سارعت هند بتغيير الجو المحرج، واستخدمت ملعقتها لتضع قطعة من طبق الباذنجان الحلو والحامض في طبق الجد قائلة: "جدي، تفضل تذوق هذا الطبق. أنا من قمت بتحضيره بنفسي، وأعلم أنه كان دائمًا مفضلًا لديك."أيدتها الجدة بابتسامة قائلة: "انظروا إليها، هند دائمًا تتذكرك. أشعر بالغيرة حقًا!"ضحك الجد بسعادة وهو يأخذ قطعة من الطبق، قائلًا: “هند دائمًا بارة بنا، على عكس بعض الأشخاص عديمي الضمير الذين يبدو أنهم لن يرتاحوا إلا إذا أغضبوني حتى الموت!"كان طارق هو المقصود بالكلام، فالتزم الصمت، ووجهه يخفي مشاعره:ابتسمت هند بلطف وقالت: "جدي، لا تقل هذا. بالتأكيد ستعيش طويلاً بصحة جيدة."هند عاشت طفولة مليئة بالصعوبات؛ انفصل والداها وهي صغيرة، وتخلت عنها والدتها، ثم فقدت جدّيها وهي لا تزال طفلة صغيرة، وأخيرًا فقدت والدها وهي في السادسة عشرة من عمرها.لم تجد هند دفء العائلة إلا مع الجدة والجد الذين قدما لها كل الحب والدعم. لذا، لم يكن أحد يقدّر صحتهما ووجودهما مثلها.وخلال وجبة الطعام، كان الجو ممتعًا ودافئًا بين هند والجدين، بينما بقي طارق في حالة صمت، يراقب من بعيد.بعد تناول الطعام، قضت هند بعض الوقت تلعب
في فترة ما بعد الظهيرة، غادر الاثنان منزل العائلة. وأثناء وجودهما في السيارة، قالت هند: “يبدو أنك لاحظت موقف الجد. إنه يعارض طلاقنا بشدة. ماذا تنوي أن تفعل الآن؟"نظر طارق إلى الخارج وتنهد قائلاً : يمكننا أن نستخرج شهادة الطلاق أولاً دون إخبار الجد، ثم نخبره تدريجيًا فيما بعد.كما توقعت، قراره لم يتغير قيد أنملة. حتى وإن كان الجد قد تحدث إليه بلهجة قاسية، وحتى وإن كان يخفي الأمر عنه ويتحداه. شعرت هند بثقل في التنفس، وكأن كل شهيق كسكين يخترق صدرها. خفضت عينيها وأومأت برأسها بصمت قائلة بصوت مبحوح: “حسنًا، متى سنذهب لاستخراج شهادة الطلاق؟"تحقق طارق من جدوله على الهاتف وقال : "أنا مشغول هذه الأيام. لنقم بذلك يوم الاثنين المقبل."”حسنًا."عندما أجابت هند بهذه السهولة نظر طارق إليها بضع مرات وهو يضغط شفتيه. بصدق هند كانت جميلة للغاية.عينان ساحرتان بزوايا مرفوعة، مليئتان بالحياة يمكن أن تكونا أحيانًا ناعمتين وأحيانًا حادتين. في لحظات النعومة، كانت تمتلك جاذبية غامضة تأسر من يراها وفي لحظات الحدة كانت تمتلك قوة قاطعة لا يمكن تجاهلها. وجهها بيضاوي مثالي بخطوط أنيقة وسلسة أنفها صغير ومتناسق
بدأ تصوير الإعلان رسميًا، ووصلت هند إلى الاستوديو مبكرًا لتوجيه فريق العمل لترتيب الموقع.بعد فترة وجيزة، وصلت المصوره وخبيرة المكياج، وهما شريكتان قديمتان لهند، بكلمة واحة من هند، فهمتا ما تريده بالضبط. بعد أن تم تجهيز الموقع بشكل كامل تقريبًا، نظرت هند إلى ساعتها. كانت تشير إلى التاسعة تقريبًا، أي أن نصف ساعة قد مضت على الموعد المحدد، لكن لم يظهر أي أثر لخلود وفريقها.كان مساعدها قد حاول التواصل معهم بالفعل.بينما كانت المصورة سميرة تتفقد الكاميرا، علقت قائلةً: “يبدو أن خلود تتمتع بكبرياء شديد.”ضحكت خبيرة المكياج نورا بسخرية وقالت: “ما باليد حيلة! فهي عائدة من الخارج. إذا أرادت التباهي، فما الذي يمكننا فعله؟ هل بإمكاننا طردها؟ حتى هند نفسها لا تملك هذا الحق، فما بالك بنا!” الجميع يعلم أن الممثلة الإعلانية تم اختيار خصيصًا من قِبل المدير العام طارق.عادًة تمتلك هند، بصفتها مديرة العلامة التجارية م.ك، الحق في استبدال أي عارضة ،لكن خلود حالة خاصة لا يمكنها تغييرها.حتى لو كانت تتصرف بتعجرف، كان عليهم تحمل ذلك.أخرجت هند هاتفها وبحثت عن رقم ليان واتصلت بها.رن الهاتف للحظة ثم انتهى بصوت
انتهى الاجتماع.اتكأ طارق على ظهر الكرسي، وفرك جبهته.في تلك اللحظة، رن هاتفه المحمول.التقط طارق الهاتف، ونظر إلى الشاشة قبل أن يجيب : "مرحباً".قال الصوت في الجهة الأخرى: " طارق، هل أنت في الشركة؟ أنا قادمة لرؤيتك الآن".نظر طارق إلى التقويم على مكتبه: "انتهي التصوير مبكرًا اليوم؟"ترددت خلود قبل أن ترد: "اليوم... لم يكن هناك تصوير"."لم يكن هناك تصوير؟ لماذا؟" سأل طارق .قبل قليل، عندما خرج إلى دورة المياه، لاحظ أن مكتب هند كان مغلقًا، مما يشير إلى أنها في مهمة خارجية.عادة ما تشرف هند شخصيًا على تصوير الإعلانات، وإذا ذهبت إلى الاستوديو، فلماذا لم يتم التصوير؟قالت خلود : "عندما وصلنا إلى الاستوديو، أخبرتنا هند فجأة أن هناك أمراً طارئًا ، وأن التصوير أُلغي. ثم غادرت، ولم نعرف ماذا حدث"."لا بد أن هناك ظرفاً طارئًا . بما أنه لا يوجد تصوير، تعالي إلى الشركة لمقابلتي".على مدار السنوات الثلاث الماضية، رأى طارق التزام هند بعملها.كانت دائمًا تلتزم بالمواعيد ولا تلغي التصوير دون سبب وجيه.لاحظت خلود نبرة طارق الخالية من أي لوم تجاه هند ، فابتسمت بسخرية، لكنها قالت بنبرة لطيفة: "أعتقد أي
اتّضح أن طارق قد وافق بالفعل.شعرت هند فجأةً بسخريةٍ كبيرة.بسبب خلود، يتدخل طارق مرة تلو الأخرى في شؤون "م.ك".كان يعطّل ترتيباتها وخططها مرارًا، ليتركها تتولى أمر الفوضى.كانت خطط التسويق السابقة جاهزًة للتنفيذ منذ فترة، لكنها أصبحت بلا قيمة بسبب تغيير العارضة. لم يرَ طارق الجهود الهائلة التي بذلتها للحفاظ على الوضع الحالي.كل ما كان عليه فعله هو إرضاء خلود. أما عما إذا كانت الأمور ستصبح أكثر تعقيدًا ام لا ،فهذا شأن هند وحدها. كيف يمكن له أن يهتم بذلك؟قالت نورا مستغربًة : "السيد طارق وافق؟ كيف يمكن للسيد طارق أن يهتم بمثل هذه الأمور الصغيرة؟"ابتسمت خلود قائلةً "آنسة نورا، أنتِ أيضًا تعلمين أن هذه مسألة صغيرة، ولهذا السبب قال طارق إنه يمكنني اتخاذ القرار بنفسي."ردّت نورا: "آنسة خلود، الجميع يعلم أن ما أصفه بالمشكلة الصغيرة هو بالنسبة للسيد طارق صغيرًا لكن المكياج والتصميم لهما أهمية كبيرة في التصوير. أتمنى أن تفهمي أنني فقط أستغرب لماذا يهتم السيد طارق بمثل هذا الأمر؟"قالت ليان بابتسامة: "أتعنين أن خلود تكذب؟ المديرة هند، إذا كنتم لا تصدقون، يمكنكم الاتصال بالسيد طارق للتأكد. هذه ا
نظرت هند بهدوء إلى الهاتف المُلقى على الأرض، وظلت واقفة لبضع لحظات قبل أن تنحني ببطء لالتقاطه.هند، كفاكِ إذلالًا لنفسكِ.من البداية، كان قلب طارق منحازًا تمامًا، ولم يكن يومًا إلا بجانب خلود.ما حدث بالأمس، لو كان طارق يريد معرفة الحقيقة، لكان بإمكانه إرسال أحد للتحقق منها، لكنه اختار ببساطة تصديق ما قالته خلود.أهذه هي القوة السحرية لأول حب؟"مديرة هند، الآنسة نورا والآنسة سميرة ما زالتا في غرفة الاستراحة تنتظرانكِ ." رأي المساعد هند واقفة في مكانها شاردة، فتقدم بحذر لتذكيرها ."حسنًا، فهمت." سرعان ما استعادت هند رباطة جأشها وتوجهت بخطوات كبيرة نحو غرفة الاستراحة."ما الأخبار؟ ماذا قال طارق؟" بمجرد دخول هند، سارعت نورا بالسؤال.كان وجه سميرة مليئًا بالترقب.هزّت هند رأسها.تنهدت سميرة بعمق.قالت نورا بدهشة: "لم أتوقع أبدًا. كنت أظن أن طارق مثل الإمبراطور العظيم، لكنه تبين أنه أشبه بالملك الجائر !""إذن، ما الذي سنفعله الآن؟""سأذهب للتفاوض معهم لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إجراء تعديلات طفيفة، وربما استعارة بعض الأدوات. سميرة ، سأعتمد عليكِ في مراقبة العمل خلال مرحلة المونتاج. لدي فك
ألقى السائق نظرة خاطفة على طارق عبر مرآة السيارة الخلفية، ثم اتبع نظره إلى الخارج عبر النافذة. اتسعت عينيه عندما رأى السيدة هناك.من يكون الرجل الذي بجانب السيدة؟ كان يرتدي قبعة و كمامه، وقد غطى نفسه بشكل محكم، وكان موجودًا في استوديو التصوير، هل يكون نجمًا مشهورًا؟بدا أن الرجل على علاقة جيدة جدًا مع السيدة.همس السائق ، "سيدي، خرجت السيدة خلود."طارق رد بصوت معتدل، "حسنًا."السائق لم يكن متأكدًا مما يعنيه ذلك."قُد السيارة إلى باب الاستوديو." قال طارق.وهو يقود السيارة إلى باب الاستوديو، تساءل السائق في نفسه: ألا يعني ذلك أن السيدة ستراه؟ولكنه امتثل لتعليمات طارق، وقاد السيارة إلى باب الاستوديو.بينما كان يتحدث، رفع زهير ذقنه، وقال: "أليس هذا طارق؟"هند نظرت إلى حيث أشار، ورأت أن هناك سيارة سوداء واقفه أمام الاستوديو. كان رقم اللوحة هو نفسه رقم لوحة السيارة التي اعتاد طارق ركوبها. كانت خلود واقفة أمام السيارة.طارق نزل من السيارة وتحدث مع خلود، مما جعلها تبتسم بسعادة.ثم دار طارق إلى الجهة الأخرى من السيارة، وفتح لها الباب بلطف، ووضع يده فوق السقف كي لا تصطدم، وعندما جلست خلود في الد
رفع طارق بصره، فرأى هند تقف عند الباب.كانت تقف عكس الضوء، مما جعل ملامح وجهها غير واضحة، لكن كان لديه شعور قوي بأنها تنظر إليه.قالت هند بابتسامة خفيفة، بينما تمرر بصرها سريعًا على الحاضرين: "تصادفتُ مع باسم في الممر، فجئت لألقي التحية عليكم."سألها طارق بنبرة هادئة: "هل جئتِ لتناول الطعام مع أصدقائكِ هنا؟""نعم." أجابت باختصار.ابتسم جمال وقال: "هند، بماذا انتِ مشغولة مؤخرًا؟""بعرض العلامة التجارية م.ك؟."تفاجأ جمال للحظة، وأدرك أنه ألقى قنبلة دون قصد.لكن يبدو أن الآخرين ليسوا على علم بذلك، فأشار أحدهم نحو خلود وقال مبتسمًا: "أليست الممثلة هنا بالفعل؟"ابتسمت هند بخفة، ثم تقدمت إلى الطاولة وأخذت كأسًا فارغًا، وملأته بالشاي.قالت بهدوء: "اليوم لقاؤنا صدفة، أرفع كأس الشاي هذا بدلاً من النبيذ لتحيتكم جميعًا .أعتذر على الإزعاج، وسأعوضكم بدعوة لاحقة. أحييك ايضا يا أخي " نطقت هند كلمة "أخي" بوضوح. وهي كلمة لم تعتد تستخدمها منذ زواجها من طارق، حيث كانت تدعوه ب " طارق" .شربت هند الشاي دفعة واحدة. ثم أضافت: "أعتذر." "لدي أمور أخرى الآن، لذا لن أطيل ازعاجي ."لكن باسم تدخل بلهجة مازحة: "ه