الفصل 14
توقف أمين قليلًا وهو ممسك بالعيدان الطعام بين يديه، ثم رفع رأسه ونظر بعينيه السوداء بنظرة باردة نحو علية وقال: "أذا أحضرتها للعيش هنا، فهل تعتقدين أن النساء اللواتي يحاولن التعلق بي سيحظين بفرصة الآن؟"

كلمات أمين جعلت علية تضيق عينيها قليلًا قبل أن تبتسم بعد برهة: "كنت أعتقد دائمًا أن علاقتك بوردة قوية بما يكفي، يبدو أنني كنت مخطئة."

ابتسم أمين ببرود: "ومع ذلك، حتى هؤلاء الذين اقتربوا مني بدافع معين، لن يحظوا بفرصة."

ردت علية بسخرية: "يا له من رجل مخلص وعاطفي، يبدو أنني أسأت فهمك."

كانت الأجواء على طاولة الطعام تزداد توترًا، فتدخلت نورة، ومدت يدها الصغيرة بينهما قائلة: "توقفا عن الشجار!"

"لم نتشاجر."

صوت ابنتها القلق جعل علية تستفيق من أفكارها، فنظرت لأمين بابتسامة خفيفة وقالت: "لا تفهمني خطأ، فقط أشعر أن صاحبة الفيلا المستقبلية لا تحبني، ولا أعتقد أن بقاءي هنا مناسب."

عقد أمين حاجبيه الأسودين وقال بصرامة: "هذا بيتي، وأنا من يقرر من يبقى فيه."

ثم أضاف: "أنت مجرد خادمة، لا تتدخلي في شؤون أصحاب المنزل، ووردة ليست صاحبة هذا البيت."

ثم أضاف بصوت خافت وهو يضع قطعة من الخضار على طبق نورة: "لطالما كان لهذا البيت سيدة."

ضحكت علية في سرها، هل يقصد أن علياء هي تلك السيدة؟

كان من السخرية بالنسبة لها أن يتحدث أمين بهذا الشكل الآن، ففي الماضي، لم يظهر لها أي مودة، بل إنه تركها من أجل وردة. الآن، يتظاهر وكأنه يحمل مشاعر عميقة؟ هل يفعل ذلك من أجل نورة؟

تذكرت كل ما مرّت به، وضحكت ساخرة وقالت: "لكن، أليست صاحبة هذا البيت السابقة قد ماتت؟"

"هي لم تمت!"

قال أمين وهو يضرب بالعصا على الطاولة بشدة: "زوجتي لا تزال على قيد الحياة."

نظراته الحادة والقاسية جعلت علية ترد بهدوء: "لكنني قرأت في الأخبار أنك فقدت زوجتك."

سألته: "إذا كنت تقول إنها لم تمت، فأين هي الآن؟"

زاد توتر الجو بينهما، وكلما طال صمتهما، زادت حدة التوتر على طاولة الطعام.

نورة، التي كانت تشعر بالعجز أمام هذا الجو المشحون، بدأت تبكي وقالت بصوت مرتعش: "لماذا يجب أن تتشاجرا في أول مرة نجلس فيها معًا؟"

ثم هرعت نحو الطابق العلوي وهي تبكي، تاركة أمين ينظر نحوها بقلق.

قام من مكانه على الفور ولحق بها، تاركًا علية تغمض عينيها في صمت.

كان يجب عليها ألا تدخل في هذا النوع من النقاشات أمام نورة، لكن ما مرّت به خلال السنوات الست الماضية كان أكثر مما تتحمله. في كل ليلة كانت تستيقظ من الكوابيس، وتتمنى أن تعود إلى الدوحة وتواجه أمين، لترى إن كان قلبه مليئًا بالسواد كما تظن.

...

في الطابق العلوي، فتح أمين باب غرفة الأطفال برفق واقترب من نورة التي كانت تختبئ تحت الأغطية. جسدها الصغير المرتعش كان يوحي بأنها بحاجة ماسة للعزاء.

جلس بجانبها بلطف، وبدأ يمسح على ظهرها قائلًا بصوت خافت: "لا تبكي."

لم يكن معتادًا على تهدئة الأطفال، لكنه حاول ما بوسعه لجعل صوته أكثر هدوءًا ورفقًا. بعد فترة، بدأت نورة تهدأ وخرجت من تحت الأغطية، وعينيها الحمراء تطلعت إليه وقالت: "بابا، لا تلُم العمة الصغيرة."

توقف أمين للحظة، مفكرًا في أن أول شيء ستقوله بعد توقفها عن البكاء هو شكوى أو طلب، لكنها دافعت عن علية؟

شعر أمين بلين في قلبه فجأة، فضم نورة إليه قائلًا: "هل تحبينها لهذه الدرجة؟"

"نعم."

أمين ضم شفتيه، على الرغم من أنه كان غير راضيًا بعض الشيء، لكن لأن الابنة تحب علية، لا يستطيع تركها حقًا.

ردت نورة بصوت ضعيف وهي تمسح أنفها، "أحبها جدًا، لا تغضب منها بسبب ما حدث، حسنًا؟"

أطلق أمين تنهيدة خفيفة وأومأ برأسه.

بعد برهة، سألها بلطف: "هل كنت تبكين لأنك تفتقدين والدتك؟"

أومأت نورة برأسها بصمت.

"هل تعرفين أين هي أمك؟"

خفض صوته وأضاف: "هل تريدين أن آخذك إليها؟"

هزت نورة رأسها بسرعة وقالت: "ماما قالت إن الوقت المناسب لرؤيتك سيأتي، وأنه لا يجب أن تبحث عنها، فقط عليك أن تعتني بي."

كان وجه نورة يشبه وجه علياء إلى حد كبير، مما جعل أمين يعض على شفتيه ويفكر.

"بابا."

استندت نورة على كتفه وقالت: "سمعت العمة تقول أنك ستتزوج تلك المرأة السيئة، هل هذا صحيح؟"

تردد أمين في الإجابة للحظة ثم قال بصوت منخفض: "هذه أمور تخص الكبار، لا تشغلي بالك."

ردت نورة بحزن: "لكن لماذا تتزوج امرأة أخرى؟ هل لم تعد تحب ماما؟"

هذا السؤال جعل أمين يتنهد بعمق.

لو كان يستطيع نسيان علياء، لفعل ذلك منذ زمن طويل. تلك المشاعر قد ترسخت في عمق قلبه، رغم أنه لم يدركها حين كان معها.

صمته جعل نورة تهمس: "إذًا أنت لا تحبها."

ثم أضافت: "لا توجد حتى صورة واحدة لكما في المنزل."

كانت تريد معرفة شكل والدتها القديم، قبل أن تخضع لجراحات التجميل، لكنها لم تجد أي صورة لها في المنزل.

وعدها أمين بلطف: "غدًا، عندما تستيقظين، ستكون هناك صورة لي ولأمك معلقة في البيت."

أومأت نورة برأسها وقالت: "حسنًا."

...

في صباح اليوم التالي، دخلت وردة البيت بعد أن تجنبت الحراس عند البوابة، وكان أول ما رأته هو صورة كبيرة لأمين وعلياء معلقة في غرفة المعيشة. كانت علياء ترتدي فستان زفاف أبيض على الشاطئ، وأمين يحمل باقة زهور وهو يتقدم نحوها.

نظرت وردة إلى الصورة بذهول، ثم بدأت مشاعر الغضب تتصاعد بداخلها.

تذكرت أنها حينما أعلنت وفاة علياء، كانت قد أحرقت كل صورها بحجة أنها قد تؤذي مشاعر أمين.

لكن الآن، بعد عودة نورة بيومين فقط، عادت الصور لتظهر مرة أخرى في فيلا الخليج الأزرق؟!

غضبها جعلها تقترب من الصورة وتنزعها بقوة لتلقيها على الأرض وتكسرها بغضب. كانت الغرفة بأكملها مليئة بهديرها الغاضب:

حقيرة!

إنها مجموعة من جنون الحقيرة!

علياء حقيرة! وابنتها حقيرة كذلها!
Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP