الفصل 15
في تلك اللحظة القصيرة، بدا أن عيون ياسر قد امتلأت بحرارة لم تكن مألوفة لديها، لكن سرعان ما عاد بصره ليصبح بارداً كالمعتاد. هل كانت تتوهم؟

"هل تشعرين بأي ألم؟" قالها بصوته المعتاد البارد والهادئ، دون أن يظهر أي اهتمام .

هزت يارا رأسها بخفة، وشعرت بحرارة تملأ وجهها عندما أدركت أن يده كانت تمسك بيدها. همست بخجل: "أنا بخير... لم أكن أعلم أنك ستأتي إلى الجامعة. آسفة إذا أزعجتك."

"إزعاج؟" عقد ياسر حاجبيه بانزعاج: "إذا لم تسببي لي الإزعاج، فهل تسببيه للآخرين؟ يارا، لماذا تتظاهرين دائمًا بالضعف أمام الآخرين؟ هل ستموتين إن تحدثتي معي؟!"

يارا عضت شفتها دون أن تجرؤ على الكلام. لقد أدركت أن ياسر غاضب مرة أخرى...

بعد لحظات، نهض ياسر ونظر إلى قارورة المحلول المتبقية، ثم استدعى الممرضة لتأتي وتزيل الإبرة.

ياسر لم ينظر إلى يارا، واكتفى بالقول بصوت بارد: "لنعد إلى المنزل."

رفعت يارا الغطاء بسرعة ونهضت، لكن ظهر على يدها أثر الكدمة حول مكان الإبرة، وكلما حركت يدها، شعرت بألم شديد وتورم.

خلع ياسر معطفه ورماه فوق يارا بقليل من الخشونة، ثم انحنى بسرعة ليساعدها في ارتداء حذائها الرياضي الأبيض. بمجرد أن انتهى، غادر الغرفة دون أن يلتفت خلفه.

ظلت يارا تنظر إلى المعطف في حضنها وإلى الحذاء الذي ترتديه قدماها، وهي متجمدة في مكانها لمدة طويلة لم تصدق أن ياسر قد فعل ذلك من أجلها، رغم أن حركته كانت قاسية وغير لطيفة على الإطلاق، إلا أن شيئا داخلها بدأ يتغير، وكأن شعورًا دفينًا يحاول أن يخرج إلى السطح، ويمزق شرنقته...

عندما خرجت يارا مسرعة لتتبعه، وجدت أن ياسر لم يبتعد كثيرًا. كان يقف عند نهاية الممر وكأنه ينتظر شيئًا. وعندما سمع خطواتها وهي تقترب ببطء، بدأ في السير مرة أخرى.

خرج الاثنان من المستشفى، يسيران الواحد تلو الآخر. عندما وصلوا إلى السيارة، جلس ياسر في مقعد السائق، بينما فتحت يارا باب المقعد الخلفي وجلست فيه. لكن سرعان ما قال بصوت خافت: "اجلسي في الأمام."

يارا لم تجرؤ على التردد، فانتقلت بسرعة إلى المقعد الأمامي وربطت حزام الأمان. فور أن انتهت، ضغط ياسر على دواسة البنزين بقدمه.

كانت السرعة في السيارة سريعة لدرجة جعلت قلب يارا يكاد يخرج من حلقها، فظلت عيونها مثبتة على الطريق، وكأنها تنتظر لحظة التصادم. عندما وصلوا إلى باب منزل ياسر، نزلت من السيارة وركضت إلى جانب الطريق، حيث بدأت تتقيأ بشدة.

عندما رفعت يارا رأسها، كان ياسر قد دخل المنزل بالفعل. التفتت نحو الباب الخلفي ودخلت بهدوء، لكن ما إن وصلت إلى المطبخ حتى وجدتها فاطمة تقف عند الباب، تعترض طريقها. سألتها بلهجة قلقة: "يارا، هل رجعتِ مع السيد؟ ما به اليوم؟ السيد يبدو غاضبًا جدًا، حتى أن باب غرفته كاد أن ينخلع!"

يارا لم تقل شيئًا، فهي تعلم أن أسباب غضب ياسر دائمًا ما تكون غريبة.

الساعة كانت قد تجاوزت الثانية بعد الظهر، ووقت الغداء قد مضى منذ مدة طويلة بدأت يارا تشعر بألم في معدتها، فاستغلت انشغال فاطمة بأمور أخرى وتسللت إلى المطبخ لتحضير بعض المعكرونة. تذكرت أن ياسر ربما لم يتناول الطعام أيضا، فترددت للحظة قبل أن تقرر طهي وعاءين.

عندما صعدت بالأطباق إلى الطابق العلوي، طرقت يارا الباب بخفة وسألت: "هل تريد أن تأكل المعكرونة؟"

لم يكن هناك أي صوت من الداخل، فتنهّدت يارا بارتياح وهمّت بالعودة إلى الطابق السفلي، لكن فجأةً، فُتح الباب خلفها.

التفتت يارا لتنظر إلى الرجل الذي كان يقف عند الباب بوجهه العابس، وقالت بتردد: "هل... تود الأكل؟"

ظل ياسر صامتًا، مكتفيًا بالنظر إليها بهدوء. وكانت ملامح وجهه الحادة لا تظهر عليها أي مشاعر.

صمته يعني عدم الرفض، فتوجهت يارا بحذر نحو الداخل، وضعت المعكرونة على الطاولة. ولكن، عندما سمعت صوت إغلاق الباب خلفها، شعرت بقلبها يرتجف قليلاً.

"ما حدث اليوم، لا أريد رؤيته يتكرر مرة أخرى. من الآن فصاعداً، إذا تجرأ أي شخص على منحكِ شيئًا، سأجعل ذلك الشخص يختفي من حياتكِ تمامًا. لا يمكنكِ طلب أي شيء إلا مني!" كان غضبه لم يهدأ بعد، أو ربما زاد اشتعالاً.

"لقد فهمت..." همست يارا بصوت خافت.

لم يبد ياسر مقتنعا بوعد يارا: "هل فهمتِ حقًا؟ هل تفهمين فعلًا؟ ألم أخبركِ سابقًا؟ بينما كنت مسافرًا، تسللتِ للخارج لتعملي بوظائف جانبية، الجميع يعلمون أنكِ بائسة!" كان في صوته ازدراء واضح. الجميع عرف ما عاداه، وعندما عرف، أصر بعناد أن يرى إلى متى ستتحمل قبل أن تطلب مساعدته.

"آسفة... لقد أحرجتك..." قالت يارا بصوت خافت، فقد كانت قد فقدت وعيها بين ذراعيه، والجميع في الكلية قد رأى ما حدث. ربما الآن علاقتهم أصبحت معروفة للجميع. فكرت في الأمر بتلك الطريقة، وشعرت أن ياسر قد يكون غاضبًا لأنها تسببت في إحراجه أمام الآخرين.

كيف يمكن لشخص بصفاته المثالية أن يسمح لنفسه بأن يكون له أي وصمة عار؟

عندما سمع ياسر تلك الكلمات، عبس بانزعاج وشد يارا بقوة نحو السرير. بمجرد أن استخدم قليلاً من قوته، سقط جسدها النحيف على السرير.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP