سعيد لم يكن لديه فكرة واضحة تمامًا.كان الأمر غريبًا بالنسبة له، رؤية الاثنين يتناولان الطعام معًا ويضحكان. شعر بالدهشة.لو لم يمر مصادفة بجانب ذلك المطعم، لما اكتشف ذلك."ما رأيك أن نستدعي الطبيب سعد ونسأله؟" اقترح سعيد.أومأ سمير برأسه ببرود.خرج سعيد لإجراء المكالمة.بعد حوالي عشرين دقيقة، وصل الطبيب سعد إلى الشركة.بمجرد أن دخل، قال: "كنت أبحث عنك، لدي شيء أريد التحدث معك بشأنه...""هل تعرف مايا؟" قاطع سمير كلامه.توقف الطبيب سعد للحظة وأومأ، "أجل، أعرفها. كانت زميلتي في الدراسة، هي التي عالجتك المرة الماضية."اتكأ سمير على الأريكة الجلدية البنية، عينيه مظلمتان، ورموشه الطويلة الكثيفة ارتعشت قليلاً. هل كانت هي؟هذا بالفعل كان غير متوقع بالنسبة له."نعم..." جلس سعد بجانبه، "سمير، هل يمكنك أن تكون أكثر لطفًا معها؟"رفع سمير حاجبه، ووضعية جلوسه بدت مسترخية، لكن من يعرفه جيدًا يدرك أن استرخاءه الظاهري يخفي أفكارًا أعمق.كانت العلاقة بين سعد ومايا قوية جدًا؟شعر بعدم ارتياح غير مبرر، ولم يفهم السبب وراء هذا الشعور.سأل بصوت منخفض: "هل تدافع عنها؟ ما علاقتك بها؟""مجرد زميلين، أنا وهي تخ
كانت قد خططت للأمر جيدًا، لكنها بمجرد أن فكرت في مواجهته، شعرت ببعض التردد في قلبها.مشهد غضبه العارم بالأمس لا يزال حاضرًا في ذهنها!أخذت نفسًا عميقًا، وحشدت شجاعتها قبل أن تخطو باتجاه الغرفة.عندما فتحت الباب، كان أول من رأته العمة هند، التي ابتسمت قائلة: "عدتِ من العمل؟"ردت مايا بإيماءة خفيفة ونظرت إلى الداخل، فلم ترَ سوى شخص جالس على الأريكة دون أن ترى وجهه.قالت العمة هند: "السيد في الداخل."بدّلت مايا حذاءها ودخلت، محاولة رسم ابتسامة على وجهها. بادرت بالتحية: "مساء الخير، سيد سمير."وضع سمير المجلة الاقتصادية التي كان يطالعها جانبًا، ورفع عينيه لينظر إليها بازدراء واضح.قال بنبرة تحمل السخرية: "سيد سمير؟"هذه المرأة، لا تريد الطلاق منه، لكنها في الوقت ذاته تتصرف وكأنها غريبة عنه؟هل هي تلعب لعبة الامتناع للحصول على ما تريد؟قالت مايا باعتذار مرة أخرى، وبصدق ظاهر: "لم أقصد أن أعبث بأغراضك. أنا آسفة جدًا."رد عليها سمير باستهزاء وهو مسترخٍ على الأريكة، ساق فوق الأخرى: "هل تعتقدين أنني سأغفر لكِ لمجرد أنكِ قلت آسفة؟"لا يعرف لماذا، لكنه بدا سعيدًا برؤيتها تتحدث بخضوع وتوخي الحذر أم
حلمت مايا حلماً مرعباً؛ رأت نفسها محاطة بثعبانين ضخمين يلفان جسدها بإحكام حتى عجزت عن التنفس. كانت تشعر أنها على وشك الموت اختناقاً، لكن فجأة ظهر شعاع من الضوء، فتشبثت به بكل قوتها...تماماً عندما اعتقدت أنها ستنجو، استيقظت مذعورة...فتحت عينيها لترى أمامها رجلاً طويل القامة، ملابسه غير مرتبة، يحدق بها بنظرات غاضبة وكأنه على وشك أن يلتهمها.في لحظة أدركت مايا الوضع، فتراجعت مرتعبة إلى زاوية الأريكة، متلعثمة، "أنت... ماذا تريد؟"كان صوتها مبحوحاً من أثر النوم، ومع ذلك لم يخلُ من ارتعاشة خفيفة.ضحك سمير بسخرية، فمن الواضح أنها هي من أمسكت بثوب نومه وفتحت رباطه، والآن تتظاهر وكأنها خائفة!"أليس أنتِ من اشتاقت لرجل وحاولتِ استغلالي بينما تتظاهرين بالنوم؟"تجمدت أنفاس مايا للحظة، وارتجفت أصابعها بينما قبضت على نفسها بشدة، وحدقت به بعناد، "لم أفعل ذلك!"سمير لم يبدِ أي تصديق، وأجاب ببرود: "حقاً؟"ثم اقترب منها فجأة دون إنذار، وملأها حضوره المهيب بشعور من الضغط والخوف.دفعت مايا يديها أمامها في محاولة لصدّه. ولكن عندما لمست يدها صدره العاري، شعرت بحرارته تضرب كيانها. كانت أصابعهما تتلاقى للحظ
سمير لم يقضِ الليلة الماضية في غرفة نومها.حيث كانت الغرفة مرتبة بشكل مثالي وكأن أحدًا لم يدخلها.استغلت مايا غيابه، دخلت الغرفة، أخذت حمامًا دافئًا، وارتدت ملابس نظيفة قبل أن تغادر المنزل.قررت الذهاب إلى المستشفى لتتفقد وضعها الوظيفي. لكن عندما وصلت هناك، فوجئت بأن المدير قد عيّن شخصًا آخر في مكانها.كانت الصدمة تتملكها وهي تغادر المستشفى بخطوات مثقلة.وقفت على درجات المدخل، تتأمل الناس المارين من أمامها.كانت تعرف في أعماقها أنه لم يعد لديها أي خيارات.في تلك الليلة، قررت التوجه إلى نادي الجسر الأزرق، المكان الذي ذكره سمير.وقفت مايا عند المدخل، وعندما همّت بخطوتها الأولى، لمحت ثريا تدخل إلى المكان.ثريا هنا؟!تساؤل تبادر إلى ذهنها، لكنها تذكرت سريعًا العلاقة بين ثريا وسمير، ولم يعد الأمر غريبًا عليها.تقدمت بخطوات حذرة، وكأن قوة خفية تدفعها لتتبع ثريا. شاهدتها تدخل إلى إحدى الغرف الخاصة.لكن ما أدهشها هو أن الشخص داخل الغرفة لم يكن سمير، بل كان أحد زملائهم القدامى في الجامعة، شابًا ثريًا كان قد لاحق ثريا لفترة طويلة.رغم ثرائه، كان شكله غير جذاب، ولذلك لم تكن ثريا تُلقي له بالاً.و
ما أن أغلق سمير الهاتف حتى ألقى به بعنفٍ على الطاولة.فصدر صوت قوي أشبه بالانفجار الصغير.مما جعل مايا تقفز من مكانها مذعورة . وقفت على جانب الغرفة، صامتة، لا تجرؤ على النطق.كانت تعرف أن ما حدث بينهما، وما سمعه سمير للتو، يكفي لإشعال غضب أي رجل، ناهيك عن سمير المتغطرس.حاولت مايا التحدث، صوتها خافتٌ مثل الهمس : ”إنه......“لكن سمير كان كبركانٍ على وشك الانفجار. لم ينظر إليها. بل أخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابًا،أسنانه تطحن الهواء، وعيناه تلمعان بنارٍ كادت تحرق المكانلقد كان سبب غضبه واضحًا أن المرأة التي يريدها اتضح أن لها جانب سيء.دمرت كل خيالاته الجميلة عن تلك الليلة .لم يعد يحتمل البقاء في المكان. استدار فجأة، وخرج من الغرفة بخطواتٍ متسارعة.ركضت مايا خلفه باندفاع: ”مدير سمير......“ قال سمير بغضب: ” اغربي عن وجهي “ .توقفت في مكانها، متجمدة. حتى لو أراد سمير منحها فرصة ثانية، فإن اليوم بالتأكيد ليس اليوم المناسب لذلك.أدركت مايا أن عليها الرحيل.جاءت إلى هنا على أمل أن يغفر لها سمير ما حدث وأن يتركها تحتفظ بوظيفتها كطبيبة.كانت لديها وظيفة، ولكن يبدو أنها لا تستطيع القيام بها
مهما كان الحال، فإن مايا كانت تعلم تمامًا أن سمير هو من دفعها لهذا المصير.ارتجف قلب مايا بردًا.اتضح أن الأمر كله مدبَّر من سمير!ضحك جواد بنبرة ساخرة قائلًا: "لدي غرفة خاصة هنا. دعينا نذهب إليها لنستمتع قليلاً. أتعلمين؟ الأمر غريب حقًا، كيف يمكن لجمال فريد مثلكِ أن يمر مرور الكرام على سمير؟ أم تراه بالفعل لا يحب النساء؟"كل من يعرف سمير يدرك أنه لم يكن لديه صديقة من قبل. من حوله فقط رجال، ولا أثر لامرأة.البعض يهمس بأنه عاجز.وآخرون يشيعون أنه شاذ.في كل الأحوال، هو ليس طبيعيًا!ابتسمت مايا ببرود، إنه ليس كذلك! المشكلة ليست في النساء. هو لا يحبها هي فقط.كان غضبه واضحاً بسبب أن ثريا علي اتصال مع حبيبها السابق !أليس غضبه يعني أنه مهتم؟ابتسم جواد بخبث وقال: "بصراحة، عليّ أن أشكر سمير. لولاه لما كنتُ التقيتُ بكِ."على الرغم من إصابته تلك المرة.لكن مظهر هذه المرأة الهاديء وهي تهدده بالسكين ترك بداخله انطباع عميق.في العادي إن كانت المراة لا تريد، ألا تصرخ فقط من الخوف؟لكنها لم تفعل هذا.أجابته مايا بنبرة باردةو وهي تصر على أسنانها: "وأنا أيضًا يجب أن أشكره كثيرًا."رفع سعيد حاجبيه
في غرفة المعيشة، جلست بهيرة بثوبها الحريري الفاخر، متكئة برشاقة على الأريكة الفاخرة.ما إن دخلت مايا حتى ارتسمت على وجه بهيرة ابتسامة ساخرة، وقالت بنبرة متهكمة:"أوه! أليست هذه مايا؟"سقطت عيناها على معصم بهيرة، كانت ترتدي سوارًا ثمينًا من اليشم، يبدو أن الأموال التي قدمتها عائلة سمير، جعلت بهيرة يتبدل حالها. شعرت بمرارة شديدة في قلبها، "جئت لأقابل زيد."عبثت بهيرة بخصلات شعرها المموج بلون الكستناء، "والدكِ ليس هنا الآن."استدارت مايا على الفور لتغادر......إلا أن صوت بهيرة أوقفها: "هل جئتِ لطلب المال؟ أليس من المفترض أنكِ زوجة لعائلة سمير؟ كيف تكونين مفلسة؟ سأخبرك بشيء، نحن لن نعطيكِ المال، والدنكِ لا تكف عن استنزاف المال كالبئر التي لا قاع لها."تجمّدت مايا في مكانها. هذه المرأة التي ليست سوى عشيقة، تتحدث وكأنها السيدة الأولى هنا؟"والدي لم يطلق والدتي بعد، إذا لم يتحمل نفقات علاجها، سأرفع دعوى ضده."“أنتِ......”بدأت بهيرة بالرد بنبرة غاضبة، إلا أن دخول السيد زيد قطع حديثها فجأة. فتغيرت ملامح وجهها بسرعة لتصبح مطيعة ووديعة. قالت بلطف مصطنع:“من تنادين بزيد! إنه والدكِ، كيف تنادين وا
عندما عاد سمير إلى المكتب، التقى بسعيد في منطقة العمل. تقدم الأخير نحوه بسرعة، "سمير."رمقه سمير بنظرة باردة وسأل بصوت مليء بالحدة: "هل تحققت من الأمر الذي طلبته منك؟"شعر سعيد بتوتر واضح.وفي داخله تساؤل كيف يمكنه القيام بكل تلك المهام التي كلف بها في يوم واحد."لا......لم أتمكن بعد، كنت في طريقي الآن." قال ذلك بصوت متردد.لماذا هو غاضب لهذه الدرجة؟ جاءتهما السكرتيرة في هذا الوقت، "سيد سمير، الآنسة ثريا في الاستقبال، وتريد مقابلتك.""ثريا؟ هل هي ثريا التي أعرفها...؟" بدأ سعيد يتحدث، لكنه صمت فورًا عندما لاحظ تغير ملامح وجه سمير. تلك النظرة الباردة والعينين اللتين تومضان بالغضب دفعته للسكوت.قال سمير بنبرة آمرة: "أحضرها إلى مكتبي.""حسنًا."بعد لحظات، عاد سعيد برفقة ثريا إلى المكتب.كان سمير واقفًا بجانب مكتبه وقد خلع سترته، تاركًا إياها معلقة على ظهر الكرسي. استدار نحو الداخل ببطء ونظر إليها.كانت ثريا، كما هو الحال دائمًا، تظهر بمظهر هادئ وأنيق.قالت بنبرة لطيفة: "آسفة على قدومي دون موعد. أتمنى ألا أكون قد أزعجتك."لم يتم الكشف عن الأمر في ذلك الوقت ولم يطرح سمير أي أسئلة فقال بهد