الفصل 2
قال طلال بن زهير، بنبرةٍ يملؤها القليل من الاستسلام: "لماذا تصرين على تعقيد الأمور؟ هذا أمرٌ ملكي، وحتى بعد دخول أميرة الكنعانية إلى هذا البيت، ستظلان منفصلتين في إدارتيكما لأجزاء المنزل، هي لن تنازعكِ في إدارة شؤون القصر. سلمى، ما تهتمين به، هي لا تكترث له."

سألت سلمى الهاشمي بنبرةٍ تحدٍّ: "أترى أنني متعلقة بإدارة هذا القصر؟" كان قصر الجنرال مسؤوليةً ثقيلة، فما بالك برعاية والدته التي تستهلك أدوية أحمد المنصور شهريًا بما يعادل عشرات الدنانير الذهبية، فضلاً عن مصاريف باقي الأسرة من طعام وملبس وضيافاتٍ اجتماعية لا تنتهي.

لقد كان القصر فارغًا من المال، ومنذ دخولها إليه، أنفقت سلمى الكثير من مهرها لتعويض هذا العجز، وها هي ترى النتيجة أمامها.

فقد طلال صبره نهائيًا وقال: "كفي، لا فائدة من النقاش معك. أخبرتكِ بالأمر من باب الإعلام فقط، موافقتك أو عدمها لن يغير من النتيجة شيئًا."

نظرت سلمى إليه وهو يغادر غاضبًا، وشعرت بمزيدٍ من السخرية والأسى.

قالت ليلى، وهي تمسح دموعها: "سيدتي، إن السيد طلال يظلمكِ كثيرًا."

نظرت سلمى إليها ببرود وقالت: "لا تتسرعي في إطلاق الألقاب، ليس بيني وبينه علاقة زوجية كاملة بعد. لم يعتبر سيدك بعد. هيا، اذهبي وأحضري قائمة مهري."

سألتها ليلى ببراءة: "ولماذا نحتاج لقائمة المهر الآن؟"

نقرت سلمى بإصبعها على جبين الجارية برفق وقالت: "أيتها الفتاة الساذجة، هل نظل في بيتٍ كهذا؟"

غطت ليلى جبينها بيدها، وأطلقت تأوهًا خفيفًا، وقالت: "ولكن، هذا الزواج رتبته والدتكِ، وكان والدكِ، رحمه الله، يأمل أن تتزوجي وتنجبين أبناءً."

عند ذكر والدتها، بدأت دموع سلمى تتجمع في عينيها.

فوالدها، الذي لم يتزوج غير أمها، قد أنجب ستة أبناء وبنتًا واحدة، جميعهم شاركوا في المعارك مع والدهم. قبل ثلاث سنوات، في معركة الجنوب، قُتل جميعهم.

ورغم أنها من عائلة عسكرية، وكانت فتاة، إلا أنها تدربت على القتال منذ صغرها، وفي السابعة من عمرها أرسلها والدها إلى جبل الزيتون لتتلقى التدريب العسكري وتتعلم فنون القتال والكتب الاستراتيجية.

عندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها وعادت من الجبل، علمت أن والدها وإخوتها قد قُتلوا قبل عام في معركة المنطقة الجنوبية.

بكت والدتها حتى فقدت بصرها، واحتضنتها قائلةً: "من الآن، يجب أن تعيشين كأية فتاة من بنات الأشراف في عاصمة الرملة، تبحثين عن زوجٍ صالح، وتتزوجين وتنجبين أبناءً. أنتِ ابنتي الوحيدة الآن."

كان ألمها كمن يُقتلع قلبه، حتى أنها لم تستطع أن تذرف دمعة واحدة من شدة الألم.

ثم قضت عامًا كاملاً في تعلم قواعد الحياة الفاضلة وأصول إدارة شؤون البيت، كل ذلك لتسعد قلب والدتها.

كانت خطبة ابنة عائلة الهاشمي القائد التي كانت تُعتبر أجمل فتاة في المدينة، حديث الناس، وتسابق الخاطبون لطلب يدها، إلى أن اختارت والدتها طلال بن زهير، الذي أقسم أمام والدتها بأنه إذا تزوج سلمى، فلن يتزوج الجارية أبدًا.

ولكن قبل نصف عام، تم ذبح جميع أفراد عائلة الهاشمي القائد، النساء والأطفال والكبار جميعهم قُتلوا بوحشية، ولم يُترك أحد على قيد الحياة. حتى أن أجسادهم تعرضت لتقطيع مروع، حيث تلقى كل جسد 108 طعنات، وكانت العظام مهشمة والجثث بلا معالم.

كانت هناك مذبحة مرعبة، ولم يُستثنَ حتى الصغير الذي لم يبلغ بعد الثالثة من العمر، وهو ابن أخيها الثالث الذي قُتل في المعركة.

وحينما وصل خبر المجزرة إلى ديوان الرملة وجيش الدفاع، تم القبض على بعض الجناة، وكانوا جواسيس من الكوفة.

ولكن مع استمرار الحرب في الجبهة، فإن قرار هؤلاء الجواسيس من الكوفة بالتضحية بحياتهم لإبادة عائلة الهاشمي القائد يشير إلى أنهم أرادوا الانتقام.

عندما سمعت سلمى بالخبر، هرعت إلى منزلها، لتجد جثة جدتها ووالدتها ممزقة بشكلٍ مروع.

كل المنزل مغطىً بالدماء، وجثث جميع أفراد العائلة كانت في حالةٍ من البشاعة والرعب.

والآن، لم يبق من عائلة الهاشمي القائد سوى سلمى وحيدةً، وكان من المستحيل إعادة مجد هذه العائلة، على الأقل هذا ما يعتقده الآخرون.

فهم يرونها مجرد فتاة ضعيفة بلا حول ولا قوة.

أما أميرة الكنعانية، فقد أثبتت نفسها في ساحات القتال، وتُعتبر أول امرأة تحصل على لقب قائدة عسكرية في الدولة العباسية، وقد حظيت بتأييد أمّ الإمبراطور، وبوجودها إلى جانب طلال بن زهير، سيكون مسار حياته أكثر استقرارًا، ولهذا فإن عائلة بن زهير قد وافقت على هذه الزيجة.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP