منيرة عبد الرحمن كانت مترددة بعض الشيء، ورغم أنها لم تجد كلام كريم الجاسم مقنعاً، إلا أن الحقيقة التي أظهرها في المرتين السابقتين جعلتها تشعر ببعض الأمل.في هذه اللحظة، رأوا يوسف الضاهر يمد يده ليلتقط المفتاح الذي قدمه زاهر الطيب.وجه زاهر الطيب تملأه السعادة.ضحك في سرّه: هاها، من يقول إنه يفضل نبيذ الجاسم القديم؟ هذا مجرد استعراض، في النهاية اختاروا فيلّاتي الفاخرة! لم أخسر بعد.نظر يوسف الضاهر إلى زاهر الطيب وقال : "سيد زاهر، هل هذا المفتاح من تقديمك؟""نعم، نعم، إنه مني.""حسناً، إذا لم تخني الذاكرة، فإن سعر العقارات في مجمع فيلات تلال المدينة ليس رخيصاً. فإن الفيلات المنفصلة هناك، يتجاوز سعر كلًا منها 2.85 مليون دولارقال زاهر الطيب وهو يبتسم : "نعم، هي غالية بعض الشيء، لكنها تستحق. فقط هذه الفئة من المنازل تليق بمكانة المسؤول العام!"عبر بريق بارد عيون يوسف الضاهر، وسأل متعمداً : "هل اشتريت هذا المنزل بنفسك؟""بالطبع.""ماذا؟ إذن يا سيد زاهر، بما أنك مدير قسم التسويق، كم يبلغ راتبك الشهري؟"ابتسامة زاهر الطيب بدأت تتلاشى ببطء، وشعر بأن هناك شيئًا غير مريح." في الواق
أيُها السيد الكبير؟" صوت مألوف جاء من خلفه.رفع كريم الجاسم رأسه ببطء، ورأى القادم، الذي لم يكن سوى الموظف القديم في عائلة الجاسم ألا وهو طلال."عمي طلال."تقدم طلال بخطوات مرتجفة ووضع باقة من الزهور أمام القبر، ثم أخرج وعاء كبير من اللحم المطهو من صندوق."إن السيد حسن كان يحب تناول اللحم المطهو الذي كنت أعده له. لم أكن أتصور أبداً أنه سيرحل قبل عجوزٍ مثلي.""حتى الآن لا أستطيع تصديق أنه رحل. أراه في أحلامي كثيراً." "أيُها السيد الكبير، لقد رأيتك أنت والسيد حسن تكبران أمامي. بالنسبة ليّ، أنتما عائلتي. لا أستطيع تقبل هذا الواقع."وأثناء حديثه، بدأت دموع طلال تنهمر.نظر كريم الجاسم إلى السماء وزفر بشدة وقال: "لن أدع موت حسن يمر بدون حساب."هز طلال رأسه وقال: "اترك الأمر، يا سيدي. الآن، شركة تقنيات الحلم هي ملك نادر الحارثي، ووراءه مؤسسة النجمة المضيئة، التي تُعد واحدة من أكبر خمس شركات في المدينة. بماذا ستواجههم؟"لم يرد كريم الجاسم، فقط استمر في النظر بهدوء نحو النهر.بعد لحظات، قال: "بعد خمسة أيام، سيكون عيد ميلاد حسن. سأقيم له حفلًا كبيرًا، ليكون وداعه مشرفًا."نهض طلال و
في وقت الغروب، عاد كريم الجاسم إلى الفيلّا المتعددة الطوابق في مجمع نُزل النعيم.بمجرد دخوله، رأى عائلة زوجته جالسين على الأريكة يتحدثون ويضحكون مع رجل، وعندما رأته صفية، أومأت إليه لتقترب."كريم، تعال هنا، دعني أقدم لك هذا. هذا هو ابن جارتنا اسمه سامر الدايم.""قبل بضع سنوات، سافر سامر للدراسة في الخارج، وعاد اليوم."مد سامر الدايم يده نحو كريم الجاسم، "تشرفت بمعرفتك.""تشرفت بمعرفتك."صافح كريم الجاسم يده، لكنه شعر فوراً بقوة إضافية في قبضة سامر الدايم.كان الرجل طويل القامة، ذو عضلات قوية، ومن الواضح أنه يقضي وقتاً طويلاً في صالة الألعاب الرياضية. هذه المحاولة الخفية لإظهار القوة كانت كافية لجعل شخص عادي يشعر بالألم.لكن...بالنسبة للمحارب الأعظم، كان سامر الدايم لا يزال ضعيفًا.ضغط كريم الجاسم بقوة على يده، مثل كماشة حديدية، وسمع سامر الدايم صوت تكسير العظام."آه~" حاول سامر الدايم بكل قوته أن يكتم صرخته، وتفاجأ من قوة كريم الجاسم.عندما أطلق يده، كانت يد سامر الدايم قد احمرت بالكامل.جلس الاثنان بشكل منفصل.هز سامر الدايم يده قليلاً، ثم قال مبتسماً: "أنت كريم الجاسم،
بعد أن أنهى كريم الجاسم المكالمة، قال بهدوء: "قال إنه سيوصلها بعد عشر دقائق."ضحك سامر الدايم بسخرية وقال: "تستمر في التظاهر، أنت بارع في ذلك حقًا." وأشار إلى رأسه بإصبعه وقال: "إذا استطعت أن تحضر ليّ سلة من الألماس، وكل قطعة بحجم هذه التي أملكها، سأقطع رأسي وأقدمه لك ككرسي. وإلا، فعليك أن تترك منيرة."عقدت منيرة عبد الرحمن حاجبيها وقالت: "كيف تتحدث بهذه الطريقة؟"نظر سامر الدايم إلى كريم الجاسم وقال: "ماذا تقول؟ إذا كنت رجلًا حقيقيًا، فلنراهن على ذلك، ماذا تقول؟"ظل كريم الجاسم صامتًا.شدت منيرة عبد الرحمن كمه وقالت: "لا تعره اهتمامًا."ظن سامر الدايم أن صمت كريم الجاسم هو علامة على الخوف، فازدادت جرأته وقال: "هاها، هل كشفت كذبك ولم تعد تجرؤ على الرهان؟"هز كريم الجاسم رأسه وقال: "ليس ذلك، لكنني أشعر بأن التضحية برأسك لمثل هذه المسألة الصغيرة قد تكون مبالغة.""أنت تتحدث بالهراء..." قال سامر وهو يقف: "كريم، هل ستموت إذا توقفت عن الكذب؟ سألتك فقط، هل تجرؤ على الرهان أم لا؟"قال كريم الجاسم: "حسنًا، لنراهن."ابتسم سامر الدايم، وكأنه يرى مشهد طلاق كريم الجاسم ومنيرة عبد الرحمن ي
حاول عبد الرحمن بن خالد أن يقنع كريم الجاسم قائلاً: "عائلة بن خالد تقدر القوة الشخصية بشكل كبير. إذا كنت تمتلك مكانة مثل حسن بن خالد أو كانت شركة تقنيات الحلم لا تزال تحت ملكية عائلتك، فلن تحتاج حتى لطلب الحضور، بل سيتصل بك الجميع بأنفسهم لحضور الحفل التذكاري."وأضاف: "أما الآن، وأنت لا تملك شيئاً، فلن يرغب أحد في التعامل معك. الأفضل أن توفر على نفسك العناء."ابتسم كريم الجاسم بمرارة وقال: " هذا شأنهم إن كانوا سيهتمون أم لا، بينما شأني هو إذا تم تبليغي بالأمر من عدمه. وبصراحة، أريد أن أرى كيف ستكون مواقف عائلة بن خالد تجاه كريم الجاسم."تنهد عبد الرحمن بن خالد قائلاً: "إذا كنت مصرًا، فافعل ما تريد."اتصل كريم الجاسم أولاً بزعيم عائلة الجاسم، جده جابر عبد الرحمن."مرحباً، مَن معي؟""يا جدي، أنا كريم."تردد جابر عبد الرحمن للحظة، ثم قال : "كريم؟ لماذا تتصل بي؟""أردت فقط تبلغيك أن بعد خمسة أيام سيكون عيد ميلاد أخي الراحل حسن، وأود أن أدعوك لحضور الحفل التذكاري الذي سأقيمه له."ساد الصمت لبضع ثوانٍ على الطرف الآخر من الخط."كريم، ليس الأمر كأنني غير مبالٍ، ولكن لا أستطيع حضور ه
مرت خمسة أيام بسرعة البرق.في هذا اليوم، استيقظت منيرة عبد الرحمن مبكرًا، وارتدت بدلة سوداء رسمية.فبعد كل شيء، كانت ذاهبة لحضور مراسم تذكارية، فكان من الضروري أن ترتدي بشكلٍ رسمي، دون أي تهاون.عندما خرجت من غرفتها، لاحظت أن كريم الجاسم لم يكن في المنزل، وحاولت الاتصال به، لكن هاتفه كان مغلقًا، مما أثار حيرتها.توجهت إلى غرفة المعيشة، ورأت أن الإفطار المُغَذٍ كان قد أُعد على الطاولة.جلست لتتناول الطعام، ولاحظت وجود ملاحظة تركها كريم: "الساعة العاشرة صباحًا، رتبت سيارة لتوصيلك - كريم".ابتسمت بهدوء، كان كريم بالفعل يهتم بالتفاصيل.في تلك اللحظة، خرج عبد الرحمن بن خالد إلى غرفة المعيشة."يا منيرة، هل حقًا تنوين الذهاب مع كريم لتلك الفوضى؟" سألها.عقدت منيرة حاجبيها وقالت : "ولماذا تعتبرها فوضى؟ كريم يذهب لتقديم التقدير لأخيه الراحل، ألا يجب أن يفعل ذلك؟"تنهد عبد الرحمن بن خالد وقال: "لم أقل أنه لا ينبغي، ولكن يجب أن تكون الأمور في الوقت والمكان المناسبين. لقد تلقيت إشعارًا بأن الشاطئ الغربي سيكتمل تجديده هذا الصباح، ولن يتمكن كريم من حماية قبر أخيه. إذا ذهب، سيكون محرجًا جدً
على طول الشاطئ الغربي للنهر، كانت سيارة سوداء تسير على الطريق، وكان بداخلها جابر عبد الرحمن وحفيده يوسف عبد الرحمن.بينما كانا يمران بجانب الشاطئ المهدم بعد أعمال الهدم والتجديد، ضحك يوسف وقال: "يا جدي، انظر، لقد هُدمت كل ضفة النهر الغربي ولم يتبق شيء. من المضحك أن كريم الجاسم قال إنه سيقيم اليوم مراسم تذكارية لأخيه، لا أعرف من أين جاءته الشجاعة ليقول مثل هذا الكلام الفارغ. على الأرجح، لن يتمكن حتى من الاقتراب من الشاطئ اليوم."ألقى جابر عبد الرحمن نظرة باردة على الشاطئ قبل أن يرد بسخرية: "أمثال كريم هذا، لا ينبغي حتى أن نذكر اسمه. يجب عليك يا يوسف، أن تستغل وقتك بشكلٍ أفضل، وتتعلم من حسن، بدلاً من التسكع طوال اليوم بلا هدف.""علمت يا جدي."واصلت السيارة سيرها، وفجأة أشار يوسف إلى السماء خارج النافذة وقال: "يا جدي، انظر! لماذا هناك الكثير من الطائرات؟"نظر جابر عبد الرحمن من النافذة ورأى بالفعل عشرات الطائرات المروحية في السماء، وكل واحدة منها كانت تحمل خلفها قطع قماش بيضاء طويلة، وكأنها تعبير عن الحداد."هل يمكن أن يكون..."هز جابر عبد الرحمن رأسه وسخر قليلاً، غير راغب في نطق ا
ضجة مُدَوِّية!تُفتح أبواب السيارات، ويقفز منها عشرات الرجال الضخام حاملين الأسلحة الحادة، يصل عددهم إلى أربعين أو خمسين شخصًا.في المقدمة كان نادر الحارثي وعادل الحارثي، العم وابن أخيه."ماذا تفعلون هنا؟""ألا تعلمون أن هذه المنطقة مغلقة؟""اخرجوا من هنا حالاً!"صاح عادل الحارثي متباهيًا، مكسراً جَو الوقار.رفع كريم الجاسم حاجبيه قليلًا، ثم استدار ببطء ناظرًا إلى عادل، وقال بهدوء، "اليوم هو عيد ميلاد أخي، لا أريد استخدام العنف، اخرجوا من هنا. وسأحاسبكم في يومٍ آخر.""في يومٍ آخر؟ المحاسبة؟"ضحك عادل وأشار إلى الرجال المسلحين خلفه، "افتح عينيك جيدًا، لقد جئت ومعي رجال اليوم. نعم، أنت قوي، ولكن هل يمكنك قتال عشرة؟ عشرين؟ ثلاثين شخصًا؟" "سأكون صريحًا معك، لقد تلقينا عقد هدم، واليوم لن نقوم فقط بطردكم، بل سنقوم بهدم كل هذه المنطقة.""وبشكل أكثر تحديدًا، نحن هنا لهدم قبر حسن الجاسم!"قبض كريم الجاسم على يديه بشدة، وعيونه تملأها الغضب القاتل. لم يكن هناك لحظة في حياته شعر فيها بمثل هذا الغضب."اليوم هو عيد ميلاد حسن. لم أرغب في أن أغضب.""لكن أيها الأوغاد يبدو أنكم تصرون على