الفصل2
قصر النجوم.

كانت هذه أرقى وأفخم فيلا في المنطقة، حيث تمتد على مساحة عشرين ألف متر مربع.

حديقة، مسبح، ملعب غولف...... كل ما يمكن تخيله كان متوفرًا هنا.

قاعة الفيلا.

جلست ليلى عبد الرحمن على أريكة ناعمة، وهي تنظر إلى الفيلا التي تشبه القصور الملكية، شعرت بالذهول وعدم التصديق.

كانت تعلم أن جدها اختار لها زوجًا، وكانت تعرف أن أي رجل لديه كرامة لن يقبل الزواج منها، ولن يرضى بالانتقال إلى عائلة عبد الرحمن كزوج مُدخل.

لم تكن تعرف هوية هذا الزوج، لكنها توقعت أنه شخص يسعى وراء المال والمكانة، ويريد الاستفادة من عائلة عبد الرحمن لتحقيق طموحاته.

لكنها لم تتوقع أبدًا أن يأخذها هذا الزوج إلى مكان يشبه الحلم.

ركع عمران بن خالد على الأرض، ومد يده نحو الحجاب الذي يغطي وجهها.

"لا......!"

فزعت ليلى وحاولت الابتعاد بسرعة، وهي تفكر في أن مظهرها بشع، وأن جسدها مليء بالندوب؛ فكانت تخشى أن يُصاب هذا الرجل الذي أصبح زوجها بالصدمة إذا رأى وجهها.

لكن عمران أصرّ وأزال الحجاب عن وجهها.

شعرت ليلى بتوتر شديد، وقلبها يخفق بسرعة حيث أحست بخجل كبير وكأنها تود أن تنشق الأرض وتبلعها.

رفع عمران وجهها بلطف ونظر إلى وجهها المليء بالندوب.

كانت هذه الندوب ظاهرة بشكل صادم.

مد يده ليلمس تلك الندوب والجروح ببطء.

شعر عمران وكأن سكينًا تُغرس في قلبه مرارًا وتكرارًا وكان الألم يعصف به، فكل هذا كان بسببه، لولا أنها أنقذته منذ عشر سنوات، لما أصبحت هكذا.

شعر عمران بالذنب يغمره، وكأن كل جرح في جسدها هو خطيئة محفورة عليه؛ فظهرت على وجهه الذي اعتاد البرود ملامح من الحزن، وكادت عيناه أن تدمعا وهو يقول بصوت يحمل في طياته الألم "ليلى، لقد عانيتِ كثيرًا!"

لم تستطع ليلى النظر إلى عينيه مباشرة، وبدأت تفرك ملابسها بخجل.

قال عمران برقة وحنان "ثقي بي، سأعالجك."

كانت ليلى مذهولة ومذعورة، وابتعدت عن نظراته، غير قادرة على مواجهته.

"أحضِروا الدواء!"

نهض عمران فجأة وأمر بصوتٍ مرتفع.

فتح باب الفيلا على الفور، ودخل رجال يرتدون بدلات سوداء وهم يحملون صناديق مليئة بالأعشاب الطبية باهظة الثمن.

فتح عمران الصناديق وبدأ بتحضير الدواء بعناية.

وبعد أن انتهى، اقترب من ليلى التي كانت ما زالت تنظر إلى الأرض وتفرك ملابسها بخجل؛ أمسك يدها المشوهة بلطف، فاهتز جسدها وسحبت يدها بسرعة، ووضعتها خلف ظهرها وهي تقول بخجل "ماذا...... ماذا تفعل؟"

قال عمران: "ليلى، لا تخافي وانزعي ملابسك."

بدأت ليلى بالبكاء، وخلعت ملابسها بسرعة وهي تنظر إليه بعيون مليئة بالدموع، وقالت بصوت مختنق "نعم، أنا قبيحة و جسدي مليء بالندوب، هل أنت سعيد الآن؟"

في نظر ليلى، كان الزوج الذي اختاره لها جدها مجرد شخص يريد إذلالها أو السخرية منها.

حيث قد اعتادت على الإهانة طيلة هذه السنوات

منذ أن تعرضت لهذا الحادث، كانت تبكي كل ليلة وتستيقظ من الكوابيس يوميًا.

نظرت إلى عمران وشفتيها ترتعشان بشدة وعيناها تملؤها الدموع التي تنهمر كالمطر.

شعر عمران بألم كبير وهو ينظر إليها.

كان قلبه القاسي يتحرك لأول مرة منذ سنوات.

احتضن ليلى بين ذراعيه بحنان وقال "لن أكرهك أبدًا، فلا يهم كيف تبدين، أنتِ زوجتي الآن وستبقين كذلك دائمًا."

شعرت ليلى بالدهشة.

هل هذا الرجل لا يريد السخرية منها؟

لم تستطع التفكير وكانت عيناها فارغتين، غير قادرة على استيعاب ما يحدث.

تركها عمران، وأخذ الدواء الذي قام بتحضيره. حيث بدأ بوضعه بعناية على جسدها بالكامل، ثم لفّها بالضمادات، حتى أصبحت تبدو كأنها مومياء.

ساعد عمران ليلى على الجلوس وقال "يا ليلى، صدقيني. في غضون عشرة أيام فقط، سأجعل حياتك تتغير."

نظرت ليلى إليه بذهول وقالت بصوت ضعيف "حقًا...... هل هذا ممكن؟"

ابتسم عمران وقال "بالطبع، أنا لا أكذب عليك."

رغم أنها لم تستطع رؤية وجهه بوضوح، إلا أن صوته كان عميقًا ومليئًا بالدفء، فشعرت بشيء غريب في قلبها، كأنه يتفتح لأول مرة منذ سنوات.

مرّت عشرة أيام بسرعة.

كانت هذه الأيام العشرة أسعد أيام مرت على ليلى عبد الرحمن منذ عشر سنوات.

لم تكن تعرف الكثير عن هوية زوجها الجديد، لكنها شعرت أنه مختلف تمامًا عن كل توقعاتها؛ حيث كان يهتم بها بكل تفاصيلها، لم يتركها وحيدة ولو للحظة واحدة.

كل ليلة، كان يسرد لها قصصًا، ويُخبرها بالنكات ليُدخل السرور إلى قلبها، ويُهدئها حتى تغفو بهدوء.

وفي كل صباح، عندما تستيقظ، كانت تجد يده القوية تمسك بيدها، تمنحها شعورًا بالأمان.

لم تعرف ليلى يومًا ما هو الاهتمام، ولم تختبر قط شعور الحب الحقيقي.

لكن الآن، بدأت تشعر وكأنها تقع في حب هذا الرجل.

داخل الفيلا، أمام المرآة.

كانت ليلى تقف أمام المرآة، وجسدها مغطى بالكامل بضمادات بيضاء، حتى وجهها.

شعرت بتوتر كبير، وقلبها ينبض بسرعة وهي تنتظر اللحظة الحاسمة.

على مدار الأيام العشرة الماضية، كانت تواظب على وضع الدواء الذي حضّره عمران لها.

كانت تشعر بحرارة في بشرتها في كل مرة تضع فيها العلاج، وكأن هناك شيئًا يتغير بالفعل.

"هل...... هل هذا ممكن فعلًا؟" قالت وهي تمسك بيد عمران القوية بشدة، وكأنها تتشبث ببصيص أمل.

ابتسم عمران بثقة وقال "نعم"، بدأ عمران ببطء بإزالة الضمادات عن وجهها، ثم عن جسدها.

عندما شعرت بالضوء يلامس وجهها، لم تجرؤ على فتح عينيها.

"افتحي عينيك، وانظري."

ترددت ليلى لوهلة، ثم فتحت عينيها ببطء.

كانت تقف عارية تمامًا أمام المرآة، لا يغطيها سوى بقايا مسحوق الدواء الذي كان عمران يضعه لها، فعلى الرغم من وجود بقايا المسحوق الأبيض إلا أنها رأت امرأة ذات بشرة بيضاء ناعمة كالحرير، خالية تمامًا من أي ندوب أو آثار.

حدّقت في المرأة التي أمامها بذهول، واتسعت عيناها، وفتحت فمها من شدة الصدمة.

بقيت واقفة مذهولة للحظات، ثم بدأت تلمس وجهها بيديها المرتعشتين لتُزيل آثار المسحوق الأبيض.

"هذا......!"

لم تكن قادرة على تصديق ما تراه، أن تلك المرأة الجميلة ذات البشرة الناعمة هي نفسها؟

قبل عشر سنوات، تعرضت ليلى لحروق شوهت جسدها بالكامل.

حتى مع التقدم الطبي الحديث، كان من المستحيل أن تعود كما كانت.

لكن الآن، ها هي قد استعادت جمالها.

على مدى عشر سنوات، لم تجرؤ ليلى على النظر إلى المرآة، حيثكانت تستيقظ كل ليلة من الكوابيس.

عندما رأت وجهها المثالي في المرآة، انفجرت دموعها فرحًا، وسالت دموع كبيرة على وجنتيها.

ألقت بنفسها في حضن عمران بن خالد، وبكت بصوت عالٍ.

عشر سنوات من الظلم والقهر اختفت في هذه اللحظة.

احتضنها عمران بشدة، وقال لها "من الآن فصاعدًا، سأحميك ولن أسمح لأي شيء أن يؤذيك."

استفاقت ليلى من فرحتها تدريجيًا، وبدأت تدرك حالتها، حيث أدركت فجأة أنها لم تكن ترتدي شيئًا، واحمر وجهها خجلًا.

ابتعدت عن حضن عمران، وأخفضت رأسها، وهي لا تعرف كيف تتصرف.

أشار عمران إلى الحمام وقال "الماء الساخن جاهز، والملابس الجديدة موجودة هناك، قد اشتريت عدة أحجام من الملابس الداخلية، اختاري ما يناسبك."

خفضت ليلى رأسها بخجل، ثم ركضت نحو الحمام.

جلس عمران بن خالد في الصالة على الأريكة، وأشعل سيجارة من العلبة الموجودة على الطاولة أمامه.

" أيُها القائد النسر."

دخل رجل في الأربعينات من عمره، يرتدي بدلة سوداء، ويحمل في يده ملفًا سميكًا، تقدم بخطوات ثابتة لكنه أبقى رأسه منخفضًا وقال "كل المعلومات عن العائلات الأربع موجودة هنا، بما في ذلك التفاصيل الكاملة عن مذبحة عائلتك قبل عشر سنوات، الرجاء إلقاء نظرة، أيُها القائد النسر."

أشار عمران إلى الطاولة وقال بهدوء "ضعها هنا."

تابع الرجل قائلاً بحماس "أيُها القائد النسر، هؤلاء مجرد عائلات صغيرة وغير مهمة؛ كلمة منك، وسنقوم بتصفيتهم في دقائق......"

رفع عمران يده قليلًا ليوقفه.

توقف الرجل فورًا، وأخفض رأسه مرة أخرى.

رفع عمران رأسه ونظر إليه، ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم "أنا لم أعد القائد، من الآن فصاعدًا، هذا العالم لن يعرف قائد النسر مرة أخرى؛ التحقيق في قضية العائلات الأربع هو آخر مرة أستخدم فيها سلطتي، عد مع إخوتك إلى الحدود الجنوبية، ما زالت بحاجة إلى حمايتكم."

ركع الرجل فجأة على الأرض، وقال بصوت مليء بالإصرار "إن كنت القائد مرةً، فستُصبح هكذا دائمًا؛ الآن حدودنا الجنوبية مستقرة ولا يجرؤ الأعداء على الاقتراب، أيُها القائد النسر، لا تتركنا ودعنا نبقى إلى جانبك لمساعدتك."

وقف عمران بن خالد وساعده على النهوض قائلاً "أيها الصقر الصغير، هذا أمر شخصي، سأتعامل مع هذا بنفسي؛ بعد أن أنهي الأمر، أريد حياة هادئة بعيدًا عن الدماء والأسلحة، أريد أن أبقى بجانب ليلى عبد الرحمن وأمنحها الحب الذي تستحقه."

قال الرجل بصوت متألم "أيُها القائد النسر......"

قاطعه عمران بصوت عالٍ "تراجع، خذ إخوتك وعدوا إلى الحدود الجنوبية."

ركع الرجل مرة أخرى، وصرخ بصوت عالٍ "أيُها القائد النسر، اعتنِ بنفسك، نحن جيش النسر الأسود ننتظرك للعودة دائمًا."

قال عمران وهو يجلس مرة أخرى على الأريكة، وأشار بيده "اذهب الآن."

غادر الرجل أخيرًا.

خرجت ليلى عبد الرحمن بعد وقت قصير من الحمام. كانت ترتدي فستانًا أبيض بدون أكمام، يُظهر عنقها وذراعيها البيضاء.

كان هذا النوع من الملابس شيئًا لم تجرؤ على ارتدائه من قبل.

بدت سعيدة جدًا، وهي تمشي بخفة وتغني بلحن بسيط، فكانت تمسح على بشرتها الناعمة وشفتيها متجهة للأعلى بابتسامة عريضة.

لكن عندما رأت عمران بن خالد يجلس على الأريكة يدخن بصمت، توقفت عن الغناء فجأة.

اقتربت منه وجلست بجانبه، ووجهها مشرق ومليء بالاحمرار؛ لم تكن تعرف إذا كان ذلك بسبب الاستحمام أم بسبب خجلها.

"أمم......" فتحت فمها لتقول شيئًا، لكنها لم تكن تعرف ماذا تقول.

على الرغم من أنها قضت عشرة أيام معه، إلا أنها كانت طوال الوقت مغطاة العينين والآن، شعرت بالرهبة وهي تواجهه وجهًا لوجه، فلم تعرف ماذا تقول.

كان عمران غارقًا في التفكير، لكنه أدرك فجأة وجود ليلى بجانبه، نظر إليها وإلى وجهها الذي شُفي من الندوب ولم يستطع إخفاء دهشته، فابتسم وقال "يا زوجتي، متى سنذهب لتسجيل الزواج رسميًا؟"

"ماذا؟"

تفاجأت ليلى وفتحت فمها بدهشة، كان تعبيرها البريء مليئًا بالبراءة والجاذبية.

ضحك عمران وقال "أنا الآن زوجك، جَدّك هو من خطط لكل شيء، أيُعقل أنكِ ندمتِ ولا تودين الزواج بي؟”

ردت ليلى بسرعة، بصوت خافت لكنها واضحة "سأتزوجك."

هذه العشرة أيام، حيث كان عمران يعتني بها بكل تفاصيلها، جعلتها تشعر بالدفء الحقيقي للمرة الأولى في حياتها.

مثل هذا الرجل، كيف يمكنها ألا توافق؟

نظرت إليه خلسة، كان طويلًا وقويًا وملامحه تحمل صلابة وعزمًا؛ حيث شعرت بوجهها يزداد احمرارًا، وقلبها ينبض بسرعة.

بعد ساعة واحدة.

خرج رجل وامرأة من مكتب الزواج، يدًا بيد.

نظرت ليلى إلى شهادة الزواج في يدها، وشعرت وكأنها في حلم.

هل...... هل تزوجت حقًا؟

كانت قد تخيلت مستقبلها مرات عديدة، تخيلت قصة حب عاطفية، مليئة بالشغف والدراما.

لكن كل شيء كان مختلفًا تمامًا عن خيالها، حيث قد نظّم جَدّها مستقبلها بالكامل، وسمح لعمران بن خالد بالانضمام إلى عائلة عبد الرحمن، فأخذها إلى مكان يشبه القصور الملكية، حيث قضت عشرة أيام لا تُنسى.

بعد هذه العشرة أيام، شُفيت جروحها واستعادت جمالها. أصبحت جميلة بشكل مذهل.

وعلى الرغم من أنها لم تكن تعرف هوية زوجها بشكل كامل، إلا أنها شعرت بسعادة غامرة وأمسكت بيد عمران بإحكام، وابتسامة صغيرة تزين شفتيها.

Sigue leyendo en Buenovela
Escanea el código para descargar la APP

Capítulos relacionados

Último capítulo

Escanea el código para leer en la APP