شعرت هند بتوقف أنفاسها في حلقها، وكادت تفقد وعيها.الرجل الذي لطالما سمع كلامها وأطاعها، يبدو الآن وكأنه لا يعيرها أي اهتمام، وكأنها أقل من مجرد غريبة بالنسبة له."أحمد الجبوري، تضرب أمي وأخي، ولم تكتفي بعدم شعورك بالذنب، بل وتبدو واثقةً تمامًا من نفسك، فهل تعتقد أنني -هند الهاشمي- سهلة الاستغلال؟ أم أنك تعتمد على علاقتنا التي دامت ثلاث سنوات فتتصرف وكأنك لا تخشى شيئًا، وتعتقد أنني لن أفعل لك شيئًا؟"عدّلت هند شعرها، وقالت: "يبدو أنك لم تفهمني أبدًا على حقيقتي."ابتسم أحمد بخفة، وقال: "في اللحظة التي أظهرت فيها أوراق الطلاق، فهمت كل شيء، ولحسن الحظ، لم يكن الأوان قد فات بعد."أدركت هند أنه أساء فهمها، وعرفت جيدًا ما كان يقصده من بين السطور، لكنها لم تهتم."ما أعنيه هو أنك لا تعرف من أنا حقًا، ولا تعرف ماذا يمكنني أن أفعل لأعدائي، وإذا كنت تعتقد أنني -هند الهاشمي- سأتركك بلا انتقام بسبب ذكرياتنا، فأنت مخطئ تمامًا، فانتقامي سيهوي بك إلى الجحيم، وأنا لا أمزح."حافظ أحمد على ابتسامته، وقال: "وماذا بعد؟""وماذا بعد؟ أحمد الجبوري، لا أعلم من أين لك هذه الجرأة!""لا تنس أن لدي ثلاث ش
ماذا؟ أيتحدى السيد نور الدين؟"ألا يخاف الموت؟ من يظن نفسه؟ فحتى لو كان أحد أبناء العائلات الأربع الكبرى، لكان قد أظهر بعض الاحترام للسيد نور الدين، أليس كذلك؟"ابتسم نور الدين التميمي بغضبٍ مكتوم، وأحكم قبضة يده لتصدر منها أصوات فرقعة كالفاصوليا وهي تقلى."هند، لقد رأيت بنفسك، لم أكن أريد التدخل، لكن يبدو أن هناك من يحتاج إلى القليل من الترويض."وقفت هند الهاشمي بوجه جامد دون أن تنطق بكلمة."ههه، كنت أعتقد أنك لو ركعت وقمت بلعق حذائي، فسأطلق سراحك بلا مقابل اليوم، لكن من الواضح أنك لا تدرك خطورة الوضع.""إذًا، سأعطيك اليوم درسًا، عنوانه: كم هي هشة عظام الأنف!"تغيرت ملامح نور الدين التميمي على الفور لتصبح مشوهة من الغضب، وقفز فوق الطاولة موجهًا لكمة إلى وجه أحمد الجبوري، حيث تطايرت خصلات شعره الأمامية بفعل الرياح العاتية، واقتربت قبضة يده بسرعة من عينه.ساد الصمت المكان، لدرجة أن صوت سقوط الإبرة يمكن سماعه.مرت ثانية، ثم ثانيتان!تسللت قطرات عرق من جبين نور الدين التميمي، وابتلع ريقه بصعوبة، محدقًا في خصمه.في تلك اللحظة، كان معصمه ممسوكًا بإحكام من قبل خصمه، ورغم أن قبضته
قلب أحمد الجبوري عينيه بملل.لم يكن يدري ما الذي تخطط له ليلى المرسي.ولكن بدا أنه بلا حاجة لأي تفسير الآن، فبعد انتهاء زواجه من هند الهاشمي، أصبح كل ما يفعله ومن يرافقه أمرًا يخصه وحده.في الجهة المقابلة، كانت عينا ليلى تتفحصان هند الهاشمي بلا توقف.هذه هي طليقته إذًا، تلك التي كانت السبب في غضبه وفقدانه السيطرة على مشاعره.مظهرها ليس سيئًا، وأسلوبها أنيق إلى حدٍ ما، لكن بالمقارنة معها، ينقصها بعض السحر والجاذبية.لا أحد يعلم ما الذي دار ببال ليلى، لكنها ابتسمت بخفة، وتقدمت نحوها، ومدت يدها قائلةً: "الآنسة هند، لقد تحدث أحمد كثيرًا عنك. تشرفت بلقائك، وأتطلع للمعرفة طيبة بيننا."لم ترغب هند الهاشمي في فقدان كرامتها أمام هذا الحشد، فمدت يدها بأدب.وفي نفس الوقت، بدأت تتفحص الأخرى خلسةً.لطالما كانت تعتبر نفسها جميلة بلا منافس، ولكنها الآن اضطرت للاعتراف بأن هذه المرأة التي أمامها جميلة للغاية، فجمالها لا يشوبه شيء، حتى أنها تبدو من بعض الجوانب أكثر فخامة وثقة بالنفس منها."لم أسمع أحمد يتحدث عنك من قبل، هل تعرفتما مؤخرًا؟ أم...... أنكما تعرفان بعضكما منذ زمن؟" قالت هند وهي تعض
"رهان؟""نعم، رهان! سنقيم الثروة، السلطة، والقدرات الشخصية بشكل شامل لمدة ثلاثة أشهر، لنرى من هو الأفضل." قالت ليلى بثقة كبيرة."أيتها الجميلة، هل تمزحين؟ كيف يمكن لهذا الوغد أن ينافسني حتى إن أمهلته ثلاثة سنوات أو ثلاثين سنة، وليس ثلاثة أشهر فقط؟ فأنا لو جلست بلا عملٍ، سأكسب ملايين في الشهر، بينما هو لو جلس بلا عمل سيموت جوعًا في ثلاثة أيام، كيف يُقارن بي إذًا؟""السيد نور الدين محق، هذا النوع من الرهانات غير ضروري، فلكلٍ حياته، وهناك طبقات لن يستطيع الوصول إليها حتى لو عمل جاهدًا طوال حياته، وباعتبار أننا كنا زوجين، فلا أريد أن أسبب له المزيد من المتاعب. أعتقد أن هذا العرض الهزلي قد وصل إلى نهايته."لم تتمالك ليلى نفسها، وضحكت ساخرةً: "أخي أحمد، يبدو أنهم قللوا من شأنك."عبست هند الهاشمي قليلًا، ولم تستطع تحمل ضحكة تلك المرأة المليئة بالدلال والاحتقار في آنٍ واحد."حسنًا، بما أنك تريدين الرهان، سأشاركك. المدة ثلاثة أشهر، صحيح؟ وما الرهان؟"أشارت ليلىإلى المبنى الضخم ذو البرج المدبب المقابل لفندق القصر الملكي."الرهان هو أن تقفي على قمة برج إعلام مدينة النهر الجنوبي، وتعلني ل
"مديرة هند، لا تستعجلي." صرخت السكرتيرة أمينة بسرعة لتوقفها."مسؤول اتحاد البحار الأربعة لا يقابل أحدًا الآن، فحتى إذا ذهبت، سيطردك.""لا يقابل أحدًا؟""نعم، العديد من رجال الأعمال المشهورين ينتظرون على باب الطابق الثالث، لكنه أعلن أنه في فترة راحة الآن ولن يقابل أحدًا."تنهدت هند بعمق، وقالت: "يا له من تعالٍ كبير!"قال نور الدين بلهجة مريحة: "ليس هناك مفر، هذا هو اتحاد البحار الأربعة، أحد العمالقة الثلاثة في ولاية الجنوب. مع هذه العائلات الثرية في مدينة النهر الجنوبي، من الصعب أن ينال أحدنا إعجابهم. ولكن بما أن مشروعك يا مديرة هند تم اختياره، فلا داعي للقلق بشأن الباقي.""حسنا، لنذهب لزيارة مركز الطب التقليدي لعائلة البغدادي."لمعت عينا هند بححماس."هذا العلاج التجميلي الجديد الذي طورته شركتي قد حظى بالفعل بإشادة السوق، ففي غضون شهر، تجاوز عدد الموزعين المحليين الثلاثين، والخطوة التالية هي توسيع خطوط الإنتاج وحل مشكلة المواد الخام. خطوط الإنتاج ليست مشكلة كبيرة، ولكن المواد الخام الأساسية تحت سيطرة عائلة البغدادي، وبدون دعمهم، سيكون الطريق أصعب بكثير."ضحك نور الدين قائلًا:
في الغرفة، كان الجو مشحونًا بعض الشيء.في النهاية، قرر وسام البغدادي التدخل."دكتور كمال، قال الشاب قبل أن يغادر أن هذه الإبر لا يجب إزالتها أبدًا. ألا ننتظر عودته قبل اتخاذ أي إجراء؟""ففي النهاية، صحة جدي هي الأهم، علينا أن نكون حذرين......"تجمدت ملامح كمال للحظة، ثم أغلق حقيبة أدواته بقوة، وقال ببرود: "إن كنتم تعتقدون أن فريق الخبراء من مستشفى مدينة النهر الجنوبي أقل كفاءةً من ذلك الشاب الدجال، فلا داعي لاستدعائي، وقتي ثمين جدًا، ولولا علاقتي الطيبة بالسيد وسام لما أتيت على الإطلاق."ضبط الدكتور زاهر نظارته، وضحك بسخرية: "الدكتور كمال هو كبير الأطباء في اتحاد البحار الأربعة، وقد جاء مباشرة من هناك ليجمع فريق الخبراء دون أي تأخير. لم أتوقع أن تقارن عائلة البغدادي طبيبًا كهذا بشاب دجال لا قيمة له. هذا مثير للسخرية!""دكتور زاهر، دكتور كمال، لقد أسأتم الفهم، لم يقصد أخي ذلك، ولكن بما أن صحة جدي على المحك، لا يمكننا المخاطرة.""أخي، لنقم بإزالة الإبر، أعتقد أنها عديمة الفائدة وتعيق علاج الدكتور كمال." قالت لولوة البغدادي وهي تومئ بعينيها."صحيح، الدكتور كمال هو الثاني بعد الأطب
"أنا من يتحمل المسؤولية؟" قال أحمد الجبوري بابتسامة مستهزئًا، وهو ينظر إلى الشارة المعلقة على صدر الشخص أمامه، "تمت إزالة الإبر الفضية، مما جعل الشيخ البغدادي في خطر، والآن تطلب مني أن أتحمل المسؤولية؟ هل هذا هو رئيس قسم الطب الباطني في مستشفى مدينة النهر الجنوبي؟""أنت وهذا العجوز بالفعل من طينة واحدة، ليس غريبًا أنكما من نفس المدرسة." قال أحمد وهو يشير إلى كمال."أنت!""أنت ماذا؟ رأفةً بعمرك الكبير، سمحت لك بتجاوز حدودك مرة، لكن هل تعتقد حقًا أنني بهذه الطيبة؟" قاطع أحمد كلامه بحدة."أيها الوغد الصغير! كيف تجرؤ على التحدث مع الأستاذ كمال بهذه الطريقة؟ هل تعرف من هو؟ احذر! فقد لا تجد مكانًا تقف فيه في مدينة النهر الجنوبي!" قال الدكتور زهير بغضب شديد.نظر أحمد إليه بنظرةٍ ساخرة، وقال: "أنت من النوع الذي لا يملك مهارات، ولكنه يحب التصرف بمفرده ثمإلقاء اللوم على الآخرين. لو كنت مكانك، لأغلقت فمي تمامًا لتجنب الإحراج والسخرية.""هراء!"لم يسبق للدكتور زهير أن تلقى هذا النوع من الإهانة، حتى أن فمه اعوجّ من شدة الغضب.في تلك اللحظة، بدأ الشيخ البغدادي-الذي كانت حالته قد استقرت-، بال
رفع أحمد الجبوري الكوب، وأخذ رشفة خفيفة، ثم وقف قائلًا: "أعتقد أنني بحاجة للانصراف الآن.""سيد أحمد، ألا ترغب في البقاء لفترة أطول؟ ربما أعرفك على إحدى الشخصيات البارزة في مدينة النهر الجنوبي، السيدة هند الهاشمي. قد تكون فرصة لبدء علاقة جميلة." قال الشيخ البغدادي ممازحًا.لكن، بمجرد أن أكمل حديثه، تغيرت ملامح أحمد الجبوري بشكلٍ ملحوظ إلى تعبيرات استياءٍ واضحة."السيدة الهاشمي التي تتحدث عنها يا شيخ، هي على الأرجح طليقتي. هل تفكر في دفعنا للعودة معًا؟"فجأة، سيطر الصمت المحرج على الغرفة بأكملها."آه، آه، أعتذر يا سيد أحمد. لم أكن أعلم بهذه التفاصيل." قال الشيخ البغدادي وهو يسعل بحرج."زينب، رافقي السيد أحمد إلى الخارج."خطت زينب البغدادي بخطوات صغيرة، واقتربت منه وهي تنظر إليه بفضول.أهذا الرجل المميز هو فعلًا طليق السيدة البارزة هند الهاشمي؟لما قد تتطلق منه؟ شخص يمتلك هذه المهارات الطبية سيكون كنزًا لأي عائلة بارزة، إنه أشبه بجواز سفر إلى المجتمع الراقي. هل يعقل أن لديه عيبًا غريًبا يجعل الآخرين لا يحتملونه؟فتح باب الغرفة.دخلت هند الهاشمي بابتسامة مشرقة واثقة، وانحنت قليل