الفصل 3
"توقفي!"

جرى طلعت نحو شريف بسرعة دون أن ينطق بكلمة، فنظرت ياسمين إلى طلعت مُلوحةً بالبطاقة العليا في يدها، وقالت:"أيُها مدير، انظُر، إن هذا الشاب قد سرق البطاقة المتواجدة في غرفة كبار العملاء الخاصة بك!"

ارتسمت ابتسامة الفخر على وجهه ياسمين.

فقد حافظت على شرف البنك من الخسارة، وبالقطع سوف يثني طلعت عليها!

يُعد طلعت من الأشخاص ذوي النفوذ في بنك المشرق بمنطقة وسط مصر، فحينما يُعقد الاجتماع في المقر الرئيسي ببنك المشرق، إذا تلفظ ببضع كلمات الإطراء عنها، فمن المحتمل أن تتم ترقيتها.

تتابعت الأفكار في ذهن ياسمين، لكن عندما انتبهت لوجه طلعت المتجهم والمُستشيط غضبًا، إرتعدت ياسمين من صرخة طلعت دون أن تُدرك السبب.

"اترُكي السيد حسني!" صاح طلعت وهو ممسكًا بالبطاقة العليا.

ارتجفت ياسمين خوفًا وتركت شريف دون إدراك؛ حينها دفع طلعت ياسمين بعيدًا وانحنى بجسده بزاوية ثلاثين درجة مُقدمًا البطاقة بكلتا يديه قائلًأ :" تفضل بطاقتك يا سيد حسني، أستمحيك عُذرًا، فلم أُعلِم من هم تحت سلطتي بشكلٍ جيد، أنا حقًا آسف!"

نظر شريف إلى طلعت ولاحظ تعبيرات التبجيل والإحراج والاضطراب على وجهه!

بينما بدت ياسمين والعملاء من حولها مندهشين!

هل حقًا هذه البطاقة العليا خاصة به؟

برزت عينا ياسمين وتجمدت مثل تمثال مفعم بالحيوية، حيث لم تتمكن من التفكير بشكلٍ جيد!

فإن البطاقة العليا تدل على ثروة لا تقل عن ثلاثين مليون دولارًا!

و هو لم يتجاوز عمره العشرين و قد ظهر بمظهرٍ بائسٍ فقير، مرتديًا ثوبًا زهيدًا، فكيف يمتلك مثل هذه الثروة الكبيرة؟

بصرف النظر عن كيفية إدراك الأمر، فهو ضرب من الخيال.

"هذا ليس ذنبك يا أخي طلعت،"قال شريف ذلك بينما كان يضع البطاقة داخل جيبه.

"شكرًا لك يا سيد شريف" أحنى طلعت رأسه أكثر لمدة ثانيتين، ثم استقام وصاح في ياسمين قائلًا: "لماذا تقفي مندهشةً هكذا؟ اعتذري إلى السيد شريف!"

ياسمين ليست بالغبية، أما زالت غير مدركة؟ أن شريف حسني هو رجلٌ ثريٌ بالفعل!

هرعت ياسمين مُنحنيه بزاوية تسعين درجة أمام شريف قائلةً : "يا سيد شريف، أنا حقًا آسفة بشأن سلوكي الغير المهذب، فقد كنت حمقاء حتى أنني لم استطع التمييز بل و قد تطاولت عليك، كُل هذا خطأي، سوف أُعاقب نفسي..."

أعرض شريف عنها على الفور، ولم يُرد الاكتراث لأمرها بأية حال.

"يا سيد شريف، إذا أرادت شيئًا فلا تتردد بالاتصال بي لطلبه، فسوف أفعل ما بوسعي لخدمتك."

اعتز طلعت بتلك المقابلة مع شريف، فهو يخشى صعوبة رؤية شخص مثله مرةً أخرى، لذلك حاول إرضائه بشتى الطُرق.

"حسنًا يا أخ طلعت" تبسم شريف مُجيبًا طلعت، فهو من ساعده للتو.

أثارت كلمة "الأخ" حماس طلعت، حيث دعاه رجلًا يملك أصولًا بقيمة 14 مليار دولار بالأخ. مثل هذا الشاب الغني ليس فقط يرتدي ملابسًا زهيدةً بل أيضًا متواضع!

انتهى شريف من حديثه، واتجه إلى جانب الطريق، واستوقف سيارة أجرة عائدًا إلى جامعة القاهرة.

عند دخوله إلى مبنى المحاضرات، تعثرت قدمه في بركة الماء أمام الباب واتسخ بنطاله.

حين رن الجرس، هرع إلى قاعة المحاضرات، وكان مروان يوسف يقف على المنصة لإلقاء محاضرة، فرمق شريف وشعر باليأس.

خفض شريف رأسه قليلاً، وشعر بالأسف في قرارة نفسه.

لقد كان مروان هو أصلح المعلمين بالنسبة له، فبسبب فقره تجاهله العديد من المعلمين الآخرين، حتى أن البعض قد تهكم عليه، مروان فقط مَن عامله مثلما يُعامل الطلاب الآخرين.

لم ينطق شريف ببنت شفة، وتسلل إلى قاعة المحاضرات، فانتبه إليه جميع الزملاء.

"لم يكن هذا الرجل الفقير معتادًا على التأخير، لكن اليوم اقترب وقت الغروب، وها هو قد أتى متأخرًا".

"انظر إلى بنطاله، يا إلهي، كم هو قذر، ألا يعلم كيف يُغيره؟"

"أتمزحون هل يمتلك مالًا لتغيير بنطاله؟ يبدو أنه ليس لديه سوى ثوبين."

كان أكثر الطلاب بقاعة المحاضرات سطحيين للغاية، حيث تفوه بعض الأولاد ببعض التعليقات، والفتيات بالصف الأمامي غطوا أفواههن وعلقن بصوتٍ منخفض ناظرين إلى شريف باستخفاف واحتقار.

"كفاكم حديثًا!" قال مروان بصوت عالٍ: "فلنكمل المحاضرة".

أثناء المحاضرة، لاحظ شريف أن مروان رمقه عدة مرات مُتعمدًا وغير مُتعمد، حيث كانت عينيه تقول "أتمنى أن يكون شخصًا أفضل في المستقبل".

انهينا درسًا كبيرًا اليوم.

"انتهت المحاضرة"

بعد أن دق الجرس، جمع مروان كتبه الدراسية وذهب أولًا.

دوّى صوت "رانيا خطاب" من الباب الخلفي.

انتبه جميع الطلبة في قاعة المحاضرات إلى مصدر الصوت، حينها دخل خالد رياض.

تسلل خالد من الباب الخلفي وسار باتجاه رانيا الجالسة بجوار النافذة، وضعت رانيا يدها حول جسده كطفلةٍ مُدللة، فضغط خالد على وجهها لأسفل وقبلا بعضهما البعض بسلاسة.

عندما رأى الطلبة هذا المشهد، نظروا إلى شريف مرةً أخرى حيث كانوا جميعًا على درايةٍ بأن شريف كان حبيب رانيا في الماضي، لكنهم يجهلوا أن رانيا هجرت شريف.

أحس شريف بالنفور، فقد سمع من زميله في الغرفة أن خالد استدعى خمس فتيات للإقامة معه في سكن الجامعة، وأمثال رانيا هذه لا تستحق أن يُفكر بها شريف.

لف خالد ذراعه حول خصر رانيا وسار أمام شريف.

"انتظرني يا عزيزي" بعدما انتهت رانيا من قول ذلك، ذهبت نحو شريف ومدت يدها بهاتفٍ محمول: "منذ أن افترقنا، لن أدين لك بأي شيء، فهذا هو الهاتف الذي اشتريته لي منذ نصف شهر، اُعيده لك!"

رمق شريف هاتف فيفو 27 الذي اشتراه لرانيا من قبل واسترده.

"توجب عليك العمل بدوام جزئي لنصف سنة حتى تتمكن من شراء هاتف فيفو 27!" أخرجت رانيا هاتفًا محمولًا جديدًا أبيض اللون من جيبها، ولوحت به مرتين أمام أعين شريف قائلةً : "لدي بالفعل أحدث إصدار من أيفون اكس"، وهو أكثر قيمة من هاتفك فيفو 27 ذاك!

"من الواضح أن فقيرًا مثله لن يحصل على هاتف سوى فيفو 27."

التفت خالد إلى شريف رافعًا ذقنه قائلًا: "علمت من رانيا أنها طلبت منك هاتفًا محمولاً منذ ستة أشهر، وبالنهاية اشتريت لها فيفو 27، ألم تشعر بالخزي يا أخي؟ هل لازلت تُغازل الفتيات بهذه الطريقة؟ عجبًا! بالمناسبة، اُحذرك أن تحاول التقرُب من رانيا فيما بعد، وإذا حدث ذلك، ساؤذيك!

"كُف عن الحديث مع هذا الفقير وهيا لنذهب إلى مطعم بورتوفينو لتناول العشاء." لم تهتم رانيا بشريف على أية حال.

قال خالد مبتسمًا: "ناديني بزوجي".

و ردت رانيا بابتسامة شريرة: "يا زوجي، هيا نذهب".

"رانيا!"

وقفت فتاة صغيرة فجأة ورمقت رانيا بوجهٍ متجهم: "لقد تخطيتِ حدودكِ ، لم أعتقد أبدًا أنكِ ستهجري شريف والآن تتفوهي بتلك الكلمات بعد فراقكما، أنا حقًا أخجل من أفعالك!

"غادة مدحت، ماذا تقولين!" أصبح وجه رانيا مرتبكًا.

حيثما كانت هي وشريف على ما يرام، كانت تربطها علاقة وثيقة بغادة.

غادة مدحت هي شخص جدير بالثقة بشكلٍ كبير، ففي أوقات الخلاف بين رانيا وشريف، كانت تطلب من غادة الفصل بينهما.

"لقد هجرتِ شريف من أجل شخص مثل خالد، وأغفلتِ عن اعتناء شريف بكِ، فعندما كنتِ مريضًة ولم تستطيعين النهوض من على السرير، أحضر لكِ شريف الطعام لمدة شهر؛ خلال فترة التدريب في العاصمة الإدارية الجديدة لويت قدمكِ على الجبل، وكان شريف مَن حملك بين يديه لمسافة عشر كيلومترات على الطريق الجبلي ونزل بكِ إلى الأسفل، هل نسيتِ كل ذلك؟. "

"لم يربح شريف من وظيفته ما يكفي من المال، حيث توجب عليه أن يدفع لكِ 800 دولار شهريًا، وعندما أردتِ هاتفًا محمولاً، إدخر لمدة 5 أشهر مُجتهدًا في عمله حتى يستطيع أن يشتري لكِ هاتفًا، والأآن نتِ تهجريه وتتهكمي عليه هكذا؟"

تبدل وجه رانيا إلى الضجر: "لم أرغمه على فعل ذلك، وبما أنه فعل ذلك فهذا يدل على أنه أحمق! أما عن الهاتف المحمول الذي اشتراه لي، إنه مجرد هاتف بسيط، وباعتبار أن بإمكاني إمتلاك أيفون،فلماذا أحتاج إلى فيفو؟"

هزت غادة رأسها وقالت بتهكم: "يا لغرابتك يا رانيا! فلا يوجد سوى المال في منظوركِ، إذا أغدقت عليكي بالمال، هل تستطيعين فعل أي شيء؟"

"بالتأكيد!"

ضحكت رانيا بحنق ونظرت إلى غادة: "أقر، أنا أعشق المال فقط، هل هذه خطيئة؟"

انتهت من حديثها، وتعلقت رانيا بذراع خالد قائلةً : "زوجي الطيب، لنذهب إلى مطعم بورتوفينو الآن، أشعر بالغثيان عندما أرى هذين الفقيرين."

نظرت رانيا إلى شريف وغادة، وانصرفت من قاعة المحاضرات بتبجح.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP