الفصل4
اكتسب مُراد قوة لا مُتناهية بعد عودته للحياة، وبالرغم من أنه حينذاك لم يتمكن من السيطرة عليها، إلا أن مواجهته لقاتلين عاديين كان أكثر من كافٍ، لذلك استغّل مُراد هروب القاتل الآخر قبل مُواجهته، وأمسكه بقوة، ثم تدحرجا إلى الماء بينما يتضاربان.

هل سيكون مصيرهما الموت؟

ظهر في عينّي لؤلؤة تعابير مُعقدة، بالرغم من أن ذلك الرجل كان مزعجًا للغاية، إلا أنهما التقيا بمحض الصدفة، فلماذا يُضحي فجأة بنفسه

متعمدًا لأجلها؟

لم تحملها قدميها في تلك اللحظة، فزحفت إلى جانب الماء، وشعرت بمشاعر مُعقدة، فكانت تريد أن يخرج مُراد، وأرادت ألا يخرج أيضًا، لأنه رأى جسدها الشريف والحساس ولمسه، كما أنه قبّلها.

أخذت لؤلؤة تعض على شفتيها منتظرةً إياه لفترةٍ طويلة، ولكنه لم يخرج، ولم تعرف لوهلة إن كانت تريد أن يعود ذلك الرجل مجهول المصير، أم تريده أن يموت.

ولكن دموعها انهمرت لا إراديًا، ولم تتمكن من إيقافها…

لم يمضِ الكثير.

ارتفع صوت بوق سيارة، حيث تعقب العديد من الحرس الشخصي لعائلة لؤلؤة مسارها وأتوا.

كانت تضع ملابس مُراد وانتظرت طويلًا وبعدما تأكدت من أنه لن يخرج، قالت بلطفٍ للنهر: "اسمي لؤلؤة، فلتبحث عني..."

استدارت لؤلؤة مُغادرةً، ولكنها لم تعلم أن مُراد قد سمع اسمها وهو بالماء.

لؤلؤة؟

يا له من اسمٍ جميل!

يبدو أن لؤلؤة فقدت صوابها بعد عودتها للمنزل، وأمرت مجموعة من حرسها أن ينزلوا للنهر بحثًا عن مُراد، إلا أنهم لم يجدوا شيئًا.

علمت فقط أنه يُدعى مُراد.

وأنه يعيش في منزل أهل زوجته.

وجد أحد أتباعها هويته الشخصية، وقال أنه وجدها بنقطة التخلص من المهملات.

هذا حقًا غريب!

......

أما خارج قطاع الأحوال المدنية.

كان كلًّا من مها وليلى الهنداوي منتظرتان.

أخذت مها ترفع يدها لتنظر في ساعتها من حينٍ لآخر، وتكاد تستشيط غضبًا.

لقد اتفقت مع مراد ليلة أمس أن يستخرجا وثيقة الطلاق صباح اليوم.

والآن أوشك الظهر أن يحل ولم يظهر بعد.

كما أنه لم يعد ليلة أمس، وحاولت الاتصال به ولكن هاتفه مغلق ولا تعرف إلى أين ذهب، وتعجز عن الوصول إليه.

وبينما تنتظر مها بفارغ الصبر، ظهر مُراد أخيرًا، وأخذ يركض لاهثًا من بعيد.

كانت ملابسه مُمزقة، وبدا في حالة مزرية للغاية.

عامل مُراد لؤلؤة بهذا الشكل ليلة أمس، وكان يعلم أنها من عائلة ثرية، مما جعله لا يجرؤ على الصعود من الماء، واختبأ بالماء فترة طويلة، وبعد أن سمع اسمها وعلم بوجود حُراسها الشخصيين لحمايتها، قرر أن يندفع مع تيار النهر، ولأنه مر بالكثير من الأمور، فقد وعيه مباشرةً في الماء.

وعندما أفاق، كان الوقت متأخرًا بالفعل.

ثم تذكر أمر طلاقه من مها وأراد التخلص من ذلك الأمر بأقرب وقتٍ ممكن، لذلك هرول إليها.

صوت صفع!

ذهبت إليه مها فورًا، وصفعته على وجهه بفظاظة.

"أيها الحثالة، أين كنت طِوال الليل؟"

"اتفقنا أن ننفصل صباح اليوم، أوشك الظهر أن يحين الآن، إنك تُهدر وقتي"

وبخته مها بغضب.

"كنت أُسوّي بعض الأمور ليلة أمس..."

غطّى مُراد وجهه، ورغب كثيرًا أن يرد لها الصفعة، ولكنه لم يجرؤ كالمعتاد، فلم يسعه سوى أن يعض على أسنانه ويتحمل تلك الإهانة.

"أي أمورٍ هامة تلك التي تُسويها يا عديم الفائدة؟"

"ماذا؟ أيُمكن أن تكون شعرت بالحزن ليلة أمس فذهب لإيجاد امرأةٍ أخرى؟"

ثم قالت مها بضحكةٍ ساخرةٍ: "أمي، أنتِ تقدّرينه أكثر مما يستحق!"

"شخص عديم القيمة مثله، أي فتاة مغفلة يمكنها أن تعجب به؟"

"حتى ولو هناك فتاة أخرى، فهو لا يملك ما يكفي من المال"

شعر مُراد بالإحراج إلى حدّ أنه لم يستطع رفع رأسه، فقد تحوّل وجهه بين اللونين الأحمر والأخضر من شدة الإهانة التي شعر بها من سخرية مها ووالدتها.

وقالت مها بازدراء: "دعك من ذلك، فأنا أشعر بالاشمئزاز بمجرد النظر إليك"

"دعنا ندخل الآن لننهي إجراءات الطلاق!"

وبتنهيدة باردة، استدارت بكل فخر متوجهة نحو قسم السجل المدني.

لكن مُراد ارتبك في هذا الوقت، وتمتم قائلاً: "هويتي الشخصية ضاعت، فلا يمكننا إتمام إجراءات الطلاق اليوم"

"عندما طردتماني من المنزل أمس، رميتما كل أغراضي في القمامة وكان من بينها هويتي الشخصية، دون أن تلاحظاها، والآن بعد مرور هذا الوقت، من المحتمل أن تكون حُرقت بالفعل، ولا يمكننا العثور عليها"

توقفت مها للحظة، ثم استدارت وحدّقت في مُراد وملامح وجهها تحمل سخريةً واضحةً: "أنت تحاول التهرب من الطلاق، أليس كذلك؟"

"فقدت هويتك الشخصية، من الذي تحاول خداعه؟"

ثم صاحت مستهزئة: "أنتَ حتى لا تستحق أن تُسمى رجلاً!"

وأضافت والدتها ليلى الهنداوي بسخرية: "إذا كنت لا تريد الطلاق، فقط قل ذلك مباشرةً"

"هل الحياة مع زوجة خائنة أعجبتك؟"

"أم أنكَ تستمتع بتربية طفل ليس من صلبك؟"

أحكم مُراد قبضته غضبًا، واحمرّت عيناه غيظًا، وقال بصوتٍ متهدّج: "الأمر ليس هكذا، لقد ضاعت هويتي حقًا، وأنتما السبب في ذلك، فما شأني بالأمر؟"

كان مراد يتمنى بشدة إنهاء الزواج بأسرع وقتٍ ممكن، لكنه كان عاجزًاعن ذلك بدون هويته الشخصية.

وبينما كان يتجادل معهما، توقفت فجأة أمامهم سيارة بورش فاخرة جدًا، تليها سيارة أودي سوداء.

خرج من باب البورش الفاخرة شاب في منتصف العشرينات، يرتدي نظارات شمسية وملابس فاخرة باهظة الثمن ذات علامة تجارية معروفة.

وبعد ذلك مباشرةً، خرج حارسان شخصيان ببدلات رسمية وأحذية جلدية من سيارة أودي سوداء، وتبعاه بخطواتٍ مدروسة، مما أضفى عليه هالة من القوة والنفوذ.

وسرعان ما جذب هذا المشهد انتباه العديد من المارة الذين ألقوا نظرات إعجاب ودهشة.

فمن الواضح أن الشاب ينتمي إلى عائلة ثرية.

"شاهين، لقد جئت!"

أسرعت عائلة مها بمقابلة الشاب بوجوه مشرقة وابتسامات متملقة، وكأنهم تحوّلوا إلى أشخاص آخرين بمجرد رؤيته.

خلع شاهين نظارته الشمسية، ووقف متعاليًا متغطرسًا، ثم قال بتكبرٍ واضحٍ: "يا مها! ألم تقولي أنكِ ستتطلقين من زوجكِ الفاشل هذا صباحًا؟"

"ما الأمر؟ ألم تنتهيا من إجراءات الطلاق حتى الآن؟"

"دعك من هذا، فهذا الفاشل تأخر عن الموعد صباحًا عن قصد، ولم يكتفِ بإصراره على عدم الطلاق، بل ويدّعي أيضًا أن هويته الشخصية مفقودة"

قالت مها بغضبٍ وهي ترمق مراد بنظرةٍ حادةٍ: "يا لها من نكتةٍ سخيفة!"

"ومن قال إنه لا يمكن الطلاق دون هوية شخصية؟"

"أنا على معرفة بالمسؤول في المكتب هنا"

"لنذهب معًا لإتمام الإجراءات"

ثم اقترب شاهين من مها بحميمية وهو يلف ذراعه حول خصرها النحيف، وألقى نظرةً باردةً على مُراد، وقد لمعت في عينيه شرارة تهديد قائلاً: "أيها الفتى! أحذرك من ألّا تقوم بإجراءات الطلاق كما يجب، فإذا حاولت التلاعب بأي حيلةٍ أو التقرب من مها، سأجعلك تندم بالتأكيد!"

"أيها الفاشل! هل سمعت؟ حتى ولو لا تملك هويتك الشخصية، فإن زوجي لديه القدرة لإتمام الإجراءات!"

"أظن أنك لا تملك ما تقوله الآن"

قالت مها بابتسامة مليئة بالتحدي وهي تنظر إلى مُراد، ثم قبّلت وجه شاهين بينما يتبادلان العبارات الغزلية، ويسيران معًا نحو مكتب السجل المدني.

"يا لهما من ثنائي حقير!" تمتم مُراد بغضبٍ وهو يحكم قبضته بشدة مفعمًا بالغضب.

لم تكتفِ مها بخيانته ووضعه في موقفٍ مُذلّ، بل أيضًا تعمدت إظهار مشاعرها مع عشيقها أمامه بكل وقاحة!

لكن سرعان ما هدأ من روعه عندما تذكر أن الطلاق سيمنحه أخيرًا الحرية، ثم اتبعهما بخطوات واسعة نحو مكتب السجل المدني.
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP