"أيها المفتش، هل هناك سوء تفاهم في الأمور اليوم؟"استجمع آدم بعضًا من قوته، وخطى بضع خطوات بصعوبة نحو المفتش وسأله.مهما بلغت جرأة آدم، فلم يصل به الأمر إلى حدّ تجاهل منظمة الظلال.فإنه يعلم جيدًا أنه إذا أرادت منظمة الظلال القضاء على عائلة آدم، فلن يستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة لتحويلها إلى رماد!"سيدي المفتش، من يكون هذا السيد؟" قالها وهو يرفع يده المرتجفة مشيرًا إلى باسل."سيدي القائد، هل هم من فعلوا ذلك؟"لم يولّي المفتش أي اهتمام لآدم، بل التفت نحو باسل وسأله."نعم!" أومأ باسل برأسه قليلاً.طخ!فور سماع هذا الرد، استل الألف رجل سيوفهم في آنٍ واحد، وهتفوا بصوت واحد: "لنقاتل!"بعد تلك الهتافات الغاضبة، أصبحت أجواء القصر بأكمله مشبعة بشعور ساحق من الضغط.أصيب أفراد عائلة آدم بالرعب، فارتخت أرجلهم وتصبب عرقهم البارد بغزارة، وارتسمت ملامح الذعر على وجوههم."أنا...... أنا لم أعد أحتمل!" صرخ أحد الرجال بالملابس السوداء حاملاً سلاحه: "إن كنا سنموت في كل الأحوال، فسأقاتلكم حتى النهاية!"وبعد كلماته، صوب سلاحه باتجاه باسل وسحب الزناد.صور طنين!أخرج أحد الرجال سيف القمر البار
"أيها السيد المفتش، لقد أسئت فهمي!" ارتعش جسد مصطفى قليلاً وهو يرد بحذر."لقد سمعت قبل قليل أن سيادتك وصلت إلى مدينة الشيخ زويد، لكنني لم أعرف ماذا يدور هناك، لذلك جئت خصيصاً لأعمل تحت أوامرك!"توقف للحظة وأكمل: "السيد المفتش، ما الذي جرى حتى تأتي شخصيًا إلى مدينة الشيخ زويد؟""هممم" أطلق المفتش ضحكة باردة وقال بسخرية: "إن أهل مدينة الشيخ زويد يفعلون أشياءً مذهلة حقاً!""تحت سماء العدالة والإنسانية، يجرؤ البعض على اختطاف الأطفال من أجل زراعة قلب لطفلة، غير مكترثين بحياة الآخرين، هذا أمر لا يُصدق!""ماذا؟" تساءل مصطفى بدهشة، وبداخله شعور بالشك.رغم أن هذا الفعل شنيع ومثير للغضب، لكنه لا يبدو كافيًا ليجعل المفتش يجلب معه ألفًا من رجال الظلال إلى هنا شخصيًا!إلا إذا كان هناك احتمال واحد!وهو أن الطفل المعني يتمتع بخلفية استثنائية، خلفية تجعل المفتش، وهو أحد أشهر خمس شخصيات في منظمة الظلال، يأتي بنفسه!لكن من هو هذا الطفل الذي يجعل خلفيته بهذه الأهمية!بعد أن التقط أنفاسه قليلاً، أشار مصطفى بخفة إلى ظَهْرَي باسل ولؤي وسأل بصوت خافت: "السيد المفتش، من يكون هذان الشخصان؟"قبل أن
قال مصطفى للؤي مؤديًا التحية العسكرية: "تشرفت بلقائك يا حضرة النائب لؤي!"أجاب لؤي مازحًا: "يبدو أنك اكتسبت بعض الوزن منذ أن ابتعدت عن ميادين القتال"قال مصطفى بخجل: "سامحني إذ أضحكتك هيئتي يا حضرة النائب"قال باسل ملوّحًا بيده: "لا بأس، الأمور هنا على ما يرام، لذا فاسحب قواتك!""عُلم!" قال مصطفى بعد أن أدى التحية العسكرية، ثم صاح برجاله: "فلينسحب الجميع!""مفهوم!" أجاب الجمعُ بصوتٍ عالٍ، ثم انصرفوا دفعةً واحدة.قال باسل مخاطبًا مصطفى: "واذهب أنت أيضًا، وسأقابلك لاحقًا بعد أن أنهي هذه المسألة""عُلم!" قال مصطفى بدون إبداء أي اعتراض.حيث كان يعلم جيدًا أن وجود باسل بمفرده هنا كافٍ، ناهيك عن وجود قرابة الألف رجل من بوابة الظلال.فإشارة واحدة بيديه كفيلة بإبادة عائلة آدم عن بكرة أبيها.قال كبير عائلة الغانم مرتعدًا: "يا... يا سيدي، لا صلة لنا... بما حدث اليوم...""...كان آدم هو من أجبرنا على المجيء، وسنغادر المكان على الفور!"قال كبير عائلة الزهري بصعوبة مرتجفًا: "نعم... إنه آدم حقًا من أجبرنا على المجيء إذ هددنا بإيذائه عائلاتنا إن لم نحضر..."في تلك اللحظة، كان كلاهما يعضان
"يُطبَّق الأمر نفسه مع كلًّا من عائلتي زهران والغانم؛ سيتم تنفيذ العقوبة القانونية بكل صرامة وبدون أي شكلٍ من أشكال التساهُل"أجابه المفتش بحزم: "عُلم وينفذ يا حضرة القائد!""اعفُ عنا يا سيدي... لقد أُجبرنا... أرجوك أعفُ عنّا...""لقد أجبرتنا عائلة آدم على كل شيء... أرجوك افرج عنّا...""يا سيدي... أرجوك اعفُ عنا""......"عمَّ النحيب الأرجاء.انهار آدم أخوه على الأرض، وأصبحت وجوههما شاحبة كمن رأى شبحًا، يغمرهما اليأس التام.فبكلمة واحدة من باسل، صدر بحقهما حكم الإعدام.لم يخطر ببالهما أبدًا أن عائلة آدم التي استقرت في الشيخ زويد لقرنٍ من الزمان ستنهار على أيديهما.وكل هذا حدث لمجرد اختطافهم فتاةً صغيرة!لو علموا مسبقًا أن هذا ما ستؤول إليه الأمور، لما أقدموا على فعلتهم تلك من البداية.اجتاحهما شعور بالندم لا يمكن وصفه.بوم! بوم!وفي لحظة، انفصلت رأسيهما عن جسديهما، وطارتا في الهواء.وبهذا، انتهى تاريخ عائلة آدم من مدينة الشيخ زويد للأبد.بعد دقيقتين، حمل باسل ري ري وركب السيارة، ثم أدار لؤي المحرك، متجهًا لمنزل عائلة فريد.ظل باسل محتضنًا ابنته ري ري بين ذراعيه طوال ال
"إذًا، فكيف أنقذت ري ري؟ عائلة آدم أقوى من عائلة النصر بمراحل!"لم تنتظر إلهام إجابة باسل، فأخذت نفسًا عميقًا وتابعت سؤاله.ابتسم باسل مجددًا، وقال: "أبلغنا الشرطة، وساعدتنا في إنقاذ ري ري""أحقًا هذا ما حدث؟" سألت إلهام بشكٍ وهي تحدق بباسل.صاحت ناهد مجددًا: "إلهام! ألم تنتهي بعد؟"ثم نظرت لباسل ولؤي، وقالت بجفاء:"كانت مشكلة عائلة النصر كافية بالفعل، والآن أضفتم إليها مشكلة عائلة آدم الأقوى، ألا تخافون حقًا عواقب تفاقُم الأمور؟""بالطبع لا تكترثان! فأنتما تأتيان وتذهبان كيفما شئتما، وإن ساءت الأمور، فسترحلان بكل سهوله!""لكنكما لم تفكران بعائلتنا، فلا يمكننا العيش بالشيخ زويد بعد الآن، كما لا يمكننا العودة للعريش مجددًا، فإلى أين سنذهب إذًا؟"علت وجه عاطف وابنتيه ملامح جادة ما إن سمعوا كلماتها.فتلك بالفعل مشكلة صعبة!ما الذي سيحل بعائلتهم بعد الآن؟أجابها باسل قائلًا: "لا تشغلي بالك يا عمتي""سأعود معكم للعريش، وسأساعدكم على تجاوز أي مشكلة تقابلونها""سبق ووعدتكم أنني سأعوضكم عن أضعاف ما فقدتموه بسببي، أرجوكم ثقوا بأنني سأفي بوعدي""حقًا!" قالت ناهد متهكمةً: "القول أس
"لك حياتك، ولي حياتي، فلا تأتِ للبحث عني مجددًا، وليهتم كلًّا منا بنفسه""نسمة!" قاطعها باسل، وقال: "أعلم كم تبغضينني، لكن حتى إن لم تفكري بنفسك، فلتفكري بري ري""ستلتحق بالمدرسة الابتدائية قريبًا، أتريدين أن يُقال عنها أنها بلا أب؟""ماذا ستفعلين إن تعرضت للتنمر في المدرسة بالمستقبل؟ أو إذا حدث شيءٌ مماثلٌ كتلك المرة؟""بناءً على وضعكم الراهن، أيمكنك ضمان توفير بيئة مستقرة لتنشأ بها؟""لا تقل المزيد..." أجهشت نسمة في البكاء."ثقي بي يا نسمة، سأمنحك وري ري بيتًا تغمره السعادة والسلام"استدار باسل وأمسك بذراعي نسمة، ثم حدق بعينيها."لا بأس إذا لم تكوني قادرةً على تقبلي الآن، ولا أصر عليك بالزواج بي، فيُمكن للمشاعر أن تنشأ بيننا تدريجيًا""لكن حاليًا، ألا يمكننا التصرف كزوجين أمام الناس وري ري؟""وحين تتقبلينني، سأقيم لكِ زفافًا ضخمًا، وأجعل جميع النسوة يحسدونك""كفى! أرجوك لا تقل المزيد..." انهارت نسمة في البكاء قبل أن تكمل حديثها.أيوجد إمرأة لا تحلم بزفاف ضخم وزوج يمنحها الأمان؟كان هذا ما تحلم به في مراهقتها.ولكن جميع أحلامها تلاشت منذ خمس سنوات.كل ما باتت تريده الآن
أكمل باسل حديثه: "استعدي أنت وعائلتك خلال اليومين القادمين، بعدها سننتقل للعريش لنبدأ حياةً جديدة""يا لك من متفائل!" تنفست نسمة بعمق، ثم قالت: "ليس لديك فكرة عن مدى سوء أوضاعنا""لا يوجد مكان لعائلتنا في العريش""كان ذلك سابقًا"، أكمل باسل بحزم: "أما الآن فسيتغير كل شيء للأفضل، ثقي بي، سأفي بوعدي لك""لما لا تفهم؟" تنهدت نسمة بحسرة، وقالت: "انسَ الأمر، فلن تقتنع الآن مهما قلت، لكنك ستدرك الأمر فيما بعد"نظرت لباسل بتردد بعد ذلك، ثم قالت: "أيمكنك أن تسدي لي خدمة أخيرة؟""بالطبع!" قال باسل بحزم: "أخبريني بما لديك""عيد ميلاد جدي بعد ثلاثة أيام، وسنذهب للعريش لتهنئته""إن كنت متفرغًا حينها، ألا يمكنك مرافقتنا لبيت عائلة فريد؟""دائمًا ما يعيرون ري ري بأنها طفلة غير شرعية بلا أب، ولا ينفكون يسخرون منها كلما اجتمعنا""لدى ري ري الآن صدمة نفسية من بيت عائلة فريد، وباتت تخشى الذهاب لهناك، لذا أريدك أن ترافقنا تلك المرة لتشعرها بالأمان"لم تعرف نسمة إن كان ما تفعله الآن صوابًا أم لا، لكن بالنظر لوضعها الحالي، فلا خيار أمامها أفضل من أن تمضي في الأمر خطوةً بخطوة."اتفقنا إذًا!" أوم
قال لؤي بعد أن أدار محرك السيارة: "انتهى التحقيق وكل شيء أصبح واضحًا أيها القائد""بناءً على الأوصاف التي قدمتها لنا عن أحد القتلة، حقق المفتش في أمره لمدة ستة أشهر، حتى عثرنا عليه في إحدى الدول المجاورة وباح لنا بكل شيء""الجناة الحقيقيون وراء مقتل عائلة والدك بالتبني هم عائلة الرشيدي، وهي من أكثر العائلات هيمنة في العريش، إلى جانب عائلتي الزهري والمهدي""كما توقعت إذًا" انبعثت من باسل هالة مرعبة من التعطش للقتل.قبل خمس سنوات، كانت عائلة والد باسل بالتبني –عائلة جاسر- هي الأقوى من بين الأربع عائلات الكبرى بالعريش وهم : عائلة الرشيدي، عائلة الزهري، وعائلة المهدي.وعلى الرغم من أنهم جميعًا من الأربع عائلات الكبرى، إلا أن عائلة جاسر كانت الأقوى بينهم، حيث كانت تفرض هيمنتها على البقية.عُرف والد باسل بالتبني بأنه كان رجلًا نزيهًا وصارمًا، فكان يحتقر أساليب العائلات الأخرى، لذا نشبت بينهم العديد من الخلافات.وخاصةً عائلة الرشيدي، التي كانت تكن ضغينةً شديدةً لعائلة جاسر منذ أن خسرت أمامهم العديد من المشاريع الضخمة. سبق وحذّر باسل والده بالتبني من تحالف الثلاث عائلات معًا ضده بأسال