أخذ شريف كوب الشاي من على الطاولة وشرع في شربه دفعة واحدة: "عامر، الجميع ماتوا، انسَ الأمر."عندما نطق بهذه الكلمات، أدرك شريف فجأة أنه كان يتحدث بدلاً من الصماء الصغيرة .لم يلاحظ عامر التغير في سلوك شريف اليوم، واستمر في قراءة الوثائق.بينما كان يوشك على الانتهاء، رن هاتفه. تلقى عامر المكالمة من مساعده، سامي: "عامر، اكتشفنا مكان وجهة ليث."أرسل سامي العنوان.فتح عامر الرسالة ووجد أن الموقع في مدينة نائية تُدعى مدينة لمسة النور. الاسم يبدو مألوفاً، لكنه لم يستطع تذكر أين سمعه من قبل."ماذا هناك؟" سأل شريف حين رأى عامر صامتاً لفترة طويلة.نهض عامر: "سأذهب إلى هناك. إذا كان لديك أي شيء، اتصل بي."قال هذا، وأخذ معطفه وخرج بسرعة.حاول شريف متابعة الاستفسار عن وجهته، لكنه رأى عامر يغادر بسرعة.ظل شريف بمفرده في الغرفة. بسبب تأخر الوقت، قرر أن يبقى هنا وينام....في الصباح الباكر، وصل عامر أخيراً إلى مدينة لمسة النور. كان الطقس غائمًا والأمطار تتساقط بغزارة.كان سامي يحمل مظلة سوداء، ورافق عامر إلى السيارة."عامر.""نعم."أخذ سامي عامر إلى الريف في مدينة لمسة النور، وهو يشرح له: "اكتشفنا أن
" الأم زينب مسكينة أيضا، ليس لديها بنات، و الطفلة الذي ربتها ، فقدتها فجأة.""نعم، والله. لازلت أذكر سمية، كم كانت ذكية ومهذبة، كيف يمكن أن ترحل وهي بشبابها؟""الحياة في القصور ليست سهلة، آخر مرة رأيت فيها سمية، كانت وكأنها شخص آخر. نحفت كثيرًا، لدرجة أنها كانت يمكن ان تنجرف بسبب الرياح.""الأم زينب كانت دائمًا تقول إن زوج سمية طيب جدًا، لكنها كانت تخدع نفسها. ثلاث سنوات من الزواج، ولم يأتِ معها إلى هنا ولو مرة واحدة..."كان عامر يستمع إلى كل هذا الحديث، وشعر بغصة في حلقه. في ذلك اليوم، لم تظهر الأم زينب ولا سميةاستند عامر على الكرسي الخشبي، وأخذ غفوة قصيرة. ولكنه سرعان ما استيقظ مذعورًا.لقد حلم مرة أخرى بموت سمية...وعندما فتح عينيه، نظر حوله، كان الظلام يحيط به، ولا أثر لسمية.في تلك اللحظة، شعر بحقيقةً بأن سمية لن تعود أبدًا. الليل كان قد حل، وكانت الساعة قد بلغت العاشرة.تم استدعاء جيران الأم زينب إلى منزلها الطوبي للاستجواب. كان المكان مليئًا بالحراس الذين زادوا من ضيق الغرفة."أين هم الآن؟"كان جميع الحاضرين يقفون بتوتر، رؤوسهم منخفضة، ولم يجرؤوا على النظر إلى عامر، الذي جلس
لم يكن يفعل شيئًا سوى النوم وتناول الطعام، ثم يقضي بقية يومه وليله في العمل بالشركة.حتى بعض الأغراض الشخصية التي تركتها سمية في منزل ليث، أرسل شريف ليأخذها.شريف لاحظ بوضوح أن عامر قد تغير.منذ عودته، أصبح عامر أكثر صمتًا، وكأنه غارق في عالمه الخاص.لم يستطع شريف منع نفسه من سؤال سامي: "ماذا حدث لعامر مؤخرًا؟"هز سامي رأسه قائلاً: "لا أعلم.""سامي، هل تعتقد أن عامر وقع في حب سمية بالفعل؟"عند سماع ذلك، لمعت عيون شريف بنظرة غريبة."من يعلم؟" قال ذلك ثم ركب السيارة، وطلب من السائق التحرك.اتكأ شريف على ظهر المقعد ودلك جبهته.إذا كان عامر يحب سمية، فلماذا هو مستعجل جدًا في تغيير نظام شركة عائلة سمية التي استحوذ عليها؟كان يجب أن يعلم مدى أهمية شركة العائلة بالنسبة لسمية؛ فقد بناها والدها الذي أحبها كثيرًا من الصفر.وإذا كان يحب سمية، لماذا أرسل أشخاصًا ليتسببوا بمشاكل لعائلة سمية في الخارج؟شريف لم يكن يعلم أن سمية قطعت علاقتها بأمها وأخيها الصغير. كان يعتقد أن هذين الشخصين هما آخر أقاربها المتبقين.عامر لم يكن من النوع الذي يقسو على النساء اللواتي في حياته.حين كانت ديما معه، كانت تحصل
شريف أمسك برأسه بيديه وصاح: سأله مساعده باستغراب: "سيدي، ما الأمر؟" استعاد شريف وعيه ونظر إلى مساعده قائلاً: "دعني أسألك سؤالاً. إذا كان هناك شخص أنقذك وأنت لا تعرف، وظللت تضايقه بكل الطرق. لماذا هذا الشخص لم يخبرك أنه أنقذك؟ على الأقل، لو فعل، لكنت توقفت عن مضايقتها!" المساعد فكر للحظة، ثم أجاب: "بكل بساطة، هناك سببين. الأول، قد تكون ظنت أنني أعلم من أنقذني، ولكن بما أنني لم أسأل، اعتقدت أنني لا أهتم لجميلها، لذا لا فائدة من قول ذلك." "أما السبب الثاني، ربما هي لم تعتبر إنقاذي شيئًا يستحق الذكر، ولهذا لم تجد ضرورة في الإفصاح عنه..." لم تجد ضرورة في ذكر جميلها... تفكر شريف بعميقً في تصرفات سمية تجاه عامر وكل من حوله، ووجد أنها لم تذكر يومًا ما قدمته للآخرين من تضحيات. لذا، يبدو أنها لم تعر الأمر اهتمامًا من الأساس... شعر شريف بغصة في حلقه كأن شوكة طويلة عالقة، تؤلمه بشدة.---فيلا الخليج.عاد شريف إلى المنزل، فرأى في الحديقة ظلاً أنثويًا مألوفًا."شريف، لقد عدت." نهضت ديما وتوجهت نحوه. نظر إليها شريف، المرأة التي يعرفها جيدًا، ولكنه لم يشعر سوى بالغربة تجاهه
لم يُكمل حديثه بعد. شخص مسن مليء بالجروح قُذف إلى الداخل بواسطة الحراس. كان معروفًا لشريف، وكان يُدعى زيد.قبل يومين، أمر عامر بالبحث عن عائلة سمية وابنها الذين هربت إلى الخارج، وعندها اكتشف أن الشخص الذي كانت سمية ستتزوج منه هو زيد ، وليس ليث!! لذلك، قرر أن يُقيِّده فورًا.رغم تعرُّضه للتعذيب على مدى يوم وليلة، لم يعرف زيد مكان سمية. نظر عامر إليه بنظرة عميقة كالبئر: "هل ما زلت مصممًا على الزواج من سمية؟"رفع زيد جسده المثقل بالجروح وسارع إلى السجود قائلاً: "لا، لا، لن أجرؤ على ذلك مرة أخرى..."سحبوه إلى الخارج. يمكن تخمين مصيره بدون الحاجة للتفكير.لم يظهر على وجه عامر أي تعبير، ووجه نظره إلى شريف: "هل كنت تدافع عن سمية؟"عجز شريف عن الرد بسبب الحنجرة المتيبسة. "أعتقد أنه لا داعي للاستمرار في مواجهة سمية."قبض عامر على القلم، ويداه بدأت ترتجف وتصبح شاحبة تدريجياً. "هي من بدأت باستهدافي."وبعدما قال عامر ذلك، نهض قائلاً: "شريف، هل تعتقد حقًا أن سمية ماتت؟""ألم تسمع عن المثل القائل: "الشر لا يموت"؟""أناس مثلها لن يموتوا أبدًا!"كانت كلماته أشبه بخداع الذات.رنَّ منبه الهاتف، نظر
سمع المساعد الخاص سامي حديثهم، وتدخل لوقفهلم يكن الأمر لأنه يحب التدخل في الشؤون الخاصة، بل لأنه يجيد قراءة الأشخاص.في الآونة الأخيرة، لم يكن عامر مشغولاً سوى بالعمل، أو البحث عن سمية، أو قمع شركات ليث".في رأي سامي، هذه التصرفات لم تكن بسبب كراهية عامر لـسمية فقط.مرت الأيام، ولم يتوقف عامر عن البحث عن سمية.في ليلة رأس السنة، كان الثلج يتساقط بغزارة.عادةً ما كانت سمية تقضي رأس السنة مع عامر في المنزل القديملكن هذا العام كان مختلفاً، فعاد عامر وحده.لم يكن مثل أيامه السابقة التي كان يقضيها مع سمية، حيث كان يجلس بمفرده، قليل الكلام، ويمتلئ الجو من حوله بالبرودة، مما جعل الناس يتجنبونه.جاء بسرعة ورحل بسرعة.خارج فيلا الزهور، تراكمت الثلوج البيضاء، وكانت المناظر جميلة،لكن لم يكن يعرف لماذا، كان هناك شعور بالنقص...وقف عامر أمام النوافذ الزجاجية الكبيرة، وأشعل سيجارة تلو الأخرى!"سمية، الأفضل ألا أجدك!"أستدار عامر ورأى والدته، مها، تدخل بملابس فاخرة."عامر، ماذا حدث لك؟ أشعر أنك تغيّرت منذ وفاة سمية."لم يكن عامر مكترثاً.لم يتغير من البداية!لم تستطع مها كبح فضولها، وقالت: "هل م
كانت سمية تتأمل السحب البيضاء من نافذة الغرفة، وذكريات أربع سنوات مضت تتداعى إلى ذهنها. في ذلك الوقت، كانت في حالة يأس تام، وطلبت مساعدة ليث، متظاهرة بالموت ثم مغادرة البلاد، حيث أنجبت في الخارج توأمين.كل شيء كان يسير على ما يرام، لكن في شهر مارس من هذا العام، تم تشخيص ابنها الصغير، سعيد، الذي وُلد قبل أوانه وكان يعاني من مشاكل صحية منذ ولادته، بمرض خطير في الخلايا الجذعية المكونة للدم، وهو ما يُعرف باسم سرطان الدم أخبرها الأطباء أنه يمكن علاج المرض من خلال زراعة خلايا الدم الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري.في الأشهر الماضية، حاولت سمية الحصول على عينة من الحيوانات المنوية الخاصة بعامر، لكن للأسف لم تنجح. كلما تأخرت عملية الزرع، زادت المخاطر، لذا لم يكن أمامها خيار سوى العودة إلى الوطن لتقوم بنفسها بجمع العينة.لولا أن سعيد كان بحاجة إليها، لما عادت إلى ذلك المكان مرة أخرى، ولا لبحثت عن عامر مجددًا.قبل إقلاع الطائرة، أرسلت صديقتها المقربة، زهراء، رسالة تقول فيها: "أنا مشغولة قليلاً هذه الأيام، لكن انتظريني حتى أعود لنحل معًا مشكلة عامر، ونعطي ديما درسًا تستحقه."كانت زهراء صديقة
"أمي، هل وصلتِ؟""في الليالي التي لا أكون فيها معكِ، تذكري أن تشربي كوبًا من الحليب الدافئ قبل النوم." "ولا تنسي تناول الفيتامينات... ولا تكشفي الغطاء أثناء النوم حتى لا تبردي." "وضعت لكِ في حقيبتك دميتي المفضلة أنا وسعيد. إذا لم تستطيعي النوم، دعيهما يرافقانكِ."ابن سمية الأكبر، حين لا يرغب في الكلام، يمكنه أن يبقى صامتًا تمامًا، لكن عندما يتحدث، يتصرف كما لو كان بالغًا، مشغولًا بتذكيرها ونصحها باستمرار، وكأنه ليس طفلاً. في بعض الأحيان، كانت سمية تشعر وكأنه هو من يعتني بها.- "حسنًا، ماما تذكرت كل شيء."بعد أن أنهى عادل حديثه، أنهت سمية المكالمة، رغم عدم رغبتها في ذلك. كانت تعاني من الاكتئاب وضعف السمع، وبالإضافة إلى الحمل، مرت بأوقات صعبة حين غادرت البلاد لأول مرة. كانت ليالي بلا نوم، وفقدان الشهية يرافقها طوال الوقت.بعد ولادة الأطفال، رغم أن حالتها لم تتحسن تمامًا، إلا أنها شعرت ببعض التحسن. وعندما بدأ الأطفال يكبرون، ويتعلمون المشي والتحدث، كانوا يعرفون كيف يعتنون بها.لقد كانوا وكأنهم نجاة في حياتها.شربت سمية الحليب، وتناولت الفيتامينات، ثم فتحت حقيبتها ووجدت الدميتين اللتين