ارتعش المدير قليلاً وقال بتوتر: "يا سيد ياسر... إنها حالة استثنائية، حالة استثنائية فقط! تلك المعلمة مجرد موظفة مؤقتة، مؤقتة فقط! سأقوم بطردها فورًا!"ياسر لم يتكلم، لكن الشرر في عينيه كان دليلاً واضحًا على غضبه المتزايد.ضحكت سارة بسخرية وقالت: "موظفة مؤقتة؟ حقًا تعرفون كيف تختلقون الأعذار."كان المدير عاجزاً عن الكلام لوهلة: "سارة، لا تتدخلي فيما لا يعنيكِ، أمور الجامعة ليست من شأن الطلاب!"قطبت سارة جبينها وكانت على وشك الرد، لكن في تلك اللحظة خرج الطبيب وسأل: "من هو قريب المريضة؟"أجابا في نفس الوقت، سارة وياسر: "أنا."عندما سمعت سارة صوت ياسر، شعرت ببعض الدهشة. فهي لم تتمكن من الوصول إلى شقيق يارا المزعوم، لذا كانت هي التي ستقوم بدور القريبة. ولكن ما الذي يحاول ياسر فعله الآن؟اختار الطبيب بشكل طبيعي التوجه إلى ياسر، الذي بدا أكثر "موثوقية"، ليشرح له حالة المريضة: "لا داعي للقلق، المريضة تعاني فقط من التهاب في المعدة. حالتها الصحية ليست جيدة رغم صغر سنها، لذا عليها الانتباه إلى نظامها الغذائي والتعافي بشكل جيد. بعد انتهاء المحلول ،يمكنها المغادرة."رد ياسر ببرود "همم" ، ثم تحرك ب
في تلك اللحظة القصيرة، بدا أن عيون ياسر قد امتلأت بحرارة لم تكن مألوفة لديها، لكن سرعان ما عاد بصره ليصبح بارداً كالمعتاد. هل كانت تتوهم؟"هل تشعرين بأي ألم؟" قالها بصوته المعتاد البارد والهادئ، دون أن يظهر أي اهتمام .هزت يارا رأسها بخفة، وشعرت بحرارة تملأ وجهها عندما أدركت أن يده كانت تمسك بيدها. همست بخجل: "أنا بخير... لم أكن أعلم أنك ستأتي إلى الجامعة. آسفة إذا أزعجتك.""إزعاج؟" عقد ياسر حاجبيه بانزعاج: "إذا لم تسببي لي الإزعاج، فهل تسببيه للآخرين؟ يارا، لماذا تتظاهرين دائمًا بالضعف أمام الآخرين؟ هل ستموتين إن تحدثتي معي؟!"يارا عضت شفتها دون أن تجرؤ على الكلام. لقد أدركت أن ياسر غاضب مرة أخرى...بعد لحظات، نهض ياسر ونظر إلى قارورة المحلول المتبقية، ثم استدعى الممرضة لتأتي وتزيل الإبرة.ياسر لم ينظر إلى يارا، واكتفى بالقول بصوت بارد: "لنعد إلى المنزل."رفعت يارا الغطاء بسرعة ونهضت، لكن ظهر على يدها أثر الكدمة حول مكان الإبرة، وكلما حركت يدها، شعرت بألم شديد وتورم.خلع ياسر معطفه ورماه فوق يارا بقليل من الخشونة، ثم انحنى بسرعة ليساعدها في ارتداء حذائها الرياضي الأبيض. بمجرد أن انتهى
أمسك ياسر بفكّ يارا بقسوة، وصوته كان باردًا، لكنه حمل معه أمرًا لا يقبل الجدال: "متى ما استعدتِ صحتكِ، عندها تعودين إلى الجامعة. لا أريدكِ تذهبين وأنتِ تبدين ضعيفة وكأنكِ تطلبين الشفقة من الآخرين!"فزعت يارا ورفعت جسدها بسرعة: "لا أستطيع.."ياسر لم ينطق بكلمة، اكتفى بالنظر إليها من أعلى، وكان جسده يشع بالبرودة والجفاء.عضت يارا على شفتيها، وصوتها كان يرتعش من التوتر: "سأدرس بجد، وعندما أكسب المال، سأرد لك كل ديني. أنا ممتنة جدًا لأنك استضفتني لعشر سنوات. عندما أبدأ التدريب، سأنتقل من هنا بأسرع وقت ممكن."صحيح، يارا لم تكن تنوي الاعتماد عليه طوال حياتها. كانت تدرك أنها مدينة له بالكثير، ولم ترغب في الاستمرار في هذا الدين إلى الأبد.فجأة ابتسم ياسر، وكانت ابتسامته تشبه القمر البارد، بعيد المنال، ولا يمكن الاقتراب منه، باردًا لدرجة تجعل الناس تخشى الاقتراب: "إذن دعيني أوضح لكِ الآن، في هذه الحياة، لا تحلمي أنكِ ستتمكنين من الرحيل!"شعرت يارا بثقل في قلبها، ونظرت إليه مباشرة لأول مرة، دون أن تتجنب: "عندما تنظر إليّ، ألا تتذكر والديك الراحلين؟ لماذا تريد الاحتفاظ بشخص مثلي بجانبك؟ سأرد لك ك
فكرت يارا في أن اليوم هو يوم الاجتماع الجامعي، وأنه سيأتي أيضًا... لم يعد إلى المنزل منذ أن غادر في ذلك اليوم. كيف ستكون الأمور عند رؤيته مرة أخرى اليوم؟ شعرت بمشاعر متضاربة تسري بداخلها، فسألت بتردد: "في ذلك اليوم... هل قال شيئًا آخر؟"لم تلاحظ سارة القلق الذي يسيطر على يارا: "لا، لم يقل شيئًا آخر. لكنني اغتنمت الفرصة لأشتكي له من شقيقكِ! شقيقكِ هذا مجرد شخص سيئ!"شعرت يارا بالعجز لوهلة، لا عجب أن بركان غضبه قد انفجر فجأة في ذلك اليوم، أو بالأحرى، انفجر جليده بسبب كلمة واحدة من سارة... من المؤكد أن التعرض للنقد الشديد والشتائم مباشرة ليس شعورًا لطيفًا.فجأة، تعالت أصوات ضجيج من الطابق السفلي،تحمست سارة كثيرًا، فسحبت يارا بحماس نحو الأسفل: "ياسر وصل! لنذهب ونلقي نظرة!"شعرت يارا ببعض الارتباك، فهي لم تكن قد فكرت بعد في كيفية مواجهة ياسر: "سارة، أتركي يدي... اذهبي أنتِ، أنا لن أذهب...""يارا، لقد ساعدكِ في أمر كبير، على الأقل يجب أن تشكريه شخصيًا!" لم تكن سارة تستمع لاعتراضاتها، وبينما كانت تتحدث، واصلت سحبها نحو الطابق السفلي.عندما رأت يارا الشخص أمامها، توقفت فجأة عن الحركة. ياسر كان
رد ياسر كان مجرد همسة باردة، مما جعل المدير يرتجف من الخوف ويصمت تمامًا.بعد لحظات، وصل عدد من الحراس الشخصيين يرتدون بدلات سوداء ونظارات شمسية على عجل: "سيدي، لقد تحققنا من الأمر. المعتدي هو شاب يبلغ من العمر 21 عامًا، يعاني من قصور عقلي، وهو ابن إحدى عاملات النظافة في مطعم الجامعة الجنوبية، ويعمل هناك كعامل بسيط. تصرفاته اليوم كانت عشوائية تمامًا، وعند التحقيق معه لم يكن يعرف أي شيء. بسبب حالته، من غير المرجح أن يُسجن.""إذن، يجب أن يُرسل إلى مستشفى الأمراض العقلية! شخص ذو عقل غير طبيعي ويظهر سلوكًا عدوانيًا، كيف يمكن تركه في الجامعة ليواصل إيذاء الآخرين؟!" صدى صوته البارد والمظلم ملأ أرجاء الممر، وكأنه آتٍ من أعماق الجحيم."حسنًا!" أجاب الحراس سريعًا ثم انصرفوا على عجل.كان المدير يبدو مترددًا ويبدو عليه الحيرة. نظر ياسر إليه، وظهرت على وجهه ابتسامة باردة: "ما الأمر؟ هل لديك اعتراض على قراراتي، أيها المدير؟": "لا، لا، ليس لدي أي اعتراض... لكن... صحيح أن الشاب يعاني من قصور عقلي، لكنه ليس مريضًا عقليًا... عادةً يكون هادئًا جدًا، واليوم لا نعرف ماذا حدث له. أما مستشفى الأمراض العقلية
"استيقظتِ؟" أغلق الرجل الكمبيوتر المحمول ونظر إليها بعينيه الهادئتين."أمم..." حاولت أن تنهض، لكن مجرد حركة بسيطة جعلت الألم يتفجر في كتفها الأيسر. تذكرت فجأة ما حدث قبل ذلك، وملامحها تلبدت بالقلق.اقترب ياسر ليفحص جرحها قائلاً: "لا تتحركي."يارا توقفت عن الحركة كما أمرها ياسر، لكنها شعرت بإحراج شديد بسبب الإحساس الذي بدأ في بطنها. كان ياسر وحده في الغرفة، وهي بحاجة للذهاب إلى الحمام، لكنها لم تستطع التحرك بسهولة. كلما حاولت التحرك قليلًا، شعرت بألم في جرحها الذي كان يؤلمها بشدة.وكأنه لاحظ توترها وعدم راحتها، فسألها: "هل تريدين الذهاب إلى الحمام؟"احمر وجه يارا وقالت بخجل: "نعم..."لم يقل ياسر شيئًا، بل ساعدها على النهوض بحذر، وكانت حركاته رقيقة جدًا لدرجة أنها شعرت وكأنه شخص مختلف عن المعتاد. ورغم ذلك، كان الألم شديدًا لدرجة أنها بدأت تتصبب عرقًا باردًا، وبدأت الضمادات حول جرحها تتشرب بضع القطرات من الدماء.كان ياسر يحمل يارا تقريبًا وهو يخطو نحو الحمام. عندما مد يده نحو سروالها، قالت بسرعة: "سأقوم بذلك بنفسي!"توقف عن الحركة، وأبقى عينيه ثابتتين عليها، مما جعل يارا تشعر بالحرج الشدي
ترددّت يارا وهي تمسك بالملعقة بيد مرتجفة، نظرت إلى نصف وعاء الحساء وقالت بعد لحظة من التردد: "فاطمة، من فضلكِ، ساعديني في ملء نصف وعاء من الأرز."فاطمة لاحظت قلقها، وهمست قائلة: "لماذا تخافين من السيد بهذا القدر؟ فهو لن يأكلكِ."بعد تناول الطعام، انتظرت يارا حتى قامت فاطمة بتنظيف الطاولة، ثم صعدت إلى الطابق العلوي ببطء وهدوء.عندما دخلت الغرفة، وجدت الباب نصف مفتوح، لذا قررت أن تطرق الباب قبل أن تدخل.كان ياسر جالسًا أمام النافذة الممتدة من الأرض إلى السقف، يتصفح بعض الأوراق، بينما كان يدخن سيجارة بين أصابعه، وعلى الطاولة الصغيرة بجانبه نصف كوب من الشراب.تسبب الدخان في سعال يارا لبضع مرات، فقام ياسر بإطفاء السيجارة، ثم قال: "تعالي هنا."اقتربت منه وسألته: "هل هناك شيء...؟"وضع ياسر الملفات جانبًا فجأة، وأمسك بها واحتضنها: "غدًا سأذهب في رحلة عمل إلى الخارج، تعالي معي."جلست يارا على ساقيه، وكانت مشاعرها متوترة بالفعل. عندما سمعت أنه ينوي أخذها معه، شعرت بالقلق وقالت: "إذا كنت مسافرًا... أنا، أنا لن أذهب معك، أليس كذلك؟"خلال السنوات العشر الماضية، لم تخرج يارا كثيرًا من المنزل سوى للذ
في صباح اليوم التالي، غادر ياسر مبكرًا.فتشت يارا خزانة ملابسها بالكامل، لكنها لم تجد ملابس لائقة. للمرة الأولى، شعرت برغبة في التسوق، فدعت سارة لمرافقتها، وجابتا معًا أنحاء المركز التجاري.عندما ذهبت يارا للدفع، رأت سارة رسالة الخصم على هاتفها، فتوسعت عيناها من الدهشة وفتحت فمها على شكل حرف "O" وقالت: "يارا، لقد تماديتِ! كنت أظن أنكِ تعيشين في فقر مدقع، لكن اتضح أنكِ تتظاهرين بالفقر! أنتِ بالفعل ثرية صغيرة!"لم تكن يارا ترغب في التحدث عن أن هذا المال أعطاها إياه ياسر في المرة الأخيرة: "لا تتفوهي بالهراء، هيا بنا."كانت الحفلة مساءً، والمكان في الفيلا المطلة على الشاطيء الخاصة بعائلة آدم.عندما وصلت يارا وسارة، كان معظم الضيوف قد وصلوا بالفعل. كان معظمهم غير مألوف بالنسبة ليارا، بل وحتى لم تلتقِ بهم من قبل. فقط آدم كان الأبرز بين الحضور، لدرجة أنه جذب نظرها على الفور."يارا، لم نلتقِ منذ فترة." تقدم آدم بابتسامة خفيفة، وعيناه الجميلتان تركزان عليها بثبات، مما جعلها تشعر بالخجل ولم تستطع رفع رأسها لمبادلته النظرات: "نعم... لم نلتقِ منذ فترة..."بدأ الناس من حولهما في الضحك والمزاح: "آدم