الفصل 2
لم تجرؤ يارا على المقاومة، فقد تكرر هذا المشهد مرات لا تُحصى في الماضي.

"سيدي، حان وقت تناول الطعام." ارتفع صوت السيد شريف، كبير الخدم، من خارج الباب، وكان هذا بمثابة موسيقى لآذان يارا!

خدم السيد شريف عائلة كريم بإخلاص لعقود، فقد شاهد ياسر يكبر أمام عينيه، لذا كان له مكانة خاصة حتى أمام  ياسر

رد ياسر بتكاسل: "أعلم ذلك."

فتحت يارا الباب وغادرت بسرعة وكأنها تهرب، بينما كانت كلماته لا تزال تتردد في ذهنها…

"في غضون نصف شهر، ستصبحين في الثامنة عشرة، أليس كذلك؟"

هذه العبارة أبقتها في حالة من الاضطراب لفترة طويلة. ماذا يعني أن تبلغ الثامنة عشرة؟ كانت تدرك ذلك جيدًا.

بعد العشاء، خرج ياسر من المنزل، فتنفست يارا الصعداء ودخلت في نوم عميق على السرير الصغير في غرفة التخزين. هذه الغرفة، التي عاشت فيها لمدة عشر سنوات، أصبحت بمثابة "المنزل" الثاني لها في قصرعائلة كريم.

تلك الليلة، لم تنعم بنوم هانئ. في حلمها، كانت تسأل والدها مرارًا وتكرارًا: "ما الذي حدث حقًا؟ هل كل ما يقولونه هو الحقيقة؟" ولكن كل ما تلقته في المقابل كان ابتسامة والدها وظله وهو يصعد إلى الطائرة.

في ذلك الحادث، لم ينجُ أيٌ من الأشخاص السبعة عشر الذين كانوا على متن الطائرة الخاصة لعائلة كريم، وكان والدا ياسر من بين الضحايا.

تناولت وسائل الإعلام الحادث على نطاق واسع، مشيرة إلى أنه نجم عن خطأ في قيادة الطائرة من قبل الطيار. كما ترددت شائعات بأن الطيار تناول الكحول بشكل غير قانوني قبل الإقلاع.

على الرغم من أن والد يارا،جابر، كان طيارًا خاصًا لعائلة كريم ولقى حتفه في ذلك الحادث، إلا أنه أصبح هدفًا للوم والانتقادات من الجميع.

في نهاية الحلم، كان ياسر هو من أخذها إلى المنزل، لكن الجميع لم يفهموا سبب تبنيه لابنة الجاني.

كانت في الثامنة من عمرها، كانت تمسك بيد ياسر وهو يقودها إلى منزل عائلة كريم. في تلك اللحظة، كانت بريئة بما يكفي لتظن أنها يتيمة وهو أيضًا، وأنه ربما كانت هذه حقًا نيته الطيبة.

لكن في اللحظة التي أُغلق فيها الباب الكبير، ترك يدها، ناظرًا إليها باحتقار، وعيناه مليئتين بالبرود: "لقد مات والدكِ، وعليكِ أن تكفري عن ذنوبه."

عندما بلغ الثامنة عشرة، كان الحقد الذي يحيط به يكاد يبتلعها. في تلك اللحظة، أدركت في أعماقها أنه جاء ليطالب بـ"دين" قديم...

بعد ليلة مليئة بالكوابيس، استيقظت لتجد أن النهار قد أشرق. وضعت يارا يدها على جبينها المرتفع حرارته قليلًا، ثم نظرت من خلال نافذة صغيرة في غرفة التخزين نحو الثلج المتساقط في الخارج وابتسمت بهدوء: "لقد بدأت الثلوج تتساقط..."

"يارا، ارتدي المزيد من الملابس، ستتساقط الثلوج اليوم، الجو بارد جدًا. لا أريد أن تصابي بالبرد بجسدكِ الضعيف هذا."

كانت فاطمة دائمًا تهتم بها بنفس الطريقة، فعلى مدار العشر سنوات الماضية، بغض النظر عن الفصول، كانت دائمًا توجه لها بعض النصائح كلما استيقظت.

 أجابت بنبرة خافتة، ثم ارتدت معطفها الوحيد الذي يحميها من البرد. وعندما رأتها فاطمة عند خروجها، شعرت بغصة في حلقها وقالت بصوت مفعم بالحزن: "يارا... لماذا لا تطلبين من السيد بعض المال لشراء بعض الملابس؟ لقد ارتديتِ هذا المعطف لعدة سنوات. الفتيات في مثل عمركِ يحتجن للمال... انظري إلى حالكِ..."

أصرت يارا وهزت رأسها برفض، ثم استقلت دراجتها القديمة المتداعية، متجهة نحو العاصفة الثلجية.

لم يسمح ياسر لأي شخص بأن يمنحها أي شيء، بما في ذلك المال. إذا كان هناك من سيمنحها شيئًا، فيجب أن يكون منه هو فقط.

منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، كانت تفعل كل ما بوسعها لإرضائه عندما تريد شيئًا. لم يكن يسمح لها بأن تناديه "أخي"، لذا كانت تكرر اسمه مرارًا وتكرارًا: ياسر، ياسر... حتى ترسخ الاسم في أعماقها...

سمعت خلفها صوت بوق سيارة، فحاولت قدر الإمكان أن تبتعد إلى جانب الطريق. عندما مرت بجانبها سيارة رولز رويس سوداء، عبر نافذتها المواربة، التقت عيونها بنظرات ياسر. تبادلوا نظرات خفيفة، ثم ابتعدت السيارة شيئًا فشيئًا.

فجأة توقفت السيارة في الأمام. توقفت هي الأخرى دون وعي، واضعة قدمًا واحدة على الأرض ويديها على الدراجة، منتظرة بهدوء ما سيحدث.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP