الفصل3
تقع المقابر هنا، إنها بعيدة للغاية.

بالتأكيد ليس هناك أرواح تطوف بالمكان، ولكن لطالما سمع مُراد أن ذئابًا برية تظهر أحيانًا هنا، كما أن الفتاة الجميلة قد خرجت للتو من الماء،

وجسدها مُبلل ومُصاب، ولا يُمكنها إطلاقًا السير لمسافةٍ بعيدة. أوشك منتصف الليل أن يحل مُجددًا، ويبعد موقعها الحالي عن الطريق الرئيسي، ولن يأتي أحد لإنقاذها، كما أنها لا تملك مفتاح سيارة أو هاتف محمول، هل ستصمد إن قضت الليلة هنا؟

هذا هو عِقاب مُراد لها.

سيُعاقبها لأنها ضيقة الأفق، ولا تُقدّر إحسان الآخرين.

غادر مُراد آخذًا خطواتٍ كبيرة.

"أيها الوغد! أيها الوغد! لا تتركني"

تبعته لبضعة خطوات، ولكنها لم تستطع إطلاقًا اللحاق بمُراد الذي تعتريه نوبة غضب، فوبخته وشعرت بالحزن، فهي لم تتوقع أن لؤلؤة الرائعة تُعامل بهذا الشكل من شخصٍ عادي.

"أيها الوغد سأنال منك عندما أعرف هويتك"

صاحت لؤلؤة عاليًا.

وبمجرد أن قالت ذلك، تجاهلها مُراد بقسوة بعدما كان مشفقًا عليها.

رأت مُراد يتلاشى من أمام ناظرها، وأرادت أن تبكي ولكن لم تذرف الدموع، وكان حِذاؤها ذو الكعب العالي مكسورًا، كما كان جسدها مبللًا بالكامل.

وبعدما سارت لبضع خطوات، هبت الرياح، فارتجفت بردًا، ونظرت حولها، وكان المكان موحشًا ومُخيفًا، فحتى وإن لم يكن هناك ذئاب، لكنها ما زالت مقابر على كل حال، فربما يوجد بالفعل أرواح تطوف بالمكان.

شعرت بكراهية شديدة في تلك اللحظة تجاه مُراد، فهي فتاة مُدللة، لم يسبق لها أن تعرضت لمثل هذه المعاناة.

لم يبتعد مُراد كثيرًا، وانتابه الشعور بالندم، فهو شخص صالح، وإلا فلما أنقذ السيد عامر وتحمل إساءة عائلة عامر للعديد من السنوات في صمت؟

لقد كان غاضبًا، ولكنه في الواقع أفرغ غضبه الناتج من مها ووالدتها على لؤلؤة، وحاليُا عندما سار مسافة قصيرة في الهواء الطلق، خمد غضبه.

قال لنفسه أنها فتاة على أي حال، وظن أنه تمادى كثيرًا بتصرفه هذا، فهي مُبللة بالكامل، وحتى إن لم تُصادف ذئاب أو أرواح، بقاؤها هناك

طوال الليل سيُصيبها بنزلة بردٍ سيئة، وإن أصابها مكروه، سيلوم نفسه بقية حياته. حسنًا، إخافتها تكفي، لا يُمكنه حقًا تركها هناك طِوال الليل.

عاد مُراد في النهاية للبحث عنها.

وعندما وصل إلى المكان الذي تركها به، لم يجدها.

شعر مُراد حينئذٍ بالقلق الشديد، فأسرع بالبحث عنها في كل مكان، ولم يجد شيئًا سوى حِذائها.

يا لها من كارثة!

أدرك مُراد أن مكروهًا ما أصابها، وسمع صوتها خافتًا تطلب المساعدة، فأسرع لإلقاء نظرة، ثم اندفع الدم إلى رأسه، ليتضح أن القاتلين السابقين قد عادا، وهذه المرة لم يكتفيا بمحاولة قتلها فقط، بل ربما لم يتمكنا من كبح رغباتهما أمام لؤلؤة المبللة.

عندما وجدها مُراد، كانت شبه مجردة من ملابسها، لم يكترث حينها إن كان قادرًا على مواجهة القاتلين، فأسرع وركل القاتل الذي يعلوها، ثم نظر للأسفل، ووجد أن لم يتبق على جسدها سوى بضعة قطع من الملابس، بالرغم من أنها سعت جاهدًا لستر جسدها، إلا أنها لم تستطع تغطية مفاتنها، أحسّ مُراد لا شعوريًا بأن جسدها مبهرًا، وتتميز بجمال نادر.

نعم، إن جسدها أفضل من جسد زوجته السابقة مها الذي رآه خلسةً أثناء استحمامها.

"هل أنتِ بخير؟"

خلع مُراد ملابسه بينما يشعر بالذنب، وأعطاها لها لتستر مفاتن جسدها.

سترت نفسها سريعًا بالملابس، لم تتوقع أن من أتى لإنقاذها هو مُراد، فشعرت بمزيجٍ من الغضب والعجز، وأرادت لا شعوريًا أن تصفعه على وجهه، وفي تلك اللحظة، أشاحت بنظرها، ثم صرخت مذعورةً.

"انتبه!"

قالت ذلك، ولكن قد فات الأوان.

كان القاتل يرتدي بدلة سوداء، وماهرًا بالفنون القتالية، أما مُراد فكان شخصًا عاديًا، ليس بإمكانه التصدي له، لذلك عندما ركله القاتل برجل واحدة، اندفع مسافة مترين أو ثلاثة أمتار، ثم أخرج الخنجر الذي تركه من قبل، وضحك ضحكة صفراء.

"سأقتلك"

وضع الرجل ذو البدلة السوداء قدمه على صدر مُراد حاملًا خنجره اللامع، ومستعدًا لطعنه.

وكان خلفه القاتل الآخر الذي ركله مُراد للتو عندما كان منكبًا على لؤلؤة، ويُمزق ملابسها، أخذ يستعجله قائلًا: "سامي، لقد عززت عائلة لؤلؤة قوتها، علينا التفتيش ورائهم، لا نملك الكثير من الوقت، سوّي أمريهما سريعًا، ولا تقترف أي أخطاء"

أتعلم أمرًا؟

إن سامي غير راضي عن هذا الأمر، فلولا شهوته تجاه لؤلؤة، لقتلها منذ فترة طويلة.

ولكن هذا الوقت ليس مناسبًا لمناقشة ما عليه فعله، طعن سامي مُراد مباشرةً في صدره،

وتناثر الدم في كل مكان.

وقبل موته، عضّ مُراد على أسنانه، وأمسك فخذ سامي بقوة، ثم صاح بلؤلؤة.

"اركضي سريعًا"

"لا بأس إن فقدت حياتي عديمة القيمة، لا تهتمي لأمري"

قبل موته، وجّه مُراد ابتسامة حزينة لـ لؤلؤة، فعلى الرغم من استيائه، إلا أنه احتفظ بأخلاقه الطيبة لآخر لحظة في حياته.

لن يكون طيبًا في حياته القادمة.

تضمنت ابتسامته الحزينة العديد من الأمور، ومنها الألم، والكآبة، واليأس من الحياة.

ارتجف جسد لؤلؤة الحساس، ويبدو أنها أدركت أن هشاشته الداخلية وحُزنه لا يُشبها تمامًا شجاعته الخارجية، وصلابته.

لم تهرب لؤلؤة، فقد أدركت أنها لن تتمكن من ذلك، حتى وإن مات مُراد.

بعدما رأته يحتضر، شحب وجهها الجميل، وجلست أرضًا.

وبالرغم من أنه أساء إليها بطرقٍ مُختلفة من قبل، ولكنها حزنت شديدًا كما هو متوقع، لأنه مات لأجل إنقاذها.

وفي هذه الأثناء.

سال الدم من صدر مُراد، وغطى سريعًا القلادة المُعلقة في رقبته.

لم يلحظ أحد أن ضوءًا أبيضًا خرج من القلادة، وتدفق شعاع خافت إلى جسد مُراد عبر الجرح.

"أنا كبير عائلتك، وأتّصف بالخلود، ويُمكن لشخصٍ مُقدّر من أسلافي أن يرث صفاتي…"

اندفعت أشياء مُختلفة نحو دماغ مُراد واحدة تلو الأخرى.

وبدأ وجهه الشاحب يتورّد بنحوٍ غير طبيعي في لمح البصر، وظهرت قوة عجيبة في جسده.

"لؤلؤة، لقد حان دوركِ الآن"

ابتسم الرجل ذو البدلة السوداء للؤلؤة ابتسامةً صفراء، وسار نحوها حاملًا الخنجر.

كانت لؤلؤة جالسة على الأرض يملأ عينيها اليأس والحُزن.

"انتبه!"

في تلك اللحظة، صاح الرجل الذي خلفه بغضب، ولكن بعد فوات الأوان.

أمسك مُراد بالخنجر الواقع على الأرض، ونهض فجأة، ثم طعن الرجل ذا البدلة السوداء بقميصه من الخلف.

"أنت..."

استدار الرجل ذو البدلة السوداء، ونظر إلى مُراد بذهول، ثم سقط جسده على الأرض مُصدرًا صوتًا قويًا، وعاجزًا عن إغلاق عينيه.

يا مُراد كيف عُدت إلى الحياة؟

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP