في تلك اللحظة، شعر الجميع ببعض البرود، وأخذوا يحدقون بميرال تارةً وبشريف تارةٍ أخرى.شحب وجه شريف، وشعر بوخزٍ في قلبه، حيث بدأ الإحساس بالندم يتسلل إلى قلبه.أشاح شريف بنظره عن ميرال، ثم ابتسم وقد أرك الأمر، وسرعان ما هز رأسه واضعًا الملعقة جانبًا وهم بالمغادرة.خرج شريف من فندق الجوهرة، ورفع رأسه ناظرًا إلى السماء المظلمة بوجهٍ عابس وشعورٌ مرير يملأ قلبه، فلحق به هاني وبعض الأصدقاء للترويح عنه، فشعر بالامتنان وتبادل معهم الحديث قليلًا، ثم طلب من هاني والآخرين العودة للمطعم لإكمال طعامهم.تابع شريف سيره على طول شارع المأكولات متجهًا نحو الجامعة، وكانت أكشاك وعربات الطعام مصطفة على جانبي الطريق، تتدلى منهم مصابيح صفراء خافتة.تجول شريف بين ثنائيات المتحابين على طول الطريق، وغلبه شعور بالوحدة، فطأطأ رأسه قليلًا وأكمل سيره بسرعة عبر شارع المأكولات نحو الحرم الجامعي ومن ثم سكن الطلبة.وما إن ألقى شريف بجسده على السرير، جاءه اتصال من السيد صدقي:"يا سيد شريف، لقد علم كارم حلمي -المسؤول عن منطقة شرق الصين في العائلة- عن تدريب حياة الفقر الذي مررت به لعدة سنوات في القاهرة، وهو الآن قل
في هذه الأثناء، كانت الغرفة 888 مكتظة بالضيوف، ووقف رجل متناسق القامة في منتصف عمره عند باب الغرفة يتحدث مع مدير فندق رمادا قائلاً: "هل كل الترتيبات جاهزة؟"قال المدير بانحناءةٍ خفيفةٍ وابتسامةٍ متواضعة: "لقد جهزنا جميع الترتيبات وفقًا لتعليمات السيد كارم؛ المكونات التي أحضرتموها تلك المرة مذهلة حقًا، ولا أحد في القاهرة بإمكانه جمع مثل تلك المكونات النادرة سواك"لم يعر كارم اهتمامًا لإطراء المدير، وقال: "ضيوفي على وشك الوصول، يمكنك الانصراف إلى أشغالك"بمجرد خروج المدير، هرعت الفتاة ذات الشعر الطويل إلى الداخل، وبمجرد أن رات كارم، اقتربت منه بترددٍ كمن ارتكب ذنبًا، وقالت: "السيد كارم، أعتذر على التأخير"تنهد كارم محدقًا بالفتاة، وقال بنبرةٍ محبطة: "اجلسي، لحسن الحظ أن السيد الكبير لم يصل بعد، وإلا كنت ستتسببين بإحراجي"ابتسمت الفتاة ابتسامةً خفيفة، وجلست بهدوء بين الحضور.وقف كارم عند باب الغرفة منتظرًا بفارغ الصبر، وفجأة، ظهر شريف في الممر، وانتفض كارم وهرع نحوه بحماس."سيد شريف، لقد وصلت أخيرًا، تفضل بالدخول!"رحب كارم بشريف بكل حفاوة، ودعاه للدخول إلى الغرفة 888، وعندما دخل،
تحسس شريف سطح علبة الطعام، ووجدها لا تزال دافئة، مما يعني أن هاني ورفيقاه سيتمكنون من تناول وجبة ساخنة، ثم أسرع بالسير نحو المستشفى.أحدث الباب صوت صريرٍ عندما فتحه شريف ليدخل غرفة المستشفى.كانت ميرال في غرفة فردية بالمستشفى، ولم تكن إصابتها خطيرة، إذ لم يتطلب الأمر سوى لف ساقها المصابة ببعض الضمادات.أحاط بسرير ميرال عدد من أصدقائها، وكان الجميع باستثناء هاني وأصدقاؤه يرتدون ملابس من ماركات متوسطة أو عالية المستوى.بجانب سريرها، وضعت الهدايا التي جلبها أصدقاؤها، منها منتجات ليتشي الفاخرة، وسلال فواكه مغلفة بشكل أنيق، وبيض بلدي، بالإضافة إلى عدة علب من عسل السدر الجبلي.كانوا منشغلين بالحديث والضحك، إلى أن دخل شريف حاملاً علبة الطعام، فوجه الجميع أنظارهم نحوه.ارتبك شريف للحظة عندما وجد الجميع يحدقون به، إذ لم يتوقع أن تكون غرفة ميرال مليئة بكل هؤلاء الأشخاص.رغم أن هدف شريف من المجيء كان إحضار الطعام لهاني وأصدقاؤه، إلا انه حين رأى إصابة ميرال وكل هؤلاء الحاضرين، ما كان له سوى أن ابتسم وقال: "هل أنت بخير يا ميرال؟"اكتفت ميرال بالنظر إلى شريف ببرود دون أن تبدي أي رد فعل، وكأن
بالأمس، قررت ميرال فورًا أن زين هو من ساعدها، وأكدت أيضًا أن الرئيس فريد هو من قدم لهم العون، لذا فلم يكن لدى زين أدنى شك.نظر زين بارتباك إلى الآخرين، فرأى نظراتهم الثاقبة مركزة عليه، مما جعل قلبه يضطرب قلقًا."حسنًا، شكرًا يا أبي، ميرال ممتنة لك جدًا" صاح زين فجأة، بعد ذلك أنهى المكالمة على الفور.نظر زين لمنال بارتباك، وقال بثباتٍ مصطنع: "لقد تأكدت من والدي، وهو من تواصل مع السيد فريد بالأمس لحل تلك المشكلة""يا خالتي، انظري إلى ما فعلتِ، لقد سبق وأخبرتك أن زين هو من ساعدنا لكنك ما زلت تشكين به" قالت ميرال معاتبةً إياها، ثم التفتت إلى زين، وابتسمت قائلةً: "زين، اعذر خالتي، فأحيانًا تكون شديدة الحذر""بالطبع لن ألومها، لا تقلقي" أجاب زين مبتسمًا.على الرغم من بقاء بعض الشك بقلب منال، إلا أن زين قد اتصل وتأكد من الأمر بالفعل، فلا داعي لتولية زين اهتمام في الوقت الراهن."يا عزيزتي، لقد هرعت إليكِ ولم أتناول الغداء بعد، فأنا الآن أتضور جوعًا" قالت منال واضعةً يدها على بطنها."أعتذر منك يا خالتي، وبالمناسبة، أصدقائي أيضًا لم يتناولوا الغداء بعد، لما لا أطلب لكم بعد الوجبات الجاهز
أكملت منال: "بحكم عملي الذي يتطلب مني مرافقة الضيوف لتناول الطعام، أصبحت على درايةٍ جيدة بمكونات الطعام الشهيرة""وهذه شريحة لحم كوبي!" قالت منال بدهشةٍ وهي تتفقد علبة طعامٍ أخرى: "انظروا! تلك أبرز علامة في لحم كوبي؛ اللحم والدهن فيه يتشابك بخطوطٍ تشبه الرخام""وهذا كافيار نهر نيفا بروسيا""وهذا أحد الأطباق اليابانية وهو بيض السمك الأبيض......""وهذا لحم المانغاليكا المجري......""......"قالت منال وعيناها تلمعان: "يا إلهي! هذه الأطباق تعتمد على أفضل المكونات بالعالم، فمذاقها يفوق الوصف، وأسعارها تفوق الأطباق التي نجدها في المطاعم العادية، لم يسبق أن وجدت فندقًا يستخدم جميع تلك المكونات الثمينة في أطباقه!""يا خالتي، نحن لم نتذوق هذا الطعام من قبل، هل أنت جادة أم تمزحين معنا؟" سألت ميرال وهي على درايةٍ جيدة بخبرة منال، لكنها لا تصدق أن شريف قد يحضر لها طعامًا بهذا المستوى."أتظنين أنني أمزح معك؟" قالت منال باستياء، ثم أكملت: "الطعام ما زال ساخنًا، دعونا نأكل الآن قبل أن يبرد ويتغير مذاقه" وبدأت منال في إخراج الملاعق ودعت الجميع لتناول الطعام."واو! إنه لذيذ حقًا!""يا لرائحته
"لقد بثثتُ بثًا مباشرًا لمرتين، ولم أرك في غرفة البث! أنشئ حسابًا الآن وتابعني لزيادة عدد متابعيني" قالت هدى إلى شريف بتذمر."وما النفع الذي سيعود عليك من متابعته لك يا هدى؟ أيعقل أن تكوني معجبة به؟" علّقت إحدى صديقاتها بمزاح."لا، ليس صحيحًا! أنا فقط أريد منه أن يزيد عدد متابعيني" قالت هدى مطأطأةً رأسها: "كيف يمكن أن أعجب به؟ توقفي عن المزاح""لا يهم سواءً تابعك أم لا، فوفقًا لمعرفتي الجيدة به، لن يدعمك أبدًا لأنه شديد البخل" قالت رانيا أثناء مرورها خلفهم.علقت فتاة أخرى بجانب هدى وهي ترمق شريف بازدراء: "رانيا محقة، فما الجدوى من متابع لا يقدم أي دعم مالي؟""أتذكر هذا المدعو (مهاب جميل) من البث السابق، لقد دفع وحده أكثر من خمسين ألفًا! يا له من ثري!""نعم، لقد شاهدت ذلك، وتم تصنيف بث هدى من يومين ضمن أفضل ثلاثمئة بث، وبالنسبة لشخصٍ لم يقم ببثٍ سوى مرتين، أستطيع التنبؤ بمستقبلٍ واعدٍ لهدى""يا هدى، لا تنسي صديقاتك الوفيات حين تصبحي مذيعة مشهورة"كانت جميع الفتيات حول هدى يتحدثن بلطفٍ وتودد.وفي لمح البصر، أصبحت هدى محط إعجاب الجميع، وكأنها أصبحت محور اهتمامهن جميعًا!شعرت را
"عزيزي، إلى أين سنذهب لتناول الطعام؟" كلما نظرت رانيا إلى خالد، زاد إعجابها به."ستعرفين قريبًا" قال خالد بابتسامةٍ خفيفة، وكانت إحدى يديه على المقود، والأخرى يمسك بها رانيا.وبما أنه كان خبيرًا في العلاقات، فكان يعلم جيدًا أنه أسدى خدمةً كبيرة لرانيا في الجامعة، لذا فلن تمانع تقربه منها.نظرت رانيا إلى يد خالد، ولم تعلق عليها.أوقف خالد السيارة أخيرًا أمام فندق."رائع! إنه فندق سوفيتل جالاكسي! يا عزيزي، هل سنتناول الطعام هنا؟" اتسعت عينا رانيا في دهشة حين رأت المبنى الفاخر أمامها.فمن المعروف أن فندق سوفيتل جالاكسي هو أحد أرقى الفندق في القاهرة."هل تحمستِ؟ دعينا ندخل، لقد حجزت لنا طاولة بالفعل" قال خالد مبتسمًا، وكان قد دفع مبلغًا كبيرًا لحجز طاولة في سوفيتل جالاكسي، والطعام هناك لا تقل قيمته عن الألفي دولار، وهو مبلغ باهظ جدًا بالنسبة لطالب جامعي.لكن حين رآى خالد الفرحة في عيني رانيا، شعر أن الأمر كان يستحق العناء.أمسكت رانيا بذراع خالد، ودخلت معه من بوابة الفندق.اقترب نادل شاب منهما على الفور، وقال:" أهلًا، مرحبًا بكما في فندق سوفيتل جالاكسي......عذرًا، لكن هل سبق لكما
أما شريف، فعندما رآى رانيا تحيي خالد سابقًا، فتملكه بعض الضيق، لكن غلبه الأسف على رانيا التي لا تعرف كيف تحافظ على نفسها.فهو على علمٍ تام بطبيعة خالد، ولم يتصور أن رانيا اختارت أن تكون معه بإرادتها، يا لغبائها!أكل هذا لأنه يقود سيارة باسات؟ هل يُعد هذا إنجازًا؟ فهو بإمكانه أن يقود فيراري بكل سهولة."أيعقل أنك ما زلت تفكر بها!" سمع شريف صوت امرأة من جانبه.استفاق شريف من شروده، ووجد أن غادة كانت تقف بجواره بدون أن يلحظ مجيئها."لا، كل ما بالأمر أنني أظنها لا تستحق ذلك" أجاب شريف بابتسامةٍ باهتة."بل هذا ما تستحقه، فقد تخلت عن رجلٍ رائع مثلك من أجل وضيعٍ كخالد" قالت غادة باستياء، لكنها ثم نظرت لشريف بابتسامةٍ وقالت: "لنذهب لتناول العشاء الليلة معًا على حسابي، سنذهب لفندق الجوهرة القريب من الجامعة، ولتتناول جميع ما ترغب في تناوله""حقًا......" عندما قالت غادة ذلك، تذكر شريف أنه كان قد وعدها سابقًا بأنه سيدعوها لتناول العشاء، لكنه لم يجد الوقت لذلك في الأيام الماضية."دعيني أدعوكِ أنا هذه المرة، هيا بنا لنتناول الطعام في فندق سوفيتل جالاكسي""يا شريف، حين قلت ذلك في المرة السابق