كان الليل قد أرخى سدوله.دخل كريم مع منيرة عبد الرحمن إلى غرفة النوم.هما زوجان، ومن المفترض أن يناما في غرفة واحدة وعلى سرير واحد.ولكن بالنسبة لهما، كان الوضع وكأنهما لم يتعارفا من قبل، وفجأة يُطلب منهما النوم على نفس السرير، وهو أمر غريب لكل واحد منهما.خصوصًا منيرة، التي لم يسبق لها أن نامت حتى مع صديقتها على نفس السرير، ناهيك عن رجلٍ ”تعرفت عليه للتو“، رغم أنه زوجها.كريم لم يُحرجها، بل رفع لحافًا ووضعه على الأرض."ماذا تفعل؟" سألت منيرة."نامي على السرير، وأنا سأنام على الأرض.""لكن...""لا داعي للشعور بالحرج، لقد اعتدت على النوم على الأرض طوال السنوات الماضية."لم تقل منيرة شيئًا، وأغلقت الضوء، ودخلت تحت الغطاء.في ظلمة الليل، تحدث كريم فجأةً، "آسف."تفاجأت منيرة، لم تكن تتوقع أبدًا أن يقول كريم لها هذه الكلمات.تابع كريم قائلاً: "في هذه السنوات، هناك شخصان أشعر بالأسف لهما كثيرًا، أحدهما هو أخي، والآخر هو أنتِ. لو كنت قد عدت في وقت أبكر، لما مات أخي. ولو كنت قد عدت في وقت أبكر، لما اضطررت لتحمل كل هذا الظلم."في لحظة، بدأت دموع منيرة، التي كانت مكبوتة لسنوات، تنهم
سار الجميع بانتظام نحو المدخل الرئيسي للمبنى.كان هناك عشرات الحراس عند البوابة، والصف الداخلي منهم جميعاً مسلحون بأسلحة نارية، مما يشير إلى مدى أهمية الشخصيات التي حضرت اليوم.وصل حسن بن خالد، يوسف عبد الرحمن، وليلى عبد الرحمن إلى بوابة المبنى، وتبعهم كريم مع منيرة عبد الرحمن.تم إيقاف الجميع عند البوابة من قبل الحراس."يرجى تقديم بطاقة الهوية."قدم يوسف عبد الرحمن بطاقة هويته للحارس بكل غرور، ثم نظر إلى كريم بازدراء، وقال: "انظر جيداً، هذا ليس مكاناً لأمثالك."قام الحارس بمسح بطاقة الهوية في الجهاز، وفجأة ظهر حرف "X" أحمر كبير وواضح.على الفور، تقدم بعض الحراس المسلحين وأوقفوا يوسف.شحب وجه يوسف من الخوف، وسأل: "أيها السادة، ماذا يحدث هنا؟"أعاد الحارس بطاقة الهوية إليه قائلاً: "لقد تم إدراجك في القائمة السوداء، يُمنع دخولك إلى المبنى، الرجاء المغادرة.""مستحيل!"استدار يوسف نحو حسن بن خالد وقال: "ألم تقل إنك حصلت على دعوة لي؟ كيف لا أستطيع الدخول، بل وأكون في القائمة السوداء؟"تجهم حسن قليلاً وقال: "يا أخي، ربما يكون هناك خطأ، لقد طلبت له الدعوة بنفسي."قال الحارس: "الأ
وصل الاثنان إلى قاعة الاحتفال، وما إن دخلا حتى رأيا عبد الرحمن بن خالد وهو يحمل علبة هدايا، يسير ذهابًا وإيابًا، ويبدو عليه التوتر الشديد."أبي." اقتربت منيرة عبد الرحمن منه."لماذا أتيتما؟ "سأل عبد الرحمن بن خالد بدهشة.أشارت منيرة إلى كريم الجاسم، قائلة: "لقد طلب من صديق له أن يحصل على دعوتين، فجئنا لنلقي نظرة.""هل تمكن من الحصول على دعوة؟"ابتسم كريم الجاسم وقال: "أحد زملائي السابقين في الجيش كان صديقًا مقربًا للشخص المسؤول عن تنظيم هذا الاحتفال، واستطاع أن يحصل لنا على دعوتين من خلال علاقته الداخلية."أومأ عبد الرحمن بن خالد برأسه، قائلاً: "هذا يفسر الأمر."سألته منيرة: "أبي، لماذا تتجول هنا بلا هدف؟"عبس عبد الرحمن وقال: "ألا ترين؟ أفكر في هدية المناسبة. لقد اشتريت نبيذ الجاسم القديم، لكن المشكلة أنه يبدو قليلاً ليكون هدية مناسبة. هل تعلمين أن هذا النبيذ سعره لا يتجاوز نصف الدولار للزجاجة؟ هل تظنين أنه من المناسب أن أقدم هدية متواضعة كهذه؟"قال كريم الجاسم: "إذا كان الشخص المسؤول قائدًا محترمًا قاتل جنبًا إلى جنب مع جنوده، فسيحب هذا النبيذ بالتأكيد.""آمل ذلك."في هذه ا
وقف يوسف الضاهر على المسرح وألقى خطابًا حماسيًا لفترة طويلة، وأخيرًا انتهى من كلمته وغادر المسرح.أمسك المقدم بالميكروفون وقال للحضور: "انتهى الاجتماع اليوم، والآن يُرجى من الجميع المغادرة بالترتيب."قال ذلك، لكن العديد من الأشخاص بقوا في مقاعدهم.وبعد مغادرة البعض، صعد رجل إلى المسرح حاملاً هدية، وتحدث للمقدم بابتسامة: "مدير شركة الصناعات الثقيلة—مروان الحارثي، لقد حضرت اليوم لأقدم هدية صغيرة تعبيرًا عن تقديري للمسؤول الكبير، وأتمنى أن تُسلمها له."فتح الصندوق ليكشف عن جذر جينسنغ عمره عشر سنوات، يُعتبر كنزًا حقيقيًا!أومأ المقدم برأسه وقال: "لا تقلق، سأقوم بتسليمها.""أشكركم جزيل الشكر."ما أن نزل مروان الحارثي من المسرح، حتى صعد رجل آخر، ثم تلاه آخرون، كل منهم يقدم هدية، ويرجو أن تُسلم إلى المسؤول الكبير.بعضهم قدم تمثال ذهبي، وآخر قدم لؤلؤًا، وآخرون قدموا سيارات رياضية وأحجار كريمة، وكل هدية كانت تقدر بثروة، وكان أرخصها يكلف عشرات الآلاف.عند رؤية هذه الهدايا الثمينة، بدأ العرق يتصبب من جبين عبد الرحمن بن خالد، فمقارنة بهداياه، كانت تبدو هداياه مثيرة للسخرية.كان زاهر الطي
ماذا تقول، كيف يمكن أن يكون الفرق بهذا الكبر؟""برأيي، هذا مجرد حيلة، يستخدمون شيئاً تافهاً للغاية كتمهيد لتسليط الضوء على 'عظمة' زاهر الطيب.""لهذا السبب، هذه المرة هو نجم الساحة."زاهر الطيب كان يبتسم بثقة، وضع المفتاح في الصندوق وسلمه للمضيف.المضيف بحذر وضع الصندوق في المنتصف، رغم أن هدية زاهر الطيب كانت 'الأصغر' حجماً، إلا أن موقعها كان الأكثر بروزاً.عاد زاهر الطيب إلى مكانه وجلس واضعاً ساقاً على ساق."عبد الرحمن، ما رأيك في هديتي؟"عبد الرحمن بن خالد كان وجهه متجهمًا، ولم ينطق بكلمة."هاهاها، ما بك؟ ألم تكن دائمًا تحب التنافس معي؟""هذه المرة أريد أن أرى كيف ستتحدىني.""عبد الرحمن بن خالد، دعني أقول لك بصراحة، بعد هذه المناسبة، أنا مُتيقن من أنني سأترقى إلى نائب المدير، وأنت قريباً ستطرد.""أنت وزوج ابنتك الفاشل تمامًا على نفس الشاكلة. كما يقولون، الطيور على أشكالها تقع، هاهاها."أمام السخرية اللاذعة من زاهر الطيب، لم يستطع عبد الرحمن بن خالد الرد ولو بكلمة واحدة.لقد خسر تماماً.في وسط الحشد.منيرة عبد الرحمن كانت ترتجف من الغضب، عندما رأت والدها يُهان هكذا دون أ
منيرة عبد الرحمن كانت مترددة بعض الشيء، ورغم أنها لم تجد كلام كريم الجاسم مقنعاً، إلا أن الحقيقة التي أظهرها في المرتين السابقتين جعلتها تشعر ببعض الأمل.في هذه اللحظة، رأوا يوسف الضاهر يمد يده ليلتقط المفتاح الذي قدمه زاهر الطيب.وجه زاهر الطيب تملأه السعادة.ضحك في سرّه: هاها، من يقول إنه يفضل نبيذ الجاسم القديم؟ هذا مجرد استعراض، في النهاية اختاروا فيلّاتي الفاخرة! لم أخسر بعد.نظر يوسف الضاهر إلى زاهر الطيب وقال : "سيد زاهر، هل هذا المفتاح من تقديمك؟""نعم، نعم، إنه مني.""حسناً، إذا لم تخني الذاكرة، فإن سعر العقارات في مجمع فيلات تلال المدينة ليس رخيصاً. فإن الفيلات المنفصلة هناك، يتجاوز سعر كلًا منها 2.85 مليون دولارقال زاهر الطيب وهو يبتسم : "نعم، هي غالية بعض الشيء، لكنها تستحق. فقط هذه الفئة من المنازل تليق بمكانة المسؤول العام!"عبر بريق بارد عيون يوسف الضاهر، وسأل متعمداً : "هل اشتريت هذا المنزل بنفسك؟""بالطبع.""ماذا؟ إذن يا سيد زاهر، بما أنك مدير قسم التسويق، كم يبلغ راتبك الشهري؟"ابتسامة زاهر الطيب بدأت تتلاشى ببطء، وشعر بأن هناك شيئًا غير مريح." في الواق
أيُها السيد الكبير؟" صوت مألوف جاء من خلفه.رفع كريم الجاسم رأسه ببطء، ورأى القادم، الذي لم يكن سوى الموظف القديم في عائلة الجاسم ألا وهو طلال."عمي طلال."تقدم طلال بخطوات مرتجفة ووضع باقة من الزهور أمام القبر، ثم أخرج وعاء كبير من اللحم المطهو من صندوق."إن السيد حسن كان يحب تناول اللحم المطهو الذي كنت أعده له. لم أكن أتصور أبداً أنه سيرحل قبل عجوزٍ مثلي.""حتى الآن لا أستطيع تصديق أنه رحل. أراه في أحلامي كثيراً." "أيُها السيد الكبير، لقد رأيتك أنت والسيد حسن تكبران أمامي. بالنسبة ليّ، أنتما عائلتي. لا أستطيع تقبل هذا الواقع."وأثناء حديثه، بدأت دموع طلال تنهمر.نظر كريم الجاسم إلى السماء وزفر بشدة وقال: "لن أدع موت حسن يمر بدون حساب."هز طلال رأسه وقال: "اترك الأمر، يا سيدي. الآن، شركة تقنيات الحلم هي ملك نادر الحارثي، ووراءه مؤسسة النجمة المضيئة، التي تُعد واحدة من أكبر خمس شركات في المدينة. بماذا ستواجههم؟"لم يرد كريم الجاسم، فقط استمر في النظر بهدوء نحو النهر.بعد لحظات، قال: "بعد خمسة أيام، سيكون عيد ميلاد حسن. سأقيم له حفلًا كبيرًا، ليكون وداعه مشرفًا."نهض طلال و
في وقت الغروب، عاد كريم الجاسم إلى الفيلّا المتعددة الطوابق في مجمع نُزل النعيم.بمجرد دخوله، رأى عائلة زوجته جالسين على الأريكة يتحدثون ويضحكون مع رجل، وعندما رأته صفية، أومأت إليه لتقترب."كريم، تعال هنا، دعني أقدم لك هذا. هذا هو ابن جارتنا اسمه سامر الدايم.""قبل بضع سنوات، سافر سامر للدراسة في الخارج، وعاد اليوم."مد سامر الدايم يده نحو كريم الجاسم، "تشرفت بمعرفتك.""تشرفت بمعرفتك."صافح كريم الجاسم يده، لكنه شعر فوراً بقوة إضافية في قبضة سامر الدايم.كان الرجل طويل القامة، ذو عضلات قوية، ومن الواضح أنه يقضي وقتاً طويلاً في صالة الألعاب الرياضية. هذه المحاولة الخفية لإظهار القوة كانت كافية لجعل شخص عادي يشعر بالألم.لكن...بالنسبة للمحارب الأعظم، كان سامر الدايم لا يزال ضعيفًا.ضغط كريم الجاسم بقوة على يده، مثل كماشة حديدية، وسمع سامر الدايم صوت تكسير العظام."آه~" حاول سامر الدايم بكل قوته أن يكتم صرخته، وتفاجأ من قوة كريم الجاسم.عندما أطلق يده، كانت يد سامر الدايم قد احمرت بالكامل.جلس الاثنان بشكل منفصل.هز سامر الدايم يده قليلاً، ثم قال مبتسماً: "أنت كريم الجاسم،