مدّ سليم ذراعه خارج نافذة السيارة.بأصابعه الطويلة، قدم لها علبة مناديل.ترددت عفاف للحظة، وكانت تنوي رفضها، لكن بطريقة ما، أخذت المنديل وقالت: "شكرًا."كانت علبة المناديل لا تزال تحمل دفء كفّه.سحب سليم نظره بسرعة من على وجهها، ثم أغلق النافذة وانطلقت السيارة بسرعة.الساعة العاشرة صباحًا.مجموعة القين.كان الموظفون لا يزالون في مواقعهم، يقومون بأعمالهم.رغم أن الشركة لم تصرف الرواتب لأكثر من شهر، إلا أن مجموعة القين كانت من أقدم الشركات في المدينة، ورغم الشائعات السلبية التي تنتشر على الإنترنت، لم يرغب الموظفون في التخلي عن أملهم حتى اللحظة الأخيرة.لو لم تكن عفاف تعلم أن الشركة مثقلة بالديون، لما كانت لتتصور أن هذا الهدوء الظاهري كله مجرد وهم.دخلت عفاف قاعة الاجتماعات برفقة نائب الرئيس.عندما التقى المحامي بـ عفاف، بادر مباشرةً وقال: "الآنسة عفاف، أرجو أن تتقبلي تعازينا. أنا مُكلَّف من قبل والدك بإعلان وصيته الآن."أومأت عفاف برأسها.فتح المحامي الوثائق وبدأ يتحدث ببطء وهدوء: "والدك يمتلك ست عقارات سكنية، تقع في المناطق التالية... هذه هي الوثائق، يرجى التحقق منها."أخذت
الساعة التاسعة مساءً.كان النسيم الخريفي يعبث بالأشجار، وتدحرجت الأوراق المتساقطة على الأرض مع صوت همسات الرياح.نزلت عفاف من سيارة الأجرة، ولفحتها نسمات باردة، جعلتها ترتجف قليلاً.كانت تحمل حقيبتها، وتسير بخطوات سريعة نحو باب قصر الدرهمي.في ظل الليل الباهت، كانت ترتدي فستانًا أحمر طويلًا بحمالات، تبدو فيه مثيرة وساحرة.في الصباح، عندما غادرت المنزل، كانت ترتدي قميصًا عاديًا وبنطالًا مريحًا.حينها تخيل سليم أنها ارتدت هذا الفستان خصيصًا لإرضاء رجال آخرين، قبضت يده بقوة من شدة الغضب.عند مدخل القصر، عندما بدلت عفاف حذاءها، لاحظت لأول مرة أن سليم كان جالسًا في الصالون على الأريكة.كان يرتدي قميصًا أسود، مما جعله يبدو أكثر برودة وغموضًا من المعتاد.كانت تعابير وجهه كما هي دائمًا، باردة وغير مبالية. لم تجرؤ على النظر إليه أكثر من ذلك.بعد أن بدلت حذاءها، ترددت في داخلها حول ما إذا كان عليها أن تلقي التحية عليه أم لا، خاصة بعد أن أعطاها منديلاً في الصباح.بخطوات مترددة، اقتربت من الصالون، وألقت نظرة خاطفة عليه.لكن الجو الليلة كان مختلفًا. في العادة، كانت رهف تخرج لاستقبالها ب
في غرفة النوم الرئيسية، داخل الحمام.كان الممرض يحمل منشفة جافة ويمسح بعناية قطرات الماء من جسد سليم.كانت ساقاه لا تزالان ضعيفتين، ولا يستطيع الوقوف بثبات إلا بمساعدة، لذلك كان بحاجة إلى الممرض لمساعدته.هذا الممرض كان يعتني به منذ تعرضه للحادث، وهو رجل في الأربعينيات من عمره، حذر ودقيق في عمله."سيدي، هناك كدمة على ساقك." قال الممرض وهو يساعده على ارتداء الروب، ثم دعمه للخروج من الحمام. "سأذهب لجلب المرهم لتدليك الكدمة."جلس سليم على حافة السرير، وبعد خروج الممرض، رفع أسفل الروب ونظر إلى الكدمة الزرقاء على فخذه.كانت هذه الكدمة بسبب عفاف، عندما قامت بقرصه.لم تكن ساقاه خاليتين تمامًا من الإحساس.عندما قرصته عفاف في تلك اللحظة، كان قد كبح رد فعله.لكن عقله لم يتوقف عن استرجاع صورتها وهي تبكي بحرقة.وأيضًا... تلك الرائحة الفريدة المنبعثة من جسدها، التي لا تزال عالقة في ذهنه.على مدار هذه السنوات، لم يشعر بأي انجذاب نحو أي امرأة.لم يكن لديه أي مشاعر غير عادية تجاه أي امرأة على الإطلاق.لكن عفاف أثارت في داخله الليلة مشاعر لا يمكنه التحكم فيها.لماذا يشعر بتلك الرغبة القوي
سليم بدا في عيني عفاف وكأنه تحول إلى شيطان، مظهراً أنيابه الحادة نحوها."لماذا؟" سألت بصوت متقطع، "سليم، حتى لو كنت لا تريد الأطفال، ليس من الضروري أن تقول مثل هذه الكلمات القاسية!"في عيون سليم المظلمة، برزت برودة قاسية: "إذا لم أوضح الأمور بشكل جلي، ماذا لو كنتِ تعتقدين أنه يمكن تغيير رأيي؟"عفاف تنفست بعمق، محاولة إبعاد نظرها عنه، وهي تشعر وكأنها تسقط إلى أعماق الهاوية.رد فعلها أثار فضول سليم، الذي تلاعب بابتسامة ساخرة على شفتيه."عفاف، هل تعتقدين حقًا أنكِ ستنجحين في إنجاب طفلًا لي؟"عفاف، عيونها متسعة من الصدمة، حدقت فيه بذهول.سليم أضاف بحدة، "أنصحك ألا تأخذي تحذيري باستخفاف. أنتِ تعرفين من أنا، أفعالي ستكون أشد قسوة مما أقول. إذا كنتِ لا تريدين الهلاك، فلا تلمسي محظوراتي."نظرت عفاف بعبوس، وشدّت أصابعها بإحكام، قائلة: "لا تقلق، لن أُنجِب لك أطفالاً. أنت تعرف تمامًا كم أكرهك. الأمر العاجل الآن هو الطلاق!"الأطفال ليسوا مسؤولية شخص واحد فقط. إذا أنجبت طفلًا، فسيكون من أجل نفسها أيضًا. وعندما يكبر الطفل، ستخبره أن والده قد مات."ليس الوقت مناسبًا بعد. سننتظر حتى تتحسن حا
أقراص الكالسيوم التي تتناولها النساء الحوامل ليست مختلفة عن تلك التي يتناولها كبار السن أو الذين يعانون من نقص الكالسيوم. لذا، كانت العبوة مكتوب عليها ببساطة "أقراص كالسيوم"."هل عليك أن تخبر الآخرين بكل دواء تتناولينه؟" قال سليم، وهو يحدق في أقراص الكالسيوم الخاصة بها، وعينيه تحملان نظرة من الغضب.فجأة، انطلقت عفاف مبتعدة، خجلاً لكن بصوت هادئ نسبياً.عادت إلى غرفتها، وضعت أقراص الكالسيوم في الدرج، ثم ذهبت إلى الحمام لتغسل وجهها.لم يعد بالإمكان الاستمرار بهذه الطريقة. إذا لم تغادر المكان قريباً، فإنها ستكشف أمرها في النهاية.كما أن تقارير الفحوصات الخاصة بالحمل موجودة في غرفتها، وإذا قرر سليم تفتيش غرفتها، فستُكشف الحقيقة.بالطبع، العقل يقول لها إن سليم رغم جنونه، ليس إلى حد التصرف بشكل مرضي بحيث يفتش غرفتها. بالإضافة إلى ذلك، بما أنه لم يطلب الطلاق، فهي لا تستطيع الطلاق منه.فقد أخذت المهر الكبير من عائلة سليم.جلست على حافة السرير، تفكر بشكل مضطرب، لدرجة أنها نسيت شعورها بالجوع.بعد لحظات، سُمِعَ طرق على باب الغرفة.عادت عقلية عفاف إلى مكانها، وذهبت لفتح الباب.قالت رهف ب
عفاف: "من أخبرك أنه لديه امرأة أخرى يحبها؟ من أين حصلت على هذه المعلومات؟ هل تعرفي اسم المرأة التي يحبها؟"كانت شيماء في داخليها تبدأ في القلق. رغم أنها كانت متأكدة من أن سليم ليس لديه امرأة أخرى بجانبه سوى هي، إلا أن حديث عفاف أزعجها.عفاف: "شيماء، ما قلته للتو كان مجرد تقييم شخصي مني... أنا بالتأكيد لا أعرف عنه كما تعرفين."بعد أن استجمعت أعصابها، غيرت عفاف كلامها. أدركت أن مسألة سليم ليست بهذه البساطة، ولم ترغب في الانجرار وراء الأمور المعقدة. كانت ترغب فقط في حياة هادئة وتمر بولادة الطفل بسلام.شيماء: "كنت أعتقد أنك رأيت سليم مع امرأة أخرى، وأصابني الذعر. لكن يبدو أن الأمور ليست كما توقعت."عندما استمعت إلى تفسير عفاف، ارتاحت شيماء قليلاً، وأصرت على أن سليم ليس الشخص الذي يُعتقد أنه يحب النساء أو الأطفال.سألت عفاف بلا إكتراث : "هل تعرفين لماذا لا يحب الأطفال؟"شيماء: "بصراحة، لا أعرف. ولا أريد أن أعرف السبب. إذا كان لا يحب الأطفال، فلن أنجب. كانت حاجبي شيماء مقطبتين قليلاً، وكأنها تتمتم لنفسها لكن سليم يعاملني بشكل جيد."عفاف: "أتمنى لك السعادة. ”كانت عفاف قد تخلت بالفعل ع
مرت السيارة بجانبها بسرعة.أثارت نسمة باردة!رفعت عفاف رأسها، وفي ظل الليل الضبابي، كانت أضواء خلفية رولز رويس تتلألأ وتظهر وتختفي.هل كانت تلك سيارة سليم؟مسحت دموعها بسرعة، وضبطت مزاجها، ثم توجهت نحو منزل عائلة الدرهمي.عندما وصلت إلى فناء المنزل الأمامي، رأت السيارة متوقفة في الفناء.وقفت خارج البوابة، منتظرة عودة سليم إلى غرفته قبل أن تدخل.كانت عيناها متعبة ومؤلمة، رفعت رأسها قليلاً، ورأت السماء المرصعة بالنجوم، تتلألأ وتلمع، رائعة وساطعة.كم هو جميل.يبدو أن الطقس سيكون مشمسًا غدًا.وقفت في الخارج، وسرعان ما مرت ساعة دون أن تدري.السيارة في الفناء قد أوقفها السائق في المرآب.في غرفة المعيشة، الأضواء ما زالت مضاءة، والجو خالٍ وهادئ.استعادت عفاف هدوءها تدريجيًا، وتقدمت نحو غرفة المعيشة خطوة بخطوة.على الشرفة في الطابق الثاني، كان سليم يرتدي رداء نوم رمادي، جالسًا على كرسي متحرك، يمسك بكأس طويل، والشراب الأحمر في الكأس على وشك الانتهاء.كانت قد وقفت في الخارج لمدة ساعة، بينما كان هو يراقب الشرفة طوال هذه الساعة.لم يكن يعرف ما كانت تفكر فيه، لكن كان من الواضح أنها ك
اجلس." نظرت عيناه إلى عفاف ببرود."أوه." جلست على الأريكة المقابلة له.على الطاولة الصغيرة، كان هناك حاسوب محمول.كان شاشة الحاسوب موجهة نحوها، وعرضت شاشة الحاسوب صورة من كاميرا المراقبة.أدركت بعد قليل أن الصورة تظهر كاميرا المراقبة في غرفة نومه.كانت الكاميرا موجهة نحو السرير الكبير.على السرير، كان هناك هو وهي.عندما وضعت عفاف عينها على الصورة، تجمد الدم في عروقها فجأة!قفزت عن مقعدها، ووجهت أصبعها نحو الحاسوب، وصرخت بغضب: "سليم! هل أنت مريض؟ كيف تجرؤ على تركيب كاميرات مراقبة في غرفة النوم؟!"كان غضبها شديدًا!كانت قد نسيت تمامًا أنها قضت ثلاثة أشهر في السرير بجانبه.خلال تلك الأشهر، كان هو في حالة غيبوبة، لذا لم تعتبره رجلاً.بغض النظر عن المظاهر اللامعة التي يظهر بها الناس في الخارج، فإنهم في الخصوصية يكون لديهم بعض التصرفات غير اللائقة.لذا، فإن فكرة أنه كان يتم مراقبتها خلال تلك الأشهر الثلاثة غير مقبولة بالنسبة لها تمامًا!عندما انتقلت عفاف إلى غرفته، لم يخبرها أحد بوجود كاميرات مراقبة في الغرفة.رأى سليم أنها ترتعش من الغضب، مما جعله يشعر بهدوء نسبي."لماذا تظن