أغمضت هند عينيها بسرعة، متظاهرة بالنوم. أنا لا أراه ... لا أراه .... لا أراه... كانت تردد ذلك في قلبها مرارًا؛ولكن جسدها المرتعش فضح تماما مشاعرها . خطوات الرجل تقترب أكثر فأكثر. كان يتقدم نحو سريرها .هند شعرت بقلبها يكاد يقفز من صدرها. وفجأة، شعرت ببرودة تسري في جسدها... لقد تم رفع الغطاء عنها. تجمدت هند في مكانها، وأغمضت عينيها بإحكام، وشدت ساقيها بقوة وهي تردد في داخلها : أنا نائمة ... أنا نائمة. طالما لا أراه، فلن يقتلني .... لكن صوتا منخفضًا ساخراً اقترب من أذنها وهمس: "أعلم أنكِ مستيقظة افتحي عينيكِ وانظري إلي.... وإلا... سأفعل بكِ ما تكرهينه ثم أقتلكِ." ارتجف عقل هند كليا فتحت عينيها ببطء، وصوتها يرتعش "سأفتح عيني... فقط أرجوك... لا تقتلني .... لا تقتلني.....ولكن قبل أن تكمل كلامها، توقفت فجأة..... لترى وجه الرجل الذي أمامها .إن لم يكن طارق فمن سيكون ؟همست هند بصدمة. ملامح وجهها تجمدت مزيج من الخوف الحيرة والإحراج اجتاحها في تلك اللحظة. أدركت أنها نسيت تماما أن طارق لا يزال في المنزل، وأن أمن الفيلا محكم جدًا بحيث لا يمكن لأي غريب الدخول. نظرت بعيدًا وهي تحاول التماس
رفعت خلود عينيها بفرح، وهتفت :طارق! خطا طارق خطوات واسعة نحوها، لكن فجأة تغيرت ملامح وجهه وصاح: “احذري!”هند التي كانت قريبة، رفعت رأسها عند سماع الصوت، لكنها فجأة شعرت بدفعة قوية أسقطتها أرضًا.دوى صوت التصادم! سقط أحد الأرفف الثقيلة على الأرض، محدثًا ضجيجًا مدويًا.وجدت هند نفسها على الأرض، حاولت الحركة، لكن قدمها لم تستجب.طارق الذي كان قد اندفع لاحتضان خلود وحمايتها،سأل بقلق: “هل أصبتِ؟”ردت خلود بصوت مليء بالخوف: "طارق كدت أموت من الذعر! لولا أنك جذبتني في اللحظة الأخيرة، لحسن الحظ أنك أتيت لأخذي من العمل وإلا لكانت الكارثة قد وقعت عليّ.”استندت خلود على صدره وهي ترتعش، فيما تحدثت إحدى الحاضرات وقالت:”يا لحسن الحظ! لو لم يكن طارق سريعًا، لكانت خلود الآن في خطر كبير!”تجمدت هند في مكانها وكأن جسدها كله قد تخدر حتي أنها لم تشعر بألم قدمها، وهي ترى المشهد أمامها، حيث كان طارق يحتضن خلود بحنان. هو يرى خلود فقط !لم يكن الأمر متعلقًا باهتمام طارق بخلود فحسب، بل بالطريقة التي دفعها بها إلى الخطر لإنقاذ خلود.من أجل حماية خلود يمكنه دفعها للخطر بل حتي للموت بدلاً عنها .إذا كان يحب
لم تعرف هند كم مضى من الوقت حتى أفاقت وسط ظلام حالك، لتشعر برائحة المطهرات تخترق أنفها بقوة.فتحت عينيها ببطء، ونظرت حولها لتجد نفسها في غرفة مستشفى."هند لقد استيقظتِ؟ كيف تشعرين؟" لترفع هند عينيها وترى وجه طارق الوسيم أمامها.دون أن تشعر، وضعت يدها على بطنها، وردت بهدوء:"أنا بخير... "ثم ألقت نظرة نحو النافذة لترى أن الليل قد خيم.في تلك اللحظة، سمعت صوت معدتها تقرقر بصوت مسموع ."جائعة؟ سأطلب شيئًا ليُحضَر فورًا." قالها طارقلكن هند رفعت رأسها ونظرت إليه بنبرة طفولية لم يعهدها منها:وقالت "طارق، أنا جائعة جدًا الآن. لا أريد الانتظار. هل يمكنك أن تذهب بنفسك لشراء الطعام؟" هند رفعت رأسها ونظرت إليه .طارق، الذي فوجئ بهذا الطلب الممزوج ببراءة لم يعهدها منها، هز رأسه دون وعي وقال:"بالطبع، سأذهب فورًا. لكن لا تتحركي من السرير، وإذا شعرتِ بأي ألم، استدعي الممرضة فورًا."هزّت هند رأسها بالموافقة، وانتظرت حتى غادر. ثم ضغطت على زر الاستدعاء، لتدخل الممرضة بعد لحظات."كيف يمكنني مساعدتكِ، سيدتي؟ هل تشعرين بأي ألم؟"قالت هند بقلق وهي تضع يدها على بطنها:"أريد أن أعرف عن حالة طفلي..."
حتى تتجنب عناء الصعود والنزول، لم تغادر هند غرفة النوم بالطابق الثاني منذ تعرضها لإصابة في كاحلها. كانت العاملة توصل لها الطعام يوميًا. في إحدى المرات، وبينما كانت هند منهمكة في العمل على حاسوبها المحمول، سمعت صوت فتح الباب. اعتقدت أن العاملة جاءت لتوصيل الطعام، فقالت دون أن تنظر: "ضعيه على الطاولة، سأتناول الطعام بعد قليل.""الأفضل أن تأكلي الآن قبل متابعة العمل. دقائق لن تضركِ." كان صوت طارق.رفعت" هند" رأسها لترى طارق وقد جاء بنفسه بالطعام. فوجئت وقالت: "انهيت عملك؟""نعم."أغلقت "هند" الحاسوب، ووضع طارق الطعام على الطاولة المجاورة لسريرها، ثم نزل ليتناول طعامه.بعد أن انتهت من تناول الطعام، عاد طارق ليأخذ الأطباق. هذه المرة، كان يحمل كيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالأدوية. جلس بالقرب منها وبدأ بإخراج الأدوية، بعضها كان للالتهابات وبعضها الآخر خاص بمعدتها.لم تشمل هذه الأدوية تلك الموصوفة للتو من المستشفى فحسب، بل تشمل أيضًا “أدوية اضطراب الجهاز الهضمي” التي تناولتها من قبل.كان طارق ينظر وهو يخرد الأدوية واحدًا تلو الآخر، خفق قلب هند وأمسكت بإحكام بزوايا ملابسها.سألها وهو يمسك زجا
"سأحاول قدر المستطاع." قالها طارق."ما الأمر مع الآنسة خلود؟" استجمعت هند شجاعتها لتسأله.كانت تشعر في أعماقها أن طارق لن يعود هذه المرة، تمامًا كما حدث بالأمس.تساءلت عن السبب الذي دفع خلود لاستدعائه مجددًا، يومين متتاليين.استدار طارق لينظر إليها بملامح عابسة، "هند، لم تعتادي على الأسئلة الكثيرة هكذا بالماضي."شحب وجه هند، "قدمي تؤلمني بشدة، ألا يمكنك...""إصابتكِ ليست خطيرة، إذا كنتِ بحاجة إلى شيء، استدعي العاملة."أنهى كلماته ببرود واستدار، مغادرًا دون أن يلتفت مرة أخرى.ظلت هند تحدق في ظهره وهو يبتعد، تتجرع مرارة الخيبة.نادراً ما كانت تُظهر جانبها اللطيف والضعيف أمامه، لكنه شعر أنها تبالغ.حينما لا يكترث أحد لوجودكِ، حتى وإن أظهرتِ ضعفكِ، فلن يغير هذا شيئًا.كانت تعلم جيدًا أنهما على وشك الطلاق، فما الذي يجعلها تعتقد أنها تملك الحق في السؤال؟لقد كانت في وهم مجرد وضعه للدواء لها جعلها تنسى نفسها .لكن إهانة أخرى كانت بانتظارها.لكن ما لم تتوقعه هند أن طارق لم يعد في تلك الليلة ولا الليلة التي تليها .جلست تنتظره طوال الليل، متشبثة بالأمل، تتصفح هاتفها بملل حتى استسلمت للنوم في
سيدة هند، لقد أظهرت التحاليل أنكِ ولدتِ بجدار رحم رقيق، فالجنين وضعه غير مستقر، ويجب عليكِ أن تكوني حذرة في نظامكِ الغذائي وممارسة الرياضة اليومية. أوصاها الطبيب بذلك وهو يكتب لها الوصفة الطبية "تفضلي، اذهبي لصرف الدواء"ردت هند عليه وهي تأخذ منه البطاقة وتنهض ببطء قائلًة له : "حسنًا، شكرًا لك يا طبيب"كرر الطبيب كلامه مرة أخرى وقال:" كوني حذرة، ولا تستهيني بالأمر!"فجدار الرحم الرقيق قد يؤدي إلي الإجهاض، ومعظم النساء اللواتي يجهضن مرة، يجدن صعوبة في الحمل مرة أخري. فأجابت هند بابتسامة لطيفة،” حسنًا، شكرًا لك يا طبيب، سوف أفعل ذلك.”بعد ثلاث سنوات من الزواج، لما يكن أحد أشد منها اشتياقًا لقدوم المولود، سوف تبذل كل ما بوسعها لكي تحافظ عليه. خرجت هند من العيادة متجهة إلي سيارتها بعد أن صرفت الدواء.أدار السائق السيارة، ونظر إليها من المرآة وقال لها:" سيدتي، أوشكت رحلة السيد علي الوصول، لم يتبق سوي 20 دقيقة، هل نتوجه مباشرًة إلي المطار ؟""حسنًا"كانت فكرة أنها سوف ترى زوجها بعد 20 دقيقة تجعل قلبها يرفرف من الفرح، وفرغ صبرها عن الانتظار حتي تراه.لقد غادر طارق البلاد قرابة شهر في رحلة
" نعم، إنه أنا"" هل ثملت..." " لقد شربت القليل مع أحد أصدقائي "كان هناك صوت ماء قادم من الحمام، وهند كانت متعبة وتتقلب علي سريرها.وكانت تشعر بأن أحد ما بجوارها علي السرير.وبعد ذلك سقطت يد كبيرة علي خصرها، وكانت تتحرك برفق علي جميع جسدها، وكأنها تستعد لفعل شئ ما." لا ..... الليلة لا يمكن...." أغلقت هند عينيها، وكانت تمنعه وهي نائمة.كانت تخشى أن يصاب الطفل بأي أذي بلا وعي منها.توقفت تلك اليد علي ظهرها، وقال لها "نامي" كانت هند حينها متعبة جدًا، لذا فقد غرقت في النوم. وفي صباح اليوم التالي، لم تجد هند سوى غطاء السرير الذي كان متجعدًا خلفها، والذي أثبت أنه قد كان موجودًا في الليلة الماضية. شعرت هند بالأسف لهذا، وكيف أنها غرقت في النوم بهذه السرعة.وبعد أن انتهت هند من الاستعدادات الصباحية، دخلت غرفة الملابس واختارت بدلة بيضاء لطارق، فبما أنها حامل، رأت أن الأمر يستحق الاحتفال، ثم اختارت أيضًا رابطة عنق حمراء له، ووضعتهم علي حافة السرير.عاد طارق من جولة الجري الصباحية مرتديًا ملابس منزلية، وجلس علي الأريكة، وعندما رآها تنزل من الدرج، وضع وثائق كان يقرأها جانبًا وقال، فلنتناول ال
علي مدار تلك الثلاث سنوات، فعلي الرغم من أن زواجهما لم يُعلن، إلا أنهما لم يختلفا عن أي زوجين عاديين.فقد كانت في صبيحة كل يوم تختار لها بدلته، وتربط له رابطة عنقه، ويخرجان سويًا للعمل.وكان في المساء يخبرها بمواعيد عمله وسهراته.الأنشطة الليلية اليومية، وحماماتهما المشتركة أحيانًا، وقبلة "تصبحين على خير" التي لم يغفل عنها يومًا.ولم تكن هدايا أعياد الميلاد وأعياد الحب وذكري زواجهما تفوته أبدًا.ولم يتأخر أبدًا عنها في شئ كانت ترغب فيه.الرومانسية والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، لم يبخل أبدًا بشئ منها. فعل كل مايفعله الزوج الذي تحلم به أي مرأة.حتي هي، اعتقدت أن حياتها سوف تظل سعيدة بهذا الشكل للأبدولكن ، خلود قد عادت.لذا، توجب إنهاء كل شئ.إذًا الصوت الذي سمعته لتلك الفتاة بالأمس، لابد وأنه كان صوت خلود. هل كانا علي اتصال ببعضهما منذ فترة طويلة؟هل كانا معًا طوال ذلك الشهر الذي سافر فيه للعمل ؟وعادا معًا للبلاد بالأمس ؟هل كان يرافق خلود ليلة الأمس؟ حين فكرت في ذلك، شعرت هند ببرودة تجتاح قلبها. وكأن طارق كان يمزق قلبها بشفرات حادة، تاركًا إياه ممزقًا ينزف.قال طارق: "هند، لا تقلقي.