه قليلًا.

لعل شعور كلًّا من مريم وياسر بالإحراج من الموقف السابق هو ما دفعهما للصعود إلى الطابق العلوي.

جلس آدم بجوار الجد على الأريكة، محثًا إياه على تناول حبة الدواء.

قال فاروق: "آدم، أنا أشعر بتحسنٍ ملحوظ، حبوب أعشاب العافية تلك فعّالة حقًا"

قال آدم متسائلًا: "لديك جسد قوي كذلك يا جدي، لكن ما الذي أصابك في صباك حتى تمرض بهذا الشكل؟"

تنهد فاروق مشيرًا بيده، وقال: "كنت شابًا أرعنًا، دعك من تلك الأمور المؤسفة، ففي النهاية يحصد كل إمرءٍ ما زرع عاجلًا أم آجلًا"

شعر آدم ألّا رغبة للجد بإطالة الحديث، فلم يضغط عليه بمزيد من الأسئلة.

استعاد فاروق حيويته، وطلب من آدم أن يلعب عدة جولات من الشطرنج معه.

وحوالي الساعة الثانية بعد الظهر، نزلت مريم من الأعلى متأنقةً ومتزينة، تحمل بيدها حقيبةً فاخرةً، وبدت كأنها في طريقها للخروج.

سألها فروق: "إلى أين أنت ذاهبة يا آنسة؟"

أجابته مريم: "دعتني فيروز لشرب القهوة معها"

ابتسم فاروق وقال: "هذا رائع! اصطحبي آدم معك لتعرفي صديقتك المقربة على زوجك"

امتعض وجه مريم، فهي لا تريد اصطحاب آدم معها لتأكدها من سخرية فيروز الشديدة منها فيما بعد.

لم يكن أمامها خيار سوى أن رمقت آدم بنظرات تهديد.

وضع آدم قطعة الشطرنج جانبًا متجاهلًا نظراتها، وقال مبتسمًا: "أنت محق يا جدي، كما أنني لست مشغولًا في الوقت الحالي"

حدقت مريم به بغضب، فكيف يجرؤ هذا الحقير على مرافقتها؟

لكن بعد ما قاله آدم، لم ترغب بإثارة غضب جدها، فاضطرت للابتسامة رغمًا عنها.

"حسنًا... فلنذهب معًا"

وهكذا، خرج كلاهما معًا، وركبا سيارتها البي إم دبليو من طراز Z4.

انطلقت مريم بالسيارة، وقالت بوجهٍ صارم: "أتعرف كيف تتهجأ كلمتي (عديم الإحساس)؟"

عقد آدم حاجبيه وقال: "بتلك الطريقة سنتمكن من إخفاء الأمر عن جدك، وإلا فبحذاقته، لن يستغرق الأمر أكثر من يومين ليكتشف كل شيء"

لم تنطق مريم بكلمة، وحين لاحظ آدم صمتها، قرر التزام الصمت هو الآخر.

اقتربت السيارة من أحد الأسواق، فضغطت مريم بقوةٍ على المكابح، وتوقفت بجانب الطريق، ثم فتحت باب السيارة.

وخاطبته قائلةً: "انزل من السيارة"

فتح آدم باب السيارة ونزل، ثم وقف بجانب الطريق.

قالت مريم بجفاء: "اذهب لحيث تشاء، سأتص بك حين أرغب بالعودة"

لم يكن من آدم إلا أن أجابها قائلًا: "لا أملك هاتفًا"

تجمدت مريم بمكانها من الدهشة، فهل هناك من هو فقير لدرجة عدم امتلاكه هاتف في هذا العصر؟

وشعرت فجأة بمزيدٍ من الاستياء، فكيف يمكن لهذا الرجل أن يرقى لمستواها وهي مديرة مجموعة شركات فاروق؟

حقًا لا أعرف ما يدور بذهن جدي!

فكر آدم للحظةٍ، ثم قال: "سأكون بانتظارك هنا قبل وقت العشاء"

رفعت مريم حاجبيها، ثم أخرجت بطاقتها الائتمانية وسلمتها له قائلةً: "لا بأس، خذ بطاقتي واشترِ لنفسك هاتفًا، وإلا فسيوبخني جدي إذا خرجت معي مجددًا بدون هاتف"

ظنت مريم أن الهاتف لن يكلفها أكثر من ألف ونصف دولار على الأكثر، فكأنها أطعمت كلبًا بهذا المبلغ.

بعد تفكيرٍ قصير، أدرك آدم أن العيش بدون هاتف هنا قد يكون صعبًا بالفعل، فهو الآن ليس بالقرية.

"شكرًا"

لم تعره مريم اهتمامًا، وضغطت على دواسة الوقود منطلقةً بسيارتها الفاخرة الحمراء، محدثةً هديرًا عاليًا.

"أوه..."

تنهد آدم وقال وهو يطالع البطاقة التي في يده: "لو لم يأخذ العجوز كل أموالي التي كانت في الحصالة، لما انتهى بي الحال هكذا..."

كان آدم على وشك المغادرة، حين سمع فجأة صوتًا مألوفًا.

"آدم؟"

وإذا به الطبيب الشهير لؤي.

سأل آدم متفاجئًا: "حضرة الطبيب لؤي؟ ماذا تفعل هنا؟"

ظن لؤي في البداية أنه أخطأ في التعرف عليه، لكنه حين تأكد من كونه آدم، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وقال: "كنت أشتري بعض الأغراض من الجوار، ماذا عنك؟"

"أنا أعتزم شراء هاتفٍ محمول"

تردد لؤي للحظة، ثم قال مندهشًا: "حسنًا، ما متوسط السعر الذي تستهدفه؟"

"يكفي أن يكون رخيصًا وأن يؤدي غرضه"

أجابه لؤي: "إذًا، لما لا تتوجه معي للعيادة ونتحدث قليلًا؟ هناك بعض محلات الهواتف بجوارها"

عيادة قاعة الأطباء مشهورة جدًا في أنحاء المعادي، وذلك لأن الطبيب لؤي هو من قام بتأسيسها.

كانت هناك شابة في العشرينيات من عمرها بالعيادة، ترتدي زي الممرضات الأبيض، وتحضّر الأدوية. ورفعت تلك الفتاة رأسها حين شعرت بدخول أحدهم، وقالت بصوتٍ عذب: "جدي؟"

نظر آدم لتلك الفتاة التي ترتدي زي الممرضات، وبدت طبيعية بلا أي زينةٍ متكلفة، وبملامح بسيطة ورقيقة.

وعلى الرغم من بساطة ملابسها، إلا أنها لم تستطع إخفاء قوامها المثالي، وكان زي الممرضات الأبيض يضفي عليها جاذبيةً يصعب إنكارها.

"هذه حفيدتي شاهندة"

حيّاها آدم مبتسمًا: "أهلًا!"

علت بعض الدهشة وجه شاهندة الرقيق، فمن النادر أن يستقبل جدها زواره بتلك اللباقة، ناهيك عن كونه زائرًا شابًا.

"تفضل بالجلوس بالداخل يا صديقي"

اعتقدت شاهندة أن معاملة جدها لآدم كانت لطيفة بشكلٍ يفوق المعتاد.

أمضى جدها حياته كطبيب، وكان العديد من الشخصيات المهمة والوجهاء يحترمونه، ونادرًا ما كان يولي هذا القدر من الاحترام لشخص.

لذلك شعرت شاهندة بفضولٍ كبيرٍ تجاه آدم هذا.

كانت تنوي التنصت على ما يتحدث عنه جدها مع هذا الشاب المقارب لها في السن، لكنها فجأة سمعت صراخًا قادمًا من الخارج.

"الطبيب لؤي! أين هو الطبيب لؤي؟"

أقبل رجلٌ في مقتبل العمر، وقد نال الشيب ما ناله من شعره، يحمل على ظهره رجلًا مسنًا بشعرٍ أبيضٍ خفيف.

تجهم وجه لؤي فجأة، وقال: "ما خطب والدك يا كريم؟"

أجاب الآخر قائلًا: "لا أعرف! فقد فقد وعيه فجأة... أرجوك انقذ والدي يا حضرة الطبيب"

صارت ملامح وجه لؤي جادّة بشكلٍ غير مسبوق، وأخذ يحاول قياس النبض والتنفس، لكن بلا جدوى.

"أحضري لي الإبر يا شاهندة"

أحضرت شاهندة الإبر الفضية بسرعة، وأخذ لؤي يوكزه بعدة إبر، لكن حالة العجوز لم تتحسن.

ظهرت قطرات صغيرة من العرق على جبين لؤي.

كان كريم الذي يحمل هذا العجوز ثائرًا بمزيجٍ من الغضب والتوتر، وكان محكمًا قبضته بشدة.

كان وجه شاهندة شاحبًا، وتجلت علامات القلق على وجهها، وقالت بنبرةٍ مضطربة: "كيف يمكن أن يحدث هذا؟"

سأل آدم متعجبًا: "ما الخطب؟"

قالت شاهندة شاحبة الوجه وهي ترتجف: "هذا العجوز هو السيد هشام، وهذا ابنه كريم، وهما من أكثر الناس شهرةً هنا"

رأت أن آدم لم يفهم الأمر بعد، فاسترسلت في شرحها قائلةً: "إن لم نتمكن من إنقاذ هذا العجوز، ستتضرر سمعة جدي بشكلٍ كبيرٍ بغض النظر عمّا إن كان أخطأ أم لا"

كان الطبيب لؤي يعمل جاهدًا، حتى انهمرت قطرات العرق على جبينه، لكن لم يكن هناك أي تحسنٍ بالوضع، بل بدأ تنفس الشيخ العجوز يضعف تدريجيًا.

شحب وجه كريم حين رأى هذا الموقف، وقال بصوتٍ منخفضٍ يعتريه الغضب: "إن كنت عاجزًا عن إنقاذه يا حضرة الطبيب، أخبرني مباشرةً كي أتمكن من البحث عن طبيبٍ آخر، وإلا فإن أصاب أبي مكروه، فسوف...."

لم يكمل حديثه، إلا أن تهديده كان واضحًا.

رمق آدم كريم بنظرةٍ منزعجة، ثم قال بهدوء: "حضرة الطبيب لؤي، سنزيل الإبر ونعيد إدخالها من جديد"

تجمد لؤي بمكانه للحظة، ثم أزال جميع الإبر الفضية بدون تردد.

امتعض وجه شاهندة فجأة، وسحبت آدم من ذراعه قائلةً: "ماذا تفعل؟"

بينما نظر كريم له بمزيجٍ من الحزن والغضب، وقال: "من أنت؟"

تطلع آدم بوجه كريم، ثم قاطعه بعنفٍ قائلًا: "إذا كنت لا تريد لهذا العجوز أن يموت، فلتطبق فمك!"

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP