ازدادت مها غضبًا كلما فكرت في الأمر.نهض شاهين من على الأرض، ووجهه مغطى بالكدمات ومليء بالغبار، يبدو عليه الضيق الشديد."هذا مستحيل!"صرخ شاهين بغضبٍ مكبوتٍ، قائلًا: "لؤلؤة هي الإبنة الكبرى لعائلة باهر، مكانتها مرموقة للغاية لا يضاهيها أحد، ولم يستطع أبناء العائلات الثرية ولا أصحاب الجاه والنفوذ في المنصورة جذب انتباهها، فكيف يمكن أن تهتم بشخص بلا قيمة مثل مُراد؟""ربما التقيا فقط بمحض الصدفة"ظل شاهين يهمهم وهو يدلّك وجهه المتألم.فإنه يرى لؤلؤة بمثابة الملاك التي يُصعب الوصول إليه، بينما كان مُراد في عينيه مجرد شخصٍ تافه، حتى ولو حدث المستحيل، فلن يصدق أبدًا أن هناك أي علاقة بين لؤلؤة ومُراد!"صحيح، إلا إذا فقدت لؤلؤة عقلها، عندها فقط يمكن أن تهتم بمثله""لا! حتى ولو فقدت لؤلؤة وعيها، فمن المستحيل أن تميل إلى هذا الشخص التافه!"قالت مها ذلك بابتسامة متعالية، وبدأت تشعر بالراحة وكأن الأمور بدأت تعود إلى نصابها.ثم أضاف شاهين بملامح مليئة بالحقد: "لا يهم كيف هي طبيعة علاقتهما""على كل حال، بما أن هذا التافه سبّب لي هذا الضرر، فلن أجعله يفلت بما فعله أبدًا!"لكنه لم يستطع ا
"نسمة، ما الأمر؟""ما الذي حدث؟"سأل أدهم."يا سيدي، لقد أتيت في الوقت المُناسب، يوجد مُتسولان يُثيران الفوضى هنا، مما يؤثر على صور فُندقنا..."أشارت المُشرفة بيدها نحو لؤلؤة ومُراد، وبدا على وجهها الاحتقار والجفاء.نظر أدهم بالاتّجاه الذي تُشير إليه، فلمح سريعًا لؤلؤة.شعر بالذهول من النظرة الأولى، واندهش بمظهرها الفاتن ورُقيّها.وللوهلة الثانية تغيرت ملامحه تمامًا وأخذت جبهته تتصبب عرقًا. لا تظهر لؤلؤة عادةً في الأماكن العامة، وليست شخصية بارزة في مجال الأعمال ولا يعرفها إلا القليل من الأشخاص.كما أن أدهم لا يستوفي الشروط المطلوبة أساسًا لمعرفة لؤلؤة.تُدير شركة باهر أعمال كُبرى وتمتلك العديد من الصناعات وعادة عندما تستقبل ضيوف موقرين أو عُملاء كِبار للشركة، فإنها تُنظم لهم إقامة في فندق الجزيرة.لقد حالف أدهم الحظ وقابل لؤلؤة مرة مُسبقًا.مما جعله يتعرف على هوية لؤلؤة الرفيعة من الوهلة الأولى.خشيّ أدهم في تلك اللحظة أن ترتخي ساقاه وكان على وشك أن يجثو مباشرةً على ركبتيه.حيث لا يُمكنهم الإساءة إلى أشخاصٍ مثلها."أين حرّاس الأمن؟ أين الأمن؟""ما الفائدة من عملكم ب
بعد سلسلة من الأفكار العشوائية، عاد مُراد إلى وعيه سريعًا اقترب من لؤلؤة وجذب ذراعها برفق، ثم قال بصوتٍ منخفضٍ: "لؤ... لؤلؤة، دعكِ من هذا، فقد اعتدت الأمر على أي حال..."شعرت لؤلؤة بألمٍ في قلبها، فقد أحست بالحزن والعجز في كلمات مُراد وشعرت بانكساره أيضًا."آنسة لؤلؤة، كل هذا بسبب خطأ نسمة، أعدُكِ أنني سأؤدبها بشكلٍ جيدٍ لاحقًا. أرجوكِ، كوني كريمة وامنحيها فرصة لتصلح أخطاءها"قال أدهم بصدق.بدأت الأفكار تتصارع في ذهنه، وعزم في قرارة نفسه أنه مهما حدث، لن يسمح لنسمة بمواصلة تصرفاتها الطائشة، وإلا فحتى لو نجا هذه المرة، فسيأتي اليوم الذي ستدمره فيه!"انهضي!""بما أن صديقي قد شفع لكِ، سأعطيكِ فرصة واحدة، آمل أن تحسني التصرف في المستقبل!"قالت لؤلؤة بنبرة باردة.العفو أفضل عند المقدرة.لطالما كانت تفضل عدم استغلال مكانتها لإذلال الآخرين، ولا ترغب بالنزول إلى مستوى الأشخاص العاديين."شكرًا لكِ يا آنسة لؤلؤة، وشكرًا لك أيها السيد..."شعرت نسمة وكأنها نالت عفوًا كبيرًا، فنهضت، لكن ملابسها من الخلف كانت قد ابتلت تمامًا بالعرق دون أن تدرك.في تلك اللحظة، انتبه العديد من الزبائن
"بالمناسبة يا مُراد، رأيت ذلك الشرير ليلة أمس وهو يطعن صدرك بالخنجر""هل جرحك بخير؟""هل تحتاج أن أذهب معك إلى المستشفى؟"سألته لؤلؤة بقلق.كانت لؤلؤة قد رأت بوضوح ليلة أمس أن الخنجر اخترق صدر مُراد.لكن الغريب هو أنه الآن يبدو بصحةٍ جيدةٍ وكأن شيئًا لم يحدث.مما جعلها تتساءل عما إذا كانت قد أخطأت الرؤية في تلك اللحظة؟أجاب مُراد: "لا بأس""الجرح ليس خطيرًا"ثم لمس صدره بشكل لا إرادي، إلا أن لمس الجرح جعل الألم يظهر على وجهه، فلم يستطع منع نفسه من التأوه بهدوء."ماذا يحدث؟""هل يؤلمك؟""لنذهب إلى المستشفى الآن!"قالت لؤلؤة وهي تنهض بقلق."لا أتألم""كان الألم لحظيًا، ثم اختفى""لا أعتقد أنني بحاجة إلى المستشفى"مرر مُراد يده على الجرح مرة أخرى، وأحس بأن الألم بدأ يخف تدريجيًا.أراد أن يخلع قميصه ليتفحص الجرح، لكنه شعر بالخجل أمام لؤلؤة، فلم يفعل."اخلع قميصك، دعني أرى كيف حال جرحك"قالت لؤلؤة وهي ما زالت قلقة."هذا..."شعر مُراد بالإحراج، فخلع ملابسه أمام فتاة جعله يشعر بعدم الارتياح."أسرع واخلعه!"استعجلته لؤلؤة بقلق، وقد نسيت تمامًا أن مُراد رجل، بل رجل مفعم
ندّد بها الرجل بوجهٍ باردٍ: "لو لم آتِ الآن، لما كنت عرفت أنكِ تأوين عشيقًا في المنزل!"ردت عليه لؤلؤة بوجهٍ عابسٍ:"أي عشيق؟""كيف تتحدث بهذه الطريقة؟""مراد هو مجرد صديق لي، ليس بيني وبينه أي شيء" ثم قالت هذه المرأة الجميلة بابتسامةٍ ساخرةٍ:"كيف تدّعين أنه ليس بينكما شيء وأنتما في هذا الوضع؟""هذا مثير للسخرية حقًا!""لؤلؤة، ألا تشعرين بالخزي لفعل ذلك في وضح النهار، فلماذا لم تذهبا مباشرة إلى الفناء؟"قالت لؤلؤة بغضب: "هذا ليس من شأنك!""يمكنني فعل ما أريد ولا يحق لكِ إبداء انتقادات غير مبررة"تبادلت بينهما النظرات الغاضبة وبدأت الأجواء تتصاعد بينهما.ثم صاحت المرأة ذات المظهر الجذاب، وهي تتدلل على ذراع زوجها متصنعة الأنين: "انظر إليها يا بسام!""إنها لا تحترم صغيرًا ولا كبيرًا، كيف يمكنها أن تتصرف هكذا؟"ندّد بسام بابنته بحدة: "يا لؤلؤة؟ ما خطبك؟""هدى هي والدتكِ على كل حال، فلا يمكنكِ التحدث معها بهذا الأسلوب"ردت لؤلؤة بابتسامة ساخرة: "إنها ليست والدتي""لقد ماتت والدتي بالفعل قبل عشرين عامًا""إنها مجرد عشيقة استطاعت بمكرها الوصول إلى منصبها هذا، فهي لا تستحق
لكن مُراد يعلم أن هذه الأموال ليست من حقه، فلا يمكنه أخذها.قالت لؤلؤة بغضب: "المال، المال مرةً أخرى، هل يمكن للمال حلّ جميع الأمور؟""لقد قلت بالفعل، أنا أحب مُراد ولن أتزوج غيره طيلة حياتي""لا يمكن التفريق بيننا إلا بموتي"منذ وفاة والدتها، لم تشعر طوال حياتها بحنان الأب، في كل مرة كانت تحتاج شيئًا، كان والدها يلقي عليها المال، فقد سئمت من هذا التصرف منذ زمنٍ طويل!"أنتِ...""حسنًا، جيد جدًا"صرخ بسام بحدة حتى تغير لون وجهه، ثم استدار وغادر غاضبًا وهو يقول: "سأذهب الآن للتحدث مع جدكِ"دائمًا ما يحدث سوء تفاهم كبير بينه وبين ابنته على مرّ السنوات، حتى أصبحت العلاقة بينهما متوترة بشكلٍ متزايد.وبعد أن كبرت ابنته الآن وأصبح لديها شركتها الخاصة وحياتها المهنية، فلم يعد بإمكانه السيطرة عليها.فإن الشخص الوحيد في العائلة الذي قد يمكنه التأثير على ابنته لتغيير رأيها هو جدها فقط.جلست لؤلؤة على الأريكة بوجهٍ شاحبٍ وحزينٍ، وهي تنظر إلى والدها بسام وهو يسير بعيدًا مع زوجته.حاول مُراد أن يقول شيئًا ليواسيها، لكنه لطالما لم يكن لبقًا، ولا يعرف كيف يعبر عن مشاعره.مرّ وقتٌ طويل.ب
حينذاك، لم يكن السيد باهر وحده بالردهة، بل كان يجلس بجانبه بسام وهدى.أخذ بسام ينظر إلى مُراد ببرودٍ بسبب ما حدث في الفيلّا، فكان انطباعه الأول تجاه مُراد سيء للغاية.وعلى العكس، كان السيد باهر ودودًا للغاية، وأمر الخدم بتقديم الشاي والماء له، كما لم يُبدي أدنى احتقار أو تقصير بالضيافة تجاهه."جدّي، أُقدم لك مُراد، الفضل يعود له بإنقاذي ليلة أمس"سردت لؤلؤة ما حدث تفصيلًا."مُراد، أشكرك كثيرًا على إنقاذ حياة حفيدتي، لن تنسى عائلة باهر معروفك هذا""وكما يقول المثل، رد الجميل دينٌ على ظهر الأصيل""أخبرني، ماذا تتمنى؟ سنُبذل ما بوسعنا لتلبية رغباتك"ابتسم السيد باهر بحرارة."لا داعٍ، لا أريد شيئًا"هزّ مُراد رأسه.كان إنقاذه لـلؤلؤة ليلة أمس نابعًا من العدل بداخله، ولم يُفكر بالحصول على أي شيءٍ في المقابل، كما أنه حصل على مكافأته نظريًا ليلة أمس.إلى جانب أنها لقنت شاهين درسًا قاسيًا في قطاع الأحوال المدنية وساعدته على استرداد كرامته.مما يجعل كلا الطرفين متساويين."حقًا؟""عليك أن تُفكر جيدًا، لن تتاح لك مثل هذه الفرصة مُجددًا"ترك السيد باهر فنجان الشاي من يده، وبدت نظرا
من حيث الخلفية أو النفوذ، من المؤكد أن الطبيب عثمان لا يمكنه أن يُقارن بعائلة باهر الكبيرة، لكن من حيث السمعة والمكانة، فهو لا يقل مكانة عن السيد باهر الكبير.فبعد كل شيء، الجميع قد يمرض في وقتٍ ما، والسيد عثمان هو الطبيب الأول المعترف به في مدينة المنصورة، فالعديد من أثرياء المدينة وذوي السلطة قد لجأوا إليه للعلاج، ويحترمونه بشدة."السيد باهر، أعتذر عن الإزعاج هذه المرة، لكني أتيت لإجراء فحص متابعة آخر لك..."قال السيد عثمان بابتسامة وهو يحيي السيد باهر.قبل نصف شهر، أصيب السيد باهر فجأة بمرضٍ خطير، وشعر بألم في صدره وصعوبة في التنفس.في ذلك الوقت، كان الطبيب عثمان هو الذي عالج السيد باهر من مرضه.اتفق الجانبان حينها على إجراء فحص متابعة بعد نصف شهر، وإذا كانت نتيجة الفحص مطمئنة، فهذا يعني أن المرض قد شُفي تمامًا."السيد عثمان، شكرًا لك على مجهودك""لا داعي للشكر يا سيد باهر، هذا واجبي"بعد تبادل بعض المجاملات القصيرة، أشار الطبيب عثمان إلى السيد باهر للجلوس، ثم بدأ بفحص نبضه وأخذ ينظر إلى لون وجهه.بدأ وجهه بالتجهم شيئًا فشيئًا.شعر بسام ببعض القلق، فسأل بصوت متردد: "كيف ح