لكن مُراد يعلم أن هذه الأموال ليست من حقه، فلا يمكنه أخذها.قالت لؤلؤة بغضب: "المال، المال مرةً أخرى، هل يمكن للمال حلّ جميع الأمور؟""لقد قلت بالفعل، أنا أحب مُراد ولن أتزوج غيره طيلة حياتي""لا يمكن التفريق بيننا إلا بموتي"منذ وفاة والدتها، لم تشعر طوال حياتها بحنان الأب، في كل مرة كانت تحتاج شيئًا، كان والدها يلقي عليها المال، فقد سئمت من هذا التصرف منذ زمنٍ طويل!"أنتِ...""حسنًا، جيد جدًا"صرخ بسام بحدة حتى تغير لون وجهه، ثم استدار وغادر غاضبًا وهو يقول: "سأذهب الآن للتحدث مع جدكِ"دائمًا ما يحدث سوء تفاهم كبير بينه وبين ابنته على مرّ السنوات، حتى أصبحت العلاقة بينهما متوترة بشكلٍ متزايد.وبعد أن كبرت ابنته الآن وأصبح لديها شركتها الخاصة وحياتها المهنية، فلم يعد بإمكانه السيطرة عليها.فإن الشخص الوحيد في العائلة الذي قد يمكنه التأثير على ابنته لتغيير رأيها هو جدها فقط.جلست لؤلؤة على الأريكة بوجهٍ شاحبٍ وحزينٍ، وهي تنظر إلى والدها بسام وهو يسير بعيدًا مع زوجته.حاول مُراد أن يقول شيئًا ليواسيها، لكنه لطالما لم يكن لبقًا، ولا يعرف كيف يعبر عن مشاعره.مرّ وقتٌ طويل.ب
حينذاك، لم يكن السيد باهر وحده بالردهة، بل كان يجلس بجانبه بسام وهدى.أخذ بسام ينظر إلى مُراد ببرودٍ بسبب ما حدث في الفيلّا، فكان انطباعه الأول تجاه مُراد سيء للغاية.وعلى العكس، كان السيد باهر ودودًا للغاية، وأمر الخدم بتقديم الشاي والماء له، كما لم يُبدي أدنى احتقار أو تقصير بالضيافة تجاهه."جدّي، أُقدم لك مُراد، الفضل يعود له بإنقاذي ليلة أمس"سردت لؤلؤة ما حدث تفصيلًا."مُراد، أشكرك كثيرًا على إنقاذ حياة حفيدتي، لن تنسى عائلة باهر معروفك هذا""وكما يقول المثل، رد الجميل دينٌ على ظهر الأصيل""أخبرني، ماذا تتمنى؟ سنُبذل ما بوسعنا لتلبية رغباتك"ابتسم السيد باهر بحرارة."لا داعٍ، لا أريد شيئًا"هزّ مُراد رأسه.كان إنقاذه لـلؤلؤة ليلة أمس نابعًا من العدل بداخله، ولم يُفكر بالحصول على أي شيءٍ في المقابل، كما أنه حصل على مكافأته نظريًا ليلة أمس.إلى جانب أنها لقنت شاهين درسًا قاسيًا في قطاع الأحوال المدنية وساعدته على استرداد كرامته.مما يجعل كلا الطرفين متساويين."حقًا؟""عليك أن تُفكر جيدًا، لن تتاح لك مثل هذه الفرصة مُجددًا"ترك السيد باهر فنجان الشاي من يده، وبدت نظرا
من حيث الخلفية أو النفوذ، من المؤكد أن الطبيب عثمان لا يمكنه أن يُقارن بعائلة باهر الكبيرة، لكن من حيث السمعة والمكانة، فهو لا يقل مكانة عن السيد باهر الكبير.فبعد كل شيء، الجميع قد يمرض في وقتٍ ما، والسيد عثمان هو الطبيب الأول المعترف به في مدينة المنصورة، فالعديد من أثرياء المدينة وذوي السلطة قد لجأوا إليه للعلاج، ويحترمونه بشدة."السيد باهر، أعتذر عن الإزعاج هذه المرة، لكني أتيت لإجراء فحص متابعة آخر لك..."قال السيد عثمان بابتسامة وهو يحيي السيد باهر.قبل نصف شهر، أصيب السيد باهر فجأة بمرضٍ خطير، وشعر بألم في صدره وصعوبة في التنفس.في ذلك الوقت، كان الطبيب عثمان هو الذي عالج السيد باهر من مرضه.اتفق الجانبان حينها على إجراء فحص متابعة بعد نصف شهر، وإذا كانت نتيجة الفحص مطمئنة، فهذا يعني أن المرض قد شُفي تمامًا."السيد عثمان، شكرًا لك على مجهودك""لا داعي للشكر يا سيد باهر، هذا واجبي"بعد تبادل بعض المجاملات القصيرة، أشار الطبيب عثمان إلى السيد باهر للجلوس، ثم بدأ بفحص نبضه وأخذ ينظر إلى لون وجهه.بدأ وجهه بالتجهم شيئًا فشيئًا.شعر بسام ببعض القلق، فسأل بصوت متردد: "كيف ح
"هذه أحد مواضع الوخز القاتلة في جسم الإنسان!"عبس العم عثمان، وأدرك أن دراسة هذا الشخص لكتب الطب كانت سطحية، لابد أنه درس الطب فقط ليجني ثناء الناس، لكن النتيجة أنه لا يعرف حتى أن هذا الفعل سيؤدي لوفاة الشخص."يا بني، ما هذا الهراء الذي تقوله؟ وخز الإبرة عند السرَّة والصدر قد يؤدي إلى الوفاة، هل يعقل أنك تقوم بالوخز بشكلٍ عشوائي؟""ألا تفهم في مواضع الوخز؟"وبَّخ مساعد العم عثمان مُراد، قائلًا: "يا بني، أرى أنك قد درست قشورًا من الطب ثم أتيت تبحث عن الثناء، أليس كذلك؟ لكن دعني أخبرك، أمثالك هم من جعلوا أبناء وطننا يتجنبون اللجوء للطب كما لو كان عقربًا سامًا."بدأ هذا المساعد بإعطاء مراد محاضراتٍ أخلاقية.كان مراد يفكر في شيء ليقوله، لكن سرعان ما قاطعته لؤلؤة."مراد، إن حياة جدي في خطر، والعم عثمان يحاول أن ينقذه، ألا يمكنك التوقف عن إثارة المشاكل؟"قالت لؤلؤة باستياء.بالرغم من أن مراد أنقذ حياتها البارحة، لكن هذا لا يعني أنه يمكنه التصرف باستهتار في منزل عائلتها.وعلاوة على ذلك، فإن هذا الأمر يتعلق بحياة جدها، لذلك لا يمكنها أن تسمح لمراد أن يتأمر وينتقد كما يحلو له."يا بن
"ياله من أمرٍ مضحك!""حتى أن الطبيب المتمرس عثمان ليس بوسعه علاج مرض السيد باهر الغريب، فمن تظن نفسك أنت ليكون لديك طريقة لإنقاذه؟""هل تعتقد أن مهاراتك الطبية أفضل من مهارات العم عثمان أم ماذا؟"قال مساعد العم عثمان ساخرًا."أصابتك رغبتك في الشهرة بالجنون!"عبس العم عثمان وأخذ يتفحص مُراد بنظراته، "هل أنت أيضًا طبيب؟""أنا لست طبيبًا..."هز مُراد رأسه نافيًا."كيف تتجرأ على قول هذا الهراء إن كنت لست بطبيبٍ حتى!""حتى لو كنت طبيبًا، فلن يمكنك علاج أي شخصٍ في عمرك اليافع هذا. أنت فقط تحاول جذب الانتباه كالمهرِّج تمامًا!"كان بسّام يشتعل غضبًا وهو ينظر إلى مُراد بقساوة.صمت مُراد، فقد توقَّع مثل هذه النتيجة.كما توقّع بالضبط، واجه الجميع كلامه بالرَّفض.من المؤكد أنه وقع في ورطةٍ مرة أخرى."ربما لا يكون مُراد مخطئًا!""فقد قال مُراد بالفعل عندما رأى جدي لأول مرة أن لون وجهه غريب وأن حياته في خطر!""وعندما وخز العم عثمان جدي بالإبر منذ قليل، أشار أيضًا إلى أن مواضع الوخز كانت خاطئة، لكن أحدًا منا لم يصدِّقه!""ولكن يبدو أنه كان على حق!"اتَّضحت الرؤية في عقل لؤلؤة بشكلٍ
انتهى مُراد من حقن الإبر.أصبح بعدها وجهه شاحبًا والعرق يتساقط من جبينه كما الأمطار، فسقط جالسًا على الأرض وكاد ينهار في الحال إثر الإرهاق.كان مُراد جاهلًا كل الجهل بتلك الطريقة السداسية للوخز بالإبر وليس لديه مهارات للتحكم في الإبرة، فلم يعتمد في تلك الطريقة إلا على قوة جسده التي ظهرت من العدم، والتي هي بالكاد كفيلة لإطلاق العنان لطريقة الوخز تلك."آآآه! آآآه!"وفي تلك اللحظة، استجاب جسد السيد باهر للحقن فجأة، ففتح كلتا عيناه، وأخذ يتقيأ دمًا بلا توقف، وسرعان ما تصبَّغت ملابسه وأرضية الغرفة أمامه بلون الدماء الأحمر.أغلق السيد باهر عينيه بعد ذلك فورًا، ولم تصدر عنه أي حركة، ثم توقَّف عن التنفس وفارق الحياة!"جدي.....""أبي......."وقفت لؤلؤة ووالدها بسَّام في صدمة وصرخا بحزن فيما يرميان بنفسيهما أمام جسد السيد باهر."كنت أعلم أن هذا الصبي كاذبٌ يبتغى الثناء وحسب، لكني لا أعلم كيف له أن يقوم بهذا الفعل المتهور في حين أن الأمر يتعلَّق بحياة أو موت شخص."" كدَّرتنا وعكّرت صفونا، كل هذا بسببك!"هز المساعد رأسه موافقًا، فقد توقع منذ وقت طويل بأن هراء مُراد الطبي لن يؤدي إلا إلى
"ما الذي حدث بحق الجحيم؟"بدا السيد باهر مرتبكًا، فقد استيقظ للتو من غيبوبته وكان غير مدركٍ لما يحدث حوله. "ما حدث هو......"ذهبت لؤلؤة ناحيته وأخبرته بالقصة بكل حذافيرها.صُعق السيد باهر وصفع بسَّام على وجهه قائلًا: "ألا تخجل من نفسك أيها الوغد؟ هل تعتقد أنك قمت بعملٍ خيِّر؟" "عندما أراد مُراد أن ينقذني، أراد أن يفعل ذلك بنيةٍ طيبة ولا يهم إن كان سينجح في علاجي أم لا، المهم أنه بذل ما في وسعه، كيف يمكن لك أن تقابل جميله بهذا النكران؟" "هيا اذهب بسرعة واعتذر لمُراد!"لم يكن بسًام يحب مُراد بسبب موضوع الفيلّا، لكنه أُرغم على الإعتذار منه تحت تخويف والده، "يا مُراد، ما حدث للتو كان خطأي أنا، أعتذر منك...""يا عم بسَّام، لم يكن هذا سوى مجرد سوء فهم، لا عليك."قال مُراد بسرعة.جاء العم عثمان أيضًا في هذا الوقت وانحنى لمُراد قائلًا: "يا أخي الصغير، أعتذر عن وقاحتي منذ قليل.""إن مهاراتك الطبيَّة رائعة للغاية، إنها بمثابة معجزة طبيَّة، وأنا كعثمان أحني رأسي إعجابًا وتقديرًا لها.""بالإضافة إلى ذلك، أود أن أستفسر منك عن شيء، ألم تكن طريقة الوخز تلك التي استعملتها للتو هي طريقة
"نعم."أومأ مُراد رأسه بجدية.مستواه التعليمي ليس عالياً وقدراته في العمل أيضاً ليست مميزة، لذا لم يكن من السهل عليه العثور على وظيفة جيدة في فترةٍ قصيرة.إذا كان بإمكان السيد باهر أن يوفر له وظيفة مستقرة، فهذا سيكون بمثابة مساعدة ضخمة له."يا مُراد، سامحني على صراحتي، بهذه المهارات الطبية الرائعة، كيف لك أن تبحث عن وظيفة عادية فحسب، بل إنه لن يكون أمرًا صعبًا عليك إذا أردت أن تصبح طبيباً شهيراً مثل العم عثمان!"قال السيد باهر بدهشة.بهذه المهارات الطبية التي عرضها مُراد أمامهم، الكثير من الأثرياء وأصحاب النفوذ قد يرغبون في التعامل معه.سواء أراد مُراد المال أو السلطة أو الشهرة والمكانة، فكل ذلك سيكون في متناوله بسهولة.هل هو بحاجة إلى البحث عن وظيفة؟"هذا...""يا سيد باهر، لأكون صادقاً، لم أتعلم الطب من قبل، وليس لدي شهادة لممارسة الطب.""الطريقة التي عالجتك بها للتو هي طريقة وخز بالإبر ورثتها من أجدادي، وقد تعلمت منها القشور فقط.""لقد تمكنت من علاج مرضك بالصدفة البحتة."ابتسم مُراد بإحراج.في الواقع، ليس لديه أي فكرة عن الطب، لكن المهارات الطبية الموروثة في قلادة اليشب