الفصل 4
قال فايز بسخرية: "أحقًا يمكنك فعل أي شيء؟"

ردت نسمة بصوتٍ مرتجف: "حقًا...... حقًا......"

"هاها، ترفض العرض ثم تخضع له بالإجبار!" ضحك فايز بسخرية، ثم تغيرت نبرته فجأة إلى الجدية.

"ليس مستحيلًا أن أساعدك في العثور على هذه اللقيطة، لكن بشرطين!"

"الأول؛ اجلسي بجانبي الآن، ودعيني أستمتع ببعض المرح هذا اليوم."

"الثاني؛ بعد أن أجد هذه اللقيطة، يجب أن ترافقيني لمدة شهر كامل دون أي اعتراض، تكونين تحت أمري متى شئت!"

"أنا...... أوافق......" عضّت نسمة على شفتيها بشدة وأومأت برأسها.

"إذًا، لماذا لا تأتي إلى جانبي بسرعة؟" قال فايز وهو يربّت على المكان الفارغ بجانبه: "ابدئي بتدليك جسدي أولًا!"

"بعدما أشعر بالراحة، سأتصل فورًا بمن يساعدك في العثور على تلك اللقيطة!"

"آمل فقط أن تكون كلماتك صادقة......" قالت نسمة وهي تأخذ نفسًا عميقًا آخر، ثم نهضت لتجلس بجانب فايز.

"هيا إذًا!" قبل أن تجلس نسمة بجانبه، جذبها إليه فجأة واحتضنها بين ذراعيه.

بوم!

في هذه اللحظة، تحطم باب الغرفة كأنه مصنوع من ورق، وتطايرت شظايا الخشب في كل اتجاه.

وفجاةً ظهر باسل عند باب الغرفة، واقفًا بصمت بينما يتطاير الغضب من عينيه الباردتين، وكأنهما بركان على وشك الانفجار، يحدق بالاثنين الجالسين على الأريكة دون أن ينبس بكلمة.

"آه......"صرخت نسمة بفزع حين أدركت ما يحدث، وهرعت بعيدًا من بين ذراعي فايز.

"من تجرأ على إفساد متعتي؟ هل تبحث عن الموت؟"صاح فايز بغضب.

أما نسمة، فحين أدركت أن الشخص الذي أمامها هو باسل، ارتجف جسدها بالكامل، وامتلأت عيناها بالدموع.

انعكس في عينيها مزيج معقد من المشاعر؛ صدمة، كره، استياء، وقليل من الترقب الخفي.

كيف يمكن أن يكون هو؟

كيف يمكن لهذا الرجل الذي دمر حياتها أن يظهر فجأة الآن؟

قبل خمس سنوات، في ذلك اليوم المشؤوم، أنقذته من الموت بدافع الإنسانية، ولكنه بدلًا من أن يقدر لطفها، سرق منها أغلى ما تملك.

كانت نسمة تُعرف بأنها أجمل امرأة في (العريش)، ووريثة عائلة فريد العريقة. كانت حياتها مليئة بالوعود والمستقبل المشرق، ولكن منذ ذلك اليوم، تغير كل شيء.

بعد أشهر، اكتشفت أنها حامل، ولم تستطع أن تقسو على الجنين في رحمها أو تحرمه من حق الحياة، لذا قاومت جميع الضغوط وأنجبته.

على مدار خمس سنوات، لم تحظَ بأي دعم أو تعاطف من أحد، باستثناء أختها الصغرى.عانت من السخرية والانتقادات اللاذعة من الجميع، بما في ذلك والداها اللذان لم يستطيعا فهم قرارها.

أما جدها الذي كان يعقد آمالًا كبيرة على زواجها لتوطيد علاقات العائلة مع عائلة المهدي التي تعد واحدة من أكبر عائلات (العريش)، فقد غضب بشدة عندما اكتشف الأمر، وفي نوبة غضب، طردها مع عائلتها من قصر عائلة فريد الكبير.

كانت تعمل هي ووالدها سابقًا في مجموعة فريد، ولكن بعد أن طُردوا من العائلة، فقد كلاهما وظيفتيهما في نفس الوقت.

في الواقع، بفضل مهاراتها وخبراتها إلى جانب خبرة والدها، كان بإمكانهما العثور بسهولة على وظيفة جيدة تكفي لتأمين احتياجات الأسرة.

ولكن الوضع لم يكن بهذه السهولة، حيث أعلن الابن الأكبر لعائلة المهدي - إحدى أكبر عائلات العريش - تهديدًا صريحًا: "أي شخص يجرؤ على توظيفهم، سيكون في مواجهة مباشرة مع عائلة المهدي."

هذا التهديد أغلق كل الأبواب أمامهما، وأصبحت محاولاتهما في البحث عن عمل تُقابل بالفشل في كل مرة.

في ظل هذا الوضع البائس، لم يكن أمام والدها خيار سوى التوجه مرارًا وتكرارًا لاستعطاف الجد، رئيس عائلة فريد.

يبدو أن الجد لم يكن لديه أي رغبة حقيقية في مساعدتهم، لكنه ربما تعب من إلحاح والدها المستمر، وفي النهاية، وافق بتردد على أن يعمل كلاهما كموظفين عاديين في إحدى الشركات الفرعية لمجموعة فريد، وتحديدًا في فرعها بمدينة الشيخ زويد، وبهذا، اضطروا للعيش بالكاد على رواتب متواضعة، يكافحون لتأمين احتياجاتهم الأساسية فقط.

ولهذه الأسباب، اضطرت عائلتهم المكونة من أربعة أفراد إلى الانتقال من العريش إلى مدينة الشيخ زويد.

ومع مرور الوقت، بدأت تتأقلم مع هذا الوضع الصعب، لم تكن تطلب الكثير من الحياة، كان كافيًا لها أن تكبر ابنتها بسلام وصحة جيدة فقط.

لكن يشاء القدر ويحدث لها أسوأ مما سبق، اختفت ابنتها فجأة!

كانت تلك الصدمة كصاعقة نزلت من السماء في يومٍ مشرق، فشعرت وكأن العالم بأسره قد انهار فوق رأسها.

قال لها باسل بنبرةٍ باردةٍ ونظرةٍ غاضبةٍ تعكس حريقًا داخليًا، بعد أن أخذ نفسًا عميقًا: "ري ري في ورطة، ألا تعلمين ذلك؟"

في اللحظة التي دخل فيها الغرفة ورأى نسمة بين أحضان فايز على الأريكة، اشتعلت نيران الغضب بداخله. كاد هذا المشهد يحرقه من الداخل، وكأن نيرانًا اجتاحت قلبه وأحشائه.

تلاشى الشعور بالذنب الذي كان يكنّه تجاه نسمة بسبب ما حدث قبل سنوات في تلك اللحظة بالكامل، بل وحلّ محله الغضب والاحتقار.

ابنتهما مختطفة، وحياتها في خطر، ومع ذلك، بدلاً من أن تكون غارقة في القلق كأي أمٍ طبيعية، كانت تجلس في الفندق بين أحضان رجل آخر!

لم يتوقع أبدًا أن تكون نسمة شخصًا كهذا!

إذا لم تكن تحب الأطفال، فلماذا أنجبتها لتعيش هذه المعاناة!

"أنت إذًا ذلك الرجل المجهول في حياة نسمة، أليس كذلك؟ أنا أتحدث معك، ألا تسمعني؟ أم أنك مللت من الحياة؟"

أشعلت نظرات باسل الباردة –التي بدت وكأنه لم يلحظ وجوده- غضب فايز، السيد الشاب لعائلة النصر.

كيف يجرؤ هذا الرجل على تجاهله؟فهو ابن العائلة الثانية الأقوى في مدينة الشيخ زويد!

بوم!

قبل أن يكمل فايز حديثه، هبّت عاصفة من القوة جعلته يُقذف في الهواء ككرة، ليرتطم بشدة بالجدار خلفه ثم يهوي على الأرض.

فتح فمه لينفث دفعة من الدماء، بينما كان يتلوى على الأرض بألمٍ شديد، وهو يصرخ بصوت متهدج:

"كيف تجرؤ على ضربي؟ أقسم، إذا لم أجردك من جلدك، فلن أكون من عائلة النصر! أنا......"

"ارمِه خارجًا!" قال باسل بنبرة باردة، دون أن يُلقي عليه ولو نظرة. كانت عيناه لا تزالان مثبتتين على نسمة.

"حسنًا!" دخل لؤي الغرفة ليرد عليه.

"ماذا تفعل؟ إذا تجرأت على لمسي، سأقتلك!" صرخ فايز مشاهدًا لؤي يقترب منه.

صفعة! صفعة!

رفع لؤي يده وصفعه بقوة مرتين، ثم قال بنبرة صارمة:

"إذا لم ترد الموت، فالزم الصمت فقط!"

ثم أمسكه من ملابسه وسحبه نحو الباب.

أثناء مروره بجانب باسل ونسمة، تردد للحظة وكأنه يريد قول شيء، حتى قال في النهاية بصوتٍ هادئٍ:

"أيها القائد، إنقاذ ري ري هو الأهم الآن، يمكننا التحدث عن بقية الأمور لاحقًا."

ثم خرج من الغرفة بسرعة.

تقدم باسل نحو نسمة بخطواتٍ ثابتة، ووجهه متجمد من الغضب. نظر إليها بعينين قاسيتين، وقال ببرود:

"أنا أسألك، ألم تسمعي سؤالي؟"

توقف للحظة، وأكمل بنبرة أشد برودة: "أنا لا ألومك على التخلي عن ابنتك، لكن أخبريني الآن، من الذي اختطف ري ري؟ سأذهب لإنقاذها!"

صفعة!

قبل أن يكمل باسل حديثه، اقتربت نسمة بنظرة باردة كالجليد، ورفعت يدها لتصفعه بقوة.

على الرغم من قدراته القتالية العالية، التي تمكنه بسهولة من تفاديها، إلا أنه بقي ثابتًا في مكانه، دون أن يتحرك ولو قيد أنملة، محدقًا بها ببرود.

صرخت نسمة بصوت مليء بالدموع والانكسار: "من تكون لتتحدث معي بهذه الطريقة؟ من تظن نفسك؟"

بدأت دموعها تنهمر بغزارة، كأنها سحابة تمطر دون توقف.

"مرت خمس سنوات كاملة! هل تعرف أي نوع من الحياة عشت خلالها؟"

كان صوتها يتردد في الغرفة، محملًا بالغضب واليأس:

"أتظن أنني جئت اليوم للقاء فايز لأقضي وقتًا ممتعًا معه؟"

"هل تظن أنني مجرد امرأة رخيصة تخضع لكل من هب ودب؟ أنت لا تهينني فقط، بل تهين نفسك أيضًا!"

"أقسم، أنني نادمة جدًا...... نادمة لأنني تدخلت لإنقاذك منذ خمس سنوات. لو لم أفعل ذلك، لما كنت الآن في هذا الوضع البائس!"

"لقد عدت الآن، دون أن تفهم شيئًا أو تستفسر، وتبدأ في استجوابي بتلك النبرة؟ من تظن نفسك لتفعل ذلك؟"

صرخت نسمة، وعيناها تغمرهما الدموع، وصوتها يفيض بالألم والغضب.

"ري ري ابنتي، وليس لها أي علاقة بك! لا يحق لك التدخل في شؤونها!"

"لا أريد رؤيتك بعد الآن، ابتعد عن حياتنا تمامًا!"

خرجت كلماتها الأخيرة بمرارة، وأصبح صوتها أجش، وامتلأ صدرها بالحزن، وبدا عليها الألم الشديد.

دفعت باسل بعيدًا بكل ما أوتيت من قوة، ثم وضعت يديها على وجهها، وجسدها يرتجف بشدة، وركضت مسرعة نحو الباب.

"نسمة!" صرخ باسل محاولًا اللحاق بها، ومد يده للإمساك بذراعها.

"لا تلمسني! اتركني وشأني!" صاحت نسمة وهي تهز ذراعها بعنف لتحرر نفسها من قبضته، واندفعت للخارج بسرعة.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP