أيُها المُستهتر!!!"صرخ جابر عبد الرحمن بغضب وضرب على الكرسي. لم يجرؤ أحد من قبل على التحدث معه بهذا الأسلوب. حتى حسن بن خالد، الذي كان يشغل منصبًا مرموقًا، كان دائمًا يتحدث معه بلطف واحترام. كيف يجرؤ كريم الجاسم، ذلك الصهر الذي يعتبر بلا قيمة، على التشكيك فيه؟ هذا تجاوز كل الحدود!"يا كريم، هل تعتقد حقًا أنك شيء مهم؟""في عائلة عبد الرحمن، لم يصل بك الأمر لأن يكون لك حق الكلام!"لم يغضب كريم الجاسم، بل استمر في الحديث بنبرة هادئة وقال لمنيرة عبد الرحمن: "يمكنكِ الذهاب لتقديم عرضكِ الآن."ضحك جابر عبد الرحمن ساخرًا: "تفضلي، اذهبي. دعينا نرى كيف ستنجحين في شيء فشل فيه الرجال. ولكن تذكري، تصرفاتكِ تمثل نفسكِ فقط ولا علاقة لها بعائلتنا الرئيسية!"شعرت منيرة عبد الرحمن بالحرج. كانت عالقة بين الطرفين، ولم تكن تشعر بالراحة. تنهدت بعمق وتوجهت نحو المكتب المؤقت.يوسف عبد الرحمن، الذي كان متشفيًا، قال: "يا جدي، أراهن أنها ستخرج في أقل من عشر ثوانٍ."رد جابر ببرود: "إذا حدث ذلك، فستكون هي المسؤولة عن نفسها. من يقترب من الأشخاص الفاشلين سيصبح مثلهم، ما الذي يمكن أن تتوقعه من هذه الشركة
قال جابر عبد الرحمن: "لقد قلت من قبل، مع تلك الشركة الصغيرة التي تديرينها، بأي حق تذهبين لتقديم عرض في المزاد؟ الفشل كان متوقعًا، عودي معي ولا تستمعي لهؤلاء الأشخاص الفاشلين الذين لا يجلبون لكِ سوى الإحراج."نهض الاثنان واستعدا للمغادرة.لكن منيرة عبد الرحمن همست بصوت بالكاد يُسمع: "يا جدي ويا أخي، لقد وقعت العقد.""حسنًا، عرفنا ذلك.""ماذا؟""ماذا؟!"في البداية، لم يستوعب جابر عبد الرحمن ما قالت، ولكن بعد خطوتين توقف فجأة واستدار بحدة نحو منيرة، وسألها مرة أخرى: "اشرحي ليّ، أي عقد تتحدثين عنه؟"مدت منيرة يدها وقدمت العقد الذي كانت تحمله: "عقد مشروع البناء، لقد وقّعت عليه."بدا وكأن صاعقة ضربت عقل جابر، لم يستطع تصديق أن منيرة قد نجحت بالفعل في توقيع العقد."هذا مستحيل!"قال يوسف عبد الرحمن بدهشة: "أختي الصغيرة، لا تطلقي الكلام على عواهنه."ردت منيرة: "العقد هنا، يمكنكما رؤيته بنفسيكما."أخذ جابر العقد بسرعة وبدأ يقلب صفحاته. لم يكن هناك أي خطأ، كان عقدًا حقيقيًا لمشروع البناء، والختم كان من دائرة الأشغال العامة، لا يمكن أن يكون مزيفًا.يوسف الذي لم يكن قادرًا على استيعاب
إذا لم يكن هناك شيء آخر، سنغادر الآن."أخذ كريم الجاسم بيد منيرة عبد الرحمن ومر بها بكل ثقة أمام جابر ويوسف عبد الرحمن، مما جعل جابر يرتجف من شدة الغضب.لقد كان رجلاً ذو سمعة مشهورة، ولم يذق مثل هذا الإذلال من قبل.ركب الاثنان السيارة.وضعت منيرة العقد بعناية في مكانٍ آمن، وانطلقت بالسيارة.وأثناء الطريق، سألت منيرة: "قال سامي القاضي إن شخصًا ما قدم له خطة المشروع مسبقًا، هل كنت أنت؟"أومأ كريم برأسه وقال: "نعم إنه أنا.""كنت أعرف، وإلا لما كان الأمر بهذه السهولة. كيف فعلت ذلك؟"أوضح كريم: "في الواقع، الأمر حدث بالصدفة. لدي صديق قديم يعمل حاليًا في دائرة الأشغال. كنا نتحدث عن موضوع إعادة تطوير المنطقة، فقمت بتحضير خطة مشروع وسلمتها له ليقوم بتقديمها إلى نائب المدير سامي القاضي. وعندما اطلع عليها القاضي، أعجب بها ووافق على المشروع على الفور. قدمت الخطة باسمك، وهذا ما أدى إلى ما حدث اليوم."ورغم أن هذا التفسير قد يبدو غير منطقي، إلا أنه كان مقنعًا بدرجة كافية لمنيرة التي لم تفكر كثيرًا في الأمر.بعد لحظة من الصمت، قالت منيرة: "رغم أن نيتك كانت لمصلحتي، إلا أنك جعلت جدي يشعر بال
في أوائل شهر سبتمبر، كانت الرياح الباردة تعصف في أجواء الخريف. تساقطت أوراق الأشجار الذابلة على كتفَي رجل عريض المنكبين. وقف كريم الجاسم تحت شجرة قديمة، ينظر إلى البناية الشاهقة لشركة "تقنيات الحلم"."أخي، لقد تآمروا جميعًا للإيقاع بي، ولم يعد بوسعي العيش."قبل شهرين… انقطعت سلسلة التمويل لشركة "تقنيات الحلم"، ووقع رئيس مجلس الإدارة، حسن الجاسم، تحت وطأة ديون تبلغ سبعة عشر مليون دولار .فتم رهن الشركة لمؤسسة "النجمة المضيئة" التابعة لرجل الأعمال نادر الحارثي. "أخي، سامحني، سأموت قبلك."في منتصف الليل، قفز حسن من سطح البناية، وفارق الحياة على الفور. رحل أحد ألمع العقول في عالم الأعمال هكذا، تاركاً خلفه لغزًا كبيراً. كان الجميع يدرك أن الأمر ليس كما يبدو، فالسوق مثل ساحة المعركة، وكان حسن مجرد ضحية بائسة. في وسط الرياح الباردة، تنفس كريم بعمق، ورفع رأسه ناظرًا إلى النجوم المتلألئة في السماء. "حسن، سامحني، لقد عُدت متأخرًا.""اطمئن، كل من خانك سيدفع الثمن."على مدار خمس سنوات، كان كريم يخدم في منطقة مضطربة، متقلداً السلاح منذ البداية، مكافحًا في كل معركة، ومحققًا ال
على المسرح، رفع نادر الحارثي رأسه بنظرة متعالية، ينظر إلى كريم الجاسم. كان يستمتع بشدة بهذا الإحساس؛ إحساس الدوس على الآخرين.لكن، ملامح كريم لم تتغير على الإطلاق.ظن نادر أن كريم قد أُصيب بالخوف لدرجة أنه لم يجرؤ على الكلام، فقال بتحدٍ: "آسف، هذه طبيعتي المباشرة، وإذا جرحت كبرياءك الضعيف، فأنا أعتذر.""في الحقيقة، أنا أعلم لماذا أتيت اليوم. أنت هنا فقط لتبتزني بالحديث عن وفاة أخيك لتحصُل على بعض المال.""لقد رأيت أمثالك كثيرًا."رفع نادر كتفيه وقال: "لكن، ليس من المستحيل أن أعطيك المال. إذا كنت مستعدًا أن تقول ثلاث مرات أمام الجميع، 'حسن يستحق الموت'، فسأعطيك.... ألف دولار هل هذا مقبول؟"إهانة.إهانة صارخة!اندلعت الضحكات في القاعة، كان الجميع يضحك، بعضهم حتى بصق مشروبهم من شدة الضحك.ومع ذلك، في مواجهة هذا القدر من الإهانة المباشرة، لم يظهر على وجه كريم أي تعبير غاضب.لم تظهر عليه أي علامات غضب أو تأثر.إما أن هذا يعني أنه شخص ضعيف جبان لا يجرؤ على الرد، بل أنه رجل ذو هيبة قوية، يتجاهل العالم ببرودة وثبات لا يهتز.شعر نادر بعدم ارتياح، لأنه لم يستطع فهم كريم.بعد أن انته
ابتسم يوسف الضاهر بخفة، فقد كان يعرف ما يريد كريم فعله."بالمناسبة، سيدي، لقد تلقيت للتو إخطاراً من الإدارة العليا.""يقولون إن المناطق الثلاث، السوخانا، قلب الشام، ووادي البحر، سيتم دمجها، وتسمى منطقة جنوب النهر، وسيتم تعيينك كالمسؤول العام لها.""سيدي، هذه فرصة ذهبية!"نظر كريم من النافذة وقال: "الآن، لا أهتم بهذه الأمور، لنذهب.""إلى أين؟"فكر كريم للحظة وقال: "بما أنني عدت، فلنذهب إلى المنزل."بعد نصف ساعة، توقفت السيارة ببطء.طلب كريم من يوسف أن يغادر أولاً، ثم دخل إلى مجمع نُزل النعيم، متجهاً نحو فيلّا قديمة نوعاً ما.دق على الباب بضعة مرات."من هناك؟"كانت التي فتحت الباب امرأة في منتصف العمر، كانت حماته ألا وهي صفية. عندما رأت كريم، توقفت لبضع ثوان ثم قالت بسعادة: "كريم، متى عدت؟""عُدت منذ فترة قصيرة.""هيّا تعال، اجلس بالداخل."بعد وفاة شقيقه، أصبحت عائلة حماته هم أقارب كريم الوحيدين في العالم.أدخلت صفية كريم إلى المنزل، وأجلسته، وسكبت له كوباً من الماء، وهي تشعر بسعادة غامرة.في هذه اللحظة، خرج حماه، عبد الرحمن بن خالد، من الغرفة الداخلية وقال: "من هنا؟""
دخلوا إلى بهو الفندق، وكانت الطاولات مرتبة بعناية، مليئة بأفخر أنواع المشروبات والأطعمة.كان الحاضرون يرتدون ملابس فاخرة ومجوهرات أنيقة، يحملون كؤوسهم ويتبادلون الحديث والضحك.تقدمت منيرة مع كريم نحو الطاولة الموجودة في منتصف القاعة، وابتسمت لرجل مسن قائلة" :جدي!"كان هذا الرجل هو رئيس عائلة عبد الرحمن الحالي، جابر عبد الرحمن.ضيّق جابر عينيه قليلاً وقال " :يا منيرة، لماذا تأخرتِ إلى هذا الحد؟ لقد جعلتني قلقاً جداً، تعالي، اجلسي بسرعة."ثم التفت ورأى كريم بجانب منيرة وسأل مستفسراً " : ومن هذا؟"أجابت منيرة بخجل قليل" :إنه زوجي، كريم.""حقًا؟"تفحص جابر كريم من رأسه إلى قدميه وقال" :سمعت أنك كنت تخدم في الجيش، لم أتوقع أن تعود اليوم، تعال، اجلس.""شكراً يا جدي."بمجرد أن جلس كريم، سأله يوسف عبد الرحمن بنبرة ساخرة" :أخي، كنت تخدم في الجيش لمدة خمس سنوات، هل حققت شيئاً جيداً؟""شيءٌ بسيط.""حقاً؟ هل استقبلتك سيارة خاصة عند عودتك؟""لا أحب تلك الأمور الرسمية، لذا تجنبتها."ضحك يوسف قائلاً" :أمور رسمية؟ ههه، هل يمكنك أن تتوقف عن التظاهر؟ ربما لم تكن لديك الكفاءة وتم تسريحك، أل
نظر الجميع إلى بعضهم البعض في حيرة : "المُحارب الأعظم؟ ما هذه الرتبة؟"سعل حسن بن خالد قليلاً وقال: "رغم أنني لست مطلعًا بشكل كبير على الأوضاع في الجبهة الغربية، إلا أنني أعرف جيدًا بشأن الرتب العسكرية. 'المُحارب الأعظم' ليس له وجود كرتبة،يا كريم، لا تختلق الأكاذيب."شعر الجميع بالراحة أخيرًا."إذًا، هو مجرد اختلاق، لم أسمع بها من قبل.""حتى لو كنت تختلق، على الأقل اجعلها تبدو معقولة.""إذا كانت رتبة لا يعرفها حتى حسن، فمن المؤكد أنها غير موجودة."في مواجهة اتهامات الحاضرين، شعرت منيرة عبد الرحمن بالحرج الشديد، وتمنت لو تستطيع أن تحفر حفرة وتختبئ فيها.أما كريم، فقد ظل هادئاً، وقال بكل برود: "ربما لم تسمع بها لأنك لم تصل إلى هذا المستوى بعد.""......"ساد الهمس والضجيج في القاعة، وبدأ الجميع ينظرون إلى كريم وكأنه مجنون.لقد كان متعجرفًا جدًا، لدرجة أن الجميع تجرأ على قول أي شيء.من هو حسن؟ إنه نائب القائد في المنطقة الشرقية، وهو شخص ذو مكانة رفيعة جدًا، حتى أن جابر عبد الرحمن يجب أن يتحدث معه بلطف ويعطيه مكانة خاصة.ومع ذلك، تجرأ كريم على القول إن حسن لا يعرف عنه شيئًا لأنه